نحو سياسة عربية موحدة في مسألة اللاجئين
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
كانت القضية الفلسطينية استثناء في المحيط العربي من ناحية اللجوء ومآسيه، بعدها انضمت سوريا إلى قافلة اللاجئين العرب في الدول العربية وبقية دول العالم. ولم يلبث الوضع أن تكرر مع اليمن وقبل ذلك الصومال واليوم السودان، وهو لجوء ممزوج بحملات نزوح داخلي كبيرة. يبدأ العد من عشرات الآلاف ولا يقف عن حدود الملايين، وقد أصبح هؤلاء اللاجئون ورقة مساومة في السياسة الدولية كما أصبحوا عبئا إنسانيا من جهة أخرى.
وقد وصل الأمر إلى الجهر الأردني واللبناني بعدم القدرة على تحميل المزيد من حالات اللجوء، فملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أعلنا من منبر الجمعية العامة الأخيرة في الأمم المتحدة قبل أيام عجز بلديهما عن استضافة مزيد من اللاجئين السوريين، مطالبين الأمم المتحدة بالعمل على حل هذه القضية.
ما الذي يمنع الدول العربية من الاتفاق على سياسة موحدة للاجئين العرب من الدول العربية المختلفة بما لا يضر بمصلحة أي دولة؟ إن رحلة المعاناة التي يمر بها اللاجئون العرب في كثير من الدول العربية مردها بالأساس إلى أنهم يعاملون معاملة قانونية كما لو كانت دولهم مستقرة وليست دول حروب ونزاعات
كان يمكن فهم (وليس الاتفاق مع) موقف الدول العربية من اللاجئين الفلسطينيين والإصرار على أوضاعهم المعلقة أملا في حل القضية الفلسطينية خلال القرن الماضي، لكن مع تفاقم الوضع الآن ليس من المقبول ولا المعقول عربيا على المستوى الإقليمي أو حتى داخل البلد الواحد غض الطرف عن قصة اللاجئين من الدول العربية المختلفة وخاصة السوريين منهم، واعتبارهم ملفا سياسيا أو حتى موضوعا إغاثيا فقط.
الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال في سعيه لتقليص أعداد المهاجرين يطور كل فترة سياسات اقتصادية واجتماعية داخل كل بلد أوروبي على حدة وعلى مستوى دول الاتحاد ككل، للتعامل مع مشكلة اللاجئين. وإن كانت هناك مآخذ حقوقية وإنسانية كثيرة على هذه السياسية، إلا أنها في نهاية الأمر تضع مصلحة دول الاتحاد في مقدمة أهدافها. وأحيانا تتحدث بعض دول الاتحاد على الإسهام المهم لهؤلاء اللاجئين في الاقتصادات المحلية، وهو أمر تثبته الأرقام والإحصاءات وإن تاه وسط المزايدات السياسية التي تغازل أصوات اليمين المتطرف.
ما الذي يمنع الدول العربية من الاتفاق على سياسة موحدة للاجئين العرب من الدول العربية المختلفة بما لا يضر بمصلحة أي دولة؟ إن رحلة المعاناة التي يمر بها اللاجئون العرب في كثير من الدول العربية مردها بالأساس إلى أنهم يعاملون معاملة قانونية كما لو كانت دولهم مستقرة وليست دول حروب ونزاعات. ولا يتطلب الأمر سوى الأخذ في الاعتبار قضايا مثل لمّ الشمل والعلاج والدراسة، وليس مطلوبا إعطاؤهم امتيازات اللجوء الغربية وإن كان هذا هو الأصل خاصة بين العرب، ولكن إذا تجاوزنا عن الجانب الأخلاقي فليس المطلوب سوى تقنين المسألة وفق اتفاقية عربية مشتركة تنظم المسألة.
الوجه الآخر لمسألة اللجوء العربي هو أنه في الحقيقة فرصة رائعة لكثير من الدول العربية من أجل الاستثمار في هؤلاء اللاجئين الذين يمتلكون من العقل ورأس المال البشري والمادي؛ ما يؤهلهم ليكونوا دافعة لعجلة التنمية في الدول العربية المختلفة فقط إذا تم استيعابهم
الوجه الآخر لمسألة اللجوء العربي هو أنه في الحقيقة فرصة رائعة لكثير من الدول العربية من أجل الاستثمار في هؤلاء اللاجئين الذين يمتلكون من العقل ورأس المال البشري والمادي؛ ما يؤهلهم ليكونوا دافعة لعجلة التنمية في الدول العربية المختلفة فقط إذا تم استيعابهم. فاللاجئ العربي في الدول العربية لا يحتاج إلى دورات لغوية واندماج، فقد قطع سلفا نصف المسافة التي يقطعها اللاجئ العربي في الدول الغربية والمطالَب باستيفاء عدة أمور حتى تنطبق عليه صفة مندمج.
