المؤرخ العسكرى سيلفان فيريرا فى حوار خاص مع «لوديالوج»: الجيش الأحمر لعب الدور الحاسم والرائد فى هزيمة الجيش الألمانى.. أوكرانيا كانت مسرحًا لعدد كبير جدًا من المعارك خلال الحرب العالمية الثانية
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
سيلفان فيريرا مؤرخ عسكرى مهتم بتفكير شبه دائم فى فنون الحرب ويعمل بشكل رئيسى على تحليل تطور فن الحرب من عام 1850 إلى عام 1945.. ومهتم بشكل خاص بالتحول إلى العصر الصناعى وعواقبه على الجنود العسكريين المقاتلين، وهو مؤلف للعديد من مجلات التاريخ العسكرى، وهو أيضًا مصمم للألعاب الاستراتيجية ومستشار لبرنامج «ساحة المعركة» ورئيس تحرير سابق لمجلة متحف الحرب العظمى.
أوضح المؤرخ العسكرى سيلفان فيريرا، مؤلف للعديد من مجلات التاريخ العسكرى، إن أوكرانيا كانت مسرحًا لعدد كبير جدًا من المعارك خلال الحرب العالمية الثانية؛ مشيرًا إلى أن الحكومة الروسية، وضعت من خلال فلاديمير بوتين، «العملية العسكرية الخاصة»، كنوع من استمرارية القتال ضد ألمانيا النازية. وقال «فيريرا»، مستشار برنامج «ساحة المعركة»، ورئيس التحرير السابق لمجلة متحف الحرب العظمى، فى حوار خاص مع موقع «لوديالوج»: إن النازيين الجدد الأوكرانيين فعلوا الشيء نفسه، منذ انقلاب الميدان فى عام 2014، من خلال تمجيد الأوكرانيين المتعاونين مع الرايخ الثالث؛ موضحًا أنه لكى نمتلك القدرة على شن حرب قوية، يجب علينا مرة أخرى العودة إلى نماذج الحرب العالمية الثانية والقيام باستخدامها والاستفادة منها. وأضاف «فيريرا»، أنه يجب الاعتراف بأن الطائرات بدون طيار والبيئة السيبرانية تطرح تحديات جديدة، لكن هنا مرة أخرى يمكن للماضى أن يكون بمثابة الأساس الذى يجب التغلب عليه بالطبع ولكن يجب أن نعتمد عليه فى بداية أى تفكير؛ مؤكدًا أن هناك دائما دروسا يمكن تعلمها- من الفترات الأقدم فى الواقع- على الرغم من التقدم التقنى. وأشار المؤرخ العسكرى سيلفان فيريرا، إلى أنه فى مجال حرب المدن، لا تزال الاتجاهات الرئيسية التى أبرزتها الحرب العالمية الثانية موجودة؛ معتبرًا أن مشكلة الإنتاج الضخم تظل قائمة، بما فى ذلك فى الولايات المتحدة. مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالى:
لوديالوج: أنت مؤرخ عسكرى، وتكتب سلسلة أبحاث عن الجبهة الشرقية فى الحرب العالمية الثانية.. فكيف دخلت هذا المجال؟، وما تفاصيل رحلتك العملية التى أوصلتك لهذا التخصص؟
سيلفان فيريرا: فى منتصف التسعينيات، قابلت لوران هيننجر خلال خدمتى الوطنية فى وفد الأسلحة العامة (DGA). وفى ذلك الوقت، كان هو المؤرخ الفرنسى الوحيد الذى سلط الضوء على الدور الحاسم والرائد الذى لعبه الجيش الأحمر لهزيمة القوات البرية فى الجيش الألمانى Wehrmacht. لقد كنت مهتمًا جدًا بالفعل بالحرب العالمية الثانية، خاصة حملة نورماندى، ولكن بعد لقاءاتنا اليومية الطويلة لمدة تسعة أشهر تقريبًا، قررت تكريس معظم أبحاثى على الجبهة الشرقية فى الحرب العالمية الثانية وخصائصها غير العادية.
