لجريدة عمان:
2025-02-12@01:42:35 GMT

كيف فقد العالم ثقته في العلماء؟

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -

في العام الماضي، مع تضاؤل عدد الإيطاليين الذين حصلوا على جرعة معززة رابعة من لقاح كوفيد، وكوني من العلماء، طلبت مني وزارة الصحة في البلاد، الظهور في إعلان تلفزيوني مدته 50 ثانية، لأشرح لماذا يجب أن يحصل الأشخاص الأكثر عرضة للمرض على جرعة أخرى. بُثّ الإعلان مئات المرات على شاشة التلفزيون، وبعدها تلقيت العديد من رسائل البريد الإلكتروني تشن هجوما عليّ، واتّهِمْتُ على منصتي إكس وفيسبوك بأنني شخص يعمل لصالح شركات الأدوية الكبرى.

في ذروة الوباء في أكتوبر 2020، مررت بتجربة مماثلة، فقد كنت آنذاك رئيسًا لأكاديمية (دي لينسي)، الأكاديمية العلمية الأكثر أهمية في إيطاليا، وكانت موجة كوفيد الثانية القاتلة من كوفيد قد بدأت تجتاح البلد، فكتبت مقالا طويلا، سلّطت فيه الضوء على الوضع الوبائي بالتفصيل، وأكدت أنه إما أن نتخذ تدابير جذرية على الفور، أو نتوقع وفاة 500 حالة يوميا بحلول منتصف نوفمبر، ولسوء الحظ كان تنبؤي دقيقا. مباشرة بعد نشر المقال، تلقيت رسائل بريد إلكتروني تخبرني بأشد العبارات أنه من الأفضل ألا أتدخل في شؤون الآخرين.

جعلتني هذه الأحداث ألاحظ ظاهرة أصبحت مألوفة لدي بشكل متكرر، وهي اهتزاز الثقة في العلم. ويبدو الأمر متناقضًا إلى حد ما، فمع اعتماد مجتمعاتنا بشكل متزايد على التكنولوجيا المتقدمة القائمة على الاكتشافات العلمية، أصبح الناس أكثر تشكيكًا في العلماء.

كيف يمكننا أن نفهم هذا؟ هناك عوامل كثيرة قد تخطر على البال، فقد دأبت على التفكير في تضاؤل أهمية الكلمة المطبوعة على مدى العقود الماضية لصالح الوسائط المرئية القصيرة، بداية من التلفزيون، وليس انتهاء بتطبيق التيك توك. إنّ المناظرات المتلفزة تتطلب رد فعل سريعا، في حين أن العلماء معتادون على دراسة القضايا بشكل مطول ولا يحكمون فيها إلا بعد تفكير عميق. بالإضافة إلى ذلك، لا يقتصر المحتوى المرئي الناجح على كونه صحيحًا فحسب، بل يتعلق أيضًا بإثارة تعاطف المشاهد عن طريق الأشخاص الذيم يقدمون هذا المحتوى، وهذا لا يتأتى بسهولة للعلماء.

قد يكون للصعوبات الحالية جذور أعمق، فنحن ندخل فترة من التشاؤم بشأن المستقبل ترجع أسبابها إلى الأزمات بمختلف أنواعها: الاقتصادية، والمناخية، واستنزاف الموارد، إِذْ تشهدُ العديدُ من البلدان تزايدا في حالات انعدام العدالة، وانحسارا في معدل الأمان الوظيفي، وزيادة البطالة، ونشوب الحروب المباشرة.