وستكتشف الدول العربية أن ملايين الدولارات التي تُنفَق لحل أزمات إقليمية مستعصية على الصعيد السياسي والاقتصادي؛ قد يكون إنفاق بعضها أولى لتوفيق أوضاع اللاجئين وفق دراسة أوضاع وأحوال كل دولة. وللأسف فليست هناك عملية انتخابية وحراك سياسي في الدول العربية يسمح بأن تصعد قصة اللاجئين لواجهة الأحدث وفق سياسيات حزبية مقترحة، ولهذا يبقى التعامل معها رهينا بالأزمات وليس بالفرص. وإذا غيّرت الجامعة العربية وكثير من الدول العربية نظرتها لهذا الملف، فأعتقد أنه يمكن حل كثير من مآسي اللاجئين العرب حتى ولو استعانوا بالاتحاد الأوروبي والدول الغربية المستعدة لبذل كثير من الأموال من أجل إبقائهم بعيدا عن أراضيها.
twitter.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية سوريا اللاجئين سوريا فلسطين لاجئين العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة من فی الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
تستقبلُ العاصمة الأميركية واشنطن هذا الأسبوع اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ لعام 2025، حيث يشارك وزراء المالية، ومحافظو البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم؛ لمناقشة القضايا الاقتصادية العالمية.
وبينما تُعدّ هذه الاجتماعات فرصة جيدة لمناقشة التّحديات الاقتصادية الراهنة، والتي تشمل المتاعب المتصاعدة مؤخرًا في العديد من الاقتصادات الكُبرى، على خلفيّة فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربًا تجارية على العديد من حلفائه وخصومه، لا نتوقع أن نسمع كثيرًا عن المشكلة الأكثر إلحاحًا، والمتعلّقة بإلغاء ديون الدول النامية، أو إعادة هيكلة بعضها.
وعلى مدار سنوات شهدت العديد من الاجتماعات الأخيرة، تكرار مشهد خروج الوزراء ورجال المال والأعمال من السيارات الفارهة أمام بوابات مباني مجموعة البنك الدولي وسط العاصمة الأميركية، يرتدون بزاتهم الداكنة، وتفوح منهم الروائح العطرة، بينما يترقّبهم بعض المشردين والمتسولين من حديقة صغيرة، يفصلها عن مباني البنك الدولي أمتار معدودة، وقد اعتاد هؤلاء نصب خيامهم أمام المؤسسة المالية العريقة في توقيت الاجتماعات، لتذكيرهم غالبًا بالظروف القاسية التي يعيشونها وملايين غيرهم في الدول النامية، التي تزعم المؤسسة المالية سعيها لتقديم العون لها، لمساعدتها في تحسين أوضاع مواطنيها.
إعلانويقدّم الاقتصادي الأميركي ديفيد غرايبر، الذي كان أستاذًا في جامعة ييل الأميركية وكلية لندن للاقتصاد، نقدًا جذريًا للطريقة التي تعمل بها المؤسسات المالية العالمية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، في تعاملها مع الدول النامية، حيث يرى أن القروض المقدمة منها لم تكن في تاريخها الطويل أداة اقتصادية فحسب، بل كانت في كثير من الأحيان عصا سياسية للهيمنة وإخضاع الشعوب، وهو ما اعتبره مجسدًا بوضوح في سياسات صندوق النقد الدولي في العقود الأخيرة، خصوصًا من خلال ما يسمى ببرامج التكيّف الهيكلي.
وفي كتابه عن الدَّين "Debt: The First 5000 Years"، بيّن غرايبر كيف تؤدي شروط صندوق النقد، التي تُفرض على الدول المقترضة، إلى تدمير النسيج الاجتماعي لتلك الدول، لا سيما حين يتعلق الأمر بخفض الإنفاق العام على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
ورغم أنّ هذه السياسات يتمّ الترويج لها باعتبارها خطوات ضرورية للإصلاح المالي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فقد أثبت الواقع أنها كانت، في كثير من الأحيان، السبب المباشر في كوارث إنسانية لا تُمحى.
ومن بين الأمثلة التي أوردها في كتابه، أشار غرايبر إلى زامبيا التي اضطرت في أواخر التسعينيات إلى خفض ميزانيتها المخصصة للرعاية الصحية بنسبة بلغت 50% تنفيذًا لشروط صندوق النقد.