لوديالوج: فى المعارك، وخاصة معارك الدبابات الكبرى خلال الحرب العالمية الأخيرة بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتى، ما المزايا ونقاط الضعف والاستراتيجيات لدى الجيشين؟ ولماذا انتصر السوفييت بشكل واضح فى نهاية المطاف؟ هل هذا بسبب اختلاف المعدات والتكتيكات المتبعة والدوافع عند الروس؟ ما العوامل التى صنعت الفارق على أرض الواقع؟
سيلفان فيريرا: استفادت ألمانيا النازية من سلاح مدرع – Panzerwaffe – والذى كان قادرا على توجيه ضربات تكتيكية قوية للغاية لخصومها، بما فى ذلك الجيش الأحمر. وبسبب الوسائل الصناعية ومواردها المحدودة من المواد اللازمة لبناء دباباتها، لم يمتلك هذا العنصر سوى نسبة محدودة من القوات الألمانية آنذاك.
علاوة على ذلك، ومن حيث العقيدة، قام الألمان بالدفاع، نظرًا لأن وسائلهم محدودة لتوجيه ضربات قصيرة وقوية - وقد تحدثت عنها الصحافة الأنجلوساكسونية فى ذلك الوقت تحت مصطلح «الحرب الخاطفة"- والتى كانوا يأملون فى أن تكون حاسمة، لتحويل دفة الأمور.
على العكس من ذلك، كان السوفييت، الذين كانوا فى البداية فى أزمة حقيقية بسبب قطع رءوس الضباط خلال عمليات التطهير التى قام بها ستالين فى ١٩٣٧-١٩٣٨، كما أنهم يتمتعون بموارد صناعية أكبر بكثير - فعلى سبيل المثال، تم إنتاج دبابة T-٣٤ بجميع إصداراتها بأكثر من ٥٨٠٠٠ نسخة خلال ٤ سنوات.
وكانت لديهم عقيدة أكثر تفصيلًا وابتكارًا: الفن العملياتى الذى صممه ألكسندر سفيتشين على مر السنين وتم تدريسه فى الأكاديميات العسكرية السوفيتية حتى منتصف الثلاثينيات لهزيمة الجيش الأحمر فى عام ١٩٤١، وهذا الأمر ربما يكون مستحيلًا لولا امتلاك الروس لكل هذه العناصر وحُكم على الألمان بحرب طويلة لم تكن لديهم الوسائل العقائدية والصناعية والبشرية اللازمة للفوز بها.
لوديالوج: الفن العملياتى الذى تم تطويره فى الجيش الأحمر هو تخصصك. وتظهر نتيجة بحثك أنه فى الوقت الحاضر، لم يتمكن أى شخص آخر، باستثناء الجيش الأحمر بين عامى ١٩٤٤ و١٩٤٥، من تنفيذ هذه الثورة المفاهيمية والفكرية فى واقع القتال، بمقاييس تتجاوز تصورنا كأوروبيين غربيين.. هل يمكنك أن تخبرنا عن أسباب تلك الثورة وآثارها؟
سيلفان فيريرا: منذ عام ١٩٤٥، تم تلويث تاريخ الحرب الألمانية السوفيتية بعنصر فريد على حد علمى: وهو أن المهزوم هو الذى كتب التاريخ.. فى الواقع، منذ ولادة ألمانيا الفيدرالية من جديد تحت المظلة الأمريكية لحلف شمال الأطلسى، رأينا جنرالات ألمان سابقين مثل جوديريان، وفون مانشتاين، وفون مانتوفيل، وغيرهم من الأسماء المرموقة، يكتبون - بناءً على طلب الأمريكيين- تاريخ الحرب فى الشرق.
وفى سياق الحرب الباردة، خلقوا أولًا من خلال قصصهم الأسطورة المشينة المتمثلة فى أن الفيرماخت بريء من جميع جرائم الحرب فى الشرق، ثم أرجعوا إخفاقاتهم لعاملين فقط: تدخلات هتلر غير المناسبة فى سير العمليات والتفوق العددى الساحق للسوفييت.
