صحيفة أثير:
2025-01-17@19:28:22 GMT

قراءة في مجموعة شريفة التوبية القصصية “انعكاس”

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

قراءة في مجموعة شريفة التوبية القصصية “انعكاس”

 أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري

نحلّ ضيوفا اليوم على المبدعة العُمانية شريفة التوبي التي لها باع وذراع في مجال السرد العربي من قصّة ورواية ومقال وأدب الرسائل.. ونشرت نصوصًا أدبية متنوعة في عدد من الملاحق الثقافية، كما أصدرت عناوين لمجموعات قصصية وروايات..، نذكر منها:

عين السواد، انعكاس، سجين الزرقة، حازة الوادي، سراة الجبل، ولها اهتمام بالطفولة وبأدب الطفل، فقد قامت بتأليف سلسلة “حقي طفولتي” الصادرة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بسلطنة عُمان، إضافة إلى تتويجها بجائزة الإبداع الثقافي لعام 2021 في سلطنة عمان عن روايتها “سجين الزرقة”، وقد أكرمتنا اليوم بالاطلاع على مجموعتها القصصية بعنوان “انعكاس”، والتي سنبحر فيها بإذن الله.

في قراءتي لهذه المجموعة شدّتني قصة بعنوان “نفاس” لا لجودة النصّ مثلا أو إبداع ما لاحظته فيه دون النصوص الأخرى، ولكنّه متن طريف وصالح لمقارنة علاقة الحماة بصهرها في عُمان وفي بقية العالم العربي، لاحظت أنّ حظ الرجل مع أمّ الزوجة على نفس الدرجة من المطالب والشروط، مع تعجيزه مثل كلّ النساء، وهذه بيّنة من القصة حين تضع الأمّ شروطها، ومن يستطيع عنادها فهي الملكة:

“حين أملت شروطها في قيمة المهر واختيار القاعة وطقم الألماس، رغم علمها بمستواه المادي البسيط، وحينما قلت لها أنّه ربّما لا يستطيع توفير كلّ هذه الطلبات، قالت لي:
ـ إلّي فقير ما يتزوج، وأنت ما أقلّ من بنت خالتك سليمة”

 

ه

ثمّة قصص تغمز لك بالعين وترفع الحاجب وتومئ بالصمت، لتقرأها وتصبح هي فيك، تصبح جزءا منك لتعرف معنى المعرفة ولذّتها وقوّة الكلمة المدروسة والفاعلة، من ضمن هذه القصص متن سرديّ سينمائيّ بعنوان “سينما”، له سبعة مشاهد ويحكي على ارتباك فتاة دخلت على وجه الخطأ القاعة المجاورة لقاعتها الأصلية لمشاهدة فيلم رفقة شاب ظلّ ينتظرها في القاعة رقم 4، وبعد ستّة مشاهد بديعة التدقيق، تصف لنا الكاتبة العُمانية شريفة التوبي كلّ ما تقع عليه حواسها، بدءا من حركة المرأة السافرة والرجلين والشبان الأربعة، وطبعا الشخصية الرئيسة: الفتاة التي أخطأت في المقعد والقاعة، لقد نقلت لنا الساردة ما حدث لها وللآخرين في دقائق، حقيقة نجحت في تسمية قصتها بالسينما، فقد صوّرت لنا سبعة مشاهد بدقّة متناهية، فهي قاصة متميزة وبارعة:

“يرتبك المشاهد مع ارتباك الفتاة وهي تبحث عن فردة حذائها المفقودة، تدخل يدها تحت المقعد المقابل فتتناول فردة الحذاء، تنزل عبر درجات السلم المغطاة بسُجاد أزرق، تهرول إلى القاعة الأخرى والمشاهد يهرول معها، وشاب عشريني يجلس أقصى اليسار بالصفّ الأخير في القاعة رقم 4 بالسينما، يهزّ قدميه تحت المقعد وعيناه على الباب المغلق في القاعة المظلمة”.