وأدى ذلك إلى نقص حادّ في الأدوية والأطباء، وتراجع أعداد حملات التلقيح، وهو ما تسبَّب في وفاة ما يقرب من 30 ألف طفل سنويًا لأسباب كان يمكن الوقاية منها.
وفي تلك الفترة، كانت زامبيا تنفق أكثر من 40% من دخلها القومي على خدمة الدين الخارجي، بينما كانت المستشفيات تفتقر لأبسط أدوات التشخيص، وكان المرضى يُطلب منهم شراء الشاش والمضادات الحيوية من السوق السوداء إن أرادوا تلقي العلاج.
أما في تنزانيا، فقد أدّت سياسات خفض الإنفاق التي فُرضت ضمن برنامج التكيّف الهيكلي إلى تخفيض ميزانية التعليم بنسبة 40% خلال عقد واحد فقط، وهو ما تسبّب في إغلاق مئات المدارس، وتراجع نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي إلى أقل من 50% بحلول منتصف التسعينيات.
إعلانوتراجعت قدرة الأسر الفقيرة على إرسال أبنائها إلى المدارس بعد فرض رسوم دراسية ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها العذاب، خاصة للفتيات. وقدّر البنك الدولي نفسه تسبب هذه السياسات في فقدان أكثر من 10 ملايين طفل أفريقي فرصة التعليم بين عامي 1985 و2000.
وفي بيرو، وهي من الدول التي خضعت لإصلاحات قاسية تحت إشراف صندوق النقد، أُجبرت الحكومة في بداية التسعينيات على تقليص ميزانية الصحة بنسبة 25%، ممّا تسبب في كارثة صحية، خاصة في المناطق الريفية، إذ تم إغلاق أكثر من 1.000 وحدة رعاية صحية أولية في أنحاء البلاد، وانخفضت نسبة التلقيح ضد الحصبة من 80% إلى أقل من 50%، الأمر الذي أدّى لتفشي المرض مجددًا وموت الآلاف من الأطفال.
يربط غرايبر في كتابه، كما في العديد من مقالاته ومحاضراته، بين هذه الكوارث وبين طبيعة النظام المالي العالمي، الذي لا يعامل الدول النامية كشركاء، بل كمذنبين يجب تأديبهم.
ويشير غرايبر إلى أن هذه السياسات صُمّمت بالأساس لحماية مصالح البنوك والدائنين في دول الشمال، على حد تعبيره، خصوصًا الولايات المتحدة، وبريطانيا، حيث تم توجيه الأموال التي أُقرضت لدول الجنوب في أغلب الأحيان إلى إعادة جدولة ديون سابقة، وسداد الفوائد المتراكمة، دون أن يستفيد المواطن العادي من دولاراتها.
ولا يكتفي غرايبر بالتحليل الاقتصادي، بل يربط هذه الظواهر بتاريخ طويل من استخدام الدَّين كوسيلة للسيطرة، ففي العصور القديمة، كما يذكر، كانت فترات تراكم الديون الكبيرة تنتهي غالبًا بإعلان ملوك تلك العصور "عفوًا عن الديون" لحماية المجتمع من الانهيار. أما في النظام النيوليبرالي الحديث، فإن العكس هو ما يحدث، إذ يتم التضحية بالشعوب من أجل إنقاذ الدين.
المفارقة التي يشير إليها غرايبر هي أن الدول الغنية التي تفرض هذه السياسات على الدول الفقيرة، مثل الولايات المتحدة، لم تكن لتنشأ أساسًا لولا إلغاء ديونها الخاصة في مراحل مبكرة من تاريخها، أو من خلال إعادة جدولة ميسّرة تم تقديمها لها في فترات لاحقة.
إعلانوفي المقابل، تُفرض على الدول النامية شروط قاسية، تجبرها على بيع أصولها العامة، وتفكيك شبكات الحماية الاجتماعية، وفتح أسواقها بشكل غير متكافئ.
فقدت القروض المقدمة من المؤسسات الدولية وبعض الدول المانحة، في صيغتها المعاصرة، أيَّ معنى أخلاقي، وتحوّلت إلى وسيلة لإعادة إنتاج الفقر والتبعية، الأمر الذي يفرض إعادة التفكير في الأسس التي يقوم عليها النظام المالي العالمي، حيث أثبتت الخبرات العالمية الأخيرة أن تحرير الشعوب لا يمكن أن يتم دون التحرر من قبضة الدائنين، ومن منطق السوق الذي يقيس كل شيء بالربح والخسارة، حتى الأرواح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline