سأل محمد إبو القاسم حاج حمد في كتابه "السودان المأزق التاريخي و أفاق المستقبل" عن الصراع السياسي و دور أسماعيل الأزهري فيه بالقول ( لماذا نظر الأزهري إلي الصراع بين حزبه و بين الآخرين في حدود الصراع السياسي المجرد على كراسي " السلطة" فتحول هو الآخر إلي شيخ لطائفة المثقفين.. يبارك هذا بالتعيين و يحرم ذلك بالطرد من خلال عباراته " إلي من يهمه الأمر سلام") هنا تبرز رؤيتين الأولى - كان لابد أن يكتب حاج حمد مثل هذا التساؤل عن الأزهري لأن حمد كان يقف في الضفة الأخرى للاتحاديين الذين انقسموا و كونوا حزب الشعب الديمقراطية.
كان يمكن أن يكون الصراع داخل مواعين الديمقراطية إذا كانت داخل المؤسسة الحزبية، أو في الاتساع الواسع للوطن مع القوى السياسية الأخرى. رغم أن الانقلابات العسكرية لم تجعل هناك فترة زمنية كافية تؤسس عليها الديمقراطية. بعد ثورة 21 أكتوبر 1964م، كان المتوقع أن القوى السياسية تكون قد تعلمت الدروس من تجربة حكم عبود. و لكن التجربة خلقت واقعا جديدا في العمل السياسي، حيث أثر سلبا على السياسة في السودان حتى اليوم. حيث برزت الحركة الإسلامية كقوى جديدة لها تأثيرها في السياسة، و بدأ الصراع بين اليمين و اليسار يخرج من دائرة الصراع الثقافي الفكري إلي صراع صفري كل يحاول أن يجعل الأخر خارج المسرح السياسي. و استغل الاسلاميون ما حدث في المعهد العلمي. بأن أحد عناصر الحزب الشيوعي أتهم السيدة عائشة إتهاما خادشا. و لكن الشيوعيون نفوا أن يكون هذا الشخص عضوا في الحزب الشيوعي، أنما هي مسرحية من تأليف الإسلاميين. هذه الحادثة أثارت العامة و تم بموجبها حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان في 1965م، هذا الصراع الصفري لإبعاد الشيوعيين فتح منافذ الاستقطاب داخل القوات المسلحة و تشكيل خلايا داخلها أدت إلي انقلاب نميري 1969م من قبل الشيوعيين و القوميين العرب، ثم انقلاب أخرى للشيوعيون 1971م ثم انقلاب الجبهة الإسلامية 1989م و عدد من الانقلابات الفاشلة منها انقلاب 28 رمضان الذي قاده البعثيون. الأمر الذي يؤكد الاختراق الذي حدث داخل القوات المسلحة من قبل السياسيين.
أن الصراع بين الشيوعيين و الإسلاميين الذي أدى لحل الحزب الشيوعي في 1965م انتج ثقافة سياسية جديدة في المجتمع تقوم على الصراع الصفري، و أصبح الثنان يتحكمان في إنتاج هذه الثقافة، و يستخدمان كل أدواتهم الأعلامية و الصحافة و التجمعات المهنية و منظمات المجتمع المدني و حتى الصراع داخل الحركة الطلابية، و جميعها يساعد في إنتاج و تجديد هذه الثقافة. المسألة لم تعد في دائرة الحزبين و عضويتيهما، بل أنتقلت حتى إلي عضوية الأحزاب الأخرى، و التي كان يجب أن يكون لها تفكيرا مغايرا، و أخص هنا الحزبين التقليديين " الاتحادي و الأمة" و أصبح الخلاف في الرأي و الأفكار يوقع صاحبة في الاتهام للانحياز لجانب من الجانبين، هذه الثقافة المتحكمة في المجتمع و خاصة وسط المثقفين لا تستطيع أن تقود البلاد إلي الديمقراطية، لأنها ثقافة تتناقض مع الثقافة الديمقراطية تماما، هي ثقافة تقود للنزاعات و الحروب و تسيد أدوات العنف.