نصل إلى قصة “انعكاس” الذي سُميت به المجموعة، فهي قصة تنمّ على الكثير من المهارة والخبرة في فنّ الكتابة السردية، لسائل أن يسأل: انعكاس ماذا ولماذا؟ فنقصّ عليه محتوى النصّ لكي يكون على بينة من أمره، القصة عن سفر بالقطار بين مدينتي كارديف ولندن.. وخلال متابعة الساردة لمشاهد الحقول، عبر نافذة القطار، يلفتها وجه امرأة يظهر في انعكاس خاشع من خلال زجاج النافذة، وتبقى شريفة التوبي تتبع سكنات وحركات ذلك الوجه، وتصف لنا المرأة، تصف ساعتها وهاتفها، وتكشف لنا ما كتبته من شعر، بل تجرأ على ترديده خلاصة الحكاية كانت طيلة سفر القطار تلاحظ انعكاس وجهها ..ولم تبح بالأمر إلا في خاتمة السفر والنص:

“يقف القطار تماما، أقف لأتناول حقيبتي من خزينة الحقائب العلوية، ألتفت إليها، أبحث عن وجهها المسكون بحنين لا يخبر الناظر عنه سوى في اللحظة الأخيرة، وإذا به انعكاس لوجه أعرفه تماما ..إنّه وجهي”.

في قصة “فراشة” تمجيد للحياة وسكون للموت، فما هو سوى ركن من أركان الحياة، وفي قصة “غجرية” ثمة حلم بالخروج لى قوانين القبيلة والتحرّر من السجن والسجان، فأحسن شيء يكون اختتام هذه الجولة بين نصوص شريفة التوبي، بهذا المقطع الطافح بهبوب ريح الحرية، المؤمن بالعناد والنضال من أجل الانعتاق المسؤول، لكأنّي أسمع همهمات النساء في صوتها:

“لا أحد يلحق بي، لا شيء يقيّد يدي، ولا حارس يحرس خطوتي القادمة”.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

دراسة نقدية لرواية “غارارام” للكاتب العباس علي يحيى: قراءة فلسفية مغايرة لمقاربة “الواقعية الصادمة”

مدخل: الفعل الإبداعي ومعنى الحقيقية
يتفق جان بول سارتر مع فكرة أن الإنسان "مطارد للمعنى"، لكن الفعل الإبداعي يتجاوز المطاردة إلى ابتكار معانٍ جديدة. إذا كانت مقاربة "الواقعية الصادمة" تفترض أن الكاتب يُعري المجتمع عبر فضح الممارسات والتابوهات، فإننا هنا نقترح قراءة مغايرة ترى في رواية "غارارام" تجربة فلسفية تسعى إلى مساءلة بنيات القيم ذاتها، لا فقط فضحها أو انتقادها.
الكاتب، في هذا السياق، لا يكتفي بعرض التفاصيل الواقعية وإنما يحاول تفكيك العلاقات الاجتماعية وتجريدها من الشرعيات التقليدية التي تستمد منها وجودها. إنها محاولة جريئة لإعادة صياغة مفهوم "العقد الاجتماعي"، ولكن ليس وفق الأسس الطوباوية كما تصورها روسو، بل وفق ديناميكيات العار والقيم المزدوجة التي تسكن المجتمعات السودانية والعالمية.
إشكالية "العقد الاجتماعي" بين الواقع والأسطورة
تقدم الرواية فكرة نشوء عقد اجتماعي غير رسمي يتمحور حول "السترة"، كآلية للتعامل مع الأزمات الأخلاقية داخل المجتمع السوداني. ومع ذلك، فإن هذا العقد ليس بريئًا أو طبيعيًا، بل يتسم بطابع خفي يدعم استمرارية النفاق الاجتماعي.
لكن، هل يمكن النظر إلى هذا العقد باعتباره مجرد وسيلة للإخفاء؟ أم أنه يُعبّر عن شكل جديد من التفاوض على المعايير الأخلاقية داخل مجتمع يعيش حالة اغتراب عن قيمه المعلنة؟
هنا يُمكننا أن نرى أن "غارارام" لا تكتفي بتقديم الواقع كما هو؛ بل تحاول كشف العلاقة الجدلية بين القيم المعلنة والتطبيق الفعلي لها في الحياة اليومية. فالكاتب يضع القارئ أمام تساؤل وجودي: هل القيم هي جوهر ثابت أم أنها مجرد أدوات مرنة تتشكل حسب الحاجة؟
اللغة والتفاصيل هل البساطة هي الخديعة؟
أشار التحليل إلى أن لغة الكاتب تبدو "يومية وعادية" لكنها تُخفي مستويات عميقة من السرد. هذا التوصيف ينطوي على تصور تقليدي يرى أن النص الأدبي ينجح عندما يُخفي المعنى وراء واجهة بسيطة. ولكن ماذا لو كانت هذه اللغة البسيطة نفسها تعبيرًا عن فلسفة سردية تُعيد تعريف وظيفة الأدب؟

