يبدو أن عملية التكامل الأوروبى الأطلسى متوقفة فى بعض بلدان منطقة البلقان، بينما هى جارية بالفعل فى بلدان أخرى، فهناك ٦ دول فى منطقة البلقان تسير فى طريق التكامل ولكن بدرجات متفاوتة من النجاح؛ فقد انضمت كرواتيا وهى الدولة الأكثر تقدمًا فى هذه العملية إلى الاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠١٣، إذ قامت بحل مشكلة حدودها البحرية مع سلوفينيا، كما حكم على الجنرال أنتى جوتوفينا الذى كان هو المحطة الشائكة الرئيسية فى طريق المفاوضات بالسجن لمدة ٢٤ عامًا فى أبريل ٢٠١١، كما حصلت جمهورية الجبل الأسود على صفة المرشح فى نوفمبر ٢٠١٠، فى دلالة مبشرة إلى حد ما بالنسبة للعضوية متوسطة المدى، ولكن لا يزال يتعين على زعماء بودجوريتشا حل العديد من القضايا، مثل وضع اللاجئين أو «العلاقات مع الأقليات»، وتتحرك مقدونيا وهى المرشحة للاندماج منذ عام ٢٠٠٥ ببطء شديد نحو الاتحاد الأوروبى لأن اليونان تعارض انضمام مقدونيا إلى الناتو، ولم يتم حل مشكلة اسم هذه الجمهورية الهشة، وفى حالة موافقة مقدونيا على تغيير اسمها سوف توافق اليونان على قبول اندماج جارتها الشمالية.


