الأنبياء والمرسلون.. أعظم قدوة وأكمل هداية لإعداد أجيال التمكين
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
كمّل الله الأنبياء بالأخلاق الفاضلة، وعصمهم من الشبهات والشهوات النازلة، فهم نبراس الهدى، ومصابيح الدّجى، يقتدي بهم الخلق، ويتخذون من سيرتهم وحياتهم قدوة يسيرون على منوالهم حتى يصلوا إلى دار السلام ويحطوا رحالهم في ساحة ربّ الأنام.
وهم قدوة الأتباع والأسوة الحسنة لمن أطاع في العبادات والأخلاق والمعاملات، والاستقامة على دين الله، ومن الآيات التي ورد فيها الاقتداء بهدي الأنبياء قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4].
ومن الآيات الواردة في الأمر بالاهتداء بهدي الأنبياء، وما شرعه الله عزّ وجل في سورة الفاتحة في كل صلاة، أن ندعوه سبحانه بأن يهدينا صراطهم المستقيم، وذلك في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6-7]، وأول من يدخل في صف المُنعم عليهم هم أنبياء الله تعالى وأتباعهم، وذلك لقوله تعالى بعد أن ذكر جملة من الأنبياء الكرام في سورة مريم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58].
إنَّ حياة الأنبياء – عليهم السلام – هي الحياة المعصومة، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة، وما أمروا بتبليغه؛ وذلك لأن الله تعالى اجتباهم واصطفاهم عن علمٍ وحكمة، قال تعالى: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا..} [مريم:58]، وقال سبحانه عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام): {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)} [ص:46-47]، وقال عن نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام: {..وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، وقال سبحانه عن علمه بمن يختار من رسله: {..اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ]الأنعام:124[. وقال سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} ][الحج:75].
وإن الآيات في ذلك كثيرة، والحاصل منها أن من اصطفاه الله عزّ وجل واجتباه لرسالته هم أولى بالاتبّاع والاقتداء؛ وذلك لحفظ الله عزّ وجل لهم وعصمته لهم من الزلل والانحراف، ولو وقع منهم الخطأ لم يُقرّوا على ذلك، فحَريّ بمن هذه صفاتهم أن يُقتدى بهم وتدرس حياتهم ويُتعرف على هديهم، وذلك لضمان الاهتداء وعدم الانحراف، لهداية الله عزّ وجل وعصمته لهم؛ فيتم الاقتداء من المقتدين وهم في غاية الاطمئنان على صحة ما يأخذونه ويقتدون به وسلامته من الانحراف. (وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، 3/18).
فالأنبياء والرّسل هم صفوة الخلق، والخلق بحاجة إليهم؛ ليبلّغوهم ما يُحبه الله ويرضاه، وما يغضب منه ويأباه، وكثير من العُصاة والمنحرفين ضلّوا في متاهات الشقاوة، هذا مع وجود الأنبياء عليهم السلام، فكيف تكون الحال لو لم يُرسل الله تعالى رسلاً مبشّرين ومنذرين.
فقد بُعث الرّسل يُهذبون العباد ويخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ويحرّرونهم من رِقّ عبودية المخلوق إلى حرية عبادة رب الأرباب الذي أوجدهم من العدم، وسيُفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد الفناء؛ ليكونوا إمّا أشقياء، وإمّا سُعداء، ولو ترك الناس هملاً دون إنذار وتخويف لعاشوا عيشة ضنكا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وعادات منحرفة، وأخلاق فاسدة وأصبحت الحياة مجتمع غاب، القوي فيهم يأكل الضعيف، والشريف فيهم يُذلّ الوضيع، وهكذا فاقتضت حكمته جلّ وعلا ألذا يخلق عباده سُدى ولا يتركهم هملاً، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].
إن من رحمة الله جلّ وعلا أن مَنَّ عليهم، فبعث فيهم رسّلاً مبشرين ومنذرين، يتلون عليهم آيات ربهم، ويعلمونهم ما يُصلحهم ويُرشدونهم إلى مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
إن أنبياء الله تعالى هم الطريق الأمثل – كما عرض القرآن الكريم – لبناء الأجيال التي ترقى بالأمة من جديد، وتحي روح النصر فيها، وتعيد أمجادها، فإنه ما ساد الجيل الفريد الأول إلا من خلال اتخاذ القرآن الكريم منهجاً حياتياً شاملاً بما فيه من توجيهات مرشدة، وأوامر هادية، ولن يصلح آخر هذه الأمة، إلا بما صلح فيه أولها.
ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين”، للدكتور علي محمد الصلابي.
المراجع:
1. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق للطباعة، القاهرة، ط 32، 2003 م.
2. إبراهيم عليه السلام خليل الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2021م.
3. وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، دار طيبة، الرياض، السعودية، ط2، 1419ه- 1998م.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: القرآن الکریم الله تعالى الله عز
إقرأ أيضاً:
حكم قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن
اجابت دار الافتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم قراءة سورة الفاتحة وأول خمس آيات من سورة البقرة بعد ختم القرآن الكريم؟".
لترد دار الافتاء موضحة: انه يستحب للقارئ إذا فرغ من ختم القرآن الكريم أن يقرأ سورة الفاتحة وأول سورة البقرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا أن قراءتهما من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين في كافة الأمصار.