لا توجد كلمة واحدة عن المقارنة التى تم إجراؤها فى صيف عام ١٩٤٤ حول تفوق عقيدة الجيش الأحمر خلال هجماته المتسلسلة.. لقد التزم الأمريكيون، ومعهم جميع أعضاء حلف شمال الأطلسى، الذين هزمهم الفيرماخت بين عامى ١٩٣٩ و١٩٤٠، بهذه القصة الخيالية.
وكان علينا أن ننتظر عمل العقيد جلانتز حول الجيش الأحمر فى السبعينيات والثمانينيات حتى ندرك تلك الخدعة. ولسوء الحظ، لم تعد الحرب والاستراتيجية موضوعات رئيسية للدراسة بالنسبة للقادة الأوروبيين، ولا تزال أساطير الخمسينيات راسخة بقوة فى أذهان الناس على الرغم من انتشار أعمال جلانتز فى فرنسا من قبل لوران هيننجر وجان لوبيز، أو حتى فى الآونة الأخيرة للفن العملياتى من قبل بينويست بيهان.
لوديالوج: هل لا تزال هناك دروس يمكن تعلمها من هذه المعارك التى دارت رحاها قبل ٨٠ عامًا وبعد ما نشهده حاليًا من تطور طائرات بدون طيار وحرب سيبرانية وحروب «التكنولوجيا المتقدمة"؟
سيلفان فيريرا: نعم، هناك دائما دروس يمكن تعلمها - من الفترات الأقدم فى الواقع - على الرغم من التقدم التقنى، وخاصة فى هيكلة الوحدات حيث يتراجع تدريجيا نموذج تنظيم الوحدات القتالية فى ألوية منذ نهاية الحرب الباردة والتى أعادتها الحرب الشديدة إلى الساحة.
ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن الطائرات بدون طيار والبيئة السيبرانية تطرح تحديات جديدة ولكن هنا مرة أخرى يمكن للماضى أن يكون بمثابة الأساس الذى يجب التغلب عليه بالطبع ولكن يجب أن نعتمد عليه فى بداية أى تفكير.
لوديالوج: هل معارك الحرب العالمية الثانية- خاصة بين القوات الألمانية والسوفيتية فى أوروبا الشرقية وعلى الأراضى الأوكرانية- كان لها أى صدى مع الأحداث الجارية ومعارك اليوم فى أوكرانيا؟
سيلفان فيريرا: نعم بالطبع، لأن أوكرانيا كانت مسرحًا لعدد كبير جدًا من المعارك خلال الحرب العالمية الثانية، خاصة حول خاركيف وتشيركاسى وحصار سيفاستوبول فى شبه جزيرة القرم. وفى منطقة خيرسون، فى صيف عام ٢٠٢٢، تم نشر مقاتلين روس فى قطاعات معينة من الجبهة فى المواقع التى احتلها الجيش الأحمر فى ١٩٤١-١٩٤٢.
حتى أن المقاتلين اليوم قاموا بتصوير شبكات الخنادق التى لا تزال مرئية واكتشفوا أشياء (حراب، رصاص، إلخ) يعود تاريخها إلى الحرب الوطنية العظمى. علاوة على ذلك، وبصورة رمزية، وضعت الحكومة الروسية، من خلال فلاديمير بوتين، «العملية العسكرية الخاصة»، كنوع من استمرارية القتال ضد ألمانيا النازية.
من جانبهم، فعل النازيون الجدد الأوكرانيون الشيء نفسه منذ انقلاب الميدان فى عام ٢٠١٤ من خلال تمجيد الأوكرانيين المتعاونين مع الرايخ الثالث. وسواء كنا نتفق مع عمليات الاستعادة السياسية للتاريخ هذه أم لا، فإنها تعمل وتشكل عقلية بعض المقاتلين والسكان.
