ألكسندر ديل فال يكتب: قلق غربى.. هل تصبح أوروبا مسرحًا للحرب النووية بين الولايات المتحدة وروسيا؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
من المؤكد أن سيناريو الصراع النووى بين الغرب وروسيا حول ملف أوكرانيا أو غيرها شبه مستحيل نظرًا لقوة الردع التى يتملكها مثل هذا السلاح.. أما فيما يتعلق بالخطة الإستراتيجية فالوضع مقلق: فى ٢ أغسطس ٢٠١٩، وبعد أكثر من عشرين عامًا من الخلاف والاندفاع الأمريكى الغربى نحو الأراضى الروسية، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة نزع السلاح المتعلقة بالقوات النووية متوسطة المدى (INF)، وهو القرار الذى كانت له عواقب وخيمة، مما دفع روسيا إلى القيام بنفس الرد.
وفى نوفمبر ٢٠١٩، أكد البنتاجون مجددًا أنه يمكن استخدام الطاقة النووية مثل أى سلاح آخر ضد الأهداف العسكرية للعدو.
وتجرى التدريبات السنوية والمناورات البحرية لحلف الأطلسى منذ عام ٢٠١٦ بطريقة مكثفة بشكل متزايد، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود كما يتم عرض المركبات المدرعة الأمريكية بالقرب من فنلندا وإستونيا ورومانيا وبلغاريا وخاصة فى بولندا.
ويشارك فى التدريبات ستة آلاف جندى من عشر دول تابعة لحلف شمال الأطلسى وقاذفات قنابل ومقاتلات ومروحيات فى منطقة البلطيق وبين عامى ٢٠٠٠ و٢٠١٩، افتتح الحلف مواقع صواريخ استراتيجية مضادة للصواريخ فى رومانيا وبولندا، ومنشآت رادار فى تركيا، ثم سفن حربية أمريكية فى البحر المتوسط.
ومنذ يناير ٢٠٢١، وضعت الولايات المتحدة والحلف الأطلسى قواتهما فى حالة تأهب قصوى بعد استئناف القتال فى أوكرانيا ونددت باستراتيجية الترهيب التى تتبعها روسيا. وكرر الأمين العام لحلف شمال الأطلسى دعمه الكامل للمعسكر الأوكرانى وللرئيس فولوديمير زيلينسكى الذى، بحسب الشائعات، كان سيعد لهجوم بهدف استعادة أراضى دونباس التى تحتلها القوات الموالية لروسيا.
ومنذ بداية عام ٢٠٢١، اتهمت روسيا الجيش الأوكرانى بقصف مكثف للقرى الموالية لروسيا فى شرق أوكرانيا، كما أرسلت واشنطن سفنا حربية إلى البحر الأسود وقوات إلى الحدود الروسية وبحر البلطيق: ٤٠ ألف جندى و١٥ ألف قطعة سلاح والمركبات، بما فى ذلك الطائرات الاستراتيجية.
كما تم نشر خمسمائة جندى أمريكى إضافى فى ألمانيا فى حالة حدوث تصعيد. وفى المقابل، تتهم أوكرانيا والولايات المتحدة روسيا بنشر أكثر من ٨٠ ألف جندى فى شبه جزيرة القرم منذ عام ٢٠١٤، وبالتحضير لهجوم فى حالة استعادة كييف للأراضى الموالية لروسيا.. وردًا على ما تعتبره تهديدًا كبيرًا من الناتو، أجرت روسيا تدريبًا على نيران المدفعية فى البحر الأسود فى ١٤ أبريل ٢٠٢١، ثم أرسلت جزءًا من أسطولها بالإضافة إلى مروحيات الطيران البحرية.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى، فإن العدو هو روسيا أكثر من أى وقت مضى كما أن «القانون التأسيسى لحلف شمال الأطلسى وروسيا»، والذى تم التوقيع عليه فى عام ١٩٩٧، والذى ألزم الحلف بعدم نشر قوات إضافية فى الدول الأعضاء الجديدة فى الحلف الأطلسى، أصبح ميتًا، على الأقل من الناحية العملية.
ومع توسع حلف شمال الأطلسى إلى حدود روسيا، وهو ما كان مصدرًا لحرب باردة جديدة، كان هذا الانهيار فى التوازن الاستراتيجى سببًا فى دفع روسيا إلى المزيد من الارتماء فى أحضان الصين.