أما فيما يخص الدائرة الثانية من البلدان فما زال الاندماج فى الاتحاد الأوروبى بعيد المنال؛ فقد وقعت البوسنة والهرسك اتفاقية الاستقرار والانتساب مع الاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠٠٨، لكن المفاوضات بشأن العضوية ما زالت متعثرة بسبب بعض المشكلات مثل فساد موظفى الخدمة المدنية أو عودة النازحين، كما تم تعليق ترشيح صربيا بسبب معارضة هولندا التى طالبت بإلقاء القبض على الجنرال راتكو ملاديتش الهارب منذ عام ١٩٩٥ وتسليمه إلى لاهاي؛ أما ألبانيا التى وقعت على اتفاق الاستقرار واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى فى ١٢ يونيو ٢٠٠٦؛ فقد طلب منها عام ٢٠١٠ التريث لبعض الوقت قبل تقديم ملف الطلب الرسمى.. وقد أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بوضوح فى ١٨ مارس ٢٠٠٩ على حكمة وتحفظ الاتحاد الأوروبى، إذ أعلنت فى برنامجها للانتخابات الأوروبية: «نحن بحاجة إلى اتخاذ هدنة بشان التوسع وقبول انضمام دول جديدة ذلك أن الأولوية لتعزيز الهوية ودعم المؤسسات».
والسؤال الآن: هل الحكومات المحلية فى دول البلقان هى المسئولة عن هذا التوقف بسبب عدم استيفائها الشروط التى طالبت بها بروكسل، أم أنه اتفاق ضمنى بين الدول الأعضاء السبع والعشرين فى الاتحاد الأوروبى على تعليق التوسعة؟ كلتا الإجابتين صحيحة؛ فقد صرح مؤخرًا أحد المسئولين الأوروبيين -لم يكشف عن هويته- أنه «ليس هناك مؤامرة فكرواتيا محظورة بسبب سلوفينيا، وصربيا محظورة بسبب لاهاى، وليس لدينا اتفاق بشأن ترشيح الجبل الأسود، وطالبنا من ألبانيا عدم ترشيح نفسها، وبالنسبة لمقدونيا فلا شيء إيجابى، كما أننا نعيش أزمة مالية فى الاتحاد الأوروبى فالأجواء سلبية للغاية».
المشكلة هى أنه فى الوقت الذى تطرق فيه جميع دول غرب البلقان باب الاتحاد الأوروبى فإن هذا الاتحاد لا يملك خطة توسع محددة بشكل جيد.. وسوف تستمر مفاوضات الاستقرار والشراكة التى يجريها الاتحاد مع هذه البلدان بضع سنوات أخرى، وستتعثر بسبب معايير الانضمام مثل احترام سيادة القانون، أو مكافحة الفساد، أو احترام الأقليات. الغريب أن الاتحاد الأوروبى يعمل على تفعيل سياسة الجوار الأوروبية (ENP) - وهى نوع من اتفاقيات التجارة الحرة المرنة إلى حد ما- مع مناطق بعيدة جدًا عن أوروبا (أوكرانيا والقوقاز والمغرب العربي) بينما يستبعد غرب البلقان وهى منطقة جزء لا يتجزأ جغرافيًا من القارة الأوروبية ومن التكامل الأوروبى. المشكلة بالنسبة لجنوب أوروبا لا تكمن فى حضور أوروبا بل فى الافتقار إلى أوروبا: وهذا يعنى الافتقار إلى رؤية طويلة المدى بخصوص هذه الدول التى تهدف إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ولو فقط من خلال تاريخها وموقعها فى قلب أوروبا. بروكسل تبحر بعيدًا دون أى اقتراح حقيقى لمستقبل هؤلاء السكان، بالاضافة الى التحرير المفرط لاقتصادهم والوضع المستبد لحقوق الإنسان. وهذا ما يفسر تنامى تشكك دول جنوب شرق أوروبا فى الاتحاد الاوروبى حتى قبل الانضمام إليه.
والحقيقة أن الاتحاد الأوروبى سينتظر سنوات عديدة قبل أن «يبتلع» الدول المتبقية: وبالتالى فإن مصلحته فى استمرار التفتت. لقد قامت صربيا بتسليم أربعة من مجرمى الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة فى الأعوام الستين الماضية، بل وقبلت افتتاح مكتب لحلف شمال الأطلسى داخل وزارة الدفاع فى بلجراد. وما زال الاتحاد الأوروبى يلعب لعبة التجزئة. فقد أرسل بعثة (شرطة وقضاة الاتحاد الأوروبي) إلى كوسوفو فى التاسع من ديسمبر ٢٠٠٨ لحمل الصرب على ابتلاع حبة فقدان السيادة على كوسوفو، وكانت الرسالة التى كررها زعماء الاتحاد الأوروبى لعدة أشهر واضحة: سوف تعودون إلى الاتحاد الأوروبى بشرط تسليم كوسوفو. ومع ذلك ولممارسة المزيد من الضغوط على القادة الصرب وافقت بروكسل على فتح «مكتب تمثيلى لفويفودينا»، وهى مقاطعة أخرى تتمتع بالحكم الذاتى ولكنها لم تشهد أى بناء حكومى فى تاريخها وافقت على فتح هذا المكتب فى العاصمة الأوروبية. ولم يكن رئيس برلمان فويفودينا، ساندور إيجيريسى مخطئًا حين أعلن فى نهاية فبراير أن «لا مركزية صربيا تعنى الإسراع باندماجها فى الاتحاد الأوروبي».