في رواية "غارارام"، تكمن القوة في قدرتها على استغلال البساطة لخلق انحراف دقيق عن المألوف. فالتفاصيل ليست مجرد عناصر للحبكة، بل هي أدوات فلسفية تُجبر القارئ على مواجهة حقيقة أن كل "حقيقة" هي نتاج بناء اجتماعي معقد.
الجنس والعار والمقاربة الفلسفية
الجنس، كما تصوره الرواية، ليس مجرد فعل بيولوجي أو أخلاقي، بل هو فضاء تتقاطع فيه الأيديولوجيا مع العواطف الفردية. من خلال قصة "آرام"، يعيد الكاتب التفكير في مفهوم "الخطيئة" ذاته، ليس كفعل فردي، بل كإطار اجتماعي يُنتج ويعيد إنتاج القيم والممارسات.
على النقيض من النظرة التقليدية التي ترى في هذه الممارسات تهديدًا للمجتمع، تكشف الرواية عن أن المجتمع نفسه هو من يُنتج هذه الأفعال عبر بنياته المزدوجة. هنا، الجنس يصبح رمزًا لتحلل القيم التقليدية أمام صدمة الحداثة.
بين العباس علي يحيى وغراهام غرين هل هذا نقد التشبيه
تشبيه العباس بغراهام غرين يحمل دلالة مثيرة للتفكير، لكنه يفتقر إلى العمق النقدي إذا ما اقتصر على توصيف الشبه بين الجرأة في الطرح. غراهام غرين كان يبحث عن الخلاص الفردي في عالم تسوده الاضطرابات الروحية، بينما العباس يُعيد صياغة العلاقات الاجتماعية من الداخل، دون الهروب إلى أي ملاذات روحية أو أخلاقية.
الفرق الأساسي هنا هو أن غرين يُعالج المأساة الإنسانية من منظور ثنائي الخير مقابل الشر، بينما العباس يعالجها كعملية ديناميكية لا تخضع لهذه الثنائيات التقليدية.
الرواية بين السخرية والفلسفة
تشير المقاربة إلى أن الرواية تتسم بالسخرية، لكن هذه السخرية ليست هدفًا بحد ذاتها. إنها وسيلة فلسفية تكشف هشاشة الخطابات الاجتماعية وتدفع القارئ إلى التأمل في عبثية هذه الخطابات
السخرية، في هذا السياق، لا تأتي من رغبة في التهكم، بل من إحساس عميق بالتناقضات الكامنة في المجتمع. إنها دعوة للتفكير النقدي، وليست مجرد إدانة أو تشهير.
نحو قراءة جديدة لـ"غارارام"
رواية "غارارام" ليست مجرد عمل أدبي يفضح المسكوت عنه، بل هي تجربة فلسفية تسعى إلى إعادة تعريف القيم والممارسات داخل سياقاتها الاجتماعية. إنها ليست فقط دعوة لمواجهة الواقع، بل هي أيضًا تحريض على إعادة التفكير فيه.
الكاتب العباس علي يحيى لا يُقدم إجابات جاهزة، بل يُجبر القارئ على البحث عن إجابات خاصة به. وهذا هو جوهر الأدب الحقيقي , أن يكون فضاءً للبحث عن المعنى في عالم تتداخل فيه الحقيقة مع الزيف، والقيم مع النفاق، والواقع مع الحلم.

zuhair.osman@aol.com
//////////////////////////  

مقالات مشابهة

  • مؤسسة “مسك” تعلن عن توسّع استراتيجي لـ “مجموعة مدارس الرياض”
  • المقاومة الفلسطينية تبث مشاهد لقصف “غلاف غزة” بالصواريخ
  • دراسة نقدية لرواية “غارارام” للكاتب العباس علي يحيى: قراءة فلسفية مغايرة لمقاربة “الواقعية الصادمة”
  • “مجموعة الأندلس” تطلق مساكن بوتيغا نوفي الفاخرة في دبي باستثمارات 210 ملايين درهم
  • “مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025” يناقش الخدمات اللوجستية والنقل والإعاشة
  • خالد بن محمد بن زايد يحضر الجلسات الحوارية لرؤساء الدول والحكومات في “قمة أسبوع أبوظبي للاستدامة”
  • “ناشئة الشارقة” يبدعون في إنتاج 15قصة صوتية ملهمة
  • “سنتكوم” تنشر مشاهد لمهاجمة أهداف للحوثيين نهاية 2024
  • “تدوير” .. ريادة في إدارة النفايات وتعزيز الاستدامة
  • الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة عمل إعلامية بعنوان “التقنية والابتكار ونظام MySAFF”