تحليل: سعودية محمد سلمان تتحول للقومية بدلا من الدين لهذه الأسباب
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
اعتبر أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، برنارد هيكل، أن السعودية تشهد تحولا قوميا منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان لمنصبه في 21 يونيو/حزيران 2017، مؤكدا أن الأخير يعتقد أن ذلك اعتماد القومية بديلا عن الدين هو السبيل الوحيد لبقائه.
واستشهد هيكل في تحليل نشره بموقع بروجيكت سنديكيت، بمراسم احتفال السعوديين (خاصة الشباب الذين يشكلون أغلبية السكان) هذا العام باليوم الوطني السعودي في 23 سبتمبر/أيلول، وخروجهم بأعداد كبيرة للتلويح بالأعلام والرقص ومشاهدة العروض العسكرية.
ورأي هيكل أن ولي العهد يقود تحولا كبيرا سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي؛ بهدف تحويل بلاده من دولة نفطية ريعية إلى قوة جيوسياسية كبرى ذات اقتصاد متنوع، وبالتالي فإن الإصلاحات الداخلية الطموحة في المملكة وأجندة السياسة الخارجية ترتبط ارتباطا وثيقا.
وبتشجيع من بن سلمان الزعيم الفعلي للمملكة، تسلط موجة العروض الوطنية الضوء على الدوافع الكامنة وراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية الأخيرة في البلاد.
إصلاحات داخلية وخارجية
وعلى صعيد الجبهة السياسية الخارجية، وافقت السعودية على التطبيع مع إيران بوساطة صينية، كما تنخرط في محادثات مع إسرائيل، بوساطة الولايات المتحدة، لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية.
وفي غضون ذلك، تمكنت من الانضمام إلى مجموعة بريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى؛ وشرعت في بذل الجهود لإنهاء الحرب في اليمن.
على الصعيد الداخلي، اتبعت المملكة في عهد ولي العهد تحولًا كبيرًا يتضمن المركزية وتوحيد السلطة؛ وقمع المعارضة، وخاصة من الإسلاميين الذين يدعون إلى نموذج سياسي بديل؛ ومراجعة التاريخ السعودي والمناهج المدرسية لتتماشى مع روايات النظام.
ومن ناحية أخرى، قامت المملكة باستثمارات ضخمة في الرياضات الدولية (وخاصة الجولف وكرة القدم) واعتمدت سياسة لإنتاج النفط أكثر توافقاً مع احتياجاتها المالية الطويلة الأجل.
وذكر هيكل إن الغرض الأساسي من إصلاحات بن سلمان هي تحويل المملكة من دولة ريعية تعتمد في الغالب على عائدات النفط إلى اقتصاد متنوع يمكنه توليد دخل لا علاقة له بقطاع النفط والغاز.
ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الحكومة عدة مشاريع تسميها بالمشاريع الكبرى، وتُعَد مدينة نيوم، المحايدة للكربون والتي يجري تطويرها بالقرب من البحر الأحمر بتكلفة مذهلة مثالا واضحا على ذلك.
أخطاء تاريخية
ورأي هيكل أنه من أجل فهم التطورات الجارية في المملكة يجب الاهتمام بما قاله بن سلمان (في السر والعلن) حول سياسيات السعودية السابقة منذ عام 2016.
وأشار إلي ولي العهد يجادل بأن أسلافه اتبعوا سياسات فاشلة وحكموا بطرق أضرت بالمصالح الوطنية للبلاد، على سبيل المثال، فهو يعتبر تأييد المملكة في وقت سابق للإسلاميين ــ جزئياً رداً على المعارضة الدينية الداخلية والتهديد الذي تفرضه الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ــ كان خطأً فادحاً.
ومن وجهة نظر بن سلمان فإن بدلاً من تعزيز الاستقرار، خلقت هذه السياسيات أعداء، مع سعي الإسلاميين المتطرفين (تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية) في نهاية المطاف إلى محاولة إنهاء حكم أسرة آل سعود.
وبحسب هيكل فإن ولي العهد يعتقد أن النظام السعودي في الفترات السابقة كان يجب أن يعتمد على القومية، بدلاً من الدين، كوسيلة لضمان بقائه.
اقرأ أيضاً
كيف ساهم التنويع الاقتصادي والقومية الجديدة في توجه السعودية لحل الأزمة الخليجية؟
علاوة على ذلك، يؤكد محمد بن سلمان أن الفساد المستشري وعدم الكفاءة البيروقراطية قوض بشكل كبير استقرار السعودية.
وذكر هيكل أن الإصلاحات الداخلية في السعودية ترتبط بأجندة السياسة الخارجية بشكل لا ينفصم، لأن نجاح المشروع الاقتصادي في المملكة يعتمد على قدرتها على تأمين السلام والاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
يرى محمد بن سلمان أن المملكة قوة جيوسياسية رائدة وحلقة وصل للتجارة والنقل والخدمات اللوجستية والاتصالات بين الشرق والغرب، وهذا الهدف هو القوة الدافعة وراء محادثات التطبيع مع إسرائيل.
وذكر هيكل أن الصراع بين إسرائيل والعالم العربي كان لفترة طويلة مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي. علاوة على ذلك، توفر إسرائيل بوابة إلى البحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها حلقة وصل استراتيجية بالغة الأهمية في شبكة عالمية واسعة تمتد من الهند إلى أوروبا.
والأهم من ذلك أن بن سلمان يرى أن إحجام الحكومات السعودية السابقة عن تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط ــ وهو الجهد الذي بدأ رسميا في الستينيات ــ أمر لا يمكن تبريره، كما يعتقد أن المملكة يجب أن تعالج هذه الأخطاء التاريخية بشكل عاجل، قبل فوات الأوان.
وقال هيكل إن بن سلمان دائما ما يعتمد على البيانات وكثيراً ما يقارن بلاده بالدول الأخرى، عندما يتحدث، يبدو أشبه بالرئيس التنفيذي لشركة تهدف إلى الهيمنة على السوق أكثر من كونه زعيمًا سياسيًا تقليديًا.
وحتى مع تحرك الولايات المتحدة والصين نحو الفصل الاقتصادي ومحاولة إنشاء سلاسل توريد جديدة، فإنه يدعو إلى نظام اقتصادي ليبرالي عالمي.
وقد بذل بن سلمان جهوداً لتعزيز العلاقات التجارية القوية مع كل من الولايات المتحدة والصين والهند وهي الدول الثلاثة التي من المرجح أن تشكل القرن الحادي والعشرين.
يبدو بارعا
وبالرغم من نزعته نحو الانفتاح الاقتصادي فإن بن سلمان عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي والتحالفات الاستراتيجية، يظل محمد بن سلمان مؤيدًا بشدة لأمريكا.
ونظراً لأن الجيش السعودي مجهز ومدرب إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة، فإن إنهاء هذه العلاقة سيكون مكلفاً للغاية.
يمكن النظر إلى السعودية في عهد محمد بن سلمان على أنها قوة ناشئة تطمح إلى استخدام أصولها المتاحة لتطوير وتنويع اقتصادها.
وفي الوقت نفسه، تهدف المملكة إلى الاستفادة من مواردها وعلاقاتها الدبلوماسية لتعزيز نفوذها في عالم منقسم بشكل متزايد بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وبدرجة أقل أوروبا.
وخلص هيكل إلي أنه "إذا حكمنا من خلال تحركات السياسة الخارجية الأخيرة التي اتخذها محمد بن سلمان ــ مثل حمل الصين على التوسط في نزاعه مع إيران والولايات المتحدة على القيام بنفس الشيء مع إسرائيل ــ فمن المؤكد أنه يبدو بارعا في الإبحار في مشهد جيوسياسي بالغ الصعوبة".
اقرأ أيضاً
نيوزويك: السعودية ترتدي ثوب الحداثة وتعزز الهوية القومية
المصدر | برنارد هيكل/بروجيكت سنديكيت- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية القومية الدين محمد بن سلمان تنويع الاقتصاد الولایات المتحدة محمد بن سلمان ولی العهد
إقرأ أيضاً:
تحليل إسرائيلي حول سر توجه الجيش المصري نحو روسيا والصين
مصر – حذرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، من التحركات والتدريبات العسكرية المصرية مع روسيا والصين، مشيرة إلى أن القاهرة تجري تدريبات مع كل القوى العظمى، والهدف منها هو إسرائيل.