كما أثبت الناتو وهو منظمة تأسست فى جنوب أوروبا أنه كان الذراع المسلح للولايات المتحدة فى البلقان لمدة عشر سنوات بينما يعمل حلف شمال الأطلسى على توسيع نفوذه نحو الشرق بعيدًا عن منطقة الناتو المنصوص عليها فى المادة الثانية من معاهدة عام ١٩٤٩. ولم يتوقف حلف شمال الأطلسى عن تعزيز مواقفه تجاه روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، الأمر الذى من شانه خلق طوق جديد حول عدوهم السابق فى فترة الحرب الباردة. وقد تضاعفت القواعد الأمريكية منذ سقوط جدار برلين فى جميع أنحاء جنوب شرق أوروبا: البوسنة، كوسوفو، ألبانيا، مقدونيا، المجر، رومانيا، بلغاريا، دون أن ننسى تركيا منذ عام ١٩٤٩ واليونان منذ عام ١٩٥٢. وهكذا ينتشر النظام العسكرى الأمريكى فى البلقان كوسيلة لإخلاء القواعد فى أوروبا الغربية ولتوجيه الاستراتيجية الأمريكية نحو منطقتين رئيسيتين: الشرق الأوسط وروسيا. إن منطقة البلقان ليست سوى منطقة وسيطة فى هذه اللعبة العالمية والدول الضعيفة فى هذه المنطقة هى وحدها القادرة على خدمة المخططات الأمريكية.
فى الختام: ما هو الدرس الذى يمكننا استخلاصه من الحالة اليوغوسلافية؟
لا شك أن تفكك هذا الاتحاد المكون من ست جمهوريات وقوميات متعددة.. هذا التفكك الذى دعمته بلدان أبدت فى يوم ما احترامًا لنظام الإدارة الذاتية وعدم الانحياز لأمر يذكرنا بالحالة التشيكوسلوفاكية. فهو تفكك يستجيب لمصلحة جيواستراتيجية قوية لنفس هذه القوى: كسر تجربة الدولة الواحدة متعددة القوميات ولكنها واحدة، وذلك بهدف دمج أجزاء من أراضى هذه تحت «الحماية الدولية» فى أسرع وقت ممكن. ويعتبر إقليم كوسوفو الذى لا يمثل أى مصلحة اقتصادية أو جغرافية جزءًا من هذا المنطق الذى يعتبر ترسيخا للتواجد الدائم والمستمر فى منطقة شهد تاريخها قرونا من التوتر.. كل ذلك من أجل إثبات قدرة المؤسسات المتدهورة (حلف شمال الأطلسى والأمم المتحدة) على الاستمرار. ولا شك ان منطق التجزئة هذا سيصل إلى نهايته وسيؤدى إلى خلق حكام محليين تحت تأثير استعمارى جديد وقوى: ها نحن نرى بالفعل فى مناطق سنجق وفويفودينا ضغوطًا أمريكية قوية جدًا لتطوير النزعة الانفصالية من جانب الأقليات المسلمة والمجرية.
 

معلومات عن الكاتب: 
أليكسيس ترود عالم جيوسياسى ومؤرخ وأستاذ مساعد فى جامعة ميلون فال دى سين وزميل باحث فى معهد الاستراتيجية المقارنة (ISC) ورئيس مجموعة فرنسا-صربيا.. يقدم لنا صورة بانورامية عن أوضاع دول القارة العجوز ومعضلة توسعة الاتحاد الأوروبى الذى يتهمه بأنه يلعب لعبة التجزئة بين دول أوروبا.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي الأوروبي الأطلسي الاتحاد الأوروبى الأوروبى فى فى الاتحاد منذ عام

إقرأ أيضاً:

لماذا تقلق أوروبا من عودة ترامب للرئاسة؟

انتهت انتخابات البرلمان الأوروبي لكن كابوس اليمين المتطرف لم ينته بعد بالنسبة لأغلب الأحزاب والائتلافات الحاكمة في الاتحاد الأوروبي، وتسيطر حالة من الترقب في انتظار ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، في ظل احتمالات لعودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

ويرى المراقبون أن اختيار رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان شعار"لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى "مع استلامه للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي هو تأكيد للمخاوف الأوروبية، خصوصا أن هذا الشعار يشبه ذلك الذي اختاره ترامب خلال توليه منصبه.

وبخلاف التقارب السياسي المعلوم بين مرشح الحزب الجمهوري الأميركي وكل من أوربان وجورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية وزعيمة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني، فإن الجليد يطغى على أغلب علاقات دول الاتحاد بترامب وفريقه.