بالنسبة لموسكو، فإن مشروع إدارة «المحافظين الجدد» لجورج بوش الابن، فى الأعوام ٢٠٠٤-٢٠٠٧، الهادف إلى تركيب درع مضاد للصواريخ فى بولندا وجمهورية التشيك، أثار فجأة تساؤلات حول قدرة الردع النووى الروسية على الأبواب. موسكو. تذكر أن هذا المشروع تم إطلاقه فى عام ٢٠٠١، بعد قرار جورج بوش بانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة حظر انتشار الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام ١٩٧٢.
ومن المؤكد أن تركيب أنظمة أمريكية مضادة للصواريخ فى وسط وشرق أوروبا تم توجيهه رسميًا. ضد إيران». ولكنها قادرة على تدمير أى صاروخ بحكم الأمر الواقع، ولهذا فقد اعتبرته موسكو، سواء كان ذلك صحيحًا أم مخطئًا، بمثابة تحول ملموس وغير رسمى ضد روسيا المجاورة. فالصواريخ المضادة للصواريخ SM-٣ غير المجهزة برأس حربى متفجر يمكن أن تصبح بالفعل «هجومية» إذا كانت مجهزة بصواريخ توماهوك المسلحة برأس حربى نووى، على سبيل المثال.
إن بطاريات الصواريخ/ المضادة للصواريخ التى تم تركيبها فى بولندا ورومانيا وتعزيز القوات الأمريكية الأطلسية فى بولندا ودول البلطيق شكلت «زعزعة استقرار استراتيجى» بالنسبة لموسكو، لأن الردع النووى من غير الممكن أن ينجح إلا إذا كان الطرفان على يقين من أن الحرب الذرية يمكن أن تنجح. لا يمكن الفوز بها، فالدمار الذى لحق بها غير مقبول.. لكن أحيانا يشعر أحد الطرفين أنه قادر على التعامل مع طلقات الخصم وحينها يلوح باستخدام «الضربة الأولى»!.
بالنسبة لفلاديمير بوتين، الذى نبه شركاءه الأمريكيين والأوروبيين إلى الخطر المتزايد لحرب شاملة بين الغرب وروسيا فى خطابه الشهير الذى ألقاه خلال الدورة الثالثة والأربعين لمؤتمر ميونيخ الأمنى، الذى عقد فى ١٠ فبراير ٢٠٠٧ فى ميونيخ، فإن هذه المنشآت لديها القدرة لتصبح قواعد انطلاق للهجمات المباشرة (ما يسمى بـ"الصواريخ المضادة للصواريخ» أو «الصواريخ الدفاعية» القادرة على أن تصبح صواريخ هجومية)، وتشكل هذه «تهديدًا وجوديًا» للولايات المتحدة وحلفائها المناهضين للروس فى أوروبا الشرقية.
ولم أرغب فى أخذ ذلك بعين الاعتبار، حتى لو كان باراك أوباما سيخفض إلى الحد الأدنى نظام نصب الصواريخ فى بولندا ورومانيا، وذلك فى منطق السعى إلى إعادة ضبط العلاقات مع موسكو.
لذلك، فى عام ٢٠٠٩، بعد فترة وجيزة من انتخابه، استبدله الرئيس الأمريكى السابق بنظام آخر (نظام الدفاع الصاروخى الباليستى المسرحي- TBMD)، وهو بالتأكيد أصغر جغرافيًا (فى رومانيا)، ولكنه لا يزال يمثل مشكلة بالنسبة لروسيا. وفى مواجهة هذا التشكيك فى قدرتها على «الضربة الثانية» (المبدأ الأساسى للردع النووى الاستراتيجي)، علقت روسيا كل أشكال التعاون داخل مجلس «حلف شمال الأطلسي– روسيا».
وكان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤ بمثابة ذريعة بأثر رجعى لحلف شمال الأطلسى لتبرير الحماية الاستراتيجية لأوروبا فى مواجهة «التهديد الروسي». وردًا على ذلك، نشرت موسكو بدورها منصات إطلاق متنقلة من نظام إسكندر أرض- أرض فى جيب كالينينغراد.
وهكذا أعلن فلاديمير بوتين عن تطوير روسيا لمجموعة من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة، التى اعتبرت جميعها شبه مستحيلة الاعتراض وقادرة على ضرب أى نقطة فى العالم.
وفى النهاية، نجحت أمريكا الأحادية الجانب، من خلال تفضيلها المستمر لتوسيع حلف شمال الأطلسى ونشر أنظمة مضادة للصواريخ باتجاه الشرق على أبواب روسيا، فى جعل أوروبا مرة أخرى مسرحًا لعمليات «معركة نووية محتملة» على الأرض وعلى الحدود مع روسيا.