وأوضحت الصحيفة العبرية في تقريرها أن العلاقات الإسرائيلية-المصرية تمر بأكبر أزمة لها منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023. وفي الوقت الذي تجري فيه مصر مناورات ضخمة مع طائرات مقاتلة صينية متطورة، تحاول إسرائيل فهم ما إذا كان هناك ما يجب أن تخشاه.
وتابعت الصحيفة أن المخاوف تتزايد في القاهرة بشأن انهيار الأوضاع الأمنية على حدود قطاع غزة، واحتمال تدفق سكان غزة إلى سيناء، وهو ما دفع القوات المصرية للانتشار بالقرب من الحدود، مما أثار تساؤلات في تل أبيب حول النوايا المصرية. وفي السياق نفسه، نجحت المناورات العسكرية الأولى من نوعها بين مصر والصين، والتي شاركت فيها طائرات مقاتلة صينية متقدمة، في مفاجأة حتى الجانب الصيني، حيث سارعت وزارة الدفاع في بكين إلى التفاخر بها علنًا.
ولفهم خلفية هذا التعاون العسكري الاستثنائي، تحدثت “معاريف” مع المقدم احتياط إيلي ديكل، ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق والخبير في الشؤون المصرية، الذي أكد أن التعاون العسكري المصري مع الصين ليس مفاجئًا، بل يمثل جزءًا من سياسة القاهرة الواضحة على مدى عقود. وأوضح ديكل أن مصر عملت بوعي على عدم الاعتماد على أي قوة دولية واحدة، وأنها تبذل موارد هائلة لتحقيق ذلك عبر شراء الأسلحة من مختلف الدول، والسعي للحفاظ على علاقات عسكرية وسياسية مع العديد من القوى العالمية. وأشار إلى أن هذه السياسة تهدف إلى منع تكرار ما حدث لمصر أربع مرات في الماضي، عندما أغلقت الولايات المتحدة صنابير الإمدادات العسكرية عنها.
وفي هذا الإطار، أشار ديكل إلى أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على إمدادات الأسلحة الأمريكية، قائلاً: “في الحرب الأخيرة، لم تزودنا الولايات المتحدة بالجرافات، وفي الماضي لم تزودنا بمحركات الطائرات، وفي التاريخ البعيد لم تزودنا بأي أسلحة على الإطلاق. الولايات المتحدة تتلاعب بنا لأنها تعلم أننا نعتمد عليها، بينما تعلمت مصر درسًا على مر العقود بعدم أن تكون تابعة لأي طرف”.
وبحسب ديكل، فإن التعاون العسكري مع الصين، رغم أنه قد يبدو مفاجئًا لبعض الأطراف في إسرائيل، يمثل تطورًا طبيعيًا من وجهة نظر القاهرة. وقال: “إنها تحافظ عمدًا على علاقاتها مع العالم بأسره – مع كل من تستطيع التواصل معه، وكل من لديه رأي، وكل من يملك جيشًا وأسلحة جيدة. ولذلك تجري، من بين أمور أخرى، مناورات مشتركة مع روسيا”. وأضاف ديكل أن مصر تجري مناورات أيضًا مع فرنسا وإنجلترا، وبالطبع مع الولايات المتحدة، قائلاً: “أعرف تقريبًا كل المناورات التي أجرتها مصر مع الصين في التاريخ، ولا أفرق بين المناورات العديدة التي أجرتها مصر مع روسيا والاتحاد السوفييتي، وبين تلك التي أجرتها مع الصين”.
وأشار ديكل إلى أن سوق الأسلحة الصينية ليست غريبة على مصر، رغم أن الولايات المتحدة لا تنظر إليها بعين الرضا. وقال: “في إطار سعي مصر الدائم إلى أسواق الأسلحة لخلق حالة من الاستقلال عن الولايات المتحدة، دأبت مصر على شراء الأسلحة من الصين لسنوات، رغم علمها بأن الولايات المتحدة لا ترغب في ذلك. فهي تعلم أن الولايات المتحدة تمولها بما يشبه مخصصًا سنويًا قدره ثلاثة مليارات دولار، ومع ذلك تواصل شراء الأسلحة من الصين وغيرها”.
ووفقًا لديكل، اشترت مصر مؤخرًا أنظمة حرب إلكترونية متقدمة مصنوعة في الصين، بما في ذلك أربع بطاريات صواريخ متطورة للغاية، إلى جانب أسلحة إضافية لم يتم الإفصاح عنها بعد.
المصدر: معاريف