لجريدة عمان:
2025-02-07@16:34:20 GMT

تعاطفٌ غيرُ محمود..التسوّل بالأطفال والرأفة

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

نؤخذ بالرحمة والرأفة في حياتنا وواقعنا المعاش فتسيّرنا العاطفة إلى ما قد لا ندرك من أبعاد ومحاذير أبعد من أن تكون نتيجة واقعية للرحمة ومآلا طبيعيا للرأفة، ومن هذا اليقين الثابت صارت مشاعر الناس الإيجابية في تعاطفهم وتآزرهم مادة للاستغلال من قبل بعض المتسلقين والمتنفعين، حتى من آلام الناس وظروفهم وتحديات حياتهم اليومية؛ يتساوى في ذلك كبار الساسة والإقطاعيين جشعا وطمعا مع أولئك الذين يبيحون لأنفسهم تسليع المشاعر وتسويق العاطفة وانتهاك الخصوصية في سبيل جمع المال وتكديسه، وحينها لا يجد هؤلاء مادة لاستثارة تعاطف الناس أفضل من النساء والأطفال، وقد يسير بنا ذلك المسار إلى تعطيل العاطفة وانعدام التعاطف وهو ما لا ينبغي وصوله لأي مجتمع متكاتف متكامل بشعور جميع أفراده بالمسؤولية المجتمعية والتعاطف الإنساني.

موضوع مقالة اليوم عن ظاهرة خطيرة انتشرت عالميا تماشيا مع تردي الأوضاع الاقتصادية العامة وتأثر حياة الناس بالفقر والحاجة؛ هذه الظاهرة هي استغلال الأطفال في التسوّل، وكلنا ندرك ما لها من آثار وما عليها من محاذير، وتراكمات وترسبات ذاكرة الطفل من عميق أذى وعظيم حزن وأسى، لا يمكن إنكار تفشي هذه الظاهرة في كل مكان، وما يخشى فعلا أن يصبح منظر طفل يتسول الناس منظرا عاديا مألوفا.

أذكر قبل ما يزيد عن عقد من الزمن حين كانت تمر امرأة تتسول البيوت، أو تقف تحت شمس حارقة مع طفل أو طفلة أو حتى رضّع أحيانا، لأتفكر حينها كثيرا وعميقا في هذا الطفل، في شعوره وهو يمد يده للعابرين ناقلا ما لُقّن إياه من جمل يكررها مُكْرَها لاستدرار عاطفة المارة، أفكر في ما قد يُبنى في ذاكرته وهو في عمر تأسيس الذاكرة، أفكر في انكفائه حين يتعرض للنهر أو التوبيخ، أو حتى حين يتعرض للتنمر أو التحرش، وهل يشعر بالفرح حقا حين يفوز ببعض النقود في راحة يديه أم يشعر بالحسرة ؟!، أفكر في ما يمكن لمساعدة هذا الطفل والأخذ بيديه لإنقاذه من هذا المأزق الأسري والانكفاء المجتمعي، كيف يمكن لهذا الطفل تجاوز كل ذلك لتعزيز ثقته في نفسه وفي إمكاناته وقد سُيّر من أقرب وأحب الناس إليه -أبا كان أو أما- لتعليمه مهارة مد يديه للعابرين مستعطفا إياهم للحصول على بعض المال بدلا من مهارات أخرى ترقى بتفكيره وتنهض بهممه، ولن يعادل هذا المال مهما عظم إراقة ماء وجهه ثم كسر طفولته وكبريائه في لحظة استغلال عاطفي إما جبرا لفاقة وعوزا حقيقيين(حتى معهما لا يمكن قبول ذلك) أو استغلالا لتوفير المال لما لا يمكن تخيله من انحراف سلوكي لأحد الوالدين أو لكليهما.

فكيف يمكن تخيل تعاطفك أنت أيها العابر -الذي قد يترك أثره في نفسك وقد يمر مرور الكرام- وهو سلاح فتّاك ملبس؛ إذ يتراءى لك سبيلا لنجاة هذا الطفل وما هو إلا الهلاك متمثلا في تعاطف يقضي على ما تبقى من طفولة تستعطف المجتمع أكثر مما تفعل تلك الأنامل الصغيرة المتسولة رغما عنها؟! كيف بك وأنت تسهم عن جهل بتدمير ذاكرة كاملة لطفل مكلوم في شعوره بالأمان الأسري وأمانه المجتمعي ورغبته الأكيدة في أن يعيش طفولة طبيعية كاملة وعمرا صحيا مليئا بالمتاح من اللعب والأحلام والفرح؟!

ثم ماذا؟ ما الممكن الذي نستطيعه لتحجيم هذه الظاهرة والقضاء عليها؟ بدايةُ الحل تكمن في تفعيل الوعي في ألا تؤخذ بمجرد الكلام المعاد والقصص المكررة، محاولة التثبت مما يقدم من معلومات أغلبها مغلوطة، ولا يخفى في أن الظاهرة اتسعت مع استغلالها من قبل عصابات منظمة تعمل على استغلال وتسيير الأطفال والنسوة في التسول مقابل نسبة ضئيلة تمنحها لهم، ومنهم من يُرغَم على ذلك تحت سلطة الأبوية المطلقة، فإما الانصياع والقبول وإما فقد مأواك السكني مع فقد كل مأوى عاطفي أو اجتماعي.

وبعد محاولة التثبت تأتي خطوة التبليغ الفاعلة في كشف العصابات والمستغلين ومعاقبتهم قدر الإمكان، فإن كان الطفل (مادة الاستغلال) غير قادر على ذلك، فلا بد أنك تستطيعه بوعي وإدراك كاملين لا يمكن معهما أن تقع مادة للاستغلال من جهة، ومادة لهدم الطفولة من جهة أخرى مع نيتك الأكيدة للإحسان وصنع المعروف.

وأخيرا، لا بد من تشريعات مجرّمة رادعة لفعل التسول واستغلال الأطفال، إذ صار الأمر أوضح من أن يخفى، وأصعب من أن يُسكت عنه، وصار معروفا أن هنالك تأشيرات سياحية تُوظّف لمثل هذه الأعمال المؤثرة على الأطفال في العالم ولا بد من مجابهتها والتصدي لها في كل مكان، فلا يختلف الطفل وفقا لجنسيته أو لونه ولا يمكن اعتبارها ظاهرة مألوفة أيا كانت مرجعياتها الجغرافية والاجتماعية، كما ينبغي قبل كل ذلك وأثناءه وبعده تأمين الواقع الآمن للأطفال وأسرهم؛ واقعا يقيهم شرّ التسول ومغبة الاستغلال، وحسرة السؤال، أطفال اليوم رجال الغد ولا بد من تكاتف جاد شامل لحمياتهم والذود عن طفولتهم المؤسسة لكل طموحهم وآمالهم المستقبلية في غد أفضل ووطن أجمل.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الطفل لا یمکن

إقرأ أيضاً:

استشاري : الإلحاح على الصغار في الأكل يؤدي إلى كراهية الطعام

أكد الدكتور محمد رفعت، استشاري طب الأطفال، على أهمية عدم إلحاح الأم على الطفل في تناول الطعام، موضحًا أن الضغط المستمر قد يؤدي إلى كراهية الطفل للطعام بشكل عام. 

وأضاف خلال مداخلة هاتفية في القناة الأولي الفضائية، أنه في بعض الأحيان قد يكون الطفل في حالة من النشاط الكبير، مما يجعله يأكل بشكل طبيعي، بينما في أوقات أخرى قد يرفض الطعام بسبب الإجهاد أو تغيرات نفسية معينة.

وأوضح الدكتور رفعت أن هناك عدة أسباب لضعف شهية الأطفال، منها الأمراض التي تصيبهم مثل نزلات البرد أو التسنين، وكذلك وجود ديدان معوية قد تؤثر على الشهية. 

وأشار إلى أن التطور الحركي والنفسي للطفل يمكن أن يكون له دور أيضًا، حيث تمر بعض الأطفال بفترات لا يرغبون فيها بالطعام نتيجة لتلك التغيرات.

كما أكد الدكتور رفعت على ضرورة أن تحاول الأم تحويل هذه المسألة إلى لعبة مرحة، بحيث يتم تشجيع الطفل على تناول الطعام دون ضغط أو إكراه. 

يمكن استخدام الأساليب الذكية لجعل الطفل يشعر بالمتعة أثناء تناول الطعام، مثل تقديمه بألوان وأشكال جذابة أو إدخال ألعاب صغيرة تزيد من اهتمام الطفل.

وأشار رفعت إلى أن هناك بعض الأمهات لا يعرفن كيفية التعامل مع ضعف شهية أطفالهن بالشكل الأمثل، مما يؤدي إلى مشاكل في التغذية والنمو. 

وأكد على ضرورة أن يكون هناك توازن في التعامل مع هذه القضية، وأن يتم تشجيع الطفل على الأكل بطريقة مرحة وصحية، مع الحرص على عدم إلحاق الضغط عليه.

مقالات مشابهة

  • ختام فعاليات جامعة الطفل في جامعة عين شمس (صور)
  • ختام فعاليات جامعة الطفل بـ عين شمس
  • استشاري : الإلحاح على الصغار في الأكل يؤدي إلى كراهية الطعام
  • الطفل الكاذب
  • يمكن للتكنولوجيا تغيير العالم.. إن عَمِلَتْ لصالح الأطفال
  • ما هي متلازمة الشاشات الإلكترونية وأضرارها على الأطفال؟
  • لا تساوم على صحتك
  • "العناية بالأطفال وزرع القيم الأخلاقية بهم".. ندوات بأوقاف الفيوم 
  • صالة الطفل.. إبداع وتفاعل في فعاليات معرض الكتاب
  • التأمين الصحي والطوارئ «اتفقا» على الطفل محمود