وكان صعود ترامب للرئاسة عام 2016 بمثابة رجع الصدى للموجة الصاعدة لليمين المتطرف في أوروبا آنذاك، ومع ذلك فإن الشعار الذي اتخذه "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" شكل حجر الزاوية في سياسة التباعد مع القارة العجوز.

فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري (الفرنسية) على أبواب "أميركا أولا"

ولجأ ترامب إلى تطبيق هذا الشعار في أكثر من مرة، كان أبرزها تأمين مخزون كاف من اللقاحات الخاصة بوباء كورونا وفرض حظر على تصديرها للخارج، ضاربا -بذلك- عرض الحائط  بمبدأ التضامن داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مجابهة الجائحة.

وقبل ذلك كشف ترامب بقوة عن شعاره في 2017 بإعلان انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس لعام 2015 بشأن التخفيف من آثار التغير المناخي بلا رجعة، بدعوى كلفته المالية الكبيرة على الاقتصاد الأميركي، بجانب تشكيكه أصلا في مدى صحة الارتباط العلمي بين انبعاثات الغازات الدفيئة والتغير المناخي.

وقد تكون العلاقات الاقتصادية أكثر تعقيدا مع ترامب إذا ما حقّق فوزًا في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لا سيما وأن العجز التجاري الأميركي مع الاتحاد الأوروبي لا يزال مرتفعا، وهو ما لمح إليه دبلوماسي أوروبي في تعليقه لصحيفة "لوموند" الفرنسية بأن "الأمر سيكون أشد شراسة مع ترامب".

وتعهد ترامب بالفعل بزيادة 10% في الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المستوردة بما في ذلك السلع الأوروبية، وفرض رسوم أعلى على تلك القادمة من الصين بنسبة 60%، مما يشكل تهديدا مضاعفا للاتحاد الأوروبي برؤية المصنعين الصينيين يوجهون صادراتهم إلى الموانئ الأوروبية.

وبجانب المخاطر التجارية والاقتصادية، يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة مزدوجة في ظل الارتباط القوي بالولايات المتحدة فيما يتعلق بإمدادات الغاز، منذ تعليق واردات الطاقة من روسيا ردا على الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى حاجة القارة لصفقات السلاح الأميركي لدعم كييف.

وتُعلق إلفير فابري، الباحثة المسؤولة عن السياسة التجارية في (المعهد الأوروبي جاك ديلور) "ما زلنا في تبعية للولايات المتحدة بشأن الأمن والدعم إلى أوكرانيا".

شبح "الفصل الخامس"

وعقب فوز ترامب بأصوات الجمهوريين في ولاية أيوا في يناير/كانون الثاني، صرح رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو، بأنه "في حال عودة الرئيس الأميركي السابق إلى السلطة، فإن أوروبا ستجد نفسها وحدها، أكثر من أي وقت مضى".

وستضع عودته التعاون داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) على المحك، وقد سبق للمرشح الجمهوري أن أثار عاصفة من الجدل أثناء فترة ولايته السابقة بشأن مدى التزامه بالفصل الخامس للحلف الذي يفرض التعاون العسكري بين الحلفاء، وربطه ذلك بمراجعة حصص التمويل المالي للدول الأعضاء في الناتو.

ويشير المتخصص في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، كاميل غراند، إلى نوعين من ردود الفعل داخل الاتحاد الأوروبي؛ الأول حالة إنكار تام للأزمة وادعاء بنجاحه في التعاطي مع إدارة ترامب بين عامي 2016 و2018، والثاني يعرب في أغلب الأحيان عن قلق بالغ داعيا إلى الاستعداد الفوري لاحتمال فك ارتباط من جانب أميركي.

ويضيف غراند "يمثل ترامب البديل الأكثر تطرفا لهذا الاحتمال، لكن في الداخل فإن الجميع على اقتناع بأن على أوروبا أن تفعل المزيد بمفردها".

