البيروني.. عالم الجيولوجيا ومؤسس علم المعادن
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
عبدالله صقر- مركز المعلومات
عاش البيروني حياته كلها عاكفًا على البحث والدراسة والتأليف، وأثمرت هذه الحياة العلمية الجادة، عما يزيد عن مائة وعشرين مؤلفًا، نقل بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، وأخذ عنها الغربيون، واستفادوا منها، إضافة إلى كونه رحّالة وفيلسوفًا وفلكيًا وجغرافيًا ورياضياً وصيدلانيًا ومؤرخًا ومترجمًا، كان أيضًا جيولوجيًا.
وبرع أيضًا في علم المعادن؛ حيث قام البيروني باستخدام جهاز خاص، قام بتركيبه بنفسه، لتحديد الكثافة النسبية لعدد من المعادن، والعناصر الطبيعية بنجاح ودقة عاليين.
يقول ” إيرو بوب”: إن من المستحيل أن يَكتمل أيُّ بحث في تاريخ علم المعادن (Mineralogy) دون الإقرار بمساهمة البيروني العظيمة، خاصة أن البيرونيَّ تمكَّن من معرفة الوزن النوعيِّ لعددٍ كبير من المعادن بدرجة عظيمةٍ من الدقة، وقد أثبتَ معرفته التجريبيَّة والعِلمية في هذين الكتابين؛ أي: كتاب “الجماهر، في معرفة الجواهر”، ورسالته في المعادن.
الآثار الباقية عن القرون الخالية
من أشهر مؤلفات البيروني التي وصلت إلى أيدي العلماء كتاب “الآثار الباقية عن القرون الخالية”، ويُصنف هذا الكتاب كأحد الكتب القيمة، التي تضم جملة من التخصصات العلمية المُختلفة، خاصة العلوم الاجتماعية والثقافية والتاريخية منها، وهذا الكتاب يبحث فيما هو الشهر واليوم والسنة عند مختلف الأمم القديمة من آشوريين ويونانيين إلى وقت البيروني، وكذلك في التقاويم وما أصاب ذلك من التعديل والتغيير، وفيه جداول تفصيلية للأشهر الفارسية والعبرية والرومية والهندية والتركية، تبين كيفية استخراج التواريخ بعضها من بعض، وتجد فيه أيضًا جداول لملوك آشور وبابل والكلدان والقبط واليونان قبل النصرانية وبعدها، ولملوك الفرس قبل الإسلام على اختلاف طبقاتهم. ولم يقتصر الكتاب على ذلك؛ بل بحث في المتنبئين وأممهم من أهل الأوثان وأهل البدع في الإسلام، وغير ذلك من الموضوعات التي تتعلق بالأقباط وأعيادهم، وأعياد النصارى على اختلاف طوائفهم.
وقد ترجم (سخاو) “الآثار الباقية” المذكور إلى الإنجليزية، وطبع عام 1879م في لندن.
علم المعادن من خلال كتاب” الجماهر”
يعتبر كتاب البيروني” الجماهر في معرفة الجواهر” من أروع ما كتَبه العرب في علم المعادن والأحجار الكريمة والفلزَّات، وقسمها إلى معادنَ وفلزات، وقد رجَع عند كتابته إلى دراسة الأحجار الكريمة دراسةً علمية، ونقد ما كتبه علماءُ الهند والعرب الذين تقدَّموا زمانه، حتى إنه فاق جميعَ العرب في هذا الفن، واعتمد أيضًا على رسالتي الكِنديِّ في الجواهر والأشباه، وأنواع الحجارة، واستفادَ من مقال الدِّينَوري.
قام البيروني في هذا الكتاب بتأصيل وتأسيس علم المعادن والبلورات، وتحديد الأوزان النوعية لكثيرٍ من الجواهر والأجحار والمعادن. استطاع البيروني من خلال التجارب ابتكار جهاز مخروطي لقياس الوزن النوعي للفلزات والأحجار الكريمة، وهو يعد أقدم مقياس لكثافة المعادن، وقد نجح في التوصل إلى الوزن النوعي لثمانية عشر مركبًا. لا تكاد تختلف قيمتها عن قيمة الوزن النوعيِّ المحدد بالطُّرق الحديثة، هذا وقد عمل البيروني أيضًا على تبسيط نظرية المَساقط الفراغيَّة.
قام البيروني في هذا الكتاب بذكر خواص الجواهر والفلزات، وذكر أن الكثير من الجواهر الثمينة متشابهات في اللون، وقد وصف الأحجار الكريمة مثل الياقوت واللؤلؤ والزمرد والألماس والفيروز والعقيق والمرجان والجست وهو الكوارتز، وغيرها من الأحجار الكريمة، وذكر أيضًا الفلزات مثل الزئبق والذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص.
