ألكسندر عون يكتب: وعد بلفور.. نقطة تحول جيوسياسية كبرى فى الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
لا يزال وعد بلفور الصادر فى ٢ نوفمبر ١٩١٧ أحد أهم الوثائق فى القرن العشرين. تضع هذه الوثيقة بذرة المشروع الصهيونى فى القرن الماضى. إذ أعلن آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانى فى ذلك الوقت «نظرت بشكل إيجابى إلى إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين». هذه الرسالة التى وجهت إلى اللورد روتشيلد ستشكل تاريخ الشرق الأوسط حتى اليوم.
نشأة الحركة الصهيونية
يعود تاريخ فكرة الصهيونية إلى نهاية القرن التاسع عشر. دفع الاندماج البطيء والصعب للسكان اليهود فى الدول الأوروبية بعض المفكرين اليهود إلى وضع مفهوم الأمة اليهودية. وبسبب ظهور النظريات المعادية للسامية فى أوروبا الشرقية وخاصة فى روسيا القيصرية وبسبب القمع العنيف الذى عاشه اليهود والمذابح فى أواخر القرن التاسع عشر أراد اليهود تجديد الهوية اليهودية.
ولذلك، بدأ البعض يدعو بالفعل إلى هجرة اليهود إلى فلسطين. لكن الصهيونية فى ذلك الوقت لم تكن متجذرة فى عقول وضمائر الأغلبية فهو تيار يعارض بشكل جذرى هوياتهم الأوروبية ومبادئ اليهودية.
إن ارتباط الجالية اليهودية بفلسطين ليس جديدًا. ويفسر ذلك قولهم إن اليهود عاشوا فى الأرض المقدسة قبل أن يطردهم الرومان عام ١٣٥ م. بالإضافة إلى ذلك، تشير كلمة الصهيونية إلى صهيون، وهو تل فى القدس. الإشارات إلى صهيون عديدة فى الليتورجيا والصلوات اليهودية. فاليهود المتدينون ينتظرون مجيء المسيح ليعودوا إلى أرض الميعاد.
وكان علينا أن ننتظر كتابات الصحفى اليهودى من أصل مجرى تيودور هرتزل حتى تستمر الصهيونية. إنه يضع تصورًا للصهيونية السياسية فى وقت تستعر فيه معاداة السامية فى أوروبا. فى سياق قضية دريفوس فى فرنسا وفى مواجهة استحالة استيعاب السكان اليهود، كتب تيودور هرتزل كتابه (دولة اليهود) فى عام ١٨٩٦.
وفى العام التالى، تولى رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية. ومع ذلك فقد كان مترددًا بشأن موقع هذا الوطن القومى اليهودى فى المستقبل. فى البداية، فكر فى أوغندا أو الأرجنتين قبل أن يركز على فلسطين.
اقترب تيودور هرتزل من القوى المالية اليهودية (خاصة عائلة روتشيلد)، لتأسيس مشروعه وإعطاء وزن وثقل له. منذ بداية القرن العشرين اشترى اليهود الأثرياء الأراضى فى فلسطين لإقامة المستوطنين (الكيبوتز). وبذلك انتشرت أفكار هرتزل بسرعة فى أوروبا وعبر المحيط الأطلسى.
وفى عام ١٨٨٢ توافد على فلسطين ٢٠ ألف يهودى. وهم لا يمثلون سوى ٣٪ من عدد السكان الذى يضم ٦٠٠ ألف مسلم ومسيحى. ومع ظهور الصهيونية، تمت الهجرة اليهودية إلى فلسطين على عدة مراحل. كانت بطيئة فى البداية، بسبب عدم الثقة فى الإمبراطورية العثمانية وإحجام اليهود الأوروبيين، لكنها تسارعت مع إعلان بلفور عام ١٩١٧.
ما رواء وعد بلفور
خلال الحرب العالمية الأولى، شاركت بريطانيا العظمى بنشاط فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتوافق مع مصالحها الخاصة. بعد اتفاقيات سايكس بيكو السرية عام ١٩١٦ والوعد الكاذب بالاستقلال الذى قدموه للعرب، رأت لندن فى الحركة الصهيونية فرصة يجب اغتنامها.