هذه العملية – التى بدأت منذ الأعوام ١٩٩٢ – ١٩٩٨ – ٢٠٠٣ – تهدف إلى الإقصاء الغربى لروسيا، وتصنيفها على أنها العدو الأكبر، إلى أن تحققت النبوءة عندما انحرفت روسيا ووقعت فى فخ رد الفعل غير المتناسب، مما أدى فى النهاية إلى توسيع الهيمنة الأمريكية الأطلسية على القارة الأوروبية (مع إعطاء الأولوية لدخول السويد وفنلندا فعليًا فى حلف شمال الأطلسى كل ذلك مع تأخر انضمام تركيا).
وبالتالى تقسيمها وإخضاعها الاستراتيجى الدائم! وبهذا نكون قد عدنا إلى ما يعادل الحرب الباردة ولكن هذه المرة بدون جدار عازل بين الطرفين.. وهذا الأمر أسوأ بشكل كبير من الناحية الاستراتيجية!
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو» وأستاذ العلوم الجيوسياسية فى جامعات فرنسية.. تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يقدم، لنا، تحليلًا متكاملًا حول الخطر المحدق بالقارة العجوز إزاء الصراع النووى بين القوى العظمى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الصراع النووي الغرب روسيا الولایات المتحدة فى عام
إقرأ أيضاً:
شعوب العصافير الملونة «الأخيرة»
أبدأ مقالى بجملة اعتراضية «اللهم ما لا شماتة فيما حدث فى أمريكا من عدل إلهى» وأكمل معكم ما بدأته حول حديث الطغاة، يعتقد الطغاة أنهم امتلكوا الحياة وما عليها، يعتقدون أنه لا نهاية لهم وأنهم مخلدون ولن يقدر عليهم أحد، يتجاهلون قراءة التاريخ الذى سجل نهايات مهولة لأمثالهم الظالمين، نهايات إلهية بها موعظة لا يغفلها أولو الألباب، لذا يعمهون فى طغيانهم خاصة حين لا يجدون من يتصدى لهم، من لا يحاول تصويب مساراتهم بالموعظة الحسنة أو بالقوة المتحدة، فيمتد بأس الطاغية ليتمدد ويتنطع، ولا يقتصر على المجتمع الواقع تحت سلطته، ولا الشعب الذى ابتلى بحكمه بل يطول الشعوب الأخرى، وإذا كان أغلبنا يعتنق ناموس الغابة بأن البقاء للأقوى لا الأصلح، الأقوى بالمعنى الوحشى من طغى وجبروت وظلم، ونستدل على ذلك بكل ما يدور حولنا فى العالم والمحيط القريب بنا، فعلينا ألا ننسى أبداً قدرة الله، القدرة الدائمة الوجود والتى تتجلى فى أوضح صورها عندما تأتى حلول السماء لقمع الطغاة وإبادتهم بعد أن فشلت حلول الأرض لإزاحته ومعاقبته.
يستمد الطغاة قوتهم من خنوع البشر حولهم، فهم يرون الشعوب التى يحكمونها أو التى يمكنهم التحكم بها حتى عن بعد بأنهم عصافيرهم الملونة، التى عليهم سجنها داخل أقفاص من حديد ليصادروا حرياتها وإرادتها وفكرها، تحت زعم أنه حامى حماهم، وأنه يكفيهم شكراً له أنه يوفر لهم الطعام لو فتاتاً، والشراب ولو قطرات مسمومة، وأقفاص يتناسلون بداخلها، فماذا يريدون أكثر من ذلك، فلا عليهم إلا الرضوخ والتسبيح بحمده وشكره، يتفنن الطاغية فى تجنيد أبواق المسئولين الخاضعين وفى مقدمتها أبواق الإعلام فى الترويج لمضمون فكرة شعوب العصافير الملونة، وهى أن الشعب لو خرج من أقفاصه للطيران بإرادة كاملة وفى حرية لماتت من الجوع والعطش ولالتهمتها الطيور الجارحة أو الوحوش الضارية التى تترقب خروجها من الأقفاص، يروج الطاغية وبطانته أنه الحامى لعصافيره ولمقدراتهم، وان الشعب بدون حكمه الحديدى سيضيع ويصبح مطمعاً ونهباً للأعداء، ينشر الطاغية فزاعات لشعبه، ويوجه أغلب أموال الدولة للتسليح وتشغيل مصانع السلاح، لأن أصحاب صناعة القتل والإبادة هم سنده ومصلحتهم معه، واستمرار وجودهم وتوحش ثرواتهم من اشتداد طغيانه.
