الجدل حول الدور المصري في إغاثة الشرق الليبي
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
الجدل حول الدور المصري في إغاثة الشرق الليبي
كان للمظهر الذي أتت به المساعدات المصرية أثره في إثارة شكوك من يتحفظون على السياسة المصرية تجاه الأزمة الليبية.
خطاب الإعلام المصري المعبر عن موقف النظام ويروج لسياساته ينزع منزعا سلبيا قد يفهم منه دعم فرضية التمركز المصري في الشرق الليبي.
صور الرتل العسكري الذي يرفع الأعلام المصرية فتحت الباب لتعبير كثيرين عن قلقهم من استغلال القاهرة لكارثة درنة لتجد موطأ قدم ووجودي عسكري هناك.
جيش حفتر المتحكم بالشرق الليبي لا يزال على وفاق مع القاهرة رغم توتر يلقي ظلاله ودخول قوات مصرية وتموقعها بمناطق نفوذه مؤشر على اختلال العلاقة بحفتر وأبنائه!
فرضية تحول دور الجيش المصري إلى خطة تموقع عسكري شرق ليبيا تعني تطورات سياسية وأمنية تتورط فيها مكونات محلية وتدعمها أطراف خارجية، وأن البلاد مقبلة على تدافع محموم.
لم يخل الموقف من مبالغات لم تحدث كالقول بأن عدد عناصر الجيش المصري الذين دخلوا البلاد نحو 6 ألاف مجند، وأنهم كانوا مصحوبين بأسلحة ثقيلة، وأنهم شرعوا في توطين هذه القوات بمعسكرات الشرق.
* * *
ما يزال الحديث عن مساهمة مصر في إغاثة المناطق المنكوبة في الشرق الليبي يأخذ حيزا من اهتمام الفرقاء الليبيين، ولقد كان للمظهر الذي أتت به المساعدات المصرية أثره في إثارة شكوك من يتحفظون على السياسة المصرية تجاه الأزمة الليبية.
بل وحتى بعض من يؤيدون القاهرة في دعمها لجبهة طبرق - الرجمة، ذلك أن صور الرتل العسكري الذي يرفع أعلام مصرية فتحت الباب على مصرعيه لتعبير كثيرين عن قلقهم من استغلال القاهرة للكارثة التي حلت بالشرق لتجد لها موطأ قدم ووجودي عسكري هناك.
ويمكن أن يجد الباحث والمراقب مستعينا بالمنطق السياسي ونظريات العلوم السياسية مسوغا للنظام المصري لاستغلال الوضع الراهن في ليبيا لفرض معادلة توازن على الأرض بوجود عسكري مصري شرق البلاد يكافئ الوجود العسكري التركي في غربها، وإذا تتبعنا وسائل الإعلام المصرية التي تعبر عن موقف قصر الاتحادية وتروج لخياراته السياسية نجد أن الخطاب ينزع منزع سلبي قد يفهم منه دعم فرضية التمركز المصري في الشرق الليبي.
ومع القبول بالافتراض القائل بأن القاهرة تنظر لليبيا وللشرق الليبي كمنطقة نفوذ ينبغي أن لا تكون محل نزاع مع أي طرف خارجي، وهذا ما يفهم من إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مدينة سرت، وسط البلاد، خط أحمر وذلك بعد دحر قوات بركان الغضب مدعومة من تركيا جيش حفتر المدعوم من أطراف خارجية عدة من بينها مصر إلى مشارف سرت العام 2020، إلا أنه ليس فيما استند إليه المتخوفون من دخول القوات المصرية في شرق البلاد عقب كارثة الإعصار والسيول أدلة قوية تدعم قلقهم.
فمعلوم أن الجيش المصري هو من يقوم بعمليات الدعم والإغاثة عند حلول الكوارث والأزمات في دول الجوار أو المناطق التي تربطها بمصر روابط خاصة أو مصالح مشتركة، فالجيش هو من أشرف على تقديم الدعم لمنكوبي الزلزال في المغرب، وقبلها الدعم الذي قدم لضحايا زلزال سوريا وتركيا.
أيضا لم يخل الموقف من بعض المبالغات كالقول بأن عدد عناصر الجيش المصري الذين دخلوا البلاد نحو 6 ألاف مجند، وأنهم كانوا مصحوبين بأسلحة ثقيلة، وأنهم شرعوا في توطين هذه القوات في معسكرات في الشرق، فهذا ما لم يتم التحقق منه، ولا تدعمه المشاهد التي نقلت دخول عناصر الجيش مستخدمين سيارات نقل، وليس دبابات أو مدفعية وما في حكمها.
مصر لا تحتاج في هذه المرحلة أن ترسل قوات للتمركز في الشرق الليبي، فالجيش الذي يقوده خليفة حفتر يتحكم في مقاليد الأمور هناك ولا يزال على وفاق مع القاهرة برغم التوتر الذي يلقي بظلاله بين الفينة والأخرى، ودخول قوات مصرية وتموقعها في مناطق نفوذ حفتر سيكون مؤشرا على اختلال العلاقة مع الأخير وأبنائه!
ومع التسليم بأن القاهرة غير راضية بل ربما رافضة للتوجه الذي تبناه أبناء حفتر بإقالة عقيلة صالح من منصبه كرئيس لمجلس النواب، إلا أن النظام المصري قادر على احتواء الأزمة دون الحاجة إلى تصعيد يأخذ الشكل العسكري.
فرضية تحول دور الجيش المصري من عمليات إغاثة إلى خطة تموقع ووجود عسكري في شرق ليبيا تعني أن تطورات على المستويين السياسي والأمني في البلاد، تتورط فيها مكونات محلية وتدعمها أطراف خارجية، باتت راجحة، وأن البلاد مقبلة على مرحلة حرجة وتدافع محموم.
ومن مؤشرات ذلك وأدواته أن تتجه كارثة السيول إلى مزيد من التأزيم والتصعيد لتكون غطاء لتلك التطورات، وهو سيناريو محتمل غير أنه من المبكر الجزم بإمكان وقوعه، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف عن صحة هذه الفرضيات من عدمها.
*السنوسي بسيكري مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر ليبيا مساعدات إغاثة الجيش المصري الشرق الليبي كارثة السيول خليفة حفتر فی الشرق اللیبی الجیش المصری المصری فی
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.