لجريدة عمان:
2025-02-21@13:00:59 GMT

الفضاءات الاجتماعية.. ومذهب النفعية

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

أوجدت الفضاءات المختلفة (الفضاءات الدينية؛ الفضاءات السياسية؛ الفضاءات الاجتماعية؛ الفضاءات الاقتصادية؛ الفضاءات الثقافية) المساحة الواسعة للناس لأن يحجزوا لأنفسهم مكانة ما، وهذه المساحات ولو كانت صغيرة أو ضيقة؛ في بعض التجارب أو الحالات الإنسانية؛ إلا أنها أوجدت شعورا لهؤلاء الناس، بأن لهم قيمة، وجمال هذه القيمة أنها من صنعهم، وليست هبات من آخرين «لكل مجتهد نصيب» ولذلك تظل هذه الفضاءات معبرة عن قدرة الإنسان لأن يجد لنفسه مساحة آمنة يعبر من خلالها عن قدراته، ويحقق طموحاته، وآماله، وقد تقيم هذه الصورة على أنها جزء مهم من (مساحة التفاعل القائمة بين الأفراد في المجتمع الواحد) هذا الاتساع الشامل لحركة الأفراد في أي مجتمع من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المكاسب الاجتماعية، وإن تخللت هذه المكاسب المنافع الشخصية، وهذا أمر وارد، فهي في النهاية تظل مكسبا عاما يحقق الكثير من الرضا على مستوى المجموعات والروابط الاجتماعية المختلفة، وإن وصل تضارب المصالح بين أفراد هذه المجموعات أو الروابط إلى الصدام في بعض المواقف، ففي نهاية الأمر تظل صورة المجتمع باهية، لأن أفراده لهم القدرة على الاختلاف والتوافق، بما يعزز قدرتهم على الإنجاز لصالح المجتمع ككل، مع إدراكهم أن مجموعة الاختلافات هي بمثابة ملح للطعام، لا يستعذب مضغه إلا بوجوده بقدر يحقق التوازن؛ حيث «لا ضرر ولا ضرار».

تتمثل الفضاءات الاجتماعية في مجموعة من المناخات التي تمكن الفرد لأن يبرز فيها ذاته، وتتبلور شخصيته، ويكون فيها مؤثرا انعكاسا لشخصيته، ومواهبه، وما يتميز به من قدرات تميزه أكثر عن غيره، وتنقسم الفضاءات الاجتماعية إلى فضاءات هي موجودة بحكم متطلبات الواقع - وهي كل ما يمثل علاقة مباشرة بالآخرين في مختلف المناخات الاجتماعية الدائمة؛ على مستوى القرية/ المدينة) وأخرى يستحدثها الإنسان لاحتياجاته المستجدة على واقع حياته اليومية - كعلاقات المصالح المختلفة المؤقتة؛ على مستوى الداخل/ الخارج) وفي مجمل هذه الفضاءات كلها تبقى هناك هوية جامعة؛ تميزها عن غيرها من الفضاءات في أماكن أخرى؛ حيث تفرض الخصوصية الاجتماعية، أو الجغرافية ثقلها كموجه في التفاعلات بين الأفراد بعضهم مع بعض، كما أن هذه الفضاءات ليست جامدة، بل هي حيوية، ونشطة، انعكاسا لنشاط الأفراد وحيويتهم، وقدرتهم على التفاعل اليومي مع واقعهم، حيث لا توجد فضاءات جامدة، لا تقدم شيئا لواقعها، ولا تستقطب من واقعها شيئا يعزز وجودها، واستمرارها، ومعنى هذا أن أي مكون جغرافي يحتوي على مجموعة من الفضاءات الاجتماعية، على اعتبار أن أي مكوّن جغرافي لا يخلو من مجموعة من الساكنين، يتفاعلون فيما بينهم، ويتبادلون المصالح والمغانم، كما يتقاسمون مجموعة الإخفاقات التي تحدث بينهم، نتيجة تعديات؛ هي حاصلة؛ بحكم تضارب المصالح بينهم، فهؤلاء الأفراد في الآخر تحكمهم مصالح، وتسيرهم أهواء ومشاعر، وتنظم حيواتهم مجموعة من الأعراف والقوانين، والاتفاقات الثنائية التي تجمعهم على تسيير حياتهم اليومية، ولا بد عند النظر أو الحديث عن مختلف الفضاءات الاجتماعية أن تراعى مسألة خصوصية المجتمعات (المدن؛ صغيرها وكبيرها) والبادية، والأرياف بما في ذلك القرى؛ وسكان السواحل، حيث تعكس حياة الناس في مختلف هذا التنوع أسلوب حياتهم؛ بناء على الفضاءات المتاحة في كل نوع من أنواع الحياة في هذه الأماكن، فالفضاءات المتاحة في الريف؛ غيرها في المدن، وغيرها في المدن الساحلية، وإن حملت نفس المسميات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فمصادر الدخل في المدينة؛ غيرها في القرى والأرياف، وكذلك فضاءات المعرفة، والثقافة، والممارسات التقليدية المختلفة، والتي تنشأ أصلا انعكاسا لواقع الحال وفق ضروريات المكان.

