خيارات بايدن المريرة مع إيران
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
مع تبادل الأسرى الذي تم الأسبوع الماضي بين الولايات المتحدة وإيران إثر تحويل ستة مليارات دولار من عائدات النفط الإيرانية، يعرب منتقدو الإدارة الأمريكية مرة أخرى عن معارضتهم لإبرام اتفاقيات مع حكومة إيران القائمة. فإلى جانب شروط الاتفاقية الشروط المعترف بها في اتفاق تبادل الأسرى وتحويل الأموال، بات واضحا أيضا في الأشهر الأخيرة أن جهدا أوسع نطاقا يبذل لتحفيز إيران على إبطاء وتيرة برنامجها لتخصيب اليورانيوم وخفض التوترات في الشرق الأوسط.
قد تكون هذه الجهود المتعلقة بالمسار النووي الإيراني حتى الآن متواضعة ولكنها إيجابية. إذ أظهر أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية -وقد وُزِّع في أوائل سبتمبر قبل اجتماع مجلس محافظيها- أن الإيرانيين أبطأوا إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، أي ما يقل قليلا عن درجة الأسلحة النووية، وأنهم أضعفوا بعض تلك المواد لتقليل مخزونهم المتراكم. كما أنهم أبطأوا الوتيرة السريعة السابقة لتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة إضافية للتخصيب. ولا تؤدي هذه الإجراءات إلى إطالة «فترة الاختراق» لإيران إذا اختارت تخصيب اليورانيوم بالمستوى المستخدم في صنع الأسلحة، لكن هذا التوقف يمثل خطوة لتهدئة التصعيد، ويجد بها -في حال استمرارها- أن تمنع حدوث أزمة حادة.
كما يبدو أن إيران أصدرت تعليماتها لوكلائها في العراق وسوريا بإيقاف الهجمات على أفراد الجيش الأمريكي المنتشرين هناك، وكانت الهجمات متكررة حتى العام الماضي. فلم تقع أمثال هذه الحوادث في سوريا منذ أكثر من أربعة أشهر، وفي العراق منذ ما يربو على العام. وفي حين أن إيران لم تزل تعارض الوجود الأمريكي في هذين البلدين، وقد تقرر أن تتراجع عن هذه الخطوة، فإنها في الوقت الحالي تزيل مصدرا آخر للاحتكاك يمكن أن يتصاعد إلى أزمة.
على الصعيد النفطي، أصبح من الواضح بشكل متزايد خلال الصيف أن الولايات المتحدة قد تحولت إلى مزيد من التراخي في تطبيق العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، مما سمح بزيادة الكميات في ظل ما طرأ من شدة على السوق الأوسع. وقد أفاد موقع تعقب الحاويات [TankerTrackers.com] أن متوسط شحنات التصدير من النفط الخام والمكثفات في أغسطس بلغ 1.9 مليون برميل يوميا، ارتفاعا من 1.5 مليون برميل يوميا في مايو ومتوسط عام كامل كان دون المليون برميل يوميا في عام 2022. وفي ظل نفي رسمي من وزارة الخارجية وحدوث تحول في السياسة، اعترف مسؤولون أمريكيون بشرط عدم الإفصاح عن هويتهم أنهم تابعوا تنفيذ العقوبات «بلمسة أخف». ومن المؤكد أن هذا لم يخف على منتقدي تعاملات إدارة بايدن مع إيران.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه المملكة العربية السعودية في يونيو عن خفض إنتاجها من جانب واحد بمقدار مليون برميل يوميا بدءا من يوليو، بالإضافة إلى تقليص الإنتاج كجزء من إطار أوبك بلس، الذي تم تمديده الآن حتى نهاية العام على الأقل. وكانت هذه الخطوة مفاجئة، وأظهرت دفعة قوية للغاية لتشديد السوق ودعم الأسعار. فقد ارتفع سعر النفط الخام بأكثر من 25% منذ الإعلان السعودي، مع تجاوز سعر خام برنت 94 دولارا، وتظهر توقعات أوبك نفسها عجزا كبيرا في العرض قدره 3.3 مليون برميل يوميا للربع الرابع من عام 2023. وفي حين أن إدارة بايدن تسعى إلى التوصل إلى اتفاق متعدد الأوجه لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهو ما قد يحسِّن العلاقات الأمريكية السعودية، لا يوجد على الإطلاق ما يشير إلى أن سياسة إنتاج النفط السعودية جزء من المناقشات الأمريكية السعودية الحالية. وفي ظل حديث محللي السلع في وول ستريت مرة أخرى عن احتمال وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولار واقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل، سيكون من الصعب على إدارة بايدن اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران، وهذا أقل ما يمكن قوله.
حتى الآن، التزمت إدارة بايدن الصمت بشأن مناقشاتها غير المباشرة مع إيران ولم تعترف بأي اتفاق يربط بين التسامح الإيراني الواضح بشأن التخصيب والهجمات بالوكالة مع التسامح الأمريكي الواضح بشأن تنفيذ العقوبات. وقد يكون هذا مقصودا؛ لأنه من شأن اتفاق رسمي أن يفضي إلى مراجعة من الكونجرس بموجب قانون الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي سيكون مثيرا للجدل للغاية وذا صبغة حزبية محتومة في عام الانتخابات. كما يعكس ذلك أن ما يبدو أنه تم الاتفاق عليه هو أمر محدود للغاية مقارنة بأي متابعة رسمية معقولة لخطة العمل الشاملة المشتركة.
