فى فيلا صغيرة لها حديقة بمصر الجديدة، توقفت سيارة مرسيدس سوداء موديل الستينيات، هبط منها رجل أنيق، طويل، صارم الملامح، ودلف سريعاً داخل البناء الذى لم يتصور أحد من المقيمين حوله ما يدور داخله. وقف شابان بالحديقة يتابعان عن كثب، وقال الأول للثانى: ألم تلاحظ شيئاً يا أحمد؟. ثمة شىء يحدث. ودخلا خلفه.
كان الشابان هما أحمد ماهر، وأحمد أبوالغيط، واللذان سيتوليان فيما بعد وزارة الخارجية تباعاً، بينما كان الرجل الأنيق هو محمد حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومى المصرى، وكان اليوم هو السبت السادس من أكتوبر 1973.
قبل أيام اتخذ الرئيس السادات قرار الحرب لاسترداد الأرض السليبة، واختار بعناية رجاله وعلى رأسهم «حافظ إسماعيل» الذى تمثلت مهمته فى مساعدة الرئيس فى إدارة الشق السياسى والدبلوماسى للحرب. وفى سبيل ذلك استعان «إسماعيل» ببعض الكوادر الشابة ذات الكفاءة.
ووفقاً لشهادة أحمد أبوالغيط فى الكتاب المهم جداً، الذى حمل شهادته حول «الحرب والسلام» فقد أيقن العاملون بمستشارية الأمن القومى وقتها أن الحرب ستندلع خلال ساعات، وبالفعل اجتمع «حافظ إسماعيل» بهم، وكلف أحمد ماهر بتسليم البيان الأول للقوات المسلحة لأشرف غربال فى مبنى ماسبيرو لإذاعته الساعة الواحدة والنصف ظهراً، وفيه نبأ قيام إسرائيل بشن غارات جوية ضد مصر، ورد مصر عليها.
وسأل «ماهر»عن موعد بدء العمليات، فأجابه «إسماعيل» بأنها الثانية وخمس دقائق، فاقترح «ماهر» تأجيل إذاعة البيان للثانية ظهراً، وهو ما وافق عليه مستشار الأمن القومى، ثم انطلقت الحرب.
واعترف الوزير النابه أحمد أبوالغيط بقلقه طوال أيام الإعداد، وخلال المعركة. وكتب بأنه لا يصدق السرعة التى تم بها العبور، ورغم التفاؤل السائد، فقد كان يأخذ جانب الحذر لأن هذا هو النهج الأنجح فى الصدامات المسلحة.
فقبل يومين، وتحديداً يوم الخميس 4 أكتوبر حضر السفير السوفيتى بالقاهرة لمقابلة حافظ إسماعيل، وسأله إن كانت مصر وسوريا تنتويان كسر وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ونصحه «إسماعيل» بالحديث مع الرئيس السادات. وفى يوم الجمعة الخامس من أكتوبر عاد السفير السوفيتى برسالة إلى السادات، حذر فيها مصر من أى عمل عسكرى ضد إسرائيل لأن القدرات غير متكافئة، وستنتصر إسرائيل.
لكن «السيف أصدق أنباء من الكتب» كما يقول أبوتمام، وبدأت مصر الحرب وانتصرت وكبدت إسرائيل خسائر جسيمة حتى يوم 14 اكتوبر عندما تم تطوير الهجوم لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وحدثت الثغرة، ونجح شعب السويس فى منع احتلال المدينة، لتبدأ مصر مرحلة عمل دبلوماسى رفيع يستهدف استعادة سيناء بالكامل.
وفى يناير 1974 انسحبت القوات الإسرائيلية تماماً من الجيب غرب القناة، وبدأت محادثات السلام، ثم أصابها الفتور حتى كسرها السادات بزيارته الاستثنائية إلى إسرائيل فى 19 نوفمبر 1977 ليطلق مبادرة سلام شامل تسترد مصر بموجبها أرض سيناء الحبيبة.
يوضح «أبوالغيط» فى شهادته أن أوضاع مصر قرب حرب 73 كانت حرجة، باقتصاد ضعيف، وبوادر فتنة طائفية، وغضب شعبى، وكان الجميع يدرك أن الإمكانات المتاحة محدودة، وأن الحرب هى حرب تحريك للقضية لا تحرير للأرض، وهو ما تحقق بنجاح ساحق.
لذا فإن كل رجال أكتوبر الاستثنائيين يستحقون تقديرنا. نغفر لهم ما قدموا وأخروا. ننحنى لتضحياتهم العظيمة، ونُجلّهم ونحفظ لهم امتنان الناس جيلاً وراء جيل. كلهم كلهم: السادات، أحمد إسماعيل، الشاذلى، الجمسى، على فهمى، حسنى مبارك، سعد مأمون، فؤاد ذكرى، عبدالمنعم خليل، عبدالمنعم واصل، وحافظ إسماعيل، وغيرهم من القادة والجنود، شكراً لا ينتهى أبداً.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سيارة مرسيدس الأمن القومي المصرى
إقرأ أيضاً:
بنك إسرائيل يبقي سعر الفائدة دون تغيير بسبب ارتفاع التضخم
قرر بنك إسرائيل المركزي إبقاء سعر الفائدة القياسي دون تغيير عند 4.50 بالمئة للمرة الثامنة على التوالي، مساء الاثنين، مشيرا إلى توقعات بارتفاع التضخم وعدم اليقين الاقتصادي بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس في غزة.
لكن محافظ البنك أمير يارون أبقى على احتمال خفض أسعار الفائدة إذا بدأت الضغوط على الأسعار في التراجع.
ويشعر صناع السياسات بالقلق أيضا بسبب علاوة المخاطر في إسرائيل، والتي انخفضت في الآونة الأخيرة بعد ارتفاع حاد في أعقاب بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023.
وكان بنك "جي بي مورغان" الأميركي قد خفض توقعات النمو في اسرائيل لعامي 2024 و2025 ما يشير الى غموض مستقبله ويقلق المستثمرين، بسبب التكاليف الباهظة للحرب على قطاع غزة وتصاعد التوتر العسكري مع جنوب لبنان وإيران
وذكر بنك جي بي مورغان أن الاقتصاد الاسرائيلي يعاني بعد تفاقم معدلات التضخم بسبب الحرب.