لوديالوج: باعتبارك مؤرخًا عسكريًا، فإنك تقوم أيضًا بتحليل الصراعات المعاصرة كما أصدرت أيضًا كتابًا عن معركة ماريوبول (٢٠٢٢) لشرح النصر الروسى فى مايو ٢٠٢٢.. كيف يساعدك تخصصك فى معارك الحرب العالمية الثانية على فهم وتحليل القتال فى أوكرانيا اليوم؟ وما شعور الجنود الذين يخوضون الحرب حاليا؟
سيلفان فيريرا: على الرغم من الحرب، يتقاسم الجيش الأوكرانى والجيش الروسى نفس التراث العسكرى للجيش الأحمر، المعروف على وجه الخصوص بخبرته فى القتال فى البيئات الحضرية من معركة ستالينجراد إلى الاستيلاء على برلين. ولذلك فإن معرفة هذه المراجع أمر إلزامى لفهم وتحليل القتال اليوم على الرغم من بعض التقدم التقنى.
وفى مجال حرب المدن، لا تزال الاتجاهات الرئيسية التى أبرزتها الحرب العالمية الثانية موجودة. وأنا بصدد كتابة دراسة حول هذا الموضوع ستظهر فى عدد خاص من مجلة «Ligne de Front» فى نوفمبر المقبل، وأستطيع أن أقول لكم إن جزءا كبيرا من العناصر التكتيكية والبشرية والمذهبية فى العمل خلال معركتى ماريوبول وباخموت، تعود أصولها إلى الحرب العالمية الثانية ولا سيما فى المعارك الدفاعية والهجومية التى نفذها السوفييت بنجاح أوفشل.
لوديالوج: تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عن الاستعداد الأوروبى لـ«حرب شديدة». ما تقييمك لجيوش فرنسا وأوروبا وحتى حلف شمال الأطلسى فى الوقت الحالى، فى وقت يشعر فيه الأمريكيون أنفسهم بالقلق على وضع قواتهم؟
سيلفان فيريرا: يعتبر هذا النهج ضربًا من الخيال لأنه، باستثناء قطاعات معينة من الصناعة العسكرية الأمريكية، فى بداية الأمر، قامت جميع الدول الأوروبية بإفراغ لم يعد الأوروبيون، بما فى ذلك الفرنسيون، يملكون أدوات صناعية قادرة على تلبية احتياجات حرب شديدة الوطيس.
مخزوناتها، بما فى ذلك الذخيرة، لصالح كييف لمدة ١٨ شهرًا، لكنها بالإضافة إلى ذلك لم تستأنف إنتاج المعدات والذخيرة. علاوة على ذلك، ينتظر الكثيرون بخنوع أن يفرغوا مخزونهم الذى يعود تاريخه إلى التسعينيات ليشتروا بأسعار مرتفعة أحدث موديلات المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى.
ولكن هنا مرة أخرى؛ تظل مشكلة الإنتاج الضخم قائمة، بما فى ذلك فى الولايات المتحدة. ولكى نمتلك القدرة على شن حرب قوية، يجب علينا مرة أخرى العودة إلى نماذج الحرب العالمية الثانية والقيام باستخدامها والاستفادة منها وحتى الآن لم يسلك أحد هذا المسار فى أوروبا باستثناء روسيا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة خلال الحرب العالمیة ألمانیا النازیة الجیش الأحمر على الرغم من مرة أخرى لا تزال من خلال
إقرأ أيضاً:
المهندس سهيل السقا نقيب المقاولين في غزة لـ"البوابة": مصر تلعب الدور الأهم فى إنقاذ القطاع.. نقص المواد الخام وغياب التمويل أبرز عقبات إعادة الإعمار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى ظل الدمار الواسع الذى خلفه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، تطرح تساؤلات عديدة حول آليات إعادة الإعمار، والتحديات التى تواجه شركات المقاولات وسط الحصار المشدد ونقص المواد الأساسية.
