محلل اقتصادي يتساءل.. الفائدة مصيبة حقيقية أم ضرورة اقتصادية؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
الفائدة (الربا) محرمة وممنوعة في جميع الكتب الدينية. ومع ذلك، فقد تم تفسير هذا المنع بطرق مختلفة عبر الزمن في مختلف المجتمعات والأديان والمذاهب.
وفي مقالة، قال الباحث والمحلل الاقتصادي ماهفي إيلماز "إن بعض المجتمعات تجاهلوا هذا المنع، في حين طبقه آخرون بشكل صارم، واختار بعض آخر تطبيق الفائدة بشكل مختلف وتحت اسم مختلف".
وأوضح أنه لن يتناول الموضوع الذي يتعلق بأي وجهة نظر حول الفائدة، لكنه سيركز على الضرر الذي يمكن أن يسببه تطبيق الفائدة بشكل خاطئ على الاقتصاد.
وأفاد إيلماز بأنه عندما يتم تحديد أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي على الأموال التي يقرضها للبنوك بشكل غير صحيح، تنشأ عدة مشاكل، إذ إن تحديد أسعار الفائدة بأقل من معدل التضخم يجعل الأشخاص يتجهون بشكل مفرط إلى شراء العقارات والعملات الأجنبية والذهب وأسهم البورصة بدل الاحتفاظ بمدخراتهم في البنوك بصورة وديعة بالعملة الوطنية.
وذكر الكاتب أن هذا الارتفاع في الاستثمار في هذه المجالات يؤدي إلى نشوء فقاعات في هذه القطاعات وزيادة في معدل التضخم. وإذا كان الاقتصاد معرضا للدولة ومعتمدا على الواردات، وحدد البنك المركزي أسعار الفائدة بأقل من معدل التضخم (فائدة حقيقية سلبية)، ففي هذه الحالة سيحدث ارتفاع في أسعار الصرف بالإضافة إلى ما ذُكر، وسيؤدي هذا الارتفاع في أسعار الصرف إلى زيادة تكلفة المدخلات المستوردة المستخدمة في الإنتاج، وبالتالي إلى زيادة معدل التضخم عبر التكاليف.
وأضاف الباحث أن السؤال الأكثر شيوعا هنا هو كيفية وسبب تأثير سعر الفائدة الذي تفرضه البنوك المركزية في البنوك عند إقراضها على الاقتصاد.
النهج السائد
أوضح الكاتب أن النهج السائد في تركيا، هو أن البنك المركزي يمنح البنوك قروضا أسبوعية مقابل ضمانات إعادة الشراء (الريبو). ويُطلق على الفائدة المطبقة على هذه القروض اسم "سعر الفائدة". وسعر الفائدة الذي رفعه البنك المركزي التركي مؤخرا إلى 30% هو معدل الفائدة السنوية على الدين الأسبوعي الذي يمنحه للبنوك.
وأضاف أن لزيادة سعر الفائدة الأخير الذي أجراه البنك المركزي التركي معنيين:
سيقدم البنك المركزي الآن قروضا أسبوعية للبنوك بفائدة سنوية قدرها 30% بدلا من 25 %. أي أن تكلفة التمويل للبنوك سترتفع. ومع ذلك، يكون لهذا الارتفاع في أسعار الفائدة تأثير سلبي محدود على تكلفة البنوك نظرا لأن مبلغ الأموال الذي تحصله البنوك من البنك المركزي يشكل نسبة صغيرة من إجمالي مصادرها.
وعندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة، فإنه يرسل رسالة بأنه يتوقع أن يستمر التضخم في الارتفاع في المستقبل وأنه سيواصل اتخاذ إجراءات للسيطرة عليه.
والغرض من هذه الرسالة هو محاولة التأثير بشكل إيجابي على التوقعات المستقبلية بواسطة التأكيد على اتخاذ إجراءات ضد التضخم، لذلك فالتأثير الحقيقي المتوقع لزيادة سعر الفائدة هو هذا التغيير في التوقعات.
وذكر الكاتب أنه عندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، فإنها ترفعها على القروض، مع مراعاة الزيادة في تكلفة التمويل وارتفاع التضخم في المستقبل. كما أنها ترفع أسعار الفائدة على الودائع لتجنب فقدان العملاء في ظل ظروف المنافسة. (وهذا ممكن فقط إذا لم يتم التدخل في البنوك باستثناء أسعار الفائدة والاحتياطات الإلزامية).
