يتزايد نفوذ شركات الاستشارات الدولية في الدول العربية، لكن أنشطتها قد تتسبب في مخاطر للمصالح الأوروبية في المنطقة، ما يتعين معه على صناع القرار الأوروبيين اتباع حزمة إجراءات ضمن نهج أكثر استباقية.

ذلك ما خلص إليه الدكتور داود أنصاري، في مقال بـ"المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" (GIISA) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أنه "في جميع القطاعات العامة بالعالم العربي، تلعب الشركات الاستشارية الدولية بالفعل دورا محوريا وتعمل على توسيع عملياتها".

وأضاف أن "شركات استشارية شاركت في تصميم استراتيجيات رفيعة المستوى مثل "رؤية 2030" في السعودية و"الأجندة الخضراء" في المغرب، وحاليا تكثف أنشطتها في الاستراتيجيات الوطنية للطاقة والمناخ".

ومتحدثا عن "تأثيرات سلبية" لعمل تلك الشركات على العالم العربي، قال أنصاري إن "عملياتها لا تنطوي على أي مشاركة عامة محلية تقريبا؛ ما يقلل من شرعية وجودة السياسات الموضوعة ويقوض التنمية المحلية".

وزاد بأنه لتجنب هذه التأثيرات "لا بد من زيادة الوعي والمزيد من الشفافية حول أنشطة الشركات الاستشارية الدولية، وكذلك التدقيق فيما إذا كان من المناسب الاستعانة بها ومتى وإلى أي مدى".

و"بوسع الشركات الاستشارية، المسلحة بتكليفات من صناع القرار ذوي النوايا الحسنة، أن تلعب دورا مفيدا عبر نشر المعرفة الجديدة أو التحايل على الأطر الفاسدة"، كما أضاف أنصاري.

واستدرك: "لكن في النهاية، فإن الهيئات الإدارية المكلفة هي التي تتحمل المسؤولية عن تنمية بلادها، إذ تستجيب الشركات الاستشارية فقط للنظام البيئي السياسي الذي تعمل فيه".

وقال إن "نفوذ هذه الشركات في المنطقة أخذ في النمو، خاصة في مجال قضايا الطاقة والمناخ، فمثلا تتعاون مجموعة بوسطن الاستشارية مع حكومات عديدة بشأن الاستراتيجيات الوطنية لتحييد (انبعاثات غاز ثاني أكسيد) الكربون، في حين تتولى شركات استشارية أخرى مسؤولية استراتيجيات الهيدروجين".

اقرأ أيضاً

تقرير دولي: مشاريع رؤية 2030 في السعودية تجاوز قيمتها 1.25 تريليون دولار

المصالح الأوروبية

و"يتعين على صناع السياسات الأوروبيين أن يتوصلوا إلى كيفية التعامل مع هذه الجهات (الشركات) الفاعلة ذات الأهمية العالية؛ لأسباب منها أولا أن عملياتها تؤثر بشكل مباشر على المصالح الأوروبية الرئيسية في جميع أنحاء المنطقة"، كما أردف أنصاري.

وتابع: "ثانيا، الشركات الاستشارية من الممكن أن تخلق عقبات كبيرة أمام التنمية، وبالتالي تقوض الأهداف الأوروبية، كما يتطلب نموذج عملها علاقات وثيقة مع عملائها، ما قد يتعارض مع النهج القائم على القيمة في التعامل مع السياسات في أوروبا".

وأوضح: "مثلا عندما تنتهي الشركات الاستشارية إلى تعزيز الحكومات الاستبدادية أو المساهمة في حملات القمع التي تقودها الدولة، إذ استخدمت السعودية على سبيل المثال بيانات شركة ماكينزي (للاستشارات) لاضطهاد شخصيات المعارضة".

أنصاري أضاف: "وثالثا، من الممكن أن تؤثر الشركات الاستشارية أيضا على المصالح الألمانية والأوروبية فيما يتعلق بإدارة المعرفة ونقل التكنولوجيا، فالافتقار إلى الشفافية حول كيفية نقل البيانات وإلى مَن يتم نقلها يشكل مدعاة للقلق".

وزاد بأن هذه القضايا موجودة في جميع أنحاء العالم، لكنها "تتفاقم في مناطق مثل العالم العربي، حيث تندر مراقبة السوق المستقلة والمساءلة أمام البرلمانات أو مكاتب التدقيق، وهي العوامل التي يمكن أن تخفف من بعض المخاطر".

اقرأ أيضاً

بفضل السعودية.. شركات استشارات بريطانية تتجنب خفض أجور موظفيها

نهج استباقي

و"نظرا لهذه التعقيدات، ينبغي لصناع القرار الألمان والأوروبيين أن يفكروا في اتباع نهج أكثر استباقية في التعامل مع الشركات الاستشارية"، كما أردف أنصاري.

وقال إن معرفة بعض الشركات الاستشارية يمكن استخدامها ليس فقط لتعزيز المنافسين الصناعيين الأجانب، بل وأيضا للكشف عن أسرار الدولة، وبينها المعرفة حول البنية التحتية الحيوية، مثل الطاقة والمياه والشبكات السيبرانية.

وتابع أن الشركات الاستشارية تحاول التخفيف من هذه المخاطر عبر فصل التدفق الداخلي للمعلومات عندما تكون هناك مصالح متضاربة، ولكن لا يمكن مراقبة ما إذا كانت الشركات تفي بالتزاماتها الأخلاقية.

و"على الرغم من أنه لا يمكن أبدا حماية مصالح الأمن القومي بشكل كامل، إلا أن صناع القرار يمكنهم تخفيف المخاطر عبر تحديد شروطهم الخاصة عند التعاقد مع شركات استشارية"، بحسب أنصاري.

وأردف: "وبما أن الأنشطة الاستشارية يمكن أن تؤثر على المصالح الغربية، فهناك أسباب للدعوة إلى التنظيم، بما في ذلك فرض قيود على نطاق و/أو موقع أنشطة الشركات"، مضيفا أنه "يتعين على الدول الأوروبية على الأقل أن تطالب الجهات الاستشارية بالمزيد من الشفافية بشأن أنشطتها في العالم العربي وخارجه".

اقرأ أيضاً

مسؤولة بالموساد تقدم استشارات لرجال أعمال في الإمارات والسعودية

قدرات محلية

أنصاري قال إن "التغلب على هذه التحديات في العالم العربي يتطلب بناء واستخدام القدرات المحلية للتنافس مع الشركات الاستشارية المتعددة الجنسيات، ومن الممكن أن تدعم ألمانيا وغيرها من الجهات الأوروبية الفاعلة هذه العمليات بالتعاون بين الحكومات أو من خلال وكالات التنمية التابعة لها".

واستدرك: "لكن مثل هذه المساعي تخاطر بإثارة اتهامات بالاستعمار الجديد، بل ويمكن أن تخلق تبعيات جديدة (...) ومن ثم، ينبغي تعزيز المؤسسات القائمة بدلا من إنشاء مؤسسات جديدة".

واعتبر أن "وسائل التأثير الأكثر مباشرة في ألمانيا وأوروبا تتمثل في التفويضات التي يوزعونها، كما يحدث مثلا في مجالات المساعدات الإنسانية والتنموية (..) فإعطاء الأولوية للمنظمات المحلية على الكيانات متعددة الجنسيات يمكن أن يخفف من بعض المشاكل".

و"الحجة التي كثيرا ما يُستشهد بها بأن تدابير الشفافية والجودة ومكافحة الفساد تتطلب مشاركة مقدمي الخدمات الدوليين، لا أساس لها من الصحة، وحتى المنظمات العالمية ليست محصنة ضد الفساد"، كما تابع أنصاري.

اقرأ أيضاً

قطر تتعاقد مع شركة استشارية أمريكية لمكافحة تمويل الإرهاب

المصدر | داود أنصاري/ المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العالم العربي نفوذ أنشطة العالم العربی صناع القرار اقرأ أیضا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: العالم العربي قوي ويفرض كلمته على الجميع.. فيديو

أكد الإعلامي أحمد موسى أن الدول العربية تمتلك ثقلًا دوليًا كبيرًا، وكلمتها مسموعة على الساحة العالمية، مشددًا على أن هناك إجماعًا عربيًا على دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

خبر سار يهم المصريين بشأن حقل ظهر.. أحمد موسى: هيوفر 1.5 مليار دولارمؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي| أحمد موسى: أبو العينين طرح فكرة بإنشاء مناطق صناعية لدول بمصر

وخلال تقديمه برنامج «على مسئوليتي» على قناة “صدى البلد”، أوضح أحمد موسى أن أي مقترحات تمس القضية الفلسطينية ستواجه موقفًا عربيًا موحدًا، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني له الحق الكامل في البقاء على أرضه.

وعلّق أحمد موسى على الأحاديث المتداولة بشأن تهجير الفلسطينيين قائلًا: "هل يعقل أن يتم نقل 1.7 مليون فلسطيني عبر طائرات أو سفن، العالم العربي لن يسكت ولن يسمح بذلك ولن يترك أولاده، العالم العربي قوي جدا، فهذه قضيته المركزية".

كما انتقد بشدة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، معتبرًا أنها "تصريحات بجحة" لا يمكن القبول بها.

وأشار إلى أن مصر رسمت خطًا أحمر جديدًا وأدانت بأشد العبارات التصريحات الإسرائيلية تجاه المملكة العربية السعودية، في موقف يؤكد الدور المصري المحوري في الدفاع عن القضايا العربية.

وشدد موسى على أن الوضع الحالي في المنطقة يتطلب مواقف حاسمة لحماية الحقوق العربية والتصدي لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطيني

مقالات مشابهة

  • باحث: الأمن القومي العربي خط أحمر ولا يمكن التعدي عليه
  • بسمة وهبة: وحدة الصف العربي لم ولن تموت أو تنتهي
  • الثامن عربيا بالفساد .. العراق يحرز تقدماً ضمن قائمة الدول الأكثر شفافية في العالم
  • القمة الدولية لحقوق الأطفال
  • أردوغان ردا على ترامب: لا يمكن لأحد في العالم تهجير الفلسطينيين
  • المفوضية الأوروبية: مراقبة تداعيات فرض أمريكا عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
  • فساد الشرعية.. خذلان متزايد وتواطؤ مع الحوثيين
  • قيومجيان: حكومة سيادية متحررة من نفوذ ايران وحزبها
  • فاينانشال تايمز: الشركات الأوروبية تحذر من الغموض بشأن الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب
  • أحمد موسى: العالم العربي قوي ويفرض كلمته على الجميع.. فيديو