وسعى البريطانيون إلى توجيه التطلعات الصهيونية لضمان دعمهم فى الشرق الأوسط ضد الإمبراطورية العثمانية. وفى الواقع كانت بريطانيا العظمى تنوى حماية قناة السويس من أجل حماية تجارتها مع الهند من خلال تأمين مصر وفلسطين.
وعلى الرغم من أنهم أقلية إلا أن الحركة الصهيونية حظيت بدعم شخصيات يهودية مؤثرة فى أوروبا وأمريكا. وبالدفاع عن المطالب الصهيونية ضمنت لندن الدعم الاقتصادى، وبالتالى فإن الدوافع الإنجليزية كانت تجارية ومالية وإقليمية. ومنذ ذلك الحين، تكثفت الاتصالات بين الحكومة الإنجليزية ومختلف منظمات الحركة.
التقى آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانى باللورد روتشيلد وحاييم وايزمان نائب رئيس الاتحاد الصهيونى فى بريطانيا العظمى لتنتهى مفاوضاتهم إلى اتفاق يشير إلى أن الحكومة البريطانية تؤيد إنشاء «وطن قومى لليهود» فى فلسطين.
رسالة إلى اللورد روتشيلد
نشر آرثر بلفور رسالة إلى اللورد روتشيلد فى ٢ نوفمبر ١٩١٧، جاء فيها: «حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وستبذل كل ما فى وسعها لتسهيل تحقيق هذا الهدف ولن يؤتى بأى عمل من شأنه أن يلحق الضرر بالمصالح المدنية والدينية وحقوق الطوائف غير اليهودية الموجودة فى فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر».
لقد تم اختيار كلمات هذا البيان بعناية فقد استخدم آرثر بلفور مصطلح «الوطن» وليس «الدولة» من أجل «طمأنة» السكان الأصليين من المخططات الصهيونية. كما لم يتم تسمية العرب بل أشار إليهم على أنهم «مجتمعات غير يهودية».. فى كلمة أخيرة لقد تعطل مسار التاريخ الإقليمى وغرق فى دورة جهنمية من التوترات المجتمعية والإقليمية والتى لا تزال عواقبها محسوسة حتى اليوم فى القضية الإسرائيلية الفلسطينية الشائكة.
التاريخ غرق فى دورة جهنمية من التوترات المجتمعية والإقليمية حتى اليوم
خلال الحرب العالمية الأولى شاركت بريطانيا العظمى بنشاط فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط
الحركة الصهيونية حظيت بدعم شخصيات يهودية مؤثرة فى أوروبا وأمريكا
البريطانيون سعوا لتوجيه التطلعات الصهيونية لضمان دعمهم فى الشرق الأوسط ضد الإمبراطورية العثمانية
«بسبب ظهور النظريات المعادية للسامية فى أوروبا الشرقية وخاصة فى روسيا القيصرية وبسبب القمع العنيف الذى عاشه اليهود والمذابح فى أواخر القرن التاسع عشر أراد اليهود تجديد الهوية اليهودية»
«تمت الهجرة اليهودية إلى فلسطين على عدة مراحل كانت بطيئة فى البداية بسبب عدم الثقة فى الإمبراطورية العثمانية وإحجام اليهود الأوروبيين لكنها تسارعت مع إعلان بلفور عام ١٩١٧»
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن وعد بلفور الذى ما زالت تداعياته السبب الرئيسى فى معظم التوترات بالمنطقة العربية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المشروع الصهيوني فلسطين الحرکة الصهیونیة الشرق الأوسط فى فلسطین فى أوروبا
إقرأ أيضاً:
تقرير للجيش الأمريكي: صعود أنصار الله يُعيد تشكيل خريطة القوى في الشرق الأوسط
مقالات مشابهة ليست إيران.. البنتاغون الامريكي يعلن العثور على أخطر مصادر تمويل الحوثيين بالترسانة العسكرية
5 أيام مضت
02/07/2024
09/03/2024
08/03/2024
07/03/2024
05/03/2024
كشف مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، التابع لقيادة الجيش الأمريكي، في دراسة حديثة عن تحول حركة أنصار الله إلى قوة إقليمية مؤثرة، معتبرًا صعودها المفاجئ “تحوّلًا استراتيجيًا” يُعيد رسم خريطة القوى في الشرق الأوسط، ويتجاوز حدود الصراع اليمني إلى تأثيرات دولية واسعة.