توقعات سلبية
وحسب الكاتب، إذا كان هناك تدخل مباشر أو غير مباشر في البنوك، مثل فرض قيود على القروض أو فرض التزامات مثل شراء سندات حكومية ذات أسعار فائدة منخفضة إذا تجاوزت البنوك حجما معينا، فإن النظام يعمل بشكل مختلف. في هذه الحالة، قد لا تكون القرارات والممارسات التي تتخذها البنوك متسقة مع ما نناقشه هنا.
وعندما يتم التدخل في البنوك بهذه الطريقة -يقول الكاتب- تظل أسعار الفائدة على الودائع منخفضة جدا بالمقارنة مع التضخم، ويستمر الطلب على العملات الأجنبية بسبب استمرار التوقعات السلبية.
نتيجة لذلك، لا ينخفض سعر صرف العملات الأجنبية، حتى لو رفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة. بالطبع،- يقول الكاتب- هناك أسباب أخرى لتراجع سعر صرف العملات الأجنبية تتعلق بالاقتصاد أو المؤشرات الاجتماعية.
واعتبر إيلماز أن السبب الرئيسي وراء عدم تغيير التوقعات كما هو مطلوب، رغم رفع معدل الفائدة من قبل البنك المركزي التركي، يعود إلى الاضطرابات المستمرة في الاقتصاد وعدم تحقيق الاستقرار في ما يتعلق بمسألة الفائدة على مر الزمن، وسط تقلبات مستمرة وعدم تحقيق الأهداف المحددة.
وهذه التقلبات وعدم الاستقرار في تنفيذ السياسات وعدم تحقيق الأهداف تجعل من الصعب تحقيق تغييرات إيجابية في التوقعات، إذ يبني الأفراد توقعاتهم بناء على كيفية تنفيذ القرارات في الماضي والنتائج التي أتت بها، بدل الانتظار لرؤية تأثير القرارات الجديدة.
وقال الباحث إن الفائدة هي حقا "مصيبة ومشكلة خطيرة"، وإذا وُجهت بشكل خاطئ، يمكنها قلب الاقتصاد رأسا على عقب بمفردها. وحتى لو وُجهت بشكل صحيح لاحقا واتُخذت خطوات في هذا الاتجاه، يجب أن يكون هناك دائما بعض الإجراءات الداعمة بجانبها. أما إذا لم تكن كذلك، فإن اتخاذ قرارات صحيحة بشأن الفائدة لا يمكن أن يصلح الاقتصاد بمفرده.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البنک المرکزی الترکی أسعار الفائدة معدل التضخم الارتفاع فی سعر الفائدة فی البنوک فی هذه
إقرأ أيضاً:
عاجل - البنك المركزي يصدر بيانا مهما بشأن أسعار الفائدة.. ماذا قال؟
قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري في اجتماعهـا يـوم الخميس الموافـق 26 ديسمبر 2024 الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب. كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%. كما تقرر خلال الاجتماع تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من عام 2026 والربع الرابع من عام 2028 عند 7% (± 2 نقطة مئوية) و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط على الترتيب، وذلك اتساقا مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم.
على الصعيد العالمي، واصلت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة خفض أسعار العائد تدريجيا في ضوء استمرار تراجع معدلات التضخم، مع الإبقاء على سياسات التشديد النقدي، إذ إن معدلات التضخم المحققة لا تزال تتجاوز المستويات المستهدفة. ويتسم معدل النمو الاقتصادي باستقراره إلى حد كبير وتشير التوقعات إلى أنه سوف يستمر عند مستوياته الحالية، وإن كان لا يزال أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا. ومع ذلك، تظل توقعات النمو عُرضة لبعض المخاطر ومنها التأثير السلبي للتشديد النقدي على النشاط الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، واحتمالية عودة السياسات التجارية الحمائية. وبالنسبة للأسعار العالمية للسلع الأساسية، فقد شهدت تقلبات طفيفة في الآونة الأخيرة، وتشير التوقعات بانخفاض محتمل في أسعارها، وخاصة منتجات الطاقة. ومع ذلك، لا تزال المخاطر الصعودية تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك اضطرابات التجارة العالمية والتأثير السلبي لأحوال الطقس على الإنتاج الزراعي.
وعلى الجانب المحلي، تفيد المؤشرات الأولية للربعين الثالث والرابع من عام 2024 باستمرارية تعافي النشاط الاقتصادي، مع تسارع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقارنة بالربع الثاني من عام 2024. ومع ذلك، يظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من طاقته القصوى، مما يدعم الانخفاض المتوقع في التضخم خلال عام 2025، ومن المتوقع أن يحقق طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وفيما يتعلق بالأجور، لا تزال الضغوط التضخمية الناجمة عنها محدودة في ظل ضعف معدل النمو الحقيقي للأجور.
وعلى الرغم من أن المعدل السنوي للتضخم العام شهد استقرارا خلال الثلاثة أشهر الماضية، فقد تراجع في نوفمبر 2024 إلى 25.5٪ نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية، إذ سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات الطازجة أدنى معدل تضخم سنوي لها فيما يقرب من عامين عند 24.6٪ خلال نوفمبر 2024. بينما ارتفعت الأسعار المحددة إداريا للسلع غير الغذائية، بما في ذلك منتجات الوقود والنقل البري ومنتجات التبغ، بما يتسق مع إستراتيجية زيادة الإيرادات الرامية إلى الحد من العجز المالي. وعليه، انخفض المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 23.7٪ في نوفمبر 2024 مقابل 24.4٪ في أكتوبر 2024. وتشير هذه النتائج، جنبا إلى جنب مع تحسن توقعات التضخم وعودة معدلات التضخم الشهرية إلى نمطها المعتاد، إلى أن التضخم سوف يواصل مساره النزولي.
وبعد عامين من الارتفاع الحاد في معدلات التضخم عالميا، بدأ التضخم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة في التراجع، وإن كان لا يزال أعلى من معدلاته المستهدفة. وبالمثل، بدأ معدل التضخم العام في مصر في التراجع خلال الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن يسجل نحو 26% في الربع الرابع من عام 2024 في المتوسط، متخطيا بذلك المعدل المستهدف للبنك المركزي البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية). ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية المحلية والعالمية خلال الفترة 2022-2024، من أهمها: (1) تراكم الاختلالات الخارجية نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية خلال عام 2021، والتضخم المستورد، وتخارج استثمارات حافظة الأوراق المالية عقب اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، (2) وصدمات العرض المحلية وعدم ترسيخ توقعات التضخم، وأخيرا (3) إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة بهدف التشديد المالي ووضع الدين على مسار نزولي. وقد أدت هذه التطورات مع تحركات سعر الصرف إلى تخطي التضخم معدله المستهدف، إذ بلغ المعدل السنوي للتضخم العام ذروته عند 38.0% في سبتمبر 2023 قبل انخفاضه إلى 25.5% في نوفمبر 2024.
وبدءا من مارس 2024، اتخذ البنك المركزي المصري عددا من الإجراءات التصحيحية بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، مما أدى إلى احتواء الضغوط التضخمية وخفض التضخم العام. ومن أبرز هذه الإجراءات السياسة النقدية التقييدية التي اتبعها البنك المركزي، وتوحيد سوق الصرف الأجنبي مما ساعد على ترسيخ توقعات التضخم، وجذب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي. ورغم ذلك، تتضمن المخاطر المحيطة بالتضخم احتمالات تفاقم التوترات الجيوسياسية وعودة السياسات الحمائية وزيادة تأثير إجراءات ضبط المالية العامة. وتشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءا من الربع الأول من عام 2025 مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026.
وبالنظر إلى توقعات التضخم وتطوراته الشهرية، ارتأت لجنة السياسة النقدية أنه من المناسب تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم إلى الربع الرابع من عام 2026 والربع الرابع من عام 2028 عند 7% (± 2 نقطة مئوية) و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط، على الترتيب، ومن ثم إتاحة مجال لاستيعاب صدمات الأسعار دون الحاجة للمزيد من التشديد النقدي، وبالتالي تجنب حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي.
وفي ضوء ما تقدم، ترى اللجنة أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يعد ملائما حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة. وسوف تتخذ اللجنة قراراتها بشأن مدة التشديد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات. وسوف تواصل اللجنة مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى معدلاته المستهدفة من خلال الحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب واحتواء الآثار الثانوية لصدمات العرض.