سيكون عام ٢٠٢٤ عامًا انتخابيًا رئيسيًا وحاسمًا.. فى البداية وخلال فصل الربيع، ستكون هناك الانتخابات فى البرلمان الأوروبى وستليها مباشرة الانتخابات فى الولايات المتحدة. وفوق كل شيء، سيكون للانتخابات الأمريكية تأثير كبير وليس من المستغرب أن تبذل الدولة العميقة، التى تعتمد فى المقام الأول على الحزب الديمقراطى، كل ما فى وسعها للقضاء على منافسها الرئيسى، دونالد ترامب.

وفى هذا السياق، يجب الاهتمام بشكل خاص بالإجراءات المتعلقة بنجل بايدن، هانتر بايدن؛ فماذا حدث؟.. فى ولاية ديلاوير الأمريكية، تم توجيه العديد من التهم إليه؛ فهو متهم بانتهاك قوانين الأسلحة خاصة أنه قدم معلومات كاذبة عند شراء صفقات سلاح وأخفى عن عمد إدمانه للمخدرات.. وأمام كل ذلك فهو يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات.
ولطالما كان نجل بايدن على رادار العدالة الأمريكية، لكن الإجراءات تكثفت فى الآونة الأخيرة. وفى أغسطس، عين المدعى العام للولايات المتحدة ميريك جارلاند محققًا خاصًا فى هذه القضية، هو ديفيد فايس، والذى يقود فريق التحقيقات فى تلك القضية.. هذا المحقق حصل على صلاحيات إضافية من أجل الوصول إلى الحقيقة كاملة.
وفى الحقيقة، يفرض نفس النظام القضائى، الذى تهيمن عليه بشكل متزايد جماعات الضغط التابعة للحزب الديمقراطى، ضغوطا كبيرة أيضا على دونالد ترامب. وكان الحدث الأهم فى هذا الصدد هو قرار القاضية الفيدرالية تانيا تشوتكان بتحديد موعد بدء المحاكمة بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٠ إلى ٤ مارس ٢٠٢٤. وهل من العدل أن يكون يوم المحاكمة قبل يوم «الثلاثاء الكبير»، الذى تختار فيه أكثر من عشر ولايات فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤!.. قد يؤمن المرء بالمصادفة ويعتقد أن كل شيء على ما يرام؛ إلا أن هذا القرار ينتهك أحد قوانين العدالة الأولى، ألا وهو الحق فى محاكمة محايدة. فالمهم ليس فقط أن تكون نزاهة المحاكمة مضمونة حقا، بل يجب أن تكون واضحة أيضًا وهذا ما يسمى المحاكمة المحايدة! ولذلك فمن المهم أن تقوم المحكمة، فى تعاملها مع قضية معينة، بإيجاد هذا المظهر أو الحفاظ عليه.. كما يجب أن تحترم جميع الأنظمة القانونية المستقلة والديمقراطية هذا الأمر.
ليس من الضرورى أن تكون على دراية خاصة بالقانون لمعرفة ما إذا كان نزاهة هذه المحاكمة قد تم انتهاكها أم لا. وسيتم استبعاد المتهم تلقائيا داخل المعسكر الجمهورى بسبب الموعد المختار للمحاكمة. ومن وجهة النظر هذه، فمن الواضح أن العدالة قد تم إساءة استخدامها. ولكن إذا حدث مرة واحدة، فإنه يمكن أن يحدث مرة أخرى. وقد تكون محاكمة هاربر بايدن مماثلة. وهذا من شأنه أن يضغط على والده ويقلل من شعبيته بين الديمقراطيين. ونتيجة لذلك، يمكنهم اختيار الخيار المنطقى الوحيد وإجبار بايدن، الذى ليس لديه حظوظ كبيرة ضد دونالد ترامب، إلى عدم الترشح! وإذا ظهر مرشح جديد، فمن الممكن أن يغير الوضع. ومع ذلك، فإن استخدام العدالة لأغراض سياسية هو أمر جديد بالنسبة للغرب. لكن فى الواقع، هذا يعتبر نهجا قديما جدًا، بل هو نهج نموذجى لأى نظام شمولي؛ فلقد قامت القوة الشيوعية فى أوروبا الشرقية على هذا الأساس.
ولهذا السبب بالتحديد يبدو من المبرر القول إن الولايات المتحدة ابتعدت عن الديمقراطية بالمعنى الكلاسيكى فى عصر «بايدن». ويبقى أن أضيف أن أشياء كثيرة غير مسبوقة حدثت وما زالت تحدث فيما يتعلق بترامب. فى الواقع، الإجراءات القانونية ضده تظهر مثل الفطر بعد المطر. هل هو حقا مذنب فى كل شيء؟ وأمام كل ذلك، فقد نفى مرارًا وتكرارًا ارتكاب أى جريمة، ووصف الإجراءات القانونية المتخذة ضده بأنها ذات دوافع سياسية. ويخلص ترامب إلى استنتاجات منطقية للغاية: فهو يصر على أنه يحاكم لأنهم يريدون التأثير على السباق الرئاسى العام المقبل، لأنه على الرغم من أربع لوائح اتهام، فهو المرشح الأوفر حظا لترشيح الحزب الجمهورى للرئاسة.


لذلك، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى عام ٢٠٢٤، سيكون من الجيد أن ننظر إلى ما حدث فى عام ٢٠٢٠. وهذا أمر أكثر أهمية لأن نفس السيناريوهات يمكن أن تحدث مرة أخرى.. كيف يمكن أن يكون الأمر مخالفا لذلك! فلقد نجحوا فى المرة الأولى.. بداية من تنصيب جو بايدن ومشاركة الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات فى ذلك. وفى تقرير صدر لاحقًا، سلط مكتب التحقيقات الفيدرالى ووزارة الأمن الداخلى والمركز الوطنى لمكافحة الإرهاب الضوء على الخطر الذى يمثله حفل التنصيب. وقال التقرير «إن الشعور باختطاف الانتخابات الذى يصاحب نقل السلطة إلى الرئيس ومجلس الشيوخ يرتبط باضطرابات أكبر فى بعض أجزاء البلاد. وهذا يمكن أن يؤدى إلى العنف فى أى وقت».
كيف إذن يستطيع الساسة ووسائل الإعلام أن يستمروا فى الزعم بأن الانتخابات الأمريكية كانت شرعية بالكامل، فى حين يعتقد مكتب التحقيقات الفيدرالى نفسه أنها كانت ضرورية لحماية التنصيب لأن الناس تصوروا أن الانتخابات لم تكن شرعية؟ ولم يتم إجراؤها كما ينبغى لها حيث قامت السلطات بحماية الرئيس الجديد من الشعب. وإذا أعدنا قراءة صحيفة لوموند فى تلك الأيام، فسوف نرى السبب وقبل التنصيب نشرت الصحيفة بيانات عن الحسابات الانتخابية. وقد عززت هذه الشكوك بشكل خاص. وأظهر التحليل أن بايدن تفوق على ترامب بفارق ٦٦٧٠٢ صوتا فقط، وكان ذلك فى الولايات المتحدة بأكملها. بمعنى آخر، فاز بايدن بالمجمع الانتخابى بفارق أضيق مما فاز به ترامب عام ٢٠١٦. ورغم فارق ٧ ملايين صوت، كان من الممكن أن يفوز ترامب لو حصل على ٣٢٥٠٧ أصوات فى أربع ولايات رئيسية (أريزونا وجورجيا وويسكونسن ونبراسكا).. والسبب هو تعقيد النظام الانتخابى الأمريكى، حيث يكون الناخبون هم الحاسمون فى نهاية المطاف. تم تصميم النظام الانتخابى الأمريكى لمنع الدوائر الانتخابية الكبيرة من السيطرة على الدوائر الأصغر. وجاء بايدن فى المركز الأول بفارق ٠.٠٢٪ من الناخبين. ومع ذلك، فإننا نعلم أنه عندما يكون هناك فرق أقل من ١٪ بين المرشحين فى منطقة ما، يتم إجراء عملية إعادة الفرز تلقائيًا. هنا هو مائتان من المئة. وعندما نتذكر أن ترامب الذى خسر أمام بايدن بفارق ٠.٠٢٪، قد حرم من هويته على معظم شبكات التواصل الاجتماعى قبل أسبوعين من هذا الحدث، فإن ذلك يثير التساؤل أكثر عن مستوى الديمقراطية فى الولايات المتحدة لبايدن.