وفي الواقع، فإن مراجعة الولايات المتحدة الأميركية لأولوياتها في توجيه مواردها قد بدأت منذ عهدة باراك أوباما عام 2012، إذ بدأ بتوجيه اهتمامات واشنطن العسكرية أكثر فأكثر نحو آسيا، وتحديدا إلى تايوان التي تعمل الصين على إعادة إدماجها.

شعار ترامب "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" شكل حجر الزاوية في سياسة التباعد مع القارة العجوز (رويترز)

ويشير الباحث، سفين بيسكوب، من "معهد إيغمونت" في بروكسل، إلى أن "ما فعله ترامب لاحقا بدءا من 2016، هو مضاعفة هذا المسار؛ لذلك يعلم الأوروبيون أنه يجب عليهم العمل معا بشكل أكبر في مواجهة هذا الانسحاب الأميركي".

وتثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض نقاشات حول مستقبل الأمن الجماعي أوروبيا مع طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لفكرة الإستراتيجية الذاتية، وهي فكرة تلقى قبولا على سبيل المثال لدى بولندا ودول البلطيق التي تعد من بين أكثر الدول الأوروبية تمسكا بحلف الأطلسي. وتقوم هذه الفكرة على الإبقاء على الحلف قويا حتى مع الانسحاب التدريجي المحتمل للولايات المتحدة.

وفي خطوة لتفعيل تلك الإستراتيجية، أعلنت فرنسا بمعية ألمانيا وبولندا في يونيو/حزيران الاتفاق على تطوير أسلحة بعيدة المدى بشكل مشترك لتعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا.

وقد صرح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستريوس، أن الدول الثلاث تهدف بحلول قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة الأميركية واشنطن في يوليو/تموز 2024 إلى جمع "مجموعة من الدول الأوروبية التي اتفقت على سد هذه الفجوة على المدى المتوسط إلى الطويل".

أوكرانيا أول الاختبارات

في بيانات نشرتها صحيفة لوموند، فإن حجم الإنفاق العسكري الأوروبي يصل إلى 300 مليار يورو سنويا، لكنه يظل في تقدير الخبراء غير كاف.

ورغم الدعوات داخل التكتل الأوروبي بتعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية -كما دعا إلى ذلك الرئيس الفرنسي في يونيو/حزيران 2022، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال أمنيا في حاجة إلى الدعم العسكري والاستخباري الأميركي.

ويقول السياسي الفرنسي، زيد العظم، من "حزب النهضة" الفرنسي للجزيرة نت، إن "الأمر الأخطر سيكون الدعوة لمراجعة حصة الاتحاد من تمويل حلف شمال الأطلسي، ويقابل هذا حملة التخويف القديمة لترامب بشأن نفوذ روسيا في حال التخلف عن تمويل الأطلسي، كما أن الدعوة لتخفيف الدعم لأوكرانيا يعزز المخاوف من خطوة موسكو التالية".

ويطرح الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، كاميل غراند، أسئلة ذات مغزى بشأن المستقبل الأمني الأوروبي في غياب المظلة النووية الأميركية وما إذا كانت بريطانيا وفرنسا قادرتين على سد هذا الفراغ وكيف يمكن أن يعمل الحلف الأطلسي مع حضور أقل للولايات المتحدة.

ويشير غراند، إلى أن الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من التزاماتاها الأطلسية قد يكون مستبعدا، ولكن الاختبارات بلا شك ستكون متسارعة إذا صعد ترامب إلى الحكم، وأول تلك الاختبارات تتعلق قطعا بالحرب الروسية في أوكرانيا.

ويرى رئيس وزراء بلجيكا الدعم المقدم إلى أوكرانيا من الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين هو مسألة إستراتيجية وذا أهمية جيوسياسية، لكنه بالنسبة للأوروبيين يعد مسألة وجود.

ومع الصعوبات التي واجهها الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع الكونغرس بالتصويت على مبلغ بقيمة 60 مليار دولار لدعم أوكرانيا، فإنه في تقدير الخبراء الأوروبيين يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستعداد لتحمل الكلفة بمفرده مستقبلا أيا كان المرشح الفائز المقبل.

وسبق أن حذر خبراء مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي -إحدى مؤسسات الاتحاد- في تقرير له نشر في بداية 2024، من احتمال عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة وما يعنيه ذلك من أن الاتحاد سيكون ملزما بالتعاطي مع إدارة أميركية أقل التزاما وانخراطا على المستوى العالمي.

ولاية الحد الأدنى مع بايدن

وعلى الرغم من الهدوء الدبلوماسي الذي اتسمت به العلاقات بين ضفتي الأطلسي طوال العهدة الأولى للرئيس بايدن مقارنه بسلفه، فإن التقييم الإجمالي للخبراء الأوروبيين لحصيلة العلاقات لا يتعدى الحد الأدنى.

وصحيح أن بايدن كان إلى جانب الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا بشكل علني في الحرب الدائرة ضد روسيا -سواء بضخ الأموال أو الدفع بالخبراء العسكريين في إطار حلف شمال الأطلسي- ولكن عهدته رسخت أولوية المصالح الأميركية لا سيما في الجانب الاقتصادي.

وكان قانون الحد من التضخم -الذي صدر عام 2022 ويتيح إعانات مالية ضخمة للتكنولوجيا الخضراء المصنعة في الولايات المتحدة- أثار قلق الأوروبيين بسبب ما قد يترتب عنه من عمليات نقل للتصنيع.

وكان الرئيس الأميركي أعلن أيضا عن فرض رسوم إضافية على السلع الصينية في مايو/أيار 2024، مثل السيارات والتجهيزات الإلكترونية، مما يعني وفق ما صرح به مسؤول في الاتحاد الأوروبي لصحيفة "لوموند" الفرنسية "أن أوروبا قد تصبح بديلا لعمليات التصدير الصينية وهو ما يؤدي إلى إشعال حرب تجارية في الضفة الأخرى من الأطلسي".

ورغم التقارب السياسي الذي راهنت عليه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، مع إدارة بايدن، فإنه لم يتم تجاوز الإشكالات التي ظلت عالقة منذ الإدارة السابقة، مثل أزمة الرسوم الجمركية على الألمينيوم والصلب وصراع شركتي تصنيع الطائرات "بوينغ" و"إيرباص".

ويعتقد تيري بريتون، المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، أنه يتعين على الاتحاد أن لا يبقى ساذجا وأن يبني علاقات قوة مع الولايات المتحدة، مضيفا أن البيت الأبيض سواء بحضور بايدن أو ترامب فإنه يستخدم الشعار ذاته "أميركا أولا".

يقول ألكسندر دي كرو إنه "لا ينبغي لنا كأوروبيين أن نخشى احتمال عودة شعار ‘أميركا أولا’، بل ينبغي لنا أن نتقبله من خلال وضع أوروبا على أسس أكثر صلابة وقوة وسيادة واستقلالية".

مقالات مشابهة

  • يورو 2024.. منتخب جورجيا يكتب التاريخ عقب الفوز على البرتغال بثنائية
  • جورجيا تهزم البرتغال وتلتقي إسبانيا في دور 16 بأمم أوروبا
  • جورجيا تفاجئ البرتغال وتنتقل إلى دور 16 ببطولة أوروبا
  • ساحة جرانيت ورامبات.. تطوير منطقة اللسان الأثرية في دمياط
  • ستيفاني النبر تعتبر مشاركة الأردن في أبطال آسيا للسيدات فرصة عظيمة
  • لماذا تقلق أوروبا من عودة ترامب للرئاسة؟
  • العثور على 22 جثة بعضها مجهول في كراتشي جنوبي باكستان
  • الأجنبى والمصرى على طاولة مفاوضات الاتحاد السكندرى قبل مواجهة الداخلية
  • أزمة كهرباء تجتاح دول البلقان بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. انقطاع التيار فجأة
  • طرح 12 فرصة استثمارية في أمانة منطقة عسير