لاحظت مجلة الإيكونوميست البريطانية – التى تعتمد على الذكاء والسخرية المعروفين للبريطانيين – فشل الهجوم المضاد ونبهت الاتحاد الأوروبى للاستعداد لحرب طويلة.
وتعتبر الإيكونوميست مجلة إخبارية بريطانية أسسها جيمس ويلسون عام ١٨٤٣ وتملكها عائلة أنييلى بمشاركة عائلات روتشيلد وكادبرى وشرودرز. وتعد من أكثر الصحف الأسبوعية تأثيرًا فى العالم الغربى.


ونشرت المجلة مؤخرا، فى يوم الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣، مقالًا بقلم رئيسة التحرير زانى مينتون بيدوس، بعنوان: «حان وقت إعادة التفكير». وهو نموذج فريد من نوعه لأنه يضع حدًا لعام ونصف من الأكاذيب الغربية عن تحقيق انتصار سريع لأوكرانيا. كما يدعو المقال إلى التفكير حاليًا فى حرب طويلة.
كل ما كتبته وأعلنته طوال ١٨ شهرًا، عندما كنت أقول أننى مؤيد لروسيا، مكتوب بالأبيض والأسود فى المقال الذى نشرته هذه المجلة البريطانية، والذى يشهد مرة أخرى على الذكاء والشجاعة البريطانية، كما يدل أيضا على التصميم التاريخى لإنجلترا على بناء وقيادة تحالفات ضد القوة المهيمنة فى أوروبا: فى القرن التاسع عشر ضد نابليون فى فرنسا، وفى القرن العشرين ضد ألمانيا فى عهد ويليام الثانى وهتلر واليوم، ضد بوتين فى روسيا.
يعد هذا الاستنتاج صعبا للغاية إلا أنه فى نفس الوقت واضح: «إن الهجوم المضاد لا يجدى. وعلى الرغم من الجهود البطولية وإنتهاكات الدفاعات الروسية بالقرب من روبوتين، حررت أوكرانيا أقل من ٠.٢٥٪ من الأراضى التى احتلتها روسيا حتى شهر يونيو، وتغير، بشكل قليل للغاية، خط المواجهة الذى يبلغ طوله ١٠٠٠ كيلومتر.
ولا يزال من الممكن أن يحقق الجيش الأوكرانى اختراقًا فى الأسابيع المقبلة مما يؤدى إلى انهيار القوات الروسية الهشة. ولكن وفقا لبيانات الأشهر الثلاثة الماضية، سيكون من الخطأ أن نراهن على ذلك.. ووسط حالة من اللامبالاة العامة ومع اتخاذ وجهة نظر مخالفة لجميع أولئك الذين رأيناهم فى واشنطن وأوروبا يعتبرون رغباتهم حقيقة واقعة.
وصرح الجنرال كريستوفر كافولى، القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسى أمام لجنة القوات المسلحة فى مجلس النواب، معلنا حقيقية الوضع على أرض الواقع اعتبارًا من ٣ مايو٢٠٢٣: «لقد تدهورت القوات البرية الروسية إلى حد ما بسبب هذا الصراع رغم أنها قد أصبحت اليوم أكبر مما كانت عليه فى بداية الصراع». كما أضاف قائلًا: «لقد خسرت القوات الجوية القليل جدًا، لقد فقدوا ٨٠ طائرة. ولديهم ١٠٠٠ مقاتلة وقاذفة قنابل أخرى؛ أما البحرية فقد فقدت سفينة واحدة».
وفى مواجهة هذا الواقع القاسى للحرب، تقترح مجلة الإيكونوميست إجراء بعض التعديلات، إن لم يكن التغيير الكامل عما تم القيام به منذ ١٨ شهرًا.. وأقول هنا: «التعديل الأول الذى يجب إجراؤه هو التعديل العسكرى خاصة أن الجنود الأوكرانيون منهكون؛ قُتل العديد من أفضل المحاربين.
وعلى الرغم من التجنيد الإجبارى، إلا أن أوكرانيا تفتقر إلى القوة البشرية اللازمة لدعم هجوم مضاد دائم واسع النطاق ويجب علينا إيجاد طرق مختلفة وتغيير هذا الوضع».
أما التعديل الثانى فهو تعديل اقتصادى: «لقد تقلص الاقتصاد الأوكرانى بمقدار الثلث. ويتم دفع نصف ميزانية أوكرانيا تقريبًا بأموال غربية. وفى أمر غريب فى زمن الحرب، فقد ارتفعت قيمة العملة (الهريفنيا) حتى مع انخفاض الاستثمار الخاص. ومع وجود حوالى مليون شخص يحملون السلاح وفرار الملايين من البلاد، فإن العمال أصبحوا عملة نادرة للغاية فى ظل هذه الأوضاع!
أما التغيير الثالث فهو سياسى: «ولتحقيق ذلك، فنحن فى احتياج إلى تغيير العقلية فى أوروبا. تلك العقلية التى تعهدت بتقديم أسلحة لا تقل عما تعهدت به أمريكا، فضلًا عن قدر أكبر بكثير من المساعدات المالية. ومع ذلك، يجب علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك.
فإذا فاز ترامب فى عام ٢٠٢٤، فقد يخفض المساعدات العسكرية الأمريكية. وحتى لوخسر، فسوف يكون لزامًا على أوروبا فى نهاية المطاف أن تتحمل المزيد من العبء. وهذا يعنى تعزيز صناعتها الدفاعية وإصلاح عملية صنع القرار فى الاتحاد الأوروبى حتى يتمكن من إدارة المزيد من الأعضاء. والرائع فى الإنجليز، الذين جعلوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى للانضمام إلى البحر المفتوح والمجتمع البحرى للأنجلوسكسونيين، هو أنهم يواصلون فرض رغبتهم دون أى حرج، فى إملاء سلوك ما على الاتحاد الأوروبى.
«حرب طويلة»
تتخذ صحيفة «الإيكونوميست» وجهة نظر معاكسة للأصوات التى علت فى الولايات المتحدة مطالبة بالبدء فى المفاوضات، مشيرة إلى أن الوقت واللوجستيات يعملان ضد أوكرانيا: «إن فرص التوصل إلى تسوية مواتية لأوكرانيا تتلاشى بسبب تأخر التسليح وتعبئة القوات المسلحة».
إن ذروة المساعدات المقدمة لأوكرانيا قد وصلت إلى آخرها، ولن يتكرر هذا الأمر فى الأشهر أو السنوات المقبلة. إن احتمال التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض أوحتى وقف إطلاق النار بشروط مواتية لأوكرانيا سوف يصبح أقل احتمالًا مع تزايد تفوق روسيا على ساحة المعركة».
يعد ذلك أحد الأمثلة من بين العديد من الأمثلة الأخرى، على العجز اللوجستى الأمريكى والأوروبى لدعم هذه الحرب ويقدم هذا الاستنتاج المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن، فيوضح: «لقد أطلقت روسيا وأوكرانيا حوالى ٢٠٠ ألف قذيفة مدفعية أسبوعيًا.