وهذا ليس كل شيء فلقد بثت قناة GMA التليفزيونية الأمريكية بيانا لأحد الجنود (GL W. Walker) يقول فيه حرفيا: «نحن هنا لضمان انتقال سلمى للسلطة إلى الجيش».. حتى لو تجاهلنا التلميحات إلى الانقلاب، لا يمكننا أن نتجاهل حقيقتين؛ فقبل حفل التنصيب مباشرة، ذكرت وسائل الإعلام أن أعمال شغب اندلعت فى أجزاء من العالم العربى، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للربيع العربى. ولنتذكر أن الربيع العربى بدأته منظمات غير حكومية كانت تدعمها الإدارة الأمريكية فى ذلك الوقت، حتى لو أنكرت ذلك علنًا.
وثانيًا، كان بايدن نائبًا للرئيس أوباما، الذى لم يواصل حروب سلفه (جورج دبليو بوش) فحسب، بل بدأ أيضًا حروبًا جديدة. لم يبدأ دونالد ترامب أى حرب، وهو ما يفسر أيضًا عدم شعبيته داخل الدولة العميقة، والتى غالبًا ما ترتبط بالصناعة العسكرية فى الولايات المتحدة. ونحن نعلم أن الأسلحة، إلى جانب المخدرات، هى الأكثر ربحا بهذا المعنى. ولذلك تزامن تنصيب الرئيس الجديد مع المظاهرات الحاشدة التى شهدتها تونس، مهد الربيع العربى. وكان المتظاهرون يطالبون بنفس الشيء الذى طالب به الرئيس الأمريكى السابق (وربما المستقبلي): حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعى.
لكن «نجم» يوم التنصيب كان بيل كلينتون، زوج وزيرة الخارجية فى عهد إدارة أوباما، والذى لعب دورًا فاعلًا فى «الغطاء» العسكرى للربيع العربى.. لقد قام بمعجزة حرفية: لقد نام أمام أعين العالم كله! وكان تنصيب الرئيس السادس والأربعين الذى يعانى من مشاكل نفسية مشكوك فيها، بكل المقاييس، بمثابة إشارة كئيبة. ويضيف الملوك المنهكون النائمون إلى المشهد، حتى لو كانت أسرهم تتحمل المسئولية الموضوعية عن إراقة الدماء. وقد لوحظ مثل هذا اللامبالاة أو الإرهاق فى التاريخ: هكذا تصرف أعضاء المكتب السياسى السوفييتى، قبل أن ينهار كل شيء: بريجنيف، وتشيرنينكو، وأندروبوف هم أبرز الأسماء فى هذه القائمة.. لقد فازت الطبقة الديمقراطية فى انتخابات ٢٠٢٠ بطريقة مشكوك فيها، من خلال استغلال وسائل الإعلام العامة، والاعتماد على الدولة العميقة. ومع ذلك، يبدو الديمقراطيون مخدرين ومنهكين بسبب فضائح لا تعد ولا تحصى (جنسية ومالية وغيرها) كما أن الحزب الحالى سيمتلك بذور المستقبل بقدر ما يمتلكه آخر مكتب سياسى سوفيتى.. ومع ذلك فهو مثل نظرائه السوفييت، الذين يفهمون شيئًا واحدًا أساسيًا للبقاء ألا وهى قضية القوة وكيفية استغلالها!.
معلومات عن الكاتب: 
سيباستيان ماركو تورك.. دكتوراه فى الآداب من جامعة «السوربون» باريس وأستاذ جامعى، يناقش، الانتخابات الأمريكية التى تجرى فى العام المقبل.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: البرلمان الأوروبي الولايات المتحدة فى الولایات المتحدة دونالد ترامب یمکن أن ومع ذلک کل شیء

