هل القصيدة عند الشاعر المبدع نزار قباني أهم من الحبيبة أم لا؟ (6)
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
عندما قلت للشاعر المبدع نزار قبانى أعرف أنك ضد الوظيفة أليس هذا صحيحا؟.. فوجئت به يضحك من قلبه وقد امتلأت ملامح وجهة بهجة وسرورا وهو يقول: نعم.. أنا ضد الوظيفة أصلا لأنى فى الأساس ضد العبودية فطبيعتى أننى لا أتلقى الأوامر من أحد وهى طبيعة الشعر لأنه لو تلقى الأوامر لكان عبدا.. الشعر جذوة الحرية.
ملحوظة: عندما حكى الكاتب الساخر محمود السعدنى عن ذكرياته عام ١٩٤٥ وتكلم عن أشهر قهوة فى مصر وهى قهوة عبد الله بالجيزه قال أن هذه القهوة كانت من أشهر المقاهى وكان زبائنها فى الصباح من تجار القطن القادمين من الْأَرْيَافِ وأيضا السماسرة وفى المساء كانت ملتقى زبدة مصر من الْكِتَابِ والشعراء وشخصيات من عظماء مصر على حد تعبيره وقال انه كان يذهب هو وصديقه الفنان أحمد طوغان رسام الكاريكاتير صحبه الشاعر زكريا الحجاوى أحد رواد الفن الشعبي المصري إلى هذه القهوة وفيها يلتقى بالكثير من الأدباء والمفكرين مثل الكاتب الكبير أحمد رشدى صالح رائد الفن الشعبي والناقد الأدبى الدكتور عبد القادر القط والناقد أنور المعداوى ومن الشباب آنذاك الشاعر صلاح عبد الصبور وقال انه فوجئ بتردد شاب سوري صغير وعندما لاحظ تردده الدائم سأله عن اسمه فقال له نزار قباني الذى أصبح الآن أشهر شاعر فى الوطن العربى مما يعطيك فكرة عن حرص هذا الشاعر على الحضور فى اى مكان حتي ولو كان في قهوة للاستفادة من فكر وأدب المبدعيين ويستمع الى ما يدور من مناقشات أدببة وفكرية تزيدة ثقافة ومعرفة ..وهذا ما يؤكد لك إلى اى مدى كان هذا الشاعر حريصا على ان يحقق التميز والإبداع في شعره.
أكمل الشاعر المتميز نزار قبانى حديثه بأنه انتقل من مصر إلى تركيا ثم لندن. وبعدها ذهب الى الصين ثم أسبانيا.. وهى آخر عمل له حيث قدم استقالته عام ١٩٦٦..وأكد الشاعر نزار قبانى على انه خلال ترحاله تعرف على شعوب مختلفة ورأي عادات وأخلاق بشر.. وتنقل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. فقد عرف الحضارة الأسيوية وعرف الحضارة الغربية وعرف تفكير عقليات مُتَفَاوِتة أضيفت إلى مخزونه الداخلى.
صمت بعدها لحظة ثم أضاف لقد أسست دارا للنشر فى بيروت بعد كل هذا وهى منشورات قبانى.. ولا تزال قائمة وكانت هذه الدار حلما لى.. وهى لا تنشر إلا شعرى فقط.
قلت له ولماذا لا تنشر الا شعرك فقط؟
بثقه الشاعر المرهف الحس قال: لأننى لا أريد أن أكون تاجر كتب.. كنت أريد فقط أن أطبع دواوينى بذوقى الخاص.. أختار الورق الذى يلائمه.. الرسوم.. الحروف.. الغلاف.. لذة خاصة لى.
استكملت حوارى معه وقلت له هل يمكن ان تفسر لى سبب حديثك المسهب عن والدك صانع الحلوى وعدم تناولك الحديث عن والدتك؟
تغيرت فجأة كل ملامح وجهه وظهر وكأنه طفل صغير استعاد حزءا من ذكريات الطفولة وهو يقول لى: أمى إمرأة بسيطة.. كانت الحقيقة إمرأة محبة..تحب زرع الأزهار ومغرمة بالنباتات فحولت الدار الدمشقية دار الطفولة إلى جنة تجرى من تحتها الأنهار.. كان بينى وبينها روابط خصوصية جدا..روابط تفضلنى بها عن أخوتى.. هذا الامتياز من الحنان ربطنى بها جدا.
قلت له إذن كان لوالدتك تأثير عليك؟
بإذن الله الأسبوع القادم أكمل حوارى مع نزار قبانى أكبر شاعر فى الوطن العربى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نزار قباني
إقرأ أيضاً:
الشاعر شكيب جهشان.. معلم الانتماء الوطني الفلسطيني والجندي المجهول
لم يسعَ يوماً للصدارة، ولا أن يكون الرجل الأول، أو صاحب الكاريزما القيادية، ولا الشاعر النجم صاحب القصائد المنبرية المصوّرة والمشهورة، ابتعد عن الظهور والصف الأول في المناسبات العامة.
كان الرجل الخفي والجندي المجهول، متواضعاً، بعيداً عن الغرور (الذي يصيب الشعراء النجوم)، وعن الكاميرا والصورة. كان معروفاً بتواضعه وتمسكه بالقيم الوطنية التي ربى تلاميذه عليها وعلى حب الوطن والانتماء. اعترف له كبار نجوم الشعر المقاوم تحت الاحتلال بفضله عليهم في تشرّب الروح الوطنية وحب اللغة العربية كوسيلة لمقاومة الاحتلال.
كان مخلصاً لأصدقائه الأحياء، وفياً للراحلين، حريصاً على إرثهم وإحياء ذكراهم، من دون أن يتصدر المشهد..