هكذا يصنع الطاغية لشعبه أقفاصهم فلا يفرون منها، بل تتكدس أحلامهم السجينة داخل أقفاصهم أو زنازينهم حتى تموت، وتموت معها قلوبهم وأرواحهم، فيتحولون إلى أجساد بلا حياة وبلا قلوب، فلا يجدون أمامهم متنفساً سوى الاقتتال، فيتفنن بعضهم فى القضاء على الآخرين بقتلهم، بمحاربتهم فى رزقهم وطعامهم واستباحة محرماتهم، ليس أملا فى الخروج من الأقفاص، بل لتتوسع لهم مساحة فى الأقفاص، إنه الانتقام العاجز من العاجز، وهو أبشع أنواع الانتقام والتى نراها داخل الشعوب السجينة المكبوتة، حيث نرصد تزايد معدلات الجرائم البشعة بها، وتزايد جشع التجار لنهب أقوات الشعب واستلاب أموالهم.
إنها نتائج طبيعية لشعوب مغلوبة على أمرها لا تتمكن من إزاحة الحاكم وبطانته، ولا تجد العدالة أتية من قمة الهرم، فتمارس مع بعضها البعض أيضا إهدار الحقوق والعدالة فى القاع، وتوجه غضبها لإزاحة بعضها البعض عن الحياة، عسى أن يجدوا بعض المتنفس داخل زنازينهم التى باتت تطبق على أنفاسهم، وتكون النهاية دائماً مأساوية لمصائر تلك الشعوب، وهى تدمير مجتمعاتهم، ومن ثم تدمير ذاتهم، وهو ما يحدث بالإقبال على المخدرات بكل أنواعها القاتلة، الإقبال على ارتكاب الفواحش والجرائم البشعة، وعدم المبالاة بالنهايات لهم، لأنهم يرون أنفسهم أصلا فى عداد الموتى، فلا ضير أن يموت الجسد وقد ماتت القلوب والروح ومعها الضمائر كبتا وقهرا وفقدانا لكل الأمل وضياعا لكل الأحلام.
يأتى الطغاة ويرحلون ويسجلهم التاريخ بحروف سوداء ويبقى من بعدهم كهنتهم من عبدة معبدهم المنتفعين منه، الحاصدين للمصالح والأموال والمراكز، يبقى هؤلاء كالسوس الذى ينخر فى مفاصل الدولة الجديدة على أمل عودة الطاغية أو ظهور طاغية جديد، يرحل الطاغية وتبقى أثارة فى الشعب بكل فئاته من خوف من الحرية الحقيقية، ومن الديمقراطية، ومن إطلاق العقول للتفكير والإبداع، وتبقى الأخلاق والمبادئ مجرفة، وهى أثار لا تمتد لجيل واحد، بل تتوارثها أجيال، نعم واهم هو من يعتقد أن الشعب يتحرر بسرعة ويسترد عافيته برحيل الطاغية، لا، فأثار ما صنعه ورسخه من خوف وارتباك واقتتال من أجل فقط البقاء والطعام والحصول على أبسط متطلبات الحياة يبقى ويمتد من جيل لآخر بجانب وجود المنتفعين الكبار من تجار الموت والسلاح والمخدرات وغيرها، قد تتعافى الشعوب بعد سنوات طويلة إذا ما أهداها الله الحاكم العادل الذى يطبق الديمقراطية بمفهومها السليم ويبذل جهده للقضاء على موروث الفساد، أو قد لا تتعافى الشعوب مطلقاً، وتكون الطامة بظهور طاغية جديد يتولى السلطة، لتتكاثر سلالات المنتفعين والمجرمين ولصوص أقوات الشعب بجانب زبانية مصادرة وتعذيب الحريات.
الطاغية أخطبوط تمتد أذرعه المتوحشة فى الداخل والخارج لينتج وسائل عصرية تبيد الإنسان وتتحكم فى مصيره وتقوده إلى الهلاك، انظروا حولنا وسترون هؤلاء الطغاة ما أكثرهم فى تلك الدول التى تتاجر فى أرواح الشعوب، تصادر حرياتهم وتبيد الملايين منهم، هؤلاء يتوشحون زوراً بالديمقراطية أمام العالم رافعين رايات حماية الشعوب المستضعفة، ليخفوا وحشية استراتيجيتهم التى تعمد إلى الإبادة والقتل ومصادرة الحريات والأحلام، لأن العالم كله بالنسبة لهم فى بساطة مجرد عصافيرهم الملونة.
[email protected]