أخبرنا سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن الكريم من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ قال الحافظ جلال الدين السيوطي في "الإتقان" (2/ 714-715، ط. مجمع الملك فهد): [يُسَنُّ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم؛ لحديث الترمذي وغيره: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؛ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»، وأخرج الدانيُّ بسند حسن عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ افتتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة إلى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ثم دعا بدعاء الختمة، ثم قام] اهـ.
وقد جرى على ذلك عمل الناس، وصح ذلك من قراءة ابن كثير رحمه الله تعالى:
قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 30، ط. دار عالم الكتب): [ومن حرمته: أن يفتتحه كلما ختمه؛ حتى لا يكون كهيئة المهجور، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ختم يقرأ من أول القرآن قدر خمس آيات؛ لئلا يكون في هيئة المهجور، وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالْحَالِّ الْمُرْتَحِلِ، قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: صَاحِبُ الْقُرْآنِ؛ يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ، ثُمَّ يَضْرِبُ فِي أَوَّلِهِ؛ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»] اهـ.
وقال الإمام ابن الجزري في "النشر في القراءات العشر" (2/ 411، ط. المطبعة التجارية الكبرى): [قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان": كان ابن كثير من طيق القواس والبزي وغيرهما يكبر في الصلاة والعرض من آخر سورة ﴿وَالضُّحَى﴾ مع فراغه من كل سورة إلى آخر ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، فإذا كبر في (الناس) قرأ فاتحة الكتاب وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفيين إلى قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ثم دعا بدعاء الختمة، قال: وهذا يُسَمَّى (الحال المرتحل)، وله في فعله هذا دلائل مستفيضة؛ جاءت من آثار مروية ورد التوقيف بها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين] اهـ.
ثم قال ابن الجزري (2/ 444): [وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين؛ في قراءة ابن كثير وغيرها، وقراءة العرض وغيرها، حتى لا يكاد أحد يختم إلا ويشرع في الأخرى؛ سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه، نوى ختمها أو لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم، ويسمون مَن يفعل هذا (الحال المرتحل)؛ أي الذي حلّ في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى] اهـ.
وعند الحنابلة: يستحب للقارئ إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى، لكنهم نقلوا عن الإمام أحمد المنع من قراءة الفاتحة وأول البقرة، مع نصهم على أنَّ القارئ إن فعل ذلك فلا بأس:
قال الشيخ الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (1/ 605، ط. المكتب الإسلامي): [ويستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «خَيْرُ الْأَعْمَالِ: الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ»، قيل وما هما؟ قال: «افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ».. (ولا يقرأ الفاتحة وخمسًا) أي: خمس آيات (من) أول (البقرة عقب الختم نصًّا)؛ لأنه لم يبلغه فيه أثر صحيح، (فإن فعل) ذلك (فلا بأس)، لكن تركه أولى] اهـ.
وقال الإمام ابن الجزري في "النشر" (2/ 449-450): [لا نقول إن ذلك لازم لكل قارئ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن أحمد وغيره: من فعله فحسن، ومن لم يفعله فلا حرج عليه] اهـ.
وقد ذكر الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله في كتابه "المغني" (2/ 126، ط. مكتبة القاهرة) أن أبا طالب صاحب الإمام أحمد قال: [سألت أحمد: إذا قرأ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ يقرأ من البقرة شيئًا؟ قال: لا. فلم يستحب أن يصل ختمة بقراءة شيء. انتهى. فحمله الشيخ موفق الدين على عدم الاستحباب، وقال: لعله لم يثبت عنده فيه أثر صحيح يصير إليه. انتهى.
وفيه نظر؛ إذ يحتمل أن يكون فهم من السائل أن ذلك لازم، فقال: لا، ويحتمل أنه أراد قبل أن يدعو؛ ففي كتاب "الفروع" للإمام الفقيه شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي: ولا يقرأ الفاتحة وخمسًا من البقرة، نص عليه، قال الآمدي: يعني قبل الدعاء، وقيل: يُستَحَبُّ. فحمل نص أحمد بقوله (لا) على أن يكون قبل الدعاء، بل ينبغي أن يكون دعاؤه عقيب قراءة سورة الناس كما سيأتي نص أحمد رحمه الله، وذكر قولًا آخر له بالاستحباب. والله أعلم] اهـ.
وقال العلّامة إسماعيل حقي البروسوي في "روح البيان" (10/ 425، ط. دار إحياء التراث العربي): [رُويَ عن ابن كثير رحمه الله أنه كان إذا انتهى في آخر الختمة إلى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ قرأ سورة ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وخمس آيات من أول سورة البقرة على عدد الكوفي، وهو إلى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؛ لأن هذا يُسَمَّى (الحالَّ المُرْتَحِلَ)، ومعناه: أنه حلَّ في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى؛ إرغامًا للشيطان، وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين، في قراءة ابن كثير وغيرها، وورد النص عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن مَن قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك؛ فلم يَسْتَحِبَّ أن يصل ختمه بقراءة شيء، ورُوِيَ عنه قولٌ آخرُ بالاستحباب] اهـ.