فمن هو شاعرنا؟
إنه الشاعر شكيب نجيب جهشان، ابن قرية المغار في قضاء طبريا المولود فيها سنة 1936. وفي مدرستها الابتدائية تلقى علومه الأولية قبل أن ينتقل إلى الناصرة ويلتحق بمدرستها الثانوية.
تخرج عام 1955 من المدرسة الثانوية، وعمل معلِّماً في وزارة المعارف. وبدأ رحلة التدريس عام 1957 في قرية دير الأسد أولاً، ثم في مدرسة الرامة الثانوية، يدرّس اللغة العـربية لمدة 23 سنة مرّت فيها أجيال خرج منها مجموعة من الشعراء المعروفين. والتحق بعدة دورات استكمالية في الجامعة العبرية في القدس، في أثناء عمله مدرساً ثانوياً.
تزوج عام 1964 وعاش في قرية الرامة، ورُزق بأربعة أبناء (طبيبان ومعالج طبيعي، ومحام). وفي عمر 52 سنة، تقاعد مبكراً من عمله في مدرسة الرامة عام 1988، وأقام في الناصرة منذ 1987 حتى وفاته.
وفي خضمّ عمله من أجل الكينونة الأدبية الفلسطينية، والحفاظ على اللغة العربية كمصدر أساسي في الحفاظ على الهوية في الداخل الفلسطيني، شارك مع مجموعة من الكُتاب الفلسطينيين من أصحاب البلاد المحتلّة، أواخر ثمانينيات القرن الماضي في تأسيس "الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين"، وانتُخب نائباً لرئيسه دورتين متتاليتين.
كما شارك عام 1996 في تأسيس مؤسسة توفيق زيّاد للثقافة الوطنية والإبداع في الناصرة، تخليداً لذكرى صديقه الشاعر الراحل، وبقي عضواً في هيئتها الإدارية حتى رحيله.
وفي 14 شباط (فبراير) 2003، رحل الشاعر الكبير شكيب جهشان عن عمر يناهز ستاً وستين سنة.
أصدر المجموعات الشعرية التالية:
1 ـ أحبكم لو تعرفون كم، قصائد، 1988.
2 ـ ثم ماذا، قصائد، 1989.
3 ـ أذكر، مطولة شعرية، 1992.
4 ـ رباعيات لم يكتبها عمر الخيام، رباعيات، 1993.
5 ـ لوحتان، لوحتان شعريتان، 1994.
6 ـ عامان من وجع وتولد فاطمة، قصائد، 1996.
7 ـ نمر الياسين الساعديّ يحكي لكم، حكاية شعرية، 1996.
8 ـ جادك الغيث، شعر، 1998.
9 ـ طيارة حرامية، شعر للأطفال، 1998.
10 ـ على شوق لأيام غوالٍ، نص نثري، 2001.
11 ـ يطلّون أوسمة من شذى، شعر، 2002.
12 ـ صوت الوشوشة، مجموعة قصائد غير منشورة (نشره أصدقاؤه)، 2023.
نماذج من شعره
مجزرة
أوقفوا هذه المجزره
وأعيدوا لنا ريحنا العاطره
مجزره
مجزره
أيها السافكونْ
من دمي أطهرَهْ
أوقفوا هذه الطعنة الغادره
مجزره
مجزره
من لباغٍ إذا دارت الدائره
مجزره
مجزره
وتظلُّ الحياه
حلوةً ساحره
وتظلُّ الجباه
حرةً ثائره
"أوقفوا هذه المجزره"
من قصيدة كان يا ما كان
كانت لنا في سالف الأيّام
زيتونةٌ خضراءْ
يعششُ الدوريُ في عبابها
وتورقُ السماءْ
وكان يا ما كانْ
ودارت الأيامُ والزمانْ
وهبت العاصفةُ الهوجاءْ
فانذبَحَ الدوريّ في أحضانِ
زيتونتنا الخضراءْ
وجفت السماءْ..!!
***
كانت لنا في سالف الأيّام
عروسُ تركُمانْ
يشدُّها الدفءُ إلى أزهارنا
يهفو لها الجنانْ
وكان يا ما كان
ودارت الأيّام والزمانْ
وعاث في سفوحنا شيطانْ
فأحرق الأزهار والألوان
والحلوى وعطرَ التركمانْ
وانفطر الجنان
***
كان لنا في سالف الأيّامْ
سُمَّاقةٌ.. سمَّاقَة
تستلهم الجبالُ من شموخها
الشموخَ والطلاقة
وكان يا ما كان
ودارت الأيّام والزمانْ
وطوَّفت في حيِّنا أفَّاقة
فارتعد الشموخُ في جبين
سُماقتنا السُّماقة
واهتزت الطلاقة
***
كان لنا في سالف الأيّامْ
شجيرةٌ صبَّارْ
ينتفضُ الشوكُ على خدودها
ويولدُ النهارْ
وكان يا ما كانْ
ودارت الأيّام والزمانْ
ومرَّ في ديارنا غدَّار
فجرَّح الخدودَ والعيون
والإصرار في شجيرة الصبّار
واقسمَ النهارْ
***
وكان يا ما كانْ
حكاية يحفظها الزمانْ
حكاية يرفضُها الزمانْ
يكون ما لا بُدَّ أن يكونْ
وتولدُ الحياةُ من برودة المنونْ
عقاربُ الساعة لا تسير للوراءْ
وحلكةُ الظلام تخلق الضياءْ
وجدّنا التاريخُ يقرع الآذان وجدّنا الزمانْ
يزرع في القلوبِ، في الدروب، في العيونْ
حكاية الزمان للزمانُ
ودفقة الضياءَ للعيونْ
يكونُ ما لا بُدَّ أن يكونْ
يكونُ ما لا بدَّ أن يكونْ!!!
*كاتب وشاعر فلسطيني