قانون خفض التضخم لا يشكّل مخاطر كبيرة على الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -
لقد أثار قانون خفض التضخم، الذي أقرّته الولايات المتحدة قبل عام من الآن، قدرا كبيرا من القلق في أوروبا. هذا البرنامج الطموح الهادف إلى حماية المناخ وتنمية الصناعات الخضراء هو موضع ترحيب، لكن مضامينه الحمائية تبدو تهديدا للاقتصاد الأوروبي.
إن هذا القانون، من خلال كونه ينصّ صراحةً على تخصيص الدعم الحكومي للإنتاج المحلي، أي بمعنى آخر الترويج لشعار «صنع في الولايات المتحدة» في انتهاكٍ لقواعد منظمة التجارة العالمية، يثير مخاوف الأوروبيين الذين يخشون انتقال الشركات الأوروبية نحو الولايات المتحدة، أو حتى السباق بين الدول على تقديم الإعانات للشركات الخاصة، مما قد يجعل التحول نحو الاقتصاد الأخضر أكثر تكلفة.
كيف ينبغي أن يكون الردّ الأوروبي؟ من أجل إلقاء إضاءات على هذا النقاش، قام المجلس الفرنسي الألماني للخبراء الاقتصاديين بمراجعة هذا البرنامج الأمريكي بالتفصيل وتقييم آثاره الاقتصادية.
وإذا كان من الضروري تبديد المخاوف من حدوث صدمة اقتصادية، فإن قانون خفض التضخم يذكّرنا بحجم التحدّي الصناعي المتمثل في إزالة الكربون من اقتصاداتنا. إن الاستجابة المنسَّقة، التي تدفع بالبرامج الأوروبية قُدما بشكل أسرع وأبعد، والتي تستثمر في التحوّل الطاقي السريع القائم على الطاقات المتجددة، ولكن أيضا على الدعم المتبادل للطاقة النووية الفرنسية والهيدروجين الألماني، هي الإستراتيجية الأفضل من أجل رفع هذا التحدّي.
تكمن ملاحظتنا الأولى في أن أهمية قانون خفض التضخم يجب أن يُنظر إليها على نحوٍ نسبي. إن التكلفة الإجمالية لـهذا القانون، والمقدّرة في أفضل الأحوال بـ 390 إلى 900 مليار دولار (حوالي 365 إلى 844 مليار يورو) للفترة 2023-2031، تعادل الحجم المالي الإجمالي المرصود لمختلف البرامج التي أطلقها الاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق الأهداف المناخية وتسهيل التحول الأخضر. وعلاوة على ذلك، تُظهر تقديراتنا إلى أنه لن يكون للإعانات الممنوحة في إطار قانون خفض التضخم إلا تأثير ضئيل على الاقتصاد الكلي سواء في الولايات المتحدة كما في الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، لا بد من تجنّب حرب صناعية مفتوحة سواء مع الولايات المتحدة كما داخل الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن هذا الإطار الجديد يمكن أن يشجّع صناعات معيّنة على الاستثمار بشكل أكبر في الولايات المتحدة بدلا من الاتحاد الأوروبي؛ ولهذا السبب تحديدا قمنا بمراجعة أكثر تعمّقا لآثار هذا القانون على المستوى القطاعي.
فيما يتعلق بإنتاج السيارات الكهربائية على وجه الخصوص، فإنه ليس من المرجّح أن يؤدي توسع السوق الأمريكية إلى تحويل الطلب أو الإنتاج بشكل كبير من أوروبا، التي ستظل في 2030 سوقا أكثر أهمية من الولايات المتحدة من حيث المبيعات. يتميز سوق السيارات، في الواقع، بطابع قارّي حيث تشجّع تكاليف النقل والرسوم الجمركية إلى حدّ كبير على توطين مواقع الإنتاج محلّيا. وبشكل عام، فإن قانون خفض التضخم لا يشكّل مخاطر كبيرة على الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي.
يبدو لنا أن استراتيجية قانون خفض التضخم، والتي تتمثل أساسا في منح إعانات لدعم الإنتاج والاستثمار، أقل فعّالية في مواجهة تحديات إزالة الكربون مقارنة بتلك التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن في الوقت نفسه تسعير الكربون والتدخل الصناعي المستهدَف.
وعلى الرغم من ذلك، يتعيّن على أوروبا أن تتعلّم من بساطة وسرعة المقاربة التي اعتمدها قانون خفض التضخم من خلال إيلاء الأهمية لتبسيط وتسريع الإجراءات الأوروبية التي تنظّم عملية منح الإعانات. وينبغي تركيز هذا الدّعم على القطاعات التي لها آثار خارجية بيئية وتكنولوجية كبيرة، والتي تتمتع فيها بلدان الاتحاد الأوروبي بالفعل بمزايا نسبية مقارنةً بشركائها ومنافسيها.
إن الفارق الكبير في أسعار الطاقة الذي نلاحظه بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أكثر من قانون خفض التضخم نفسه، هو الذي من المرجّح أن يكون له تأثير كبير على جاذبية أوروبا وعلى القدرة التنافسية لصناعاتها. ولهذا السبب فإن الجهود المتضافرة من أجل خفض أسعار الطاقة في أوروبا تشكل ضرورة أساسية. ومن المهم بالتالي التسريع من وتيرة نشر استخدام مصادر الطاقة المتجددة من أجل تعزيز إمدادات الطاقة.
وفي مجال إنتاج الطاقة التقليدية، اعتمدت كلٌّ من ألمانيا وفرنسا استراتيجيات مختلفة. نحن ندعو إلى دعم متبادل، خاصّة من خلال تصنيف محطات الطاقة النووية ومحطات غاز الهيدروجين كتقنيات انتقالية على طريق الحياد المناخي على مستوى التصنيف المعتمد من طرف الاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك، فكلا البلدين سوف يكسبان الكثير بفضل تكثيف تعاونهما في سبيل تطوير البنية التحتية الأوروبية للكهرباء والهيدروجين. ولا بد أن يشكّل إصلاح أسواق الكهرباء الأوروبية أيضا عنصرا أساسيا في أي سياسة صناعية خضراء أوروبية، وتظلّ سوق الكهرباء بالجملة أداة التنسيق الرئيسية من أجل ضمان كهرباء آمنة وخالية من الكربون وبأسعار معقولة على المستوى الأوروبي.
وأخيرا، نوصي بتأمين إمدادات المواد الخام من خلال تعزيز التعاون الدولي عبر الاتفاقيات التجارية ومنح الأفضلية للحوافز من أجل تطوير القدرات الوطنية على مستوى الإنتاج والتحويل. أما تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية من أجل إدانة البنود الحمائية في قانون خفض التضخم فلا يبدو لنا استراتيجية جيدة بالنظر إلى أن فرص نجاح مثل هذا الإجراء تبقى جد ضئيلة.
نحن نرى أن من الواعد أكثر استكشاف سبل التعاون مع الولايات المتحدة، في إطار يمكن أن نُدمج فيه معنا عددا معيّنا من الشركاء، مثل اتفاقيات التعديل عند الحدود المتعلقة بحماية البيئة (الحدّ من انبعاثات غاز الميثان على سبيل المثال).
كامي لونديه نائب رئيس مجلس التحليل الاقتصادي (فرنسا)، والرئيس المشارك للمجلس الفرنسي الألماني للخبراء الاقتصاديين.
مونيكا شنيتزر رئيسة المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين، والرئيس المشارك للمجلس الفرنسي الألماني للخبراء الاقتصاديين.
عن لموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی من خلال من أجل
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء فرنسا: رسوم جمركية أمريكية قد تُهدد النمو الاقتصادي في البلاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، إن "الرسوم الجمركية الأمريكية على فرنسا قد تكلف البلاد أكثر من نصف نقطة من الناتج الاقتصادي وتعرقل الجهود الرامية إلى تقليص العجز في الميزانية".
وأوضح بايرو - في تصريحات صحفية وفق ما أورده موقع "بيزنس توداي" الأمريكي المختص في الشؤون الاقتصادية - أن "خطر فقدان الوظائف كبير للغاية وكذلك خطر تباطؤ الاقتصاد وتوقف الاستثمار".
وحذر رئيس الوزراء الفرنسي أيضا من أن حربا تجارية قد تضر بجهود فرنسا لتقليص فجوة الميزانية، وأضاف "هدفنا هو العودة إلى نسبة 3% بحلول عام 2029 لكن الأزمة قد تغير كل شيء".
وفي الرابع من أبريل الجاري، استبعدت فرنسا فرض المزيد من التخفيضات في الإنفاق لتحقيق هدف تقليص العجز هذا العام إذا ما ألحقت حرب تجارية ضررا بالاقتصاد، مما يثير الشكوك حول جهود إصلاح المالية العامة المتداعية في البلاد.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في الثاني من أبريل عن فرض رسوم جمركية واسعة على الواردات إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك فرض ضرائب بنسبة 20% على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، في إطار سعيه لتفكيك النظام التجاري العالمي.
وتعهد الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، بالرد بإجراءات مضادة إذا لزم الأمر.