سودانايل:
2025-03-15@05:29:08 GMT

كرتي ..(السلام هو الحل)!!

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

الصباح الجديد -
ما أن أصدرت الخزانة الأمريكية عقوباتها على أمين الحركة الإسلامية في السودان حتى إنبرى المدافعون وفي مقدمتهم حركته وربيبها حزب المؤتمر الوطني المحلول، فقد إعتبرا العقوبات وسام وقلادة شرف على صدر كرتي، فيما دافع بعض الموالين لنظام المخلوع عن كرتي ووصفوه بالإسلامي المعتدل وأكثر وزير خارجية في عهد المخلوع البشير عمل على تطوير وتحسين العلاقة الملتبسة بين الخرطوم وواشنطن منذ مهاد الإنقاذ، مستدلين بالعلاقات الجيدة للرجل برجالات الدين المتشددين في أمريكا واستيراده منظومات الري الخاصة بشركة زادنا من واشنطون بدلاً من الصين التي لم تكن وقتها تحاصر الإنقاذ كما فعلت الولايات المتحدة.


هذا الدفاع يصطدم بكثير من الحقائق الدامغة التي تشير إلى أن الحديث المكرور لعلي كرتي منذ سقوط البشير بأن الحركة الاسلامية السودانية اختارت السلمية كطريق للمقاومة ونأت عن ممارسة العنف السياسي، هو حديث تكذبه الوقائع والأحداث.
منذ سقوط البشير هدفت الحركة الإسلامية إلى الوصول لسدة الحكم مرة أخرى مهما كلفها ذلك من تكاليف، وراهنت قيادات المؤتمر الوطني المحلول على علي كرتي، وأوكلت إليه مهمة التغيير لتبدأ الحركة الإسلامية إفتعال الأزمات ليس بالتظاهرات ومسيرات الزحف الأخضر وإنما بالضلوع في مجزرة فض الاعتصام وتدبير الإنقلابات (إبتداء من إنقلاب هاشم إلى انقلاب 25 أكتوبر)، مع مواصلة التضليل بالضرب على وتر الخوف على الدين من العلمانيين الذين لن يطبقوا الشريعة الإسلامية.
وبالرغم من أن خطة كرتي نجحت في تقويض حكومة الثورة بقيادة دكتور عبدالله حمدوك إلا أن خطاب الحركة الإسلامية لم يغيب الحقائق الصلبة لفسادها خاصة وأن ذاكرة الشعب السوداني مليئة بما نشرته لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة في هذا الصدد وخير نموذج ومثال لذلك إستحواذ كرتي على 99 قطعة أرض بالخرطوم.
في المقابل ظل موقف المكون العسكري بشقيه (الجيش- الدعم السريع) غير مهتم بالتهديدات والوعيد البائن لخطاب قيادات الحركة الإسلامية عبر تجمعاتها التي بدأت بما يسمى بمسيرات الزحف الأخضر .. من المؤكد أن صمت المكون العسكري عن الممارسات التهديدية الواضحة أغرى أنصار المؤتمر الوطني بتفجير الأوضاع حال أي تسوية سياسية، خاصة بعد أن بدلت قوات الدعم السريع موقفها وأبدت موافقتها على الإتفاق الإطاري.
ليس ما وثق بالصورة والصوت من مخاطبات قيادات الحركة الإسلامية هو شاهد العدل الوحيد على أن ثمة نية مبيتة لعرقلة الإتفاق الإطاري بأي وسيلة، بل كان واضح تماماً فقد أشارت بعض القيادات السياسية أن الضباط الإخوان في الجيش ظلوا يضغطون على قائده الفريق عبدالفتاح البرهان لإشعال هذه الحرب، وبحسب ما روى القيادي البارز في قوى الحرية والتغيير طه عثمان فإنه في اليوم الذي اشتعلت فيه الحرب فجر السبت الـ 15 من أبريل الجاري كان هناك اجتماع مهم انتهى في الساعة الثالثة من فجر ذلك اليوم بين كل من البرهان وحميدتي مع الرباعية والثلاثية والأحزاب الموقعة على الاتفاق الإطاري، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على تكوين لجنة لخفض التوتر بين الجيش والدعم السريع برئاسة الدكتور الهادي إدريس وعضوية الفريق خالد عابدين ممثلاً للقوات المسلحة واللواء عثمان ممثلاً للدعم السريع، لتتلقى الرباعية والأطراف التي كانت في ذلك الاجتماع بعد ساعة من انفضاضه، أي في الرابعة صباحاً، إخطاراً من قيادة الدعم السريع في معسكر منطقة سوبا بأن قوة من الجيش تحاصر معسكرهم ومعسكرات أخرى للدعم السريع محاصرة من طرف الجيش، وتندلع الحرب بعد ذلك في الساعة التاسعة صباحاً، أي بعد ست ساعات من اجتماع البرهان وحميدتي والرباعية واتفاقهما على خفض التوتر.
ورغم محاولات النكران المستمرة لقادة الجيش بعدم صلتهم بالحركة الإسلامية تجد تحركاتهم تكشف بالدليل القاطع علاقتهم بالتنظيم، ففي الوقت الذي ينشط فيه كرتي وهرون في دعم الجيش وقيادة الإستنفار زار قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان فور خروجه قائد كتيبة البراء بن مالك الجهادية المصباح ابو زيد طلحة الذي اصيب خلال اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم حيث كان يرقد مستشفياً بمستشفى عسكري بمدينة عطبرة.
قبلها في 15 يوليو 2023 ، ذكرت وكالة السودان للأنباء أن إسماعيل العاقب والي ولاية الجزيرة المكلف، واللواء الركن أحمد الطيب عمر قائد الفرقة الأولى مشاة، دشنا بمعسكر الإحتياطي المركزي بمدينة ودمدني إنطلاق إستنفار المجاهدين لنصرة القوات المسلحة، إستجابة لنداء القائد العام للقوات المسلحة للشباب.
هذا جزء من حالة عبثية لها أبعاد خطيرة تتجه نحوها الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة بعد الحديث عن تورط عناصر جهادية سودانية متطرفة جرى قتلها أو أسرها وهي تحارب بجوار الجيش. كما أن هذا التطور الخطير، لا يعزز فقط من حالات التحذير من مغبة وقوف عناصر من التنظيمات الجهادية وراء إحتدام المعارك في الخرطوم، والعمل على إفشال مبادرات وقف الحرب وعرقلة الوساطات لمنع العودة إلى العملية السياسية السابقة، بل يتعداها إلى مظان ترفع عقيرتها بدخول خلايا الإرهاب الدولي للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني.
هذا الأمر أعاد بلا شك نظر كثير من الجهات التي التزمت الحياد في الحرب، أو تلك التي دافعت عن البرهان باعتباره ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نظامية تدافع عن وحدة الدولة، بينما هو يدير حرباً لحساب (الحركة الإسلامية السودانية) والتي وجدت فيها فرصة لخلط الأوراق طمعاً في السيطرة على المشهد العام
وبحسب تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، فإن استمرار الصراع في السودان، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، إلى تداعيات سلبية، بما يعيد أنشطة الجماعات المتطرفة مجددا، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة التي باتت في الشوارع، وإنما لتوارد أنباء عن عمليات هروب لعدد من المتطرفين الذين كانوا موقوفين في السجون. كذلك تصاعدت المخاوف من ازدهار تجارة البشر ناهيك عن المخاوف المتعلقة من تسرب “الجهاديين” من دول تنشط فيها هذه الجماعات عبر الحدود في 8 مايو 2023.
ويرى “فيديريكو مانفريدي فيرميان” المحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس”هناك خطر من أن الجماعات الإسلامية ذات الإيديولوجية السلفية الجهادية يمكن أن تنتهز الفرصة لتأسيس وجودها في بلد استراتيجي للغاية يقع بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأن “احتمال الانهيار الكامل للدولة السودانية في هذه المرحلة مرتفع للغاية.
في 28 يونيو الماضي، نشرت رويترز تقريراً يتحدث عن قتال الآلاف ممن عملوا في جهاز المخابرات العامة ولديهم صلات بالتيار الإسلامي وآلاف الإسلاميين، إلى جانب الجيش، ما يعقّد جهود إنهاء إراقة الدماء، ولكن هذه ليست البداية فقد سبقتهم في القتال جنباً إلى جنب مع الجيش كتيبة البراء بين مالك التي تتبع إلى قوات الدفاع الشعبي.
وبعد عزل البشير، ورغم المطالب الشعبية بحلّها، قرر البرهان تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط، وما أن زادت حدة المعارك حتى استعان الجيش بمجاهدي البراء اللذين لم يخفُ مشاركتهم مع الجيش، بل أعلنوها عبر (فيديو) بثوه في مواقع التواصل الإجتماعي مرددين فيه شعارات جهادية إسلامية مثل (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء).
لقد تواجدت عناصر كتيبة البراء بن مالك في سلاح المدرعات، وسلاح المهندسين، وفي قاعدة قوات الاحتياطي المركزي في أم درمان (وهي فصيل تابع لقوات الشرطة فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية الرافضة استمرار الحكم العسكري في العنف المفرط).
وبعد هروب قيادات الإخوان المتهمين في قضية إنقلاب البشير 1989 وفي جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وفي قضايا متصلة بالفساد، أزداد التحاق الإسلاميين بالجيش وبدأوا يتحركون بقوة للحشد وتحريض قواعدهم والمواطنين للقتال مستفيدين من دعوة أطلقها القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان للمواطنين للقتال مع الجيش في معركة الكرامة.
ولم تمض أيام من إعلان نائب رئيس المؤتمر الوطني المحلول أحمد هرون عن تأييد حزبه للجيش وإسناده له في معركة الكرامة حتى وإنشغلت وسائل التواصل الإجتماعي بمقتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في (الحركة الإسلامية السودانية) محمد الفضل عبد الواحد عثمان خلال مواجهات عسكرية بمنطقة الشجرة وهو يقاتل في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
إن نشاط خلايا الجهاديين وظهور ملامح بمشاركة العناصر المتطرفة في الحرب يؤكده دخول تنظيم أنصار الشريعة الحرب بقوة، وللتنظيم علاقة وثيقة بنظام البشير وإسلامييه وعلاقة البيعية مع تنظيم القاعدة.
أسس هذا التنظيم في السودان عبد الإله حمزة، نجل الزعيم الراحل لأنصار السنة أبو زيد محمد حمزة المدان في قضية مقتل الموظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جون غرانفيل مطلع 2008
في أغسطس الماضي نشر التنظيم عبر دار “بيت المقدس” إحدى الواجهات الإعلامية لتنظيم القاعدة كتاباً جديداً بعنوان: (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان) ذكر أنّه “للشيخ أبي حذيفة السوداني يوجهه للسودان بشكل خاص”.
وقال المؤلف في مقدمة كتابه: “هذه رسائل حرب أضعها في بريد المجاهدين في السودان، ذلك أنّ الواجب الشرعي يحتم علينا القتال نصرة للدين حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والغريب أنه بعد كل هذه الخطوات وهذه التحركات المكشوفة والمبذولة ظن أنصار النظام البائد أن أمريكا فقط ستسل سيفها على الدعم السريع فقط وتغض الطرف عنهم، وأن قانون العقوبات الخاص باللذين يعوقون الاستقرار والتحول الديمقراطي لن يطالهم لأن لديهم حصانة ضده، خاصة بعد علو كعب صوتهم عن طريق حملات المزايدة بالوطنية ومحاربتهم لدعاة وقف الحرب ووصفهم بأنهم مجرد خونة يصطفون في (طابور) تمام قوات الدعم السريع ويأتمرون بأمرها.
راهن كرتي على زيارات البرهان الخارجية خاصة وأن المناخ كان مهيأ لقبول الرجل بيد أن أكبر تحدي واجهه هو قربه من عناصر النظام البائد اللذين يصرون على استمرار الحرب غير مكترثين لتحذير أقرب حلفائهم.. فقد قال مدير تحرير الإهرام المصرية بوضوح إن مصر ستبلغ البرهان أنها لا توافق على تشكيل حكومة من البحر الأحمر، وعضدت ذلك التحذير تغريدة الخبير الإقتصادي الألماني باتريك هانشن الذي أوضح فيها أن زيارات البرهان الخارجية فشلت وأن حليفه السيسي يرفض تشكيل حكومة مؤقتة خوفاً من تقسيم السودان على غرار السيناريو الليبي، هذا فضلاً عن تأكيد المدعى العام للبرهان بأن التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب في دارفور ستشمله.
عاد البرهان من نيويورك إلى السودان تشده أيادي المجتمع الدولي الطامحة لتحقيق السلام عبر المفاوضات فيما تصر على قيادات الحركة الإسلامية على استمرار الحرب و(البل) مهما ثقلت تكاليف هذا الخيار، ونست غافلة قانون دعم الإنتقال الديمقراطي للسودان، والمصادق عليه بتاريخ ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠م، بأغلبية ديمقراطية وجمهورية بالكونغرس، والملحق بقانون تمويل ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية.
وعندما لم تجد الولايات المتحدة طريقاً لإعادة استقرار السودان غير استخدام العصا لجأت لسيف العقوبات والذي طال هذه المرة الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان ، ومهما كان رد فعل الحركة قوياً وبيانات ربيبها المؤتمر الوطني المحلول أكثر قوة إلا أن الرسالة الأولى التي تقرأ من هذه العقوبات هي تأكيدها على ضلوع الحركة الإسلامية في إشعال الحرب وتورط أمينها العام في ذلك وفي عرقلة المسار التفاوضي لوقفها.
صحيح أن قوات الدعم السريع إرتكبت إنتهاكات واسعة باحتلالها لبيوت المواطنين والمشافي فضلاً عن اغتصاب النساء وغيرها من الفظائع ولذلك هي أيضاً نالت جزاءها من قبل الخزانة الأمريكية بتوقيع عقوبات على القائد الثاني عبدالرحيم دقلو وشركات تتبع لهذه القوات ، وهذا يمثل ضربة موجعة لهذه القوات
لكن العقوبات التي وقعت على كرتي تعتبر ضربة كبيرة للإسلاميين وفيها رسالة مباشرة للفريق أول عبدالفتاح البرهان بالكف عن صلاته وتنسيقه مع الحركة الإسلامية (وما منحه لقائد كتيبة البراء بن مالك رتبة الرائد ببعيد عن ذلك).
يجب أن يدرك الأمين العام علي كرتي وقيادات الحركة الإسلامية بأن وهم العودة إلى السلطة عبر آلة العنف لم يرفضه الشعب السوداني فحسب بل أن هذا القرار سيجعل المجتمع الدولي أكثر يقينا بأن الحركة الإسلامية هي التي أشعلت الحرب وبالتالي ستتوالى العقوبات.
من المؤكد أن هذه العقوبات ستقوي من الجبهة المدنية لوقف الحرب وتعطي فرصة لبروز خطاب وقف الحرب وفي ذلك عودة صحية سترجح كفة السلام ، ويجب على العقلانيين في الحركة الإسلامية طي هذه الصفحة وتجنيب البلاد المهالك فلم تعد هناك فرصة واحدة للمناورة والمزايدة بإسم الدين أو الوطنية المزعومة فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء والانتحار جريمة ...و(السلام هو الحل).
الجريدة  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبدالفتاح البرهان قوات الدعم السریع کتیبة البراء فی السودان مع الجیش