كيف يتم التعامل مع المبانى المتضررة جزئيًا؟ وما الأولويات التى سيتم التركيز عليها فى عمليات الترميم والبناء؟ وهل يمكن لتقنيات البناء الحديثة تسريع وتيرة الإعمار؟
«البوابة» حاورت نقيب المقاولين فى قطاع غزة، المهندس سهيل السقا، للحديث عن تفاصيل هذه التحديات وخطط إعادة الإعمار، مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالى:
■ كيف تتعامل شركات المقاولات مع المبانى المتضررة جزئيا؟
- تعتمد آليات التعامل مع المبانى المتضررة جزئيا على مستوى الضرر الذى لحق بها. فى بعض الحالات، يقوم السكان بإصلاح الأضرار الطفيفة بأنفسهم، مثل إعادة طلاء الجدران أو إصلاح الشقوق السطحية، وذلك للعودة سريعا إلى منازلهم بدلا من البقاء فى الخيام.
وهناك مبانٍ أخرى تحتاج إلى بعض الإصلاحات، فتخضع لعمليات ترميم تشمل إعادة المحارة، إصلاح التشققات، واستبدال الأبواب والنوافذ المتضررة. كما أن هناك مبانى لم تتأثر إطلاقا، مما سمح لأصحابها بالعودة إليها دون الحاجة إلى أى إصلاحات.
■ ما تأثير الحصار والقيود الإسرائيلية على قطاع المقاولات وإعادة الإعمار فى غزة؟
- يواجه قطاع المقاولات فى غزة تحديات جسيمة جراء الحصار والقيود الإسرائيلية المشددة، حيث انعكس ذلك بشكل مباشر على توريد مواد البناء، التى كانت تخضع لرقابة صارمة حتى قبل العدوان الأخير، ولا يسمح بدخولها إلا بموافقة الاحتلال.
وقد أدى ذلك إلى نقص حاد فى المواد الأساسية، خاصة المواد الصلبة ومعدات اللحام، التى تتطلب تنسيقا خاصا وموافقة مسبقة من سلطات الاحتلال.
وفى الوقت الحالى لا تقتصر هذه القيود على شح المواد فحسب، بل تمتد لتشمل منع دخول المهندسين والخبراء الدوليين القادرين على الإشراف على عمليات إعادة الإعمار، إذ تواصل إسرائيل رفض منح أى تسهيلات لدخولهم، مما يشكل عائقا كبيرا أمام انطلاق مشاريع الترميم وإعادة الإعمار فى القطاع.
■ هل سيتم اعتماد مشاريع سكنية كبرى بدلا من البناء الفردى فى إعادة الإعمار؟
- حتى الآن، لا توجد أى تحركات ملموسة على الأرض، فى انتظار الإعلان عن الخطة المصرية للبدء فى إعادة الإعمار.
ومن المتوقع أن تركز المرحلة الأولى على توفير حلول سريعة لإيواء النازحين، من خلال استبدال الخيام بكرفانات توفر الحد الأدنى من الاستقرار للعائلات التى فقدت منازلها بالكامل، وذلك كخطوة مؤقتة لحين بدء عمليات البناء الفعلى.
■ ما أكثر المناطق تعقيدا هندسيا فى عملية إعادة الإعمار؟
- تعد المخيمات التى تعرضت لدمار شامل من أكثر المناطق تعقيدا من الناحية الهندسية، نظرا لبنائها العشوائى وافتقارها إلى التخطيط العمرانى الحديث وتحتاج هذه المناطق إلى إعادة إعمار تعتمد على تخطيط جديد يواكب المعايير الهندسية الحديثة، بدلا من إعادة بناء العشوائيات بنفس النمط القديم.
ويكمن التحدى الأكبر فى ضيق المساحات، وضعف البنية التحتية. لذا، يتطلب التعامل مع هذه المناطق بوضع رؤية شاملة لتحسين شبكات الطرق والمرافق العامة، وتوفير حلول إسكانية مستدامة تضمن بيئة معيشية أفضل للسكان.