أن غياب قوى الوسط التي تستطيع أن تتصدى لمثل هذه الثقافات القاتلة، و تجعل من نفسها حائط للصد و الرفض. و غيابها هو الذي مكن الثقافة الصفرية و اعاطها مساحة للحركة و النمو و السيادة. أن القوى الساعية للبناء الديمقراطية لا تحتاج أن تستلف مصطلحاتها و ثقافتها من القوى التي تنتج الثقافة الصفرية، بل تعمل جادة على إنتاج الثقافة الديمقراطية، التي تؤسس على الحوار و النقد و إنتاج الأفكار المطلوبة لعملية التغيير، أن الثقافة التي تم إنتاجها بعد ثورة أكتوبر و أدت لحل الحزب الشيوعي و الانقلابات العسكرية هي ذات الثقافة التي أفشلت الديمقراطية بعد ثورة إبريل 1985م و أيضا أفشلت انجاز مهام ثورة ديسمبر 2018م، لأن القيادات التي جاءت للسلطة بعد أغسطس 2019م كان عليها أن تستفيد من تجارب الماضي، و تحاول أن تخرج من دائرة الثقافتين المتحكمتان الآن. القوتان المنتجتان للثقافة الصفرية فشلتا في الحكم و في نقد ممارستيهما و التوقف عن إنتاج هذه الثقافة العدمية. كان على القوى السياسية أن تطرح على نفسها السؤال كيف نستطيع أن نتجاوز الثقافة العدمية إلي إنتاج ثقافة جديدة و امتلاك أدوات العمل السياسي التي تتلاءم مع الواقع الجديد؟
البلاد في حاجة إلي قوى الوسط المؤمنة أن الديمقراطية تحتاج إلي عقول جديدة غير مختزنة بتلك الثقافة العدمية، إلي أفكار جديدة تبنى رؤيتها المخالفة للتجارب التاريخية الفاشلة، تؤسس على ثقافة ديمقراطية، تبدأ معاركها من داخل مؤسساتها الحزبية و تحدث فيها تغيرات تساعدها على إنتاج ثقافة داعمة للديمقراطية. أن طريق الديمقراطية ليس طريقا سهلا بل هو طريق محفوف بالمخاطر و التحديات، لآن هناك قوى لا ترغب في التغيير إذا كان الواقع القائم يؤمن لها مصالحها، و هذه القوى ليس فقط أن تكون في الدولة و متحكمة في مفاصلها، أو في حزب واحد، بل هي قوى محافظة موزعة بين الكيانات تخاف من التغيير، لأنها لا تضمن نتائجه. و التغيير لا يتأتى بالشعارات و الهتاف، بل بالحكمة و القدرة على إدارة الأزمة بوعي، و ضخ الأفكار المقنعة. و لكن إذا استمر الكل يتمسك بثقافة الصراع الصفري...! لن يحدث تغيير في المجتمع.. لأن الكل سوف يكونوا مستوعبين في "شكلة" تمنعهم من التفكير الجيد، و الخطاب المنطقي المتماشي مع قيم و شروط الديمقراطية. و نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی هذه الثقافة
إقرأ أيضاً:
بانتظار ترامب.. ما مصير قوات سوريا الديمقراطية قسد؟
قالت مصادر عسكرية خاصة لـ"عربي21" إن إدارة العمليات العسكرية رفضت مقترح انضمام قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أمريكيا، إلى الجيش السوري ضمن تشكيل واحد يضمن لها "الخصوصية"، موضحة أن دمشق أبدت موافقتها على انضمام عناصر تشكيل "قسد" إلى الجيش كأفراد، وبعد حل التشكيل.
من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي الكردي علي تمي، أن تقبل دمشق بضم "قسد" إلى الجيش السوري، وفق الهيكلية الحالية، رغم دعم واشنطن لمقترح "قسد" أي الانضمام في فيلق واحد.
وأضاف لـ"عربي21" أن دمشق وأنقرة تقترحان اندماج "قسد" مع الجيش، معتبراً أن "هذه القضية معقدة ومتشابكة لأن قيادات "قسد" معظمهم من المطلوبين لتركيا لارتباطهم بحزب "العمال" الكردستاني، وانخراطهم في أعمال عدائية ضد تركيا".
ولذلك يرى تمي أن "الوضع الميداني متجه نحو عملية عسكرية تركية جديدة في شرق الفرات والتريث التركي هدفه الانتظار حتى عودة إدارة ترhمب إلى البيت الأبيض، ويبدو أن تصريحات ترامب الأخيرة حول الأكراد قد أعطت تطمينات لأنقرة، ولهذا هي تتريث في تنفيذ العملية"، وأضاف أن "دمشق لا يمكن أن تقبل بجيش داخل جيش".
ما خيارات "قسد"؟
ويبدو أن الخيارات بدأت تضيق على "قسد"، ويرى القيادي في الجيش الوطني النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن خيارتها محصورة بالاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية العسكرية.
وأضاف لـ"عربي21": "حتى الآن هناك خلافات حول وضع "قسد" العسكري أو قوات حماية الشعب، والأخيرة تريد أن تدخل الجيش ككتلة عسكرية تحافظ على قواتها ضمن كيانها بتبعية لوزارة الدفاع، أما الطرف الآخر أي حكومة دمشق تريد حل "قسد" قواتها العسكرية وانضمامها كأفراد أو كتائب صغيرة".
واستدرك عبد الرزاق بقوله: "لكن يمكن التوصل لاتفاق في الأسابيع القادمة"، في إشارة منه إلى المفاوضات التي تجري حالياً بين "قسد" من جانب ودمشق وأنقرة من جانب آخر.
وساطة بين "قسد" وتركيا
وكان ممثل رئيس إقليم كردستان العراق، حميد دربندي قد اجتمع قبل يوم بقائد "قسد" مظلوم عبدي، في الحسكة، وسط أنباء عن وساطة يقوم بها الإقليم بين "قسد" وتركيا.
وما يدل على ذلك، أن زيارة دربندي جاءت بعد أيام من زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني أنقرة، واجتماعه مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي يشرف حاليا على إدارة الملف السوري.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي عبد الله سليمان أوغلو، أن المحادثات بين دمشق وأنقرة وواشنطن مستمرة لتوحيد سوريا، من خلال بسط سيطرة حكومة دمشق على كامل التراب السوري.
كسب الوقت
واتهم الكاتب "قسد" بالمراوغة لكسب الوقت، إلى حين وضوح موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من سوريا، وقال لـ"عربي21": "تريد "قسد" الحفاظ على المكتسبات، لكنها تعلم أن دمشق وأنقرة لن تقبلان بوجود سلاح خارج الدولة في سوريا".
وتابع سليمان أوغلو، بأن المفاوضات الحالية تهدف إلى تجنيب البلاد الدماء، معتبراً أن "عدم انصياع "قسد" لرغبة دمشق، سيؤدي إلى شن عملية عسكرية، لكن بعد تسلم إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض".
وأشار الكاتب التركي إلى أن "المعركة ستكون بمشاركة كل الأطراف السورية، أي الجيش الوطني الذي يخوض اشتباكات محدودة حالياً ضد "قسد" في جبهات ريف حلب الشرقي، وإدارة العمليات العسكرية".
وكان القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع قد أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة أن تسلم جميع الفصائل المسلحة، أسلحتها وتنضوي تحت مظلة وزارة الدفاع السورية.