لا يزال الإسرائيليون يجرون تقييماتهم السياسية والأمنية لاتفاق أوسلو في ذكرى توقيعه الثلاثين، لاسيما في ظل غياب القدرة على التوصل لتسوية دائمة مع الفلسطينيين، مما يزيد من الأصوات الإسرائيلية المطالبة بالحفاظ على السلطة الفلسطينية ولكن من خلال تغيير مضمونها، وحملها على الوفاء بالتزاماتها الأمنية بموجب الاتفاقيات، ومنع تفاقم الوضع الميداني في الأراضي المحتلة، خشية الوصول الى حالة من اشتعالها واسع النطاق.



الجنرال يوسي كوبرفاسر الرئيس الأسبق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، أكد أن "كافة المخاوف التي أثارها الوزراء الإسرائيليون ممن وافقوا على اتفاق أوسلو في الاجتماع الشهير لإقراره تحققت اليوم، لأن الفلسطينيين سيطروا على قطاع غزة، وعلى 40% من أراضي الضفة الغربية، حيث يعيش جميع الفلسطينيين تقريبا، وحولوا هذه المناطق لقاعدة لمواصلة المقاومة ضد الاحتلال، أملا بإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وتعزيز تسوية قضية اللاجئين، دون مطالبتهم بالاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، والتخلي عن حقوقهم".

وأضاف في مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "محاولة عزو فشل أوسلو إلى جرائم القتل الشنيعة التي نفذها اثنان من المتطرفين اليهود، باروخ غولدشتاين ويغآل عامير، ومجموعة أسباب أخرى ساهمت في النتيجة المخيبة للآمال، تصرف الانتباه عن الجذر والعمق وبحث المشاكل الحقيقية، لأنه وفقاً للرواية الفلسطينية، فإن اليهودية ديانة، وليست أمة، ولم يكن لليهود قط سيادة واحدة على أرض فلسطين المحتلة، وليس هناك أي مبرر لإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي عليها، واعتبار الصهيونية صنيعة الاستعمار الذي أراد التخلص من اليهود بسبب صفاتهم غير المحتملة، واستخدامها لمواجهة الإسلام، ومواصلة القتال ضده من خلال حملة متعددة الأبعاد".



وزعم أنه "بدلا من الاستثمار في تعزيز ثقافة السلام، كما التزم بها اتفاق أوسلو، فقد كرّس الفلسطينيون معظم جهودهم لاستيعاب رواية المقاومة حتى النصر في قلوب أجيالهم، ودفعوا ثمنها من رواتب الأسرى ومحتوى الكتب المدرسية والثقافة ووسائل الإعلام، ويبذلون جهودا مماثلة لاستيعاب خطابهم المعادي للسامية في الخطاب الدولي من خلال الحملة التي يشنونها ضد شرعية وجود دولة الاحتلال، وفي نظر الفلسطينيين، ليس هناك شك أن عملية استنزاف الاحتلال التي يديرونها ستحقق أهدافها في نهاية المطاف".

وأوضح أن "ثلاثين عاما على اتفاق أوسلو فرصة مناسبة لطرح تساؤلات يخبئها المستقبل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستعراض أهم الدروس التي ينبغي تعلمها، وهل تكمن المصلحة الإسرائيلية في استمرار العمل به، أم الانقلاب عليه، مع توفر عوامل هامة تشير لاستمرار الوضع الراهن مع الفلسطينيين، لاسيما وأن إسرائيل لا تنوي الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، بل تطبيق سيطرتها من جانب واحد على أجزاء من المنطقة (ج)، خوفاً من الفلسطينيين وردود الفعل الدولية، لكنها في الوقت ذاته لا تنوي المساس بالسلطة، خشية أن تتولى إدارة حياة الفلسطينيين، وتحمّل أعبائهم، رغم أنهم لا يعتزمون التخلّص من سرديتهم التاريخية عن الصراع، بل الاستمرار في شنّ حملة كبرى ضد إسرائيل".

وكشف النقاب عن "تركّز سياسة الاحتلال على استمرار الوضع الراهن، وزيادة "جز العشب" للمظاهر المسلحة، وتقديم امتيازات اقتصادية للفلسطينيين، من أجل خلق حافز لهم لتجنب الدخول في دائرة المقاومة، لكن هناك عدة عوامل تعلّمنا عن هشاشة الوضع الراهن الآخذة في التزايد، وقد يتطلب تغييره، أو التسبب فيه، لأنه غير مستقر، ويتضمن عمليات قد تقوّضه، وأهمها تزايد المقاومة، وإضعاف السلطة الفلسطينية، والبناء الفلسطيني في المنطقة (ج)، والعمليات العدوانية لـ"فتيان التلال"، وتوسيع البناء في المستوطنات، وزيادة النشاط الإسرائيلي العدواني ضد الفلسطينيين، فضلا عن اكتساب حماس مزيدا من القوة في الشارع الفلسطيني، وهي الساعية لتغيير الوضع، والسيطرة على النظام الفلسطيني، وزيادة الضغط على إسرائيل".

وأكد أن "ثلاثين عاما على اتفاق أوسلو كشفت عن زيادة قوة التنظيمات المسلحة المحلية، صحيح أنها ليست جزءً من إن المنظمات الكبرى، لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة معها، نتيجة للضعف المستمر لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، لأن إنجازاتهما القليلة تثبط عزيمتهما في الشارع الفلسطيني، وتُصوَّرهما كما لو كانتا تتحدثان باسم إسرائيل، وملتزمتان بتعزيز أمنها، مما يخلق تنافرًا مع الخطاب الذي تروجانه عن نفسيهما، وفي ضوء ذلك فإنهما ترسلان رسائل متضاربة، مما يستدعي من إسرائيل الإسراع في الإعداد لـ"اليوم التالي لأبو مازن"، والتأكد أنها مستعدة لجميع السيناريوهات، التي قد يتطلب بعضها التدخل العسكري".

من جهته، اعتبر المستشرق الإسرائيلي إيهود يعاري، أن "مرور ثلاثين عاما على أوسلو يكشف عن الفرصة الإسرائيلية الضائعة، لأن المعضلة الأساسية التي واجهتنا منذ 1967 في سعينا للتعايش مع الفلسطينيين هي المضي قدما في صفقة مع المقاومة من الخارج، أو اللجوء للقيادة المحلية داخل الأراضي المحتلة، صحيح أن الاتفاق ظهر بعيون كثير من الإسرائيليين معيبا بشكل خطير، لكنه الآن يجب الحفاظ عليها، مع تصحيح بعض الأخطاء بمرور الوقت للتأكد أنه لا يوصل لطريق مسدود، بل يمهد لتسوية مستقرة".

وأضاف يعاري في مقال نشرته "القناة 12" وترجمته "عربي21"، أن "اندلاع انتفاضة الحجارة 1987 شكل مفاجأة لمنظمة التحرير، وخلال أيام أنشأ الناشطون "القيادة الموحدة" المؤلفة من جميع الفصائل لتوجيه الإضرابات والمظاهرات وأيام الغضب عبر توزيع المنشورات، وحافظت على علاقة فضفاضة مع قيادة المنظمة في تونس البعيدة، وأداروا الانتفاضة بمفردهم، وقد دأبت دائما على توجيه النصيحة لرئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، الذي كان يدعوني في كثير من الأحيان لمناقشة الوضع، بالحديث مع القيادة المحلية الفلسطينية للتوصل إلى مخطط تفصيلي متفق عليه".

ولم يتوقف الإسرائيليون عن رصد التبعات والنتائج التي أسفرت عنها اتفاقية أوسلو في ذكراها السنوية الثلاثين، وهي تروي كيف أنها منحت غلافًا بشعًا للاحتلال، وما أفرزه من سياسات مدمرة، لا تزال ماثلة أمام نواظر الفلسطينيين والعالم أجمع، وتحمل العديد من المعاني السلبية والقاسية، وعلى مدى ثلاثين عامًا، بقي اتفاق أوسلو نموذجًا لمنح موازين القوى معيارًا لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه، وجسّد مثالا على أن منطق القوة تغلّب على قوة المنطق، حتى يومنا هذا.

وشدد على أنه ولدت أوسلو كفكرة ومشروع إسرائيلي سعى الاحتلال من خلاله لتكييفه مع أهدافه السياسية المحددة، رغم أنها ظهرت في بعض الأحيان مختلفة تمامًا عن بعضها البعض، بل ومتناقضة، واليوم ما تبقى من أوسلو، بصرف النظر عن تبعاته السياسية، هو المفهوم الذي اتخذه الاحتلال وجماعات مستوطنيه لتصميم نموذج حياة خاصة بهم في الأراضي المحتلة، وبذلك فقد تم كشف الكثير عن الاتجاهات التي أرادوا أن يسلكوها على أرض الواقع.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة أوسلو الفلسطينيين غزة الضفة الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال أوسلو الضفة صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاق أوسلو

إقرأ أيضاً:

“حماس” توافق على إطلاق سراح جندي إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية و 4 جثامين

#سواليف

‏أعلنت حركة المقاومة الإسلامية ” #‏حماس ” موافقتها على #إطلاق #سراح #جندي_إسرائيلي يحمل #الجنسية_الأمريكية، وأربعة جثامين، في إطار ردها على مقترح الوسطاء لاستئناف #المفاوضات.

وقالت الحركة في تصريح صحفي، اليوم الجمعة، “تسلّم وفد قيادة حركة حماس، يوم أمس، مقترحًا من الإخوة الوسطاء لاستئناف المفاوضات، حيث تعاملت معه الحركة بمسؤولية وإيجابية، وسلمت ردّها عليه فجر اليوم، متضمنًا موافقتها على إطلاق سراح الجندي الصهيوني #عيدان_ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، إضافة إلى جثامين أربعة آخرين من مزدوجي الجنسية”.

وأكدت الحركة “جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية، داعيةً إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته كاملة”.

مقالات ذات صلة استطلاع رأي يظهر أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب والانسحاب من قطاع غزة 2025/03/14

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في #غزة حيز التنفيذ يوم 19 كانون الثاني/يناير 2025، بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة.

وفي مطلع الشهر الجاري، انتهت المرحلة الأولى من الاتفاق التي استمرت 42 يوما، وتتنصل قوات الاحتلال من الدخول في المرحلة الثانية التي تشمل إنهاء العدوان.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلقت قوات الاحتلال مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتهدد بإجراءات تصعيدية أخرى وصولا إلى استئناف حرب الإبادة الجماعية.

وبدعم أميركي أوروبي ارتكبت قوات الاحتلال بين 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • جنرال أمريكي سابق: انسحاب القوات الأمريكية من أوروبا هو مسالة وقت فقط
  • إذا لم تنفذ إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار..حماس تهدد بالتراجع عن تسليم رهينة أمريكي إسرائيلي و4 جثث
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • رمضان في سجون “إسرائيل”.. قمع وتجويع بحق الأسرى الفلسطينيين
  • “حماس” توافق على إطلاق سراح جندي إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية و 4 جثامين
  • رصد إسرائيلي لتزايد اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين.. مقلقة وغير مفاجئة
  • تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية.. وتقارير تصف الوضع بـ«البرميل المتفجر»
  • تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية.. وتقارير تصف الوضع بـ«البرميل المتفجر»
  • محلل إسرائيلي: الشرع يفسد خطط إسرائيل بشأن الأقليات في سوريا.. قد نعترف بحكمه
  • إسرائيل تواصل سياسة التجويع ومقترح أمريكي محدث بشأن المفاوضات