■ ما تأثير تدمير البنية التحتية للصرف الصحى على إعادة الإعمار فى غزة؟
- يشكل تدمير البنية التحتية للصرف الصحى تحديا كبيرا أمام إعادة الإعمار، حيث تحتاج المناطق الجديدة إلى مد شبكات صرف حديثة، فى حين تتطلب المحطات المتضررة صيانة شاملة لإعادة تشغيلها.
كما أن إصلاح شبكات الصرف القائمة وإعادة تأهيل محطات المعالجة الثلاث الرئيسية فى الشمال والوسط والجنوب يعد أمرا ضروريا لضمان بيئة صحية ومستقرة تمكن من استئناف عمليات البناء.
■ هل هناك أولويات فى إعادة الإعمار فى غزة؟
- إعادة الإعمار فى غزة لا يمكن أن تسير وفق أولويات منفصلة، بل يجب أن تتم جميع المراحل فى وقت واحد، لأن كل قطاع يعتمد على الآخر. لا يمكن تأجيل إصلاح البنية التحتية أثناء بناء المساكن، ولا يمكن إعادة تشغيل المستشفيات دون ترميم شبكات الكهرباء والمياه.
الخطوة الأولى تبدأ بتوفير الكرفانات لإيواء النازحين كبديل مؤقت للخيام، لكن بالتوازى معها يجب أن تعمل عمليات إصلاح المستشفيات، المدارس، وشبكات الصرف الصحى والكهرباء، لأن أى تأخير فى أحد هذه القطاعات سيؤثر على باقى الجهود.
الشيء الوحيد الذى قد يتأخر هو مشاريع المدن الجديدة والمبانى البديلة للعشوائيات، لأنها تحتاج إلى تخطيط طويل المدى، لكن بشكل عام، إعادة الإعمار يجب أن تكون شاملة ومتزامنة، ولا يمكن فصل جزء عن الآخر.
■ هل يتم اللجوء إلى إعادة تدوير الركام لتعويض نقص مواد البناء؟
- إعادة تدوير الركام تعد خيارا متاحا، لكنها ليست حلا سريعا، إذ تحتاج العملية إلى مراحل متعددة تبدأ بفرز الركام، ثم نقله إلى الكسارات لإعادة تصنيعه وتحويله إلى مواد يمكن استخدامها مجددا فى البناء.
ورغم أهمية هذه الخطوة فى ظل النقص الحاد بمواد البناء، إلا أنها تتطلب وقتا وجهدا، بجانب الحاجة إلى معدات متخصصة ومساحات لمعالجة الركام، ما يجعلها جزءا من حلول طويلة الأمد وليست بديلا فوريا يمكن الاعتماد عليه فى المراحل الأولى من إعادة الإعمار.
■ كيف يتم ضمان الأمان والسلامة للعمال فى ظل انتشار مخلفات الحرب؟
- لضمان سلامة العمال خلال عمليات إعادة الإعمار، سيتم إجراء مسح ميدانى دقيق للمناطق المدمرة للكشف عن الذخائر غير المنفجرة والمخلفات الخطرة.
وستتم هذه العملية بواسطة فرق متخصصة تعمل على إزالة أى تهديد قبل السماح بالبدء فى الأعمال الإنشائية. كما يتم تزويد العمال بمعدات وقائية وإخضاعهم لتدريبات على إجراءات السلامة، لضمان بيئة عمل آمنة وتقليل المخاطر المحتملة أثناء التنفيذ.
■ ما دور للمقاولين المصريين فى مشاريع إعادة الإعمار؟ وكيف يتم التعاون معهم؟
- بالتأكيد، للمقاولين والشركات المصرية دور محورى فى مشاريع إعادة الإعمار، نظرا لخبراتهم الواسعة وقدرتهم على تنفيذ المشروعات بكفاءة وسرعة، تفوق العديد من الشركات الدولية.