الجيولوجيا
في مجال علم الأرض، وضع نظرية لاستخدام امتداد محيط الأرض، وقد أوردها في آخر كتابه ” الإسطرلاب”، واستعمل معادلة معروفة عند العلماء بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر الأرض، وتضمنت بحوثه ومؤلفاته في هذا الميدان نظريات وآراء حول قدم الأرض وعمرها، وما اعتراها من ثورات وبراكين وزلازل وعوامل تعرية. وله نظريات حول تكوين القشرة الأرضية، وما طرأ على اليابسة والماء من تطورات خلال الأزمنة الجيولوجية. وله بحوث في حقيقة الحفريات، وكان يرى أنها لكائنات حية عاشت في العصور القديمة. وما توصل إليه في هذا الصدد أقره علماء الجيولوجيا في عصرنا الحالي. وهي مما يُعد اليوم من دَعائم علم الجيولوجيا.
وقد عدَّد أحد الباحثين المتخصصين في الجيولوجيا العلومَ التي تحتويها أبحاثُ البيروني الجيولوجية، فشَمِلَت: “علم التضاريس” و”علم الطبقات”و”كيمياء الأرض” و”المعادن والبِلَّورات” و”الجيولوجيا التاريخية”.
حتى النفَس الأخير
ظل البيروني حتى آخر حياته شغوفًا بالعلم مقبلًا عليه، متفانيًا في طلبه. ويروي المؤرخ الكبير ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء ما يغني عن الكلام في مدى تعلق البيروني بمسائل العلم حتى الرمق الأخير، فيقول على لسان القاضي علي بن عيسي، قال:” دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه قد حَشْرَج نفسُه، وضاق به صدره، فقال لي وهو في تلك الحال: كيف قلت لي يومًا حساب المجدَّات الفاسدة (من مسائل المواريث) فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة! قال لي: يا هذا أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرًا من أن أخلّيها وأنا جاهل لها؛ فأعدت ذلك عليه، وحفظه… وخرجت من عنده وأنا في الطريق سمعت الصراخ…”، وكان ذلك في غزنة في (رجب 440هـ).
من أشهر أقوال البيروني
– الأمر هو نفسه، سواء اعتبرت أن الأرض تتحرك أو السماء، لأنه في كلتا الحالتين، لا يؤثر على العلوم الفلكية، إنه للفيزيائي فقط ليرى ما إذا كان من الممكن دحضه.
– العلماء يعرفون استعمال المال، لكن الأغنياء يجهلون نبل العلم.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الحضارة الإسلامية هذا الکتاب فی هذا
إقرأ أيضاً:
كنوز وأسرار تحت الأمواج.. مغامرات العالم الخفي في أعماق البحر الأحمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعماق البحر الأحمر يعد عالماً آخر، عالمًا يزخر بالحياة والجمال، حيث تتراقص الأسماك الملونة برشاقة وسط الشعاب المرجانية، عالمًا تسبح السلاحف ببطء شديد وكأنها تحلق في الهواء، هذا العالم ليس خيالًا، بل هو واقع مدهش يعيشه البحر الأحمر، الذي يعتبر واحداً من أغنى البحار في العالم بالتنوع البيولوجي.
البحر الأحمر، هذا الشريط المائي الذي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، هو موطن لأكثر من 1000 نوع من الأسماك، و200 نوع من الشعاب المرجانية، وعدد لا يحصى من الكائنات البحرية الأخرى.
تنفرد بيئة البحر الأحمر بخصائص فريدة تجعله ملاذاً آمناً للحياة البحرية، حيث تتميز مياهه بالدفء والوضوح، وتوفر الشعاب المرجانية مأوى وغذاءً للكثير من الكائنات البحرية.
وللحفاظ على هذا الكنز الطبيعي، تم تطوير نظام ربياني متكامل يعمل على إدارة موارد البحر الأحمر بشكل مستدام، يعتمد هذا النظام على مجموعة من القوانين واللوائح التي تحظر الصيد الجائر، وتحدد مناطق محمية للحياة البحرية، وتشجع على ممارسات الصيد المستدامة.
عند الغوص في أعماق البحر الأحمر، تشعر وكأنك قد دخلت إلى عالم آخر، تتفتح أمامك لوحة فنية خلابة من الألوان والأشكال، حيث تتنافس الشعاب المرجانية بألوانها الزاهية، وتسبح الأسماك بأسرابها الملونة، يمكنك أن تشاهد السلاحف البحرية وهي تسبح ببطء، وأشعة الشمس تتسلل عبر المياه الصافية لتضيء على عالم تحت الماء.
يعتبر البحر الأحمر مصدراً هاماً للسياحة، حيث يأتي إليه الزوار من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بجمال الحياة البحرية.
كما أنه يوفر فرص عمل للصيادين والغواصين، لذلك فإن الحفاظ على البحر الأحمر ليس مجرد واجب بيئي، بل هو أمر حيوي للاقتصاد والسياحة في المنطقة.
البحر الأحمر هو كنز طبيعي يجب علينا حمايته وحفظه للأجيال القادمة، من خلال تطبيق نظام ربياني فعال، والوعي بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية، يمكننا أن نضمن استمرار هذا العالم الساحر تحت الماء للأبد.
ندعو الجميع إلى المساهمة في الحفاظ على البحر الأحمر من خلال:
الالتزام بالقوانين واللوائح التي تحمي البيئة البحرية - ممارسة الصيد المستدام.- تجنب التلوث البحري - التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية.