لجريدة عمان:
2024-07-01@19:38:17 GMT

تعاطفٌ غيرُ محمود..التسوّل بالأطفال والرأفة

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

نؤخذ بالرحمة والرأفة في حياتنا وواقعنا المعاش فتسيّرنا العاطفة إلى ما قد لا ندرك من أبعاد ومحاذير أبعد من أن تكون نتيجة واقعية للرحمة ومآلا طبيعيا للرأفة، ومن هذا اليقين الثابت صارت مشاعر الناس الإيجابية في تعاطفهم وتآزرهم مادة للاستغلال من قبل بعض المتسلقين والمتنفعين، حتى من آلام الناس وظروفهم وتحديات حياتهم اليومية؛ يتساوى في ذلك كبار الساسة والإقطاعيين جشعا وطمعا مع أولئك الذين يبيحون لأنفسهم تسليع المشاعر وتسويق العاطفة وانتهاك الخصوصية في سبيل جمع المال وتكديسه، وحينها لا يجد هؤلاء مادة لاستثارة تعاطف الناس أفضل من النساء والأطفال، وقد يسير بنا ذلك المسار إلى تعطيل العاطفة وانعدام التعاطف وهو ما لا ينبغي وصوله لأي مجتمع متكاتف متكامل بشعور جميع أفراده بالمسؤولية المجتمعية والتعاطف الإنساني.

موضوع مقالة اليوم عن ظاهرة خطيرة انتشرت عالميا تماشيا مع تردي الأوضاع الاقتصادية العامة وتأثر حياة الناس بالفقر والحاجة؛ هذه الظاهرة هي استغلال الأطفال في التسوّل، وكلنا ندرك ما لها من آثار وما عليها من محاذير، وتراكمات وترسبات ذاكرة الطفل من عميق أذى وعظيم حزن وأسى، لا يمكن إنكار تفشي هذه الظاهرة في كل مكان، وما يخشى فعلا أن يصبح منظر طفل يتسول الناس منظرا عاديا مألوفا.

أذكر قبل ما يزيد عن عقد من الزمن حين كانت تمر امرأة تتسول البيوت، أو تقف تحت شمس حارقة مع طفل أو طفلة أو حتى رضّع أحيانا، لأتفكر حينها كثيرا وعميقا في هذا الطفل، في شعوره وهو يمد يده للعابرين ناقلا ما لُقّن إياه من جمل يكررها مُكْرَها لاستدرار عاطفة المارة، أفكر في ما قد يُبنى في ذاكرته وهو في عمر تأسيس الذاكرة، أفكر في انكفائه حين يتعرض للنهر أو التوبيخ، أو حتى حين يتعرض للتنمر أو التحرش، وهل يشعر بالفرح حقا حين يفوز ببعض النقود في راحة يديه أم يشعر بالحسرة ؟!، أفكر في ما يمكن لمساعدة هذا الطفل والأخذ بيديه لإنقاذه من هذا المأزق الأسري والانكفاء المجتمعي، كيف يمكن لهذا الطفل تجاوز كل ذلك لتعزيز ثقته في نفسه وفي إمكاناته وقد سُيّر من أقرب وأحب الناس إليه -أبا كان أو أما- لتعليمه مهارة مد يديه للعابرين مستعطفا إياهم للحصول على بعض المال بدلا من مهارات أخرى ترقى بتفكيره وتنهض بهممه، ولن يعادل هذا المال مهما عظم إراقة ماء وجهه ثم كسر طفولته وكبريائه في لحظة استغلال عاطفي إما جبرا لفاقة وعوزا حقيقيين(حتى معهما لا يمكن قبول ذلك) أو استغلالا لتوفير المال لما لا يمكن تخيله من انحراف سلوكي لأحد الوالدين أو لكليهما.

فكيف يمكن تخيل تعاطفك أنت أيها العابر -الذي قد يترك أثره في نفسك وقد يمر مرور الكرام- وهو سلاح فتّاك ملبس؛ إذ يتراءى لك سبيلا لنجاة هذا الطفل وما هو إلا الهلاك متمثلا في تعاطف يقضي على ما تبقى من طفولة تستعطف المجتمع أكثر مما تفعل تلك الأنامل الصغيرة المتسولة رغما عنها؟! كيف بك وأنت تسهم عن جهل بتدمير ذاكرة كاملة لطفل مكلوم في شعوره بالأمان الأسري وأمانه المجتمعي ورغبته الأكيدة في أن يعيش طفولة طبيعية كاملة وعمرا صحيا مليئا بالمتاح من اللعب والأحلام والفرح؟!

ثم ماذا؟ ما الممكن الذي نستطيعه لتحجيم هذه الظاهرة والقضاء عليها؟ بدايةُ الحل تكمن في تفعيل الوعي في ألا تؤخذ بمجرد الكلام المعاد والقصص المكررة، محاولة التثبت مما يقدم من معلومات أغلبها مغلوطة، ولا يخفى في أن الظاهرة اتسعت مع استغلالها من قبل عصابات منظمة تعمل على استغلال وتسيير الأطفال والنسوة في التسول مقابل نسبة ضئيلة تمنحها لهم، ومنهم من يُرغَم على ذلك تحت سلطة الأبوية المطلقة، فإما الانصياع والقبول وإما فقد مأواك السكني مع فقد كل مأوى عاطفي أو اجتماعي.

وبعد محاولة التثبت تأتي خطوة التبليغ الفاعلة في كشف العصابات والمستغلين ومعاقبتهم قدر الإمكان، فإن كان الطفل (مادة الاستغلال) غير قادر على ذلك، فلا بد أنك تستطيعه بوعي وإدراك كاملين لا يمكن معهما أن تقع مادة للاستغلال من جهة، ومادة لهدم الطفولة من جهة أخرى مع نيتك الأكيدة للإحسان وصنع المعروف.

وأخيرا، لا بد من تشريعات مجرّمة رادعة لفعل التسول واستغلال الأطفال، إذ صار الأمر أوضح من أن يخفى، وأصعب من أن يُسكت عنه، وصار معروفا أن هنالك تأشيرات سياحية تُوظّف لمثل هذه الأعمال المؤثرة على الأطفال في العالم ولا بد من مجابهتها والتصدي لها في كل مكان، فلا يختلف الطفل وفقا لجنسيته أو لونه ولا يمكن اعتبارها ظاهرة مألوفة أيا كانت مرجعياتها الجغرافية والاجتماعية، كما ينبغي قبل كل ذلك وأثناءه وبعده تأمين الواقع الآمن للأطفال وأسرهم؛ واقعا يقيهم شرّ التسول ومغبة الاستغلال، وحسرة السؤال، أطفال اليوم رجال الغد ولا بد من تكاتف جاد شامل لحمياتهم والذود عن طفولتهم المؤسسة لكل طموحهم وآمالهم المستقبلية في غد أفضل ووطن أجمل.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الطفل لا یمکن

إقرأ أيضاً:

البرلمان العربي للطفل رافد رئيسي في تأهيل قيادات الطفولة العربية

تستضيف إمارة الشارقة، منتصف شهر يوليو المقبل، أعمال الجلسة الرابعة “الختامية” للدورة الثالثة للبرلمان العربي للطفل، بهدف تعزيز الحوار والمشاركة الفعالة للأطفال العرب في القضايا التي تهمهم، من خلال مناقشات وجلسات تفاعلية هدفها تعزيز الوعي والفهم لديهم حول دورهم في بناء مستقبل مجتمعاتهم.

وقال سعادة أيمن عثمان الباروت، أمين عام البرلمان العربي للطفل، ومقره الشارقة، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات”وام”، إن الجلسة الختامية ستناقش المسؤولية المجتمعية وذلك لتحفيز الأعضاء على المشاركة المجتمعية والعمل التطوعي سواء على مستوى المدرسة أو الأحياء أو اللجان الانتخابية البلدية والوطنية والتوعية بشأنها والتعاون مع أقرانهم في دولهم في هذا الإطار.

وأشار إلى أن البرلمان العربي للطفل، حقق منذ تأسيسه في عام 2019 مجموعة من المنجزات على المستويين الوطني والعربي، تمثلت في جمع خبرات الطفولة العربية تحت سقف واحد والمطالبة بحقوق الأطفال وفق ضوابط وأطر علمية ورفع توصياتهم إلى أمانة جامعة الدول العربية المظلة الأم للبرلمان، وذلك بعد إقرارها من قبل الأطفال العرب، والمضي قدماً لتطوير مهاراتهم في العرض والبحث العلمي، والمناقشة للوصول إلى حلول للموضوعات التي تتم مناقشتها.

وأوضح أن التوصيات التي تتم مناقشتها تحت قبة برلمان الطفل العربي تواجه مجموعة من التحديات نتيجة التباين بين الدول العربية من حيث عدد السكان والموارد وخطط التنمية، مشيرا إلى التركيز على القضايا المشتركة بين الدول العربية مثل حق الأطفال في التعليم.

وحول كيفية اختيار أعضاء البرلمان العربي للطفل، قال الباروت :” إن عملية الاختيار تتم وفقا للنظام الأساسي الذي يحدد أن يكون عمر الطفل ما بين 12 و 16 عاماً، وأن يكون عضواً في برلمان الطفل في بلاده حال وجوده، أو أن تقوم الجهات المعنية باختيار الأطفال الذين يمثلون بلدانهم، موضحا أن برلمان الطفل العربي يتكون من 50% من الذكور و50% من الإناث.

وأفاد بأن الدورة الأولى شهدت مشاركة 48 طفلاً وطفلة من 12 دولة، والثانية 64 طفلاً وطفلة من 16 دولة، فيما بلغ عدد المشاركين في الدورة الثالثة 76 طفلاً وطفلة من 19 دولة، لافتاً إلى أن التطور في نسب المشاركة يعود إلى تشجيع الدول العربية أطفالها على التعبير عن آرائهم.

وذكر أن الأمانة العامة لبرلمان الطفل صممت مجموعة من الأنشطة والبرامج التدريبية الثقافية، بجانب الترفيهية، تصب جميعها في الهدف الرئيسي من إنشاء البرلمان والذي يتركز في إضافة المعرفة وتطوير مهارات الأطفال.

وحول أهمية التعاون مع جامعة الشارقة في دبلوم التأهيل البرلماني، قال الباروت، إن استضافة البرلمان العربي للطفل في إمارة الشارقة، تنطلق من حرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على نقل المعرفة والخبرة التراكمية التي اكتسبتها الإمارة من تدريب وتأهيل الأطفال على مدى أكثر من ربع قرن ‏إلى الدول العربية بشكل مباشر، لافتا إلى اتباع هذا المنهج والاستعانة بالمؤسسات الأكاديمية المتقدمة في الشارقة وفي مقدمتها جامعة الشارقة، بهدف تقديم جرعات تدريبية وتعليمية علمية إلى الأطفال العرب وفقا لأحدث المناهج الأكاديمية.

واختتم قائلاً: “نظرتنا لمستقبل البرلمان أن يصبح رافداً مهماً في تأهيل قيادات الطفولة العربية وتنشئة أصحاب فكر لخدمة أوطانهم”.وام


مقالات مشابهة

  • أخطاء فادحة تدمر شخصية الأطفال
  • حذر من الوجبات السريعة.. استشاري: آثار نفسية للسمنة على الطفل
  • طبيبة توضح سبب تحول الأطفال الأصحاء إلى بدناء
  • بالرقم القومي.. خطوات الاستعلام عن نتيجة تنسيق رياض الأطفال
  • ليست الرياضة فقط.. 5 حلول فعالة لمشكلة السمنة لدى الأطفال
  • البرلمان العربي للطفل رافد رئيسي في تأهيل قيادات الطفولة العربية
  • بعد 20 عاماً على وفاته.. حسن الرداد يحيي ذكرى رحيل والده
  • آخر موعد للتقديم في رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي
  • أعراض التهاب القولون عند الأطفال والنظام الغذائي المناسب
  • تأخرالكلام عند الأطفال.. متى يصبح مرضًا حقيقيًا؟