وقد أثبتت الشركات المصرية نجاحها فى مشاريع سابقة، مما يجعلها الشريك الأساسى فى إعادة إعمار غزة. كما أن مصر، بصفتها الداعم الأكبر لإعادة الإعمار، تظل الطرف الأكثر موثوقية وقدرة على المساهمة فى استعادة الحياة الطبيعية داخل القطاع.
■ هل هناك نقص فى العمالة الماهرة؟ وكيف يمكن سد هذا العجز؟
- نقص العمالة الماهرة قد يكون أحد التحديات مع بدء الإعمار، خاصة أن القطاع بحاجة إلى عدد كبير من الفنيين والمهندسين المهرة.
ولتجاوز هذا العجز، سيكون من الضرورى الاعتماد على العمالة المصرية ذات الخبرة، مع التركيز على تدريب العمال الفلسطينيين لتمكينهم من المشاركة بفعالية فى عمليات البناء وإعادة الإعمار.
هذا النهج لا يهدف فقط إلى توفير العمالة المطلوبة، بل أيضا إلى بناء كوادر فلسطينية مؤهلة قادرة على مواصلة العمل فى قطاع الإنشاءات على المدى الطويل، ما يعزز من فرص الاكتفاء الذاتى فى المستقبل.
■ وما ردك على تصريحات ترامب وخطط التهجير؟ ودور مصر؟
- تنفيذ هذه المخططات أمر مستحيل على أرض الواقع، فالشعب الفلسطينى متمسك بأرضه ولن يقبل بأى محاولات لفرض حلول ظالمة عليه. أما فيما يتعلق بدور مصر، فقد كان حاسما ومؤثرا فى التصدى لهذه المخططات، حيث لعبت القاهرة دورا جوهريا فى إحباط أى مساع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وقد أكدت القيادة المصرية مرارا وتكرارا رفضها القاطع لأى محاولات تستهدف تفريغ القطاع من سكانه أو تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.
كما عززت مصر جهودها عبر التحركات الدبلوماسية والتنسيق المستمر مع الأطراف الدولية؛ مشددة على ضرورة التوصل إلى حلول عادلة وشاملة تضمن حقوق الفلسطينيين المشروعة، وفى مقدمتها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
■ هل هناك خطط للاستفادة من التكنولوجيا أو الأساليب الحديثة فى البناء لتعويض نقص المواد والمعدات؟
- نعم، هناك توجه للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتسريع عملية الإعمار وتعويض نقص المواد والمعدات. من بين هذه الحلول، استخدام معدات متطورة لتكسير المواد الخرسانية، والتى تساهم فى إزالة الركام بسرعة وإعادة تدويره لاستخدامه فى البناء.
أما على مستوى الإنشاء، فإن المبانى سابقة الصب (Precast Buildings) تعد من أكثر الأساليب كفاءة، حيث يتم تصنيع مكوناتها مسبقا ثم تركيبها فى الموقع بسرعة، مما يقلل الحاجة إلى الأيدى العاملة ويسرع تنفيذ مشاريع الإعمار.
■ تقرير أوروبى قدر تكلفة الإعمار بـ٥٣ مليار.. فهل هذا الرقم دقيق؟
- التقدير الأوروبى الذى قدر تكلفة إعادة إعمار غزة ب٥٣ مليار دولار يعتمد بشكل أساسى على إصلاح وإعادة بناء البنية التحتية والمبانى السكنية التى دمرها العدوان.
ومع ذلك، فإن هذا الرقم لا يشمل تعويضات القطاعات الاقتصادية، مثل المصانع، المتاجر، الورش، والمؤسسات الإنتاجية، إضافة إلى الممتلكات الشخصية داخل المنازل والمتاجر، والتى تعرضت أيضا لخسائر كبيرة. لذلك، يمكن القول إن التكلفة الحقيقية لإعادة الإعمار قد تكون أعلى من هذا التقدير، خاصة عند احتساب الأضرار الاقتصادية وتعويض أصحاب المنشآت التجارية والصناعية، إلى جانب إعادة تأهيل القطاعات الحيوية التى تضررت بشكل مباشر.