وفي حين كان يعتقد ذات يوم أن المستقبل سيكون بالضرورة أفضل من الحاضر، فإن الإيمان بالتقدم والتطور قد تلاشى بالرغم من وجود ثروات طائلة ومتنوعة يتمتع بها البشر، ولذلك يخشى كثيرون، ولسبب وجيه، أن يكون حال الأجيال المقبلة أسوأ من الأجيال الحالية. إن العلم الذي اعتاد أن يعزى إليه الفضل في التقدم الحضاري، يتلقى اليوم اللوم عن التقهقر الحاصل، وسواء كان هذا التقهقر حقيقيا أو مجرد تصور، فهذا لا يهم. أحيانا، ينظر إلى العلم أنه مُعَلِّمٌ سيئ أرشدنا إلى الاتجاه الخاطئ، وتغيير هذا المنظور ليس بالأمر السهل.

باختصار، ينظر إلى العلماء أنهم جزء من طبقة النخبة، وبالتالي هم ليسوا جديرين بالثقة، ذلك أن الاهتمام المتزايد من جانب مجموعة صغيرة من العلماء بتسجيل براءات الاختراع وتحقيق مكاسب مالية فردية من خلال اكتشافاتهم يعزز من فكرة التماهي مع طبقة النخبة، ومع هذا، فإن الروابط الممتدة بين العلم والصناعة أو حالات من الاحتيال العلمي لا تغير حقيقة أساسية مفادها أن العلم يقدم تنبؤات صحيحة تصبح ذات مصداقية، بعد التدرج في تكوين الإجماع العلمي. إن تكوين الإجماع هو العملية التي تُحدث فرقا حقيقيا، لأنها تشمل المجتمع العلمي بأكمله وهذه عملية لا يمكن التلاعب بها.

وللأسف، فإنَّ انعدام الثقة هذا قد يخلف تأثيرات كارثية، فإذا لم يثق المواطنون في العلم، فلن نتمكن من مكافحة الاحتباس الحراري العالمي، والأمراض المعدية، والفقر والجوع، واستنزاف الموارد الطبيعية لكوكب الأرض.

ولكن كيف يمكن استعادة الثقة وتعزيزها؟ إن الأمر يتطلب تنسيقا كبيرا للجهود، وذلك لن يكون ممكنا إلا إذا كان هناك فهم كامل للطبيعة الكارثية للمشكلة، ومن هنا يجب استخدام جزء من الموارد البشرية والمالية المخصصة لتطوير العلوم لإجراء حوار مع المواطنين حول حقيقة العلم من خلال برامج التعليم ووسائل الإعلام وحملات التوعية، وإقناعهم بأنه الأداة الأكثر موثوقية ومصداقية لفهم العالم والتنبؤ بالمستقبل.

ومن المهم أيضًا ألا نتحدث، نحن العلماء، عن نجاحاتنا فحسب، بل عن أخطائنا وشكوكنا وهواجسنا، ففي معظم الخطابات العلمية العامة، لا يوجد أي ذكر للمشقة وحالات التردد والمشاعر التي تصاحب عمليّة البحث العلمي.

إذا كانت نظرة الناس إلى العلماء أنهم ليسوا إلا جزءا من طبقة النخبة العليا، فإن الخطوة الأولى لاستعادة الثقة قد تكون جرعة من التواضع، لإظهار أننا بشر لا نختلف عن أولئك الذين لا يثقون بنا.

جورجيو باريسي عالم فيزياء نظرية ومؤلف كتاب (رحلة طائر الزرزور: أعجوبة الأنظمة المعقدة). وفاز مع كلاوس هاسيلمان وسيوكورو مانابي بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2021.

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العلم

إقرأ أيضاً:

د.الغذامي : تناولت في كتابي “الثقافة التلفزيونية .. سقوط النخبة وبروز الشعبي” التحول الثقافي بفعل وسائل الإعلام الحديثة

الثقافية – الكويت

احتفى مهرجان القرين الثقافي مساء اليوم الأحد بشخصية دورته الـ30 أستاذ النقد والنظرية الدكتور عبدالله الغذامي لإسهاماته الفكرية والثقافية المميزة التي أثرت الحقل الثقافي العربي لعقود.
وتحدث الغذامي في جلسة حوارية أقيمت بالتعاون مع مركز منار الثقافي وأدارتها ألطاف المطيري في فندق سانت ريجيس عن مسيرته في عالم النقد والأدب وبداياته في التعمق والبحث العلمي والأدبي.
وقال الغذامي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن اختياره شخصية مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ30 من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب “شرف جاء في توقيت مميز” إذ تزامن مع مرور نحو 40 عاما منذ بداية علاقته الثقافية مع (المجلس الوطني) وذلك في عام 1985.
وأضاف أنه حضر مع الكثير من النقاد العرب جلسات وندوات ومحاضرات نظمها (المجلس الوطني) شكلت ذاكرة لهم مع المجلس ودولة الكويت.
وتطرق الغذامي خلال الجلسة إلى عدد من كتبه مبينا أنه قدم في كتابه (الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية) رؤيته النقدية التي جمعت بين البنيوية والتفكيك وركز على تحليل النصوص الأدبية العربية وفق آليات منهجية جديدة مشيرًا إلى كتابه (النقد الثقافي.. قراءة في الأنساق الثقافية العربية) الذي ناقش فيه الأنساق المالية في الثقافة العربية وكيف تؤثر على تشكيل النصوص والقيم المجتمعية.
وأفاد بأنه تناول في كتاب (الثقافة التلفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي) التحول الثقافي الذي أحدثته وسائل الإعلام الحديثة خصوصا التلفزيون مستعرضا كيفية إسهام الثقافة التلفزيونية في بروز الثقافة الشعبية على حساب الثقافة النخبوية.
وتحدث عن كتابه (المرأة واللغة) الذي تناول فيه قضايا المرأة العربية من منظور نقدي محللا الصور النمطية التي رسختها الثقافة الذكورية في الأدب العربي منتقدا الأنماط اللغوية التي ترسخ الهيمنة الذكورية قائلا إن اللغة ذاتها تستخدم كوسيلة لإقصاء المرأة أو حصرها في أدوار تقليدية.
ودعا إلى كسر هذه الصور النمطية وإعادة قراءة النصوص من منظور نسوي يبرز دور المرأة كفرد مستقل ومؤثر مبينا أن النقد النسوي لا يمكن عزله عن النقد الثقافي لأن القضايا النسوية مرتبطة بالأنساق الثقافية التي تشكل بنية المجتمع.
وقال الغذامي إن المرأة ليست مجرد موضوع للنقاش أو التحليل إنما هي جزء أساسي من الثقافة سواء ككاتبة أو قارئة مشجعا على الاعتراف بدورها الفاعل في تشكيل الفكر والأدب بعيدا عن الصور النمطية التقليدية.
ويبعث مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ30 برسالة واضحة مفادها أن الثقافة هي عماد التنمية والتقدم ويأتي تكريم الدكتور عبد الله الغذامي تجسيدا لجهود المهرجان في الاحتفاء بالمفكرين والنقاد الذين أثروا الفكر العربي وأسهموا في تعزيز القيم الثقافية وتسليط الضوء على شخصيات بارزة كان لها أثر كبير في تعزيز الوعي الثقافي والفكري.
ولد الغذامي في المملكة العربية السعودية عام 1946 ويعتبر أحد أبرز النقاد والمفكرين في العالم العربي وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب من جامعة إكستر في المملكة المتحدة ومنذ ذلك الحين قدم إسهامات كبيرة في مجالات النقد الأدبي والفكر الثقافي والتحليل السيميائي.
وتميز الغذامي بتبنيه منهجيات نقدية حديثة من بينها النقد الثقافي حيث قدم أطروحات عميقة حول العلاقة بين النصوص والأنساق الثقافية ومن أشهر أعماله كتاب (النقد الثقافي.. قراءة في الأنساق الثقافية العربية) الذي شكل نقلة نوعية في فهم التقاليد الثقافية والاجتماعية في العالم العربي كما كان له دور ريادي في تقديم النقد النسوي حيث ناقش قضايا المرأة في الأدب العربي وأثر التقاليد على تشكيل صور المرأة في النصوص الأدبية.
وأصدر الغذامي العديد من المؤلفات التي أصبحت مرجعا في الدراسات النقدية من بينها (الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية) و(الثقافة التلفزيونية) و(سقوط النخبة وبروز الشعبي) و(الكتابة ضد الكتابة). وإلى جانب مؤلفاته شارك الغذامي في مئات الندوات والمؤتمرات الثقافية على المستويين المحلي والدولي مما جعله رمزا للحوار الثقافي وقدم إنتاجا علميا غنيا ومتنوعا أثرى به الساحة النقدية والفكرية العربية ويشمل كتبا وأبحاثا تناولت مختلف قضايا الأدب النقد الثقافي والفكر المعاصر وقضايا النسق الثقافي.
وتناول موضوع الحداثة بشكل واسع وعميق واعتبر من أبرز المفكرين العرب الذين ساهموا في تفكيك هذا المفهوم وتحليل تطوراته في السياق العربي خاصة في المملكة العربية السعودية وقدم رؤية نقدية تربط بين الحداثة كظاهرة فكرية وثقافية وبين التحولات الاجتماعية والسياسية التي أثرت في تبنيها أو مقاومتها.
ومن أبرز أعماله التي تناولت هذا الموضوع كتاب (حكاية الحداثة في السعودية) الذي يعد وثيقة نقدية وتحليلية فريدة حول صراع الحداثة في المجتمعات المحافظة.
وعمل الدكتور الغذامي أستاذا في الأدب والنقد الحديث بجامعة الملك سعود في الرياض وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت موضوعات النقد الحديث وقدم محاضرات ومداخلات في مؤتمرات أدبية وثقافية حول العالم.
ومن مساهماته الإعلامية كتابة مقالات دورية في صحف عربية بارزة تناولت قضايا ثقافية وفكرية معاصرة وكان لإنتاجه العلمي أثر كبير في تطور النقد الأدبي والثقافي العربي ولقد ساهم في نقل النقد من التحليل الأدبي البحث إلى دراسة الثقافة ما أطلق عليه (النقد الثقافي).
ويعتبر الدكتور الغذامي من أوائل المفكرين العرب الذين أولوا اهتماما عميقا بالنقد النسوي حيث قدم أطروحات متميزة ساهمت في إعادة النظر في علاقة المرأة بالخطاب الأدبي والثقافي في العالم العربي. ولا يقتصر نقده النسوي على الدفاع عن حقوق المرأة بل يتعدى ذلك إلى تحليل جذور التحيزات الثقافية واللغوية التي تكرس الصورة النمطية للمرأة في الأدب والمجتمع.

مقالات مشابهة

  • د.الغذامي : تناولت في كتابي “الثقافة التلفزيونية .. سقوط النخبة وبروز الشعبي” التحول الثقافي بفعل وسائل الإعلام الحديثة
  • دار الإفتاء وأكاديمية البحث العلمي توقعان مذكرة تعاون
  • فوز الحشد الشعبي وكربلاء والسليمانية في دوري النخبة لكرة اليد
  • «الإفتاء» وأكاديميـة البحث العلمي والتكنولوجيا يوقعان مذكرة تعاون مشترك
  • مذكرة تعاون بين دار الإفتاء وأكاديميـة البحث العلمي والتكنولوجيا
  • فوز الشرطة وديالى والكوفة في دوري النخبة العراقي لكرة اليد
  • فساد بالمليارات .. ترامب يؤكد ثقته في الكشف عن احتيال البنتاغون.
  • فساد بالمليارات.. ترامب يؤكد ثقته في ماسك للكشف عن احتيال البنتاغون
  • كاتب مصري يهاجم نخبة السعودية على خلفية التطبيع.. كيف ردّ أحد الأمراء؟
  • كاتب يهاجم السعودية بتدوينة لاذعة عن موقف النخب من حرب غزة وأمير سعودي يرد