تستمر جهود الوسطاء، ومنهم قطر وسلطنة عُمان، في البناء على هذا الجهد. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن نرى أي اتفاق رسمي قبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2024. ويبدو أن الجهود التي ترددت أخبار عنها بشأن التخطيط لحوار غير مباشر على الأقل بين الولايات المتحدة وإيران خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، لم تصادف النجاح. وقد ذكر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخرا إمكانية استئناف المحادثات بوساطة أوروبية مع الولايات المتحدة مرة أخرى، استئنافا من حيث توقفت في سبتمبر 2022، لكن هذا يبدو مستبعدا. فقد أوضحت الولايات المتحدة أن فرصة العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لم تعد سانحة، وأن مطالب إيران بـ «ضمانات» أمريكية في ذلك الوقت تبدو بعيدة المنال مع اقتراب الولاية الأولى للرئيس جو بايدن من نهايتها. في الوقت الراهن، تعد محاولة اجتناب وقوع كارثة في المدى القريب هي أفضل خيار متاح. وذلك غير مرضٍ، لكن في ضوء القيود يجري العمل في ظلها، بما فيها فقدان مصداقية الولايات المتحدة نتيجة لتخلي الرئيس ترامب عن خطة العمل الشاملة المشتركة في حين أن إيران التزمت بها، فإن إدارة بايدن تستحق الثناء إذا كانت قد أبعدت إيران بالفعل عن مسار نووي كان من شأنه أن يؤدي بسرعة إلى الأزمة.
إذا فاز الرئيس بايدن بإعادة انتخابه، فقد يكون هناك مجال لتجديد النقاش حول تسوية أكثر دواما. فقد يقلل بايدن الفائز بولاية ثانية من مخاوف طهران بشأن إلغاء واشنطن لاتفاق مرة أخرى. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتمكن إدارة بايدن من حث إيران على التراجع عن برنامجها النووي إلى أي نقطة قريبة من المستويات المقيدة التي فرضتها خطة العمل الشاملة المشتركة، ناهيكم عن تمديد بعض البنود التي كانت الولايات المتحدة ترجوها -أي الصفقة «الأطول والأطول». ومن المؤسف أن إيران أصبحت الآن على أعتاب أن تكون دولة نووية، وهو وضع لا يمكن التراجع عنه إلى الأبد، حتى في حالة نشوب صراع عسكري. إن من شأن أجندة منطقية للتوصل إلى اتفاق متابعة في ولاية بايدن الثانية أن تركز على استعادة الشفافية وإطالة فترة الاختراق الإيرانية للسماح للعالم بقدر أكبر من اليقين بأن إيران لم تزل دولة على عتبة التحول النووي ولم تصبح بعد قوة نووية.
جريج بريدي زميل أول لشؤون الشرق الأوسط في مركز ناشونال إنتريست.
عن ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العمل الشاملة المشترکة ملیون برمیل یومیا الولایات المتحدة إدارة بایدن أن إیران مع إیران مرة أخرى
إقرأ أيضاً:
اتفاق أمريكي أوروبي يعيد الثقة للأسواق العالمية.. كيف تفاعل النفط والذهب والعملات؟
سادت الأسواق العالمية حالة من الارتياح الحذر مطلع الأسبوع، مع تسجيل تحركات محدودة في أسعار السلع والعملات، مدفوعة بإعلان اتفاق تجاري إطاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في خطوة اعتُبرت بمثابة تهدئة للتوترات التجارية العابرة للأطلسي، والتي كانت تُهدد بتصعيد حرب تجارية واسعة النطاق، اونعكس التحرك الإيجابي في المشهد التجاري بشكل مباشر على الأسواق، حيث ارتفعت أسعار النفط بدعم من آفاق الطلب العالمي، وسجّل الذهب مكاسب طفيفة مع تراجع الدولار، بينما صعد اليورو مقابل سلة من العملات مع تحسن شهية المخاطرة وترقب السياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى.
النفط يرتفع مع تهدئة التوترات التجارية عقب اتفاق أمريكي أوروبي ودعم محتمل من الصين
سجّلت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً اليوم الاثنين، بعد الإعلان عن اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما ساهم في تخفيف المخاوف المتعلقة بتباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب على الخام.
وصعدت العقود الآجلة لخام “غرب تكساس الوسيط” الأمريكي تسليم سبتمبر بنسبة 0.92% لتُتداول عند 65.76 دولاراً للبرميل، فيما ارتفعت العقود الآجلة لخام “برنت” القياسي للشهر نفسه بنسبة 0.91% لتسجل 69.06 دولاراً للبرميل.
الاتفاق التجاري، الذي تم التوصل إليه أمس الأحد خلال اجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، شمل التزام بروكسل بشراء موارد طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار، إلى جانب استثمارات إضافية بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، كما أعلنت واشنطن أن الاتحاد الأوروبي سيشتري “كميات هائلة” من المعدات العسكرية الأمريكية ويفتح أسواقه أمام الصادرات الأمريكية دون رسوم جمركية.
وقال توني سيكامور، محلل الأسواق في شركة “آي جي”، إن الاتفاق الأمريكي الأوروبي إلى جانب الأنباء عن تمديد محتمل لتجميد الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين، يقدمان دعماً واضحاً للأسواق المالية العالمية وأسعار النفط.
ويأتي هذا في وقت تستعد فيه ستوكهولم لاستضافة اجتماع رفيع المستوى اليوم بين كبار المفاوضين من الولايات المتحدة والصين، بهدف تمديد الهدنة التجارية المعلنة، والتي تنتهي في 12 أغسطس المقبل، لتجنب فرض رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق.
الذهب يحقق مكاسب محدودة بدعم من تراجع الدولار واتفاق تجاري أمريكي-أوروبي يخفف التوترات
سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا طفيفًا في تعاملات اليوم الاثنين، وسط تراجع مؤشر الدولار الأمريكي وهدوء نسبي في المخاوف المتعلقة بالحرب التجارية، بعد توصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تجاري مؤقت خفف من التوترات بين الجانبين.
وارتفعت العقود الآجلة للذهب (Comex) تسليم ديسمبر بنسبة 0.08% لتصل إلى 3395 دولارًا للأونصة، بينما صعدت العقود الفورية بنسبة 0.06% لتسجل 3339.18 دولارًا للأونصة.
ويأتي هذا الأداء المحدود للذهب في ظل إعلان واشنطن وبروكسل، يوم الأحد، عن اتفاق تجاري إطاري يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم السلع الأوروبية، وهو ما يعادل نصف النسبة التي هددت بها الولايات المتحدة في وقت سابق، ما ساهم في تهدئة الأجواء التجارية بين الحليفين.
وصرّح غيغار تريفيدي، المحلل الكبير للسلع الأساسية في شركة “ريلاينس سيكيوريتيز”، بأن “الاتفاق خفف التوترات التجارية عبر الأطلسي، مما وضع ضغوطًا على الذهب”، مشيرًا إلى أن “تراجع مؤشر الدولار قدم بعض الدعم للمعدن النفيس”.
ورغم المكاسب الطفيفة، يظل الذهب يتحرك ضمن نطاق ضيق مع تقييم الأسواق لاحتمالات استقرار التجارة العالمية، في ظل تصاعد الحذر بشأن مدى استدامة التفاهمات التجارية بين واشنطن وشركائها.
ارتفاع اليورو بعد إعلان اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسط ترقب لاجتماعات البنوك المركزية
سجل اليورو ارتفاعاً طفيفاً خلال تعاملات صباح الاثنين، عقب الإعلان عن اتفاق تجاري إطاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يهدف إلى تجنب تصعيد حرب تجارية عالمية.
الاتفاق الجديد يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على سلع الاتحاد الأوروبي، أي نصف النسبة التي هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرضها بداية أغسطس.
وجاء الإعلان خلال لقاء جمع ترامب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اسكتلندا، حيث أكد الاتفاق على تعزيز التعاون التجاري بين الطرفين، في خطوة توازي اتفاقاً مماثلاً جرى مع اليابان الأسبوع الماضي.
ويعقد كبار المفاوضين الأميركيون والصينيون اجتماعاً في ستوكهولم الاثنين، بهدف تمديد الهدنة التجارية بين البلدين ومنع رفع الرسوم الجمركية.
في سياق متصل، يترقب المستثمرون نتائج أعمال الشركات واجتماعات البنوك المركزية في الولايات المتحدة واليابان هذا الأسبوع، وسط توقعات باستقرار أسعار الفائدة.
وقال رودريجو كاتريل، كبير استراتيجيي العملات في بنك أستراليا الوطني، إن الاتفاق منح وضوحاً للسوق ما قد يدعم فرص الاستثمار عالمياً.
وارتفع اليورو إلى 1.1763 دولار بنسبة 0.2%، كما سجل ارتفاعاً إلى 173.78 ين، في حين بقي الدولار مستقراً عند 147.68 ين، وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.1%.
ويواصل الدولار الأسترالي والجنيه الإسترليني تقلباتهما، في حين يستعد المستثمرون لبيانات اقتصادية ومؤتمرات نقدية قد تحدد اتجاهات السوق في الفترة المقبلة.
الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشمل استثمارات بقيمة تقارب 600 مليار دولار، وتعهدات بزيادة مشتريات معدات الطاقة والدفاع الأميركية، مع استمرار النقاشات حول الرسوم الجمركية المرتفعة التي لا تزال مثار جدل داخل أوروبا.
وتُعد هذه الخطوة جزءاً من سلسلة جهود دولية لتهدئة التوترات التجارية بين أكبر الاقتصاديات العالمية، مع ترقب كبير لنتائج المحادثات المقبلة بين واشنطن وبكين قبل الموعد النهائي في 12 أغسطس.