إقرأ أيضاً:

البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي

البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي:
في معنى الحيرة والأسف..
والكلام الملولو والكلام الساكت
نأسف؟ !!
* ما أعظم تضحيات الجند والشعب في ميادين القتال فليس بعد الفداء بالأرواح من فداء.
* ما أتعس تعبيرات وزارة الخارجية عن عظمة هذا الفداء وما أكبر خيانته على مستوى الخطاب!! فغاية ما أبدته من استنكار لموقف حكومة كينيا من السودان هو (الأسف). الأسف في مقابل مشروع هادف الى إيجاد موطئ قدم (لحكومة) ينشئها الدعم السريع والسائرون في ركابه لتكون عنوانا للتسليح الصريح والدعم اللامحدود لإنجاز ما لم تستطع الحرب (بأداوت الحرب التقليدية) إنجازه.

* هذه الدبلوماسية الناعمة الحيية المستخذية التي لا تستطيع أن ترفع سبابتها في وجه من دمروا البلاد وأزهقوا الأرواح بالفعل المباشر أو بالدعم والإسناد العسكري والسياسي أو بالتواطؤ أو بالإيواء لهي دبلوماسية مؤذية للبلاد وتغري بها أكثر مما تدفع عنها.

* على السيد البرهان قائد الجيش (والرئيس بسلطة الأمر الواقع) أن يعمل على مراجعة الأداء التنفيذي الذي يعاني من مشاكل ناتج بعضها من العجز الوظيفي ( لغياب حكومة حقيقية قادرة و فاعلة) وبعضها مشاكل ناجمة من جراء ( قلة الجدارة ) الطاعنة في الأهلية التي تقتضيها الساعة.

*على السيد قائد الجيش و (رئيس البلاد بسلطة الأمر الواقع) أن يغادر المحطة التي وقف فيها طويلا وهو (يعول على عنصر الوقت) في جعل فكرة القبول بحكمه (أمرا لازما ضرورة) وما يمكنه من فعل ذلك هو (تمدين سلطته) عبر تعديل الوثيقة الدستورية التي يظنها مناط شرعيته وما هي هي. فالوثيقة الدستورية بالغا ما بلغت من قوتها القانونية في المحاججة بها في تأسيس فترة الانتقال هي في نهاية الأمر ليست أكثر من (اتفاق سياسي) بين الحرية و التغيير وبين الجيش. وهذه الوثيقة لم يأخذها أحد من الأطراف مأخذ جد بعد (حفل التوقيع عليها) بل ما أكثر ما وظفت توظيفا انتقائيا ما خلا من حيل ومكر لتوافي ظرفا سياسيا عارضا لتشرعنه. فشركاء الوثيقة لم يكوِّنوا مجلسا تشريعيا كما قضت بذلك وهو ضلع ثالث لا تقوم الفترة الانتقالية بغيره رقيبا على الأداء التنفيذي. لكن طرفي الوثيقة احتالا على تشكيل جسم هجين من مجلس الوزراء ومجلس السيادة ليقوم مقام المجلس التشريعي. وما زالت القوى المدنية تسوف في شأنه حتى أدرك الناس من اليأس ما ساء معه ظنهم في قدرة الحرية والتغيير وحمدوك على تحقيق الحد الأدنى من أحلام الثورة. فلما قامت الحرب وقبلها اجرءات تصحيح المسار ( سمه الانقلاب) لم يبق من الوثيقة ما يصلح أن يحاجج به أحد في (شرعنة السلطة القائمة). قلنا مرارا إن (سلطة البرهان هي سلطة أمر واقع) لم يختره أحد شأنه شأن الحرية والتغيير لكنهما صنعا شرعيتهما (بمنطق الأمر الواقع) دونما انتخاب. (كلو حمدو في بطنو) ولذلك على السيد البرهان أن يترك هذه (المناورة السياسية) غير المنتجة ويعمد إلى ممارسة (سلطة الأمر الواقع) دونما تذرع بأنه يفعل ذلك (بمشروعية الوثيقة الدستورية).

بل إنني أمضي أبعد من ذلك فأقول ليست (الوثيقة الدستورية) وحدها التي أصبحت غير ذات صلة وموضوع بواقع الحال بل إن(إتفاقية جوبا) مع (حركات المسلح) هي الأخرى أصبحت من الماضي في ظل الحرب التي لم تبق على شيء. فقوات (المشتركة) التي تقاتل مع الجيش وتستبسل في الدفاع عن الفاشر لا تفعل ذلك لأنها ( تحمي وثيقة عزيزة عليها ترجو خيرها بعد الحرب). هذا قتال متعلق بصيانة الوجود المادي للدولة كيانا و بشرا.
وربما يصنع قادة الحركات خيرا في أنفسهم وفي شعوبهم وفي البلاد لو أنهم بادروا من تلقاء أنفسهم بتحرير رقبة (الدولة المقاتلة) من (تبعات إتفاق جوبا). وهذا أمر يتطلب قدرا عاليا من الواقعية السياسية وأقل من ذلك من الحصافة السياسية التي تمكنهم من ( رؤية ما انتهت إليه البلاد.). ولا يخفى أن ( حركات الكفاح المسلح) تتشبث (بالوثيقة الدستورية) تشبث البرهان بها لأنها في تقديرهم هي(المشرعنة وجودهم في مجلس السيادة وداخل مجلس الوزراء). وهذا التفكير نفسه هو المسيطر على البرهان باعتبار أنه موجود هو (حيث هو) بموجب الوثيقة الدستورية. وهذا سوء تقدير سياسي وعملياتي يورث صاحبه هماَ واضطرابا في مقاربة القضايا فضلا عن (خرمجة) في ترتيب أولوياتها فيدفع بآخر القضايا إلى سطح عقله فلا يكون شاغل له غيرها. ومن ذلك الفكرة (الفطيرة) حول خريطة الطريق التي تمخضت عن ( نقاشات واسعة لقوى سياسية و مجتمعية) في تعبير بيان الخارجية. (فخريطة الطريقة وهمة خرجت من (رحم) الحاضنة وباعتها ( خديجا للبرهان) وسارعت الخارجية الى تسميتها (خريطة طريق) ودعت المجتمع الدولي إلى مباركة المولود ..ماذا يكون العبث السياسي إن لم يكن هذا.

إن من حق الشعب على البرهان أن يقود البلاد في مهمة واحدة هي تحقيق النصر الحاسم و( تصحيح الوضع المائل) بما كسب (تطنيشه ) عن المخاطر التي سارت بها تقارير ضباطه في الاستخبارات. ولكي يفعل ذلك عليه أن يخلي ذهنه الآن من (المعادلات السياسية المتعلقة بالمستقبل) ولا ينشغل قلبه وعقله (بالحواضن) ولا (بفكرة العطايا السلطوية) ثمنا للانخراط في الحرب. هناك شاغل واحد يجب أن يكون الأولوية التي لا تتقدمها أولوية وهو تحقيق النصر المكرس حيازة السلاح في يد الجيش وأجهزة الدولة وحدها.
إن ثقة الشعب في قيادته في أوقات السلم هي رأسمال الحاكم وتتزايد الثقة بمقدار تحقق الرضا العام عنه. في أوقات الحرب تزيد حاجة القائد الى ثقة شعبه وإمتلائه بها ولا ثقة تمنح لقائد مضطرب يمحو كلام نهاره كلام ليله. ولا ثقة مع خطاب ينصرف عن رفع معنويات الجنود والمقاتلين إلى الحديث عن (القسمة و النصيب) في سلطة لما تنبسط على كامل التراب السوداني. يجب أن يدرك السيد البرهان أنه في لحظته التاريخية هذه ( لا حاضنة له غير الشعب ) فإن طلبها في غيره (صادقا أو مناورا) فإنه يكون قد خطى بقدميه إلى باب الخروج. فهذا الشعب قد أنضجته الحرب حتى (الحريق) ولذلك لن يمكن أحدا من اللعب بوطنه وبمصيره ومصير أجياله المقبلة.

*على السيد البرهان أن يبادر الى تشكيل حكومة تكنوقراط صرفة من خبرات سودانية بلا ولاءات سياسية لتقوم بالمهام المطلوبة من الحكومة على الوجه الأكمل. فمن شأن أهل القدرة و المعرفة والخبرة منح الخطاب الحكومي كثيرا من الرشد والسداد المفقودين فيه واللازمين لمعالجة طوارئ الأحداث وما أكثرها في الأيام المقبلة.
* على السيد البرهان أن يكون (خلية أزمة تضم دبلوماسيين وضباط استخبارات وجيش رفيعي المستوى وسفراء من ذوي الكعب العالي للتفكير في سيناريوهات المستقبل ومن بينها: ما العمل حال قامت جماعة نيروبي بإعلان حكومة سواء بقيت في الخارج أو استقرت في أي مكان بدارفور. والحاجة إلى هذا الأمر كشف عنها البيان الهزيل للخارجية السودانية في مخاطبته حكومة كينيا. خطاب الخارجية لم يحسن التعبير عن الاحتجاج ولا أحسن التعبير عن المفتدين البلاد وأهلها بأرواحهم.

* على السيد البرهان أن يفرق بين خطابات المناسبات العارضة وهذه لا تطلب أكثر من رفع المعنوية وبين الخطابات التي توجه الى الشعب كله لبيان أمر عظيم. وهذه خطابات يجب أن تكون مكتوبة وتجلي كل قضية بحيث لا تبقي أمرا ما يحيط به الغموض. (الغموض) لن يفيد السيد البرهان في شيء فقد سئم الشعب (اللف والدوران). وسئم من الخطابات التي يلقى بها وفق ما تجود به الخواطر (بنت لحظتها) حتى إذا المتحدث فسمع ما قال مرة أخرى عاد إليه ينقضه حرفا حرفا يصحح فلتات لسانه. ما هكذا تدار الدول في السلم ..أهي تدار هكذا في الحرب؟ نأسف.!!

فوزي بشرى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السفير الحارث: الحرب لن تتوقف إلا حين توقِف الإمارات دعمها لمليشيا الدعم السريع
  • المؤلفة قلوبهم من أبناء الحركة الإسلامية
  • البرهان: نجدد العزم على تحرير البلاد من المرتزقة والعملاء والقضاء على مليشيا الدعم السريع
  • الدعم السريع تختطف طبيباً في شمال كردفان بعد هجوم مسلح على منطقة «أم سيالة»
  • قتلى بينهم أطفال في هجمات بالسودان والبرهان يتوعد الدعم السريع
  • البرهان: الجيش السوداني عازم على تحرير البلاد والقضاء على الدعم السريع  
  • البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «9 – 20»
  • الحركة الشعبية شمال ترد على بياني الاتحاد الأوروبي ومجلس السلم الأفريقي
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (9 – 20)