تتيح الفضاءات الاجتماعية مجموعة من الروابط بين الأفراد، فسوق القرية الصغير؛ الذي يتناسب وحجم حاجيات الأفراد في القرية يشكل فضاء مهما يمكن أن يوجد مجموعة من الروابط التي تجمع أبناء القرية، ويقينا لن نحصي مجموعة المنافع المتبادلة عبر هذا المناخ/ الفضاء الاجتماعي التي تتم في اليوم الواحد، وفي الأسبوع وفي الشهر، هذا إذا استحضرنا المنافع في الجانب الاقتصادي، فما بالك بالمنافع الأخرى (الاجتماعية، الثقافية) والتي تتداخل بين جوانب العلاقات القائمة عبر هذا الفضاء المهم، الذي تتجه إليه الأنظار كل يوم، ربما قد يتضاءل تأثير هذا الفضاء مع تقدم الحياة الحديثة التي استجدت فيها مجموعة من المجمعات التجارية التي أصبحت تحتوي على كل ما يلزم الفرد من متطلباته اليومية، سواء من ناحية المأكولات، أو الأدوات العينية الأخرى التي يسيّر بها الناس حياتهم اليومية، ولكن مع ذلك لا يزال الأفراد في المجتمعات القروية يقيمون شأنا لهذه الأسواق التقليدية، ولو على شكل معارض أسبوعية يلتقي فيها أبناء المجتمع سواء على مستوى القرية الواحدة، أو على مستوى القرى المجاورة، كما هو الحال في الأسواق الأسبوعية؛ والتي أصبحت معروفة بمسمياتها، وبأماكن وجودها على امتداد الخريطة الجغرافية لسلطنة عمان، فعلى الرغم من عنوانها العريض (البيع والشراء) إلا أنها أصبحت ملتقى اجتماعيا يحسب له كثير من الأفراد الكثير من الحسابات الاجتماعية والاقتصادية وتبادل المنافع، كما هو الحال لمناسبات الهبطة التي تتزامن مع عيدي الفطر والأضحى، وكما هو الحال لمناسبات الفرح/ السرور، وكما هو الحال لمناسبات حصاد النخيل، وكما هو الحال للمناسبات الاجتماعية المختلفة التي تتوزع خريطتها طوال العام على مختلف التجمعات السكانية المختلفة.

من وجهة نظر عامة، لا يمكن فصل العلاقة القائمة بين الفضاءات الاجتماعية والنفعية، حيث كلاهما يدعم الآخر، وذلك أن مجمل العلاقات القائمة بين الأفراد في المجتمع الواحد قائمة على مذهب النفعية، وليس في ذلك أي عيب إطلاقا، لأن المجال الاجتماعي رحب، ويستوعب مجموعة التفاعلات القائمة بين أفراده، ووجود مذهب النفعية متداخلا في الفضاء الاجتماعي، لا يلغي مجموعة المبادرات الإنسانية التطوعية التي يتبادل من خلالها الأفراد كثيرا من المصالح المشتركة بينهم دون مقابل، وهذا الترابط بين الطرفين هو ما يعزز القوة الفاعلة والتأثير المنجز في واقع الناس، فالخلاصة أن الجميع يريد أن يعيش في أمن واطمئنان، والعائد المادي هو أحد محاور الأمن الاجتماعي، وأعمدته المهمة، ومفهومه هنا؛ لا يخرج عن مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وهو مبدأ يتسلسل تاريخه عبر الأجيال، ولا يرى فيه الأفراد في أي مجتمع، أية مظنة، وهو اتفاق ضمني يعبر عن حاجة الناس بعضهم لبعض، وعن تكاتفهم، ودعمهم، وتشجيع بعضهم بعضا في تبادل المهن، وتعزيز دور القوى العاملة الوطنية؛ ولو على مستوى الأعمال البسيطة على مستوى القرية الواحدة، فهذه الصورة لا يمكن تجاوز أهميتها، وإن كانت الصورة أعلاه على تماس قريب بالشأن الاقتصادي لأفراد المجتمع، فإن المسألة لن تخلو من تعزيز الروابط الاجتماعية على الامتداد الأفقي والرأسي.

ربما؛ ووفق حقيقة الواقع؛ لا يعد «مذهب النفعية» مذهبا حديثا، وإن غالى البعض في إسقاطه على الحياة العصرية، أكثر من ذي قبل، وطبعا لا دليل على ذلك سوى تخمين، أو ترديد ما يتداول عبر ألسنة الناس، بينما الحقيقة تقول: ربما لم يكن هناك تأطير نظري لمفهوم النفعية في السابق؛ حيث يتبادل الناس منافعهم بحسن نية، أو كممارسة اعتيادية لا تثير التساؤل، وحدث هذا التأطير اليوم مع نمو المعرفة المتخصصة في مختلف المجالات، أما الواقع فالنفعية مرتبطة بحياة الإنسان اليومية، ولا يمكن إنكار ذلك، فلا أحد إطلاقا يتحرك دون أن يحسب حساب المنفعة من حركته هذه، وقد يكون حريصا أن يكون العائد مجزيا، وإلا لن يتقدم خطوة واحدة في أي شأن من شؤون حياته اليومية، مع التأكيد أن الحرص على المنفعة ليس شرطا أن تكون منفعة مادية مباشرة، فقد تكون منفعة معنوية، يرجى أن تفضي إلى منافع مادية متبادلة مع مرور الزمن، وإن لم يحدث؛ فلا بأس فالعلاقات بين الأطراف قائمة ومستمرة، وبالتالي فمجمل العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع وعلى امتداد الفضاءات المتاحة لهم، هناك حرص مباشر أو غير مباشر على وجود منفعة ما، تعزز من شأن الروابط القائمة بين الناس.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القائمة بین بین الأفراد الأفراد فی على مستوى مجموعة من

إقرأ أيضاً:

جامعة القناة تنظم برنامجًا تدريبيًا حول التعليم المستمر وتمكين الأفراد في سوق العمل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور ناصر مندور، رئيس جامعة قناة السويس، أن الجامعة تولي اهتمامًا بالغًا بتعزيز قدرات طلابها وتزويدهم بالمهارات التي تؤهلهم لسوق العمل، مشيرا إلى أن برامج التعليم المستمر تمثل أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتمكين الأفراد من مواكبة التطورات المهنية والتكنولوجية.

جاء ذلك بالتزامن مع عقد البرنامج التدريبي الذي نظمته الجامعة تحت عنوان "برامج التعليم المستمر ودورها في تمكين الأفراد بسوق العمل"، والذي عُقد بقاعة محاضرات كلية الطب البيطري.

من جانبها، أوضحت الدكتورة دينا أبو المعاطي، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أن هذا البرنامج يأتي في إطار التعاون بين قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة وقطاع شئون التعليم والطلاب ووحدة تعليم الكبار، بهدف تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواكبة متطلبات سوق العمل وتعزيز قدرتهم التنافسية.

جاء البرنامج التدريبي بإشراف الدكتورة داليا منصور عميد كلية الطب البيطري والدكتور مدحت صالح عميد كلية التربية.

شهد البرنامج مشاركة 180 طالبا من كلية الطب البيطري، وقدمته الدكتورة داليا عبد الحكيم مطر، مدرس أصول التربية بكلية التربية، حيث تناول عدة محاور رئيسية، منها مفهوم التعليم المستمر، أهميته، برامجه المختلفة، ودوره في تمكين الأفراد من سوق العمل، بالإضافة إلى استعراض نماذج ناجحة في هذا المجال.

حضر البرنامج كل من الدكتور محمد الشبراوي، وكيل شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتورة أمينة علي دسوقي، وكيل شئون التعليم والطلاب، والمهندسة فاطمة السيد شعراوي، مدير رعاية الطلاب ووحدة الدعم الأكاديمي.

وفي ختام الفعالية، أشرفت على تنظيم البرنامج التدريبي المهندسة وفاء إمام، مدير عام الإدارة العامة للمشروعات البيئية، والأستاذ أحمد رمضان، مدير إدارة تدريب أفراد المجتمع بقطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة، مؤكدين على استمرار الجامعة في تقديم مثل هذه البرامج الهادفة إلى دعم الطلاب وتأهيلهم لسوق العمل بقدرات تنافسية عالية.

مقالات مشابهة

  • الاسدي يكشف ابرز المبادرات التي نفذتها الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
  • مسلسل «ظلم المصطبة» يرصد سطوة التقاليد العرفية في الريف
  • بعد طرح مسلسل إخواتي لها.. أضرار تقع على الفتيات بسبب هوس عمليات التجميل
  • جامعة القناة تنظم برنامجًا تدريبيًا حول التعليم المستمر وتمكين الأفراد في سوق العمل
  • مشاركة واسعة في مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة على مسرح نهاد صليحة
  • «اجتماعية الشارقة» تصدر دليلاً استرشادياً للمشكلات الأسرية
  • الأمن العام السعودي يعلن القبض على مقيم مصري بتهمة التحرش
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام
  • أمين الفتوى: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام (فيديو)
  • التخطيط للتقاعد وزيادة المدخرات يتصدران أولويات الأفراد في الإمارات