ومع ذلك، يبلغ إجمالى إنتاج الولايات المتحدة من القذائف عيار ١٥٥ ملم حاليًا، حوالى ٢٠ ألفًا قذيفة شهريا، وسيصل إلى ٩٠ ألفًا شهريًا فى عام ٢٠٢٤، بعد استثمار بقيمة ٢ مليار دولار تم تقديمه مؤخرًا من قبل الجيش الأمريكى.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، فقد أظهرت المناورات الحربية أنه فى ظل هذا الصراع المحتدم، ستستنفذ المملكة المتحدة مخزونها من الذخائر فى ثمانية أيام فقط. واقترحت وسائل الإعلام الألمانية فى عام ٢٠٢٢ أن نشاطات الجيش الألمانى ستستمر ما بين بضع ساعات وبضعة أيام فى ظل مثل هذا الصراع».
وفى واشنطن، أبدى مركز الدرسات الاستراتيجية الدولية تشاؤمه أيضًا: «حتى لوحقق البنتاجون هدفه المعلن بتصنيع ٩٠ ألف قذيفة شهريًا بحلول عام ٢٠٢٤، فإنه لا يزال يمثل فقط نصف مستوى الإنتاج الحالى لروسيا.
أما عن تسليم طائرات ال إف ١٦. لنسF-١٦، فإن الطيارين الفرنسيين الذين قادوا هذه الطائرات الأمريكية وطائرات الميج ٢٩، فإنه يلزمهم تدريبا على الأقل لمدة عامين حتى تصبح تلك العمليات فعالة ويستطيعون المنافسة مع الروس.
ولكن بالنسبة لمجلة الإيكونوميست والبريطانيين الذين انسحبوا من الاتحاد الأوروبى، فلا ينبغى التفاوض مع بوتين ولكن يجب «الاستعداد لحرب طويلة».
بسخريتها المعهودة، تطالب بريطانيا الاتحاد الأوروبى بتحمل العبء الرئيسى، دون ذكر أى شيء عن الأوكرانيين الذين سيستمرون فى دفع الثمن الباهظ من سفك الدماء. أما عن الأوروبيين الذين سيعانون من العواقب الاقتصادية: «فهناك الكثير من الأحاديث حول أوكرانيا تتوقف على إنهاء الحرب.
يجب أن يتغير ذلك. صلوا من أجل تحقيق نصر سريع ولكن توقعوا صراعا طويلا، وتوقعوا أوكرانيا غير قادرة على البقاء أوالازدهار. ونحتاج إلى تغيير العقلية فى أوروبا التى تعهدت بتقديم أسلحة تعادل ما تعهدت به أمريكا والمزيد من المساعدات المالية.
ومع ذلك، يجب علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك. إذا فاز ترامب فى عام ٢٠٢٤، فقد يخفض المساعدات العسكرية الأمريكية. وحتى لو خسر، فسوف يكون لزامًا على أوروبا فى نهاية المطاف أن تتحمل المزيد من الاعباء، وهذا يعنى تعزيز صناعاتها الدفاعية وإصلاح عملية صنع القرار فى الاتحاد الأوروبى حتى يتمكن من إدارة المزيد من الأعضاء».. لا تعليق!.
 