إقرأ أيضاً:

ترامب يعود إلى البيت الأبيض: هذه الدولة وجهته الخارجية الأولى

في خطوة مفاجئة وغير تقليدية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن السعودية قد تكون أول دولة يزورها بعد عودته إلى البيت الأبيض. هذا الإعلان أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب اختياره للمملكة، وكيف يمكن أن تنعكس هذه الزيارة على السياسة الإقليمية والدولية. وسط تقاليد الرؤساء الأميركيين التي عادةً ما تجعل بريطانيا الوجهة الأولى، يبدو أن ترامب كعادته يسلك مسارًا جديدًا.

تقاليد أميركية يكسرها ترامب من جديد
 

عادةً ما يتجه الرؤساء الأميركيون إلى بريطانيا كأول محطة خارجية بعد توليهم المنصب، في إشارة إلى العلاقة التاريخية بين البلدين. لكن ترامب، المعروف بأسلوبه المختلف، أعلن أنه يدرس زيارة السعودية كأول محطة له بعد العودة إلى الرئاسة.
هذا القرار يعكس الأولويات الجديدة لإدارته، حيث يهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول الخليج التي تعتبرها واشنطن شريكًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط. وقال ترامب في تصريحاته إن السعودية "تمثل شريكًا مهمًا في تحقيق الاستقرار ومواجهة التحديات الإقليمية".

رسائل مبطنة: ماذا تحمل زيارة السعودية؟


زيارة ترامب المحتملة للسعودية تحمل أكثر من رسالة سياسية. فمن جهة، تأتي لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، ومن جهة أخرى، تُعد رسالة إلى إيران ومنافسي واشنطن في المنطقة.
ترامب أشار إلى أهمية التعاون مع دول الخليج في حل القضايا الشائكة مثل الملف النووي الإيراني والتوترات في قطاع غزة. كما أضاف: "أود أن أرى تعاونًا أكبر في مواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك محاربة الإرهاب وتعزيز الاستقرار".

اتصال هاتفي مع العاهل الأردني: دور عربي في غزة؟

في سياق حديثه، كشف ترامب عن اتصال أجراه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حيث تطرقا إلى الأوضاع في قطاع غزة. ترامب أوضح أنه طلب من الأردن "استقبال المزيد من اللاجئين"، معتبرًا أن غزة في حالة "فوضى حقيقية" تتطلب حلولًا إقليمية.
هذه التصريحات أثارت الجدل حول رؤية ترامب لحل أزمة غزة، وما إذا كان يسعى إلى فرض تغييرات جذرية على المعادلة الحالية، بالتعاون مع دول عربية مثل الأردن والسعودية.

تحليل العلاقات بين واشنطن والرياض في عهد ترامب


خلال فترة رئاسته السابقة، شهدت العلاقات بين واشنطن والرياض تطورًا ملحوظًا، خصوصًا في المجالات العسكرية والاقتصادية. صفقة الأسلحة الشهيرة بقيمة 110 مليارات دولار كانت إحدى أبرز ملامح تلك الفترة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون، حيث يُتوقع أن تركز إدارته على مواجهة النفوذ الإيراني، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج. زيارة السعودية، إذا تمت، ستكون بمثابة إعادة تأكيد على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

هل يهدف ترامب إلى تغيير قواعد اللعبة الدولية؟


بإعلانه عن زيارة السعودية كأول محطة خارجية، يبدو أن ترامب يسعى إلى إعادة ترتيب الأولويات في السياسة الخارجية الأميركية. هذه الخطوة تشير إلى تحوّل محتمل في التوجه الأميركي تجاه الشرق الأوسط، بحيث تصبح دول الخليج محور الاهتمام الأساسي، بدلًا من أوروبا التقليدية.
ترامب لطالما أكد على أهمية التعامل المباشر مع القضايا الإقليمية، ويبدو أن هذه الاستراتيجية ستستمر خلال ولايته الجديدة، مع التركيز على تحقيق "صفقات مربحة" وخلق تحالفات قوية.


زيارة ترامب المحتملة للسعودية بعد عودته إلى البيت الأبيض تمثل خطوة غير تقليدية تعكس رؤيته السياسية المختلفة. من تعزيز العلاقات مع الخليج إلى طرح حلول جديدة لقضايا المنطقة، يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة-القديمة تستعد لإعادة تشكيل قواعد اللعبة الدولية.

 

مقالات مشابهة

  • أحمد ياسر يكتب: "مشروع إستر" نموذج لمبادرات القمع الأمريكية
  • نتنياهو: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأبيض 4 فبراير
  • البيت الأبيض: فريق بايدن أنفق ميزانية الولايات المتحدة مثل البحارة المخمورين
  • البيت الأبيض: ترامب يدعو الدول للتعاون في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين
  • ترامب يدعو نتانياهو إلى البيت الأبيض
  • البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لبناء قبة حديدية
  • واللا: نتنياهو يُخطّط للقاء ترامب في البيت الأبيض الأسبوع المُقبل
  • ترامب يعود إلى البيت الأبيض: هذه الدولة وجهته الخارجية الأولى
  • ماذا فعل ترامب خلال أسبوع في البيت الأبيض؟.. أزمة مؤقتة وإنهاء الحراسات
  • عبدالكبير: عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيخلق توافقاً في مجلس الأمن حول ليبيا