كيف فقد العالم ثقته في العلماء؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -
في العام الماضي، مع تضاؤل عدد الإيطاليين الذين حصلوا على جرعة معززة رابعة من لقاح كوفيد، وكوني من العلماء، طلبت مني وزارة الصحة في البلاد، الظهور في إعلان تلفزيوني مدته 50 ثانية، لأشرح لماذا يجب أن يحصل الأشخاص الأكثر عرضة للمرض على جرعة أخرى. بُثّ الإعلان مئات المرات على شاشة التلفزيون، وبعدها تلقيت العديد من رسائل البريد الإلكتروني تشن هجوما عليّ، واتّهِمْتُ على منصتي إكس وفيسبوك بأنني شخص يعمل لصالح شركات الأدوية الكبرى.
في ذروة الوباء في أكتوبر 2020، مررت بتجربة مماثلة، فقد كنت آنذاك رئيسًا لأكاديمية (دي لينسي)، الأكاديمية العلمية الأكثر أهمية في إيطاليا، وكانت موجة كوفيد الثانية القاتلة من كوفيد قد بدأت تجتاح البلد، فكتبت مقالا طويلا، سلّطت فيه الضوء على الوضع الوبائي بالتفصيل، وأكدت أنه إما أن نتخذ تدابير جذرية على الفور، أو نتوقع وفاة 500 حالة يوميا بحلول منتصف نوفمبر، ولسوء الحظ كان تنبؤي دقيقا. مباشرة بعد نشر المقال، تلقيت رسائل بريد إلكتروني تخبرني بأشد العبارات أنه من الأفضل ألا أتدخل في شؤون الآخرين.
جعلتني هذه الأحداث ألاحظ ظاهرة أصبحت مألوفة لدي بشكل متكرر، وهي اهتزاز الثقة في العلم. ويبدو الأمر متناقضًا إلى حد ما، فمع اعتماد مجتمعاتنا بشكل متزايد على التكنولوجيا المتقدمة القائمة على الاكتشافات العلمية، أصبح الناس أكثر تشكيكًا في العلماء.
كيف يمكننا أن نفهم هذا؟ هناك عوامل كثيرة قد تخطر على البال، فقد دأبت على التفكير في تضاؤل أهمية الكلمة المطبوعة على مدى العقود الماضية لصالح الوسائط المرئية القصيرة، بداية من التلفزيون، وليس انتهاء بتطبيق التيك توك. إنّ المناظرات المتلفزة تتطلب رد فعل سريعا، في حين أن العلماء معتادون على دراسة القضايا بشكل مطول ولا يحكمون فيها إلا بعد تفكير عميق. بالإضافة إلى ذلك، لا يقتصر المحتوى المرئي الناجح على كونه صحيحًا فحسب، بل يتعلق أيضًا بإثارة تعاطف المشاهد عن طريق الأشخاص الذيم يقدمون هذا المحتوى، وهذا لا يتأتى بسهولة للعلماء.
قد يكون للصعوبات الحالية جذور أعمق، فنحن ندخل فترة من التشاؤم بشأن المستقبل ترجع أسبابها إلى الأزمات بمختلف أنواعها: الاقتصادية، والمناخية، واستنزاف الموارد، إِذْ تشهدُ العديدُ من البلدان تزايدا في حالات انعدام العدالة، وانحسارا في معدل الأمان الوظيفي، وزيادة البطالة، ونشوب الحروب المباشرة.
وفي حين كان يعتقد ذات يوم أن المستقبل سيكون بالضرورة أفضل من الحاضر، فإن الإيمان بالتقدم والتطور قد تلاشى بالرغم من وجود ثروات طائلة ومتنوعة يتمتع بها البشر، ولذلك يخشى كثيرون، ولسبب وجيه، أن يكون حال الأجيال المقبلة أسوأ من الأجيال الحالية. إن العلم الذي اعتاد أن يعزى إليه الفضل في التقدم الحضاري، يتلقى اليوم اللوم عن التقهقر الحاصل، وسواء كان هذا التقهقر حقيقيا أو مجرد تصور، فهذا لا يهم. أحيانا، ينظر إلى العلم أنه مُعَلِّمٌ سيئ أرشدنا إلى الاتجاه الخاطئ، وتغيير هذا المنظور ليس بالأمر السهل.
باختصار، ينظر إلى العلماء أنهم جزء من طبقة النخبة، وبالتالي هم ليسوا جديرين بالثقة، ذلك أن الاهتمام المتزايد من جانب مجموعة صغيرة من العلماء بتسجيل براءات الاختراع وتحقيق مكاسب مالية فردية من خلال اكتشافاتهم يعزز من فكرة التماهي مع طبقة النخبة، ومع هذا، فإن الروابط الممتدة بين العلم والصناعة أو حالات من الاحتيال العلمي لا تغير حقيقة أساسية مفادها أن العلم يقدم تنبؤات صحيحة تصبح ذات مصداقية، بعد التدرج في تكوين الإجماع العلمي. إن تكوين الإجماع هو العملية التي تُحدث فرقا حقيقيا، لأنها تشمل المجتمع العلمي بأكمله وهذه عملية لا يمكن التلاعب بها.
وللأسف، فإنَّ انعدام الثقة هذا قد يخلف تأثيرات كارثية، فإذا لم يثق المواطنون في العلم، فلن نتمكن من مكافحة الاحتباس الحراري العالمي، والأمراض المعدية، والفقر والجوع، واستنزاف الموارد الطبيعية لكوكب الأرض.
ولكن كيف يمكن استعادة الثقة وتعزيزها؟ إن الأمر يتطلب تنسيقا كبيرا للجهود، وذلك لن يكون ممكنا إلا إذا كان هناك فهم كامل للطبيعة الكارثية للمشكلة، ومن هنا يجب استخدام جزء من الموارد البشرية والمالية المخصصة لتطوير العلوم لإجراء حوار مع المواطنين حول حقيقة العلم من خلال برامج التعليم ووسائل الإعلام وحملات التوعية، وإقناعهم بأنه الأداة الأكثر موثوقية ومصداقية لفهم العالم والتنبؤ بالمستقبل.
ومن المهم أيضًا ألا نتحدث، نحن العلماء، عن نجاحاتنا فحسب، بل عن أخطائنا وشكوكنا وهواجسنا، ففي معظم الخطابات العلمية العامة، لا يوجد أي ذكر للمشقة وحالات التردد والمشاعر التي تصاحب عمليّة البحث العلمي.
إذا كانت نظرة الناس إلى العلماء أنهم ليسوا إلا جزءا من طبقة النخبة العليا، فإن الخطوة الأولى لاستعادة الثقة قد تكون جرعة من التواضع، لإظهار أننا بشر لا نختلف عن أولئك الذين لا يثقون بنا.
جورجيو باريسي عالم فيزياء نظرية ومؤلف كتاب (رحلة طائر الزرزور: أعجوبة الأنظمة المعقدة). وفاز مع كلاوس هاسيلمان وسيوكورو مانابي بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2021.
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العلم
إقرأ أيضاً:
جارديم يستعد لـ «النخبة الآسيوية» بتغييرات في تشكيلة العين
معتز الشامي (أبوظبي)
رفع الجهاز الفني للعين، بقيادة البرتغالي جارديم، شعار «لا وقت للراحة»، استعداداً للمواجهة المرتقبة أمام الأهلي السعودي، يوم الاثنين المقبل، على استاد هزاع بن زايد، ضمن «الجولة الخامسة» من «دوري أبطال آسيا للنخبة»، والتي يحتاج فيها «الزعيم» إلى الفوز لإبقاء حظوظه قائمة في المنافسة على مركز مؤهل إلى دور الـ16 من البطولة، خاصة أن «البنفسج» يملك نقطة واحدة في «مجموعة الغرب».
وتكتسب المباراة أهمية خاصة لدى جارديم، لأنها محطته الأولى مدرباً للفريق، بعدما تولى المسؤولية مطلع نوفمبر الجاري، ونجح في قيادة العين إلى الفوز على العروبة 4-2، ضمن «الجولة الثامنة» من «دوري أدنوك للمحترفين».
وخرج «الزعيم» من مباراة العروبة بمكاسب تجاوزت النقاط الثلاث، وأبرزها تعزيز مفاهيم وفلسفة التدريب للجهاز الفني الجديد الذي تولى المهمة خلفاً للأرجنتيني كريسبو، بجانب وضع جارديم يده على نقاط القوة والضعف في أداء الفريق، خصوصاً غياب التركيز في النصف الأخير من المباراة للاعبي الدفاع، ومنح الفرصة لعناصر جديدة استطاعت أن تثبت قدراتها، وعلى رأسها محمد عوض الله الذي صنع هدفاً وسجل آخر، وكان أحد أخطر لاعبي «الزعيم».
ورغم عدم حصول اللاعبين الدوليين على الراحة الكافية، إلا أن إصرارهم على المشاركة يعد «نقطة إيجابية» تعكس حرص «كتيبة البنفسج» على ضرورة استعادة مسار الانتصارات في توقيت حاسم من الموسم، بعد تراجع الأداء واهتزاز النتائج، محلياً وقارياً.
ويحتاج جارديم لتجهيز جميع اللاعبين، وبدء تنفيذ أفكاره التكتيكية والفنية للتحضير للمواجهة المرتقبة أمام الأهلي السعودي يوم الاثنين المقبل، وتتطلب المباراة ضرورة إجراء بعض التغييرات على تشكيلة العين خاصة في الوسط والدفاع، وهو ما يعمل عليه الجهاز الفني، للوصول إلى «التوليفة» الأنسب القادرة على خطف نقاط المباراة، بما يعزز فرص الفريق في المنافسة على بطاقة مؤهلة إلى دور الـ16 من البطولة القارية التي يحمل لقبها.