معلومات عن الكاتب: 
الجنرال جان برنارد بيناتيل.. قائد عسكرى فرنسى سابق، حاصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية، له ستة كتب جيوسياسية، منها كتاب «تاريخ الإسلام الراديكالى ومن يستخدمه».. يقدم لنا تحليلًا للحرب فى أوكرانيا من خلال تعليقه على ما كتبته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية حول هذه الحرب.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الإيكونوميست الاتحاد الأوروبى المزید من عام ٢٠٢٤ فى عام

إقرأ أيضاً:

الاتحاد العام للصناعات واتحاد المقاولين واتحاد الصناعات الانشائية يوقعان مذكرة تفاهم

وقع الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية واتحاد المقاولين، واتحاد الصناعات الانشائية، مساء اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024، اتفاقية تعاون مشترك بهدف تعزيز التعاون والشراكة وسعيًا لتحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني الفلسطيني والصناعة الفلسطينية قطاع المقاولات والذي يعد من اهم القطاعات الاقتصادية.

وتسعى الاتفاقية لتأسيس إطار عمل مشترك يهدف إلى تحقيق الأهداف المشتركة بين الاطراف بما يخص إعادة الاعمار وإعادة التدوير.

ووقعت الاتفاقية بحضور الأطراف الثلاثة عبر تقنية الزوم بحضور أسامة النعسان نائب رئيس الاتحاد العام للصناعات وتيسر الأستاذ امين الصندوق وسهيل السقا رئيس اتحاد المقاولين نافذ أبو كميل رئيس اتحاد الصناعات الانشائية وبحضور أعضاء مجلس إدارة اتحاد الصناعات الانشائية والإدارة التنفيذية

وإكد أسامة النعسان خلال مراسم التوقيع، على أهمية الشراكة ما بين الصانع والمقاول وتعزيز التعاون واهمية رسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة وخاصة في إعادة الاعمار قطاع غزة وكذلك تنظيم عمل قطاع الصناعات الانشائية والمقاولات

وبين النعسان أن الاتفاقية تهدف الى الشراكة وتعزيز مكانة المنتج الوطني والتعاون في إزالة الركام وإعادة التدوير وحل النزاعات بين كافة الاطراف.

رئيس اتحاد المقاولين سهيل السقا أكد على ان عملية إعادة الاعمار يجب ان تتم بفكر جديد وباليات جديدة، مشيرا إلى ان معظم العاملين في قطاع المقاولات وفي قطاع الصناعات الانشائية بحاجة الى معدات جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات إعادة الاعمار.

وشدد السقا على وجوب التوافق بين جميع الأطراف، مؤكدا على ان هناك انفتاح كبير من اتحاد المقاولين على التوافق والعمل ضمن جسم واحد بين الصانع والمقاول.

وتحدث نافذ أبو كميل رئيس اتحاد الصناعات الانشائية ان هذه المذكرة مهم وهي تؤسس لأليات عمل مختلفة سواء من طرف المصانع او من طرف المقاول وان هذه المذكر ستكون مرجعة لكافة الصناعيين العاملين في مجال الصناعات الانشائية.

وأشار الى ان هذه المذكرة تؤسس لمرحلة جديدة كفيلة بحل الإشكاليات السابقة بين مختلف الأطراف ذات العلاقة.

وشدد تيسير الأستاذ امين صندوق على أهمية ان يكون هناك ميثاق أخلاقي يحدد اليات العمل ما بين الصانع والمقاول حيث ان هناك حمل كبير سيكون بعد انتهاء الحرب.

وتأتي هذه المذكرة ضمن المجهودات التي يبذلها الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية مع الشركاء من القطاع الخاص الفلسطيني لحشد الجهود التي تصب في مصلحة إعادة اعمار قطاع غزة خلال الفترة القادمة وتظافر الجهود الداعمة لاعادة الاعمار.

المصدر : وكالة سوا

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يعتزم إعادة فتح بعثته في سوريا
  • الاتحاد العام للصناعات واتحاد المقاولين واتحاد الصناعات الانشائية يوقعان مذكرة تفاهم
  • استعدوا.. سعر الصرف على موعد مع ارتفاع جديد: منصة بيع الدولار ستتوقف والصدمة قادمة
  • رونالدو يعلن نيته الترشح لرئاسة الاتحاد البرازيلي: هدفي إعادة الهيبة والشعبية
  • متقاعدو السليمانية.. طوابير طويلة بازدحام وبرد بانتظار رواتبهم المتأخرة (صور)
  • محمد كركوتي يكتب: معضلة الطاقة الأوروبية
  • القماطي: إعادة تشغيل بحيرة النزهة بالإسكندرية بدعم من الاتحاد الدولي للتجديف
  • أوكرانيا: روسيا قصفت إقليم زابوروجيا 201 مرة خلال 24 ساعة
  • حظك اليوم الاثنين| توقعات الأبراج الهوائية.. لا تبالغ في التفكير
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد اهتمامه بعملية إعادة بناء سوريا وإعمارها