من فاعل محلي إلى لاعب إقليمي مؤثر
وبحسب الدراسة، التي حملت عنوان “الميليشيا التي أصبحت لاعبًا قويًا: الصعود المذهل للحوثيين”, فإن الحركة كانت تُعتبر قبل طوفان الأقصى مجرد فاعل محلي في اليمن، لكنها بعد أحداث أكتوبر 2023 عززت تحالفاتها مع محور المقاومة (إيران، حزب الله، فصائل فلسطينية)، وأصبحت لاعبًا رئيسيًا في معادلة الصراع الإقليمي.
وأشارت الدراسة إلى أن العمليات العسكرية التي نفذتها الحركة، مثل استهداف السفن في البحر الأحمر، لم تقتصر على التأثير الإقليمي، بل تسببت في زعزعة الاستقرار العالمي، مما دفع القوى الكبرى إلى إعادة تقييم حساباتها في المنطقة.
تنزيل التقرير الكامل pdf لمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
الصعود المذهل للحوثيينتنزيلالمقالة من المصدر الأصلي للتقرير على مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية التابع لقيادة الجيش الأمريكي
تهديد اقتصادي واستراتيجي عالمي
أكد التقرير أن استهداف أنصار الله للممرات البحرية الحيوية، مثل باب المندب، أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، ورفع أسعار النفط، وأجبر الشركات الدولية على إعادة حساب المخاطر التجارية في المنطقة. كما أسفر عن انخفاض حركة الملاحة في قناة السويس بنسبة 60%، مما أثر على التجارة الدولية بشكل مباشر.
سياسيًا، فرضت الحركة نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات إقليمية أو دولية، كما كشفت عن ضعف الآليات الدولية في احتواء الصراعات الناشئة، مما جعلها “مغيّرًا لقواعد اللعبة”, وفقًا للتقرير.
استراتيجية المواجهة الأمريكية: أربعة مستويات للتصدي لأنصار الله
في ضوء هذا الصعود المتسارع، اقترحت الدراسة الأمريكية استراتيجية للتعامل مع “الخطر الحوثي” عبر أربعة محاور رئيسية:
عسكريًا: استهداف قيادات الحركة عبر عمليات اغتيال تهدف إلى تقويض بنيتها التنظيمية.دبلوماسيًا: العمل على عزلها دوليًا من خلال تشكيل تحالفات إقليمية مضادة.إعلاميًا: مواجهة حملاتها الدعائية التي تعزز شرعيتها محليًا وإقليميًا.اقتصاديًا: فرض عقوبات على الدول والجهات الداعمة لها.قدرات عسكرية غير مسبوقة وتأثير إقليمي متزايد
وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، نفذت أنصار الله أكثر من 100 هجوم بحري، مما أدى إلى تعطيل التجارة العالمية بشكل غير مسبوق. كما شنت أكثر من 220 هجومًا على إسرائيل، بينها ضربات ناجحة على تل أبيب، ما أظهر قدرتها على تنفيذ عمليات بعيدة المدى.
وتشير الدراسة إلى أن تحالفات الحركة مع جهات إقليمية فاعلة ساهمت في توسيع نفوذها على مستوى الشرق الأوسط، في وقت لم تثبت التدابير العسكرية الدولية فعاليتها في احتواء عملياتها، بسبب الطبيعة غير المتكافئة للصراع.
توصيات لمواجهة التغيرات الاستراتيجية
خلص التقرير إلى أن مواجهة هذا الواقع الجديد تتطلب استجابة شاملة تتجاوز الحلول العسكرية، مشيرًا إلى أن التأثيرات المحتملة لهذا التحول قد تمتد إلى الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، مما يستدعي إعادة تقييم السياسات الدولية تجاه الشرق الأوسط.
ذات صلةالوسومالحوثيين انصار الله تقرير الجيش الامريكي قيادة الجيش الأمريكي مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار