تونس.. وجاء دور رجال الأعمال!
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
تونس.. وجاء دور رجال الأعمال
هذه العائلات الثرية المتحكمة في الاقتصاد والثروة الوطنية تعيد إنتاج الوضع الاقتصادي وفق مصالحها وأولوياتها.
جاء الآن دور رجال الأعمال، وفي مقدّمتهم أثرياء تونس بعائلاتهم الكبيرة والعريقة، فهل ينجح قيس سعيّد في معركته الجديدة؟
يجب الابتعاد عن حشر جميع رجال الأعمال في سلة واحدة.
لهذا ليس من مصلحة أحد إضعافهم وإرباكهم، أو اتهامهم بتهم ينقصها الدليل.
تونس لن تنهض إلا إذا تحرّرت من هيمنة 40 عائلة تتحكّم في الدورة الاقتصادية، وهي المستفيد الرئيسي من الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي للبلاد.
يمارس قيس سعيد ضغوطا على رجال الأعمال، يتهمهم باحتكار السلع وتكديس الثروات وإفقار التونسيين لكن أغلب ملفات الرئاسة ضدهم تنقصها الدقّة وقد تتسم بالتسرّع والتجنّي.
* * *
بعد تحجيم الأحزاب، وتشديد القبضة على حركتها، وإخضاع القضاء والقضاة، وضرب النقابات الأمنية، وشلّ حركة اتحاد الشغل، والسيطرة على اتحاد الفلاحين، وإرباك منظمّات المجتمع المدني، وخفض مساحة الحرّية الإعلامية والتصدّي لنقابة الصحافيين التونسيين، والتصدّي للضغوط الأميركية والأوروبية إلى جانب رفض ما يسميها إملاءات صندوق النقد الدولي، وحل المجالس البلدية، وإنهاء حالة البيع في الطرقات بطريقة فوضوية، وتقسيم البلد إلى أقاليم خدمة للسلطة المركزية، جاء الآن دور رجال الأعمال، وفي مقدّمتهم أثرياء تونس بعائلاتهم الكبيرة والعريقة، فهل ينجح قيس سعيّد في معركته الجديدة؟
هذه قصة معقّدة ومختلفة عن بقية القصص. ليس الرئيس قيس سعيّد أول من تعرّض لها في خطابه السياسي، فعندما اندلعت الثورة، شكل الرئيس بن علي لجنةً للنظر في ملف الفساد الذي كان من بين الأسباب التي فجّرت غضب الشارع.
ووضع لرئاسة هذه الهيئة شخصية قانونية محترفة، عبد الفتاح عمر، إلى جانب عدة أعضاء من بينهم تلميذه قيس سعيّد. رحل بن علي وبقيت اللجنة، بعدما أعدت تقريرا موثقا يتضمّن شهادات مهمة تتعلق بالتجاوزات الخطيرة. ومن هناك، بدأ الحديث عن وضع آليات للمحاسبة.
عندما استقلت تونس، كان عدد العائلات الأرستقراطية محدودا، فعملت الدولة الوطنية على إنشاء طبقة جديدة من المستثمرين الذين اعتمدوا، بشكل واسع، على السلطة التي شجّعتهم، وقدّمت لهم القروض بإجراءات ميسّرة. هكذا تمكّنت عائلات عديدة من أن تصمد وتتمكّن ماليا واقتصاديا، وأصبح لها تأثير واسع في البلاد.
وتم اقتسام القطاعات الاقتصادية الحيوية في ما بينها، بشكل أثار تدريجيا تساؤلاتٍ هنا وهناك حول الآليات التي يعتمدها بعضهم من رجال الأعمال لاحتكار جزء مهم من الثروة الوطنية.
بعد الثورة، خاف جزء من رجال الأعمال وفضلوا الانكماش ومتابعة المشهد السياسي عن بعد، لأن جزءا منهم تعاملوا في السابق مع "الطرابلسية" (إخوة زوجة بن علي وأقاربها)، وشاركوهم في بعض المشاريع، ما جعلهم في وضع المشبوه فيهم.
لم يدعموا الانتقال الديمقراطي بحماسة، لكنهم تفاعلوا بحذرٍ مع تغيّر موازين القوى السياسية. لم يطمئنوا إلى حركة النهضة، لكنهم تجنّبوا الاصطدام بها عندما حكمت.
وهناك من رجال الأعمال من انخرط في اللعبة السياسية، فساندوا بعض الأطراف على حساب أخرى، ومنهم من استثمر في المشهد الإعلامي، ولعبوا دورا في تلميع بعضهم بعضا وتشويه آخرين.
ومنهم من استغل ضعف الدولة، فاشترى وزراء ونوابا لكي يؤثر على القوانين ويتهرّب من الجباية، ويبرم صفقات مشبوهة. لكنهم في العموم تعرّضوا للابتزاز والشيطنة والتوظيف من الجميع.
أذكر أن سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تونس دعاني إلى تناول الإفطار في بيته. وفي حديثه، اعتبر أن البلاد التونسية لن تنهض إلا إذا تحرّرت من هيمنة حوالي 40 عائلة تتحكّم في الدورة الاقتصادية.
وهي المستفيد الرئيسي من الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لبلادكم، فهذه العائلات تعيد إنتاج الوضع الاقتصادي وفق مصالحها وأولوياتها.
تعيش الدولة حاليا تحت ضغط ضائقة مالية خانقة. الرئيس سعيّد مستمرٌّ في رفض التعامل مع صندوق النقد الدولي، وهو ما جعل البلاد تختنق يوما بعد يوم، ما دفعه إلى التدخل بقوة في المجال المالي، ويمارس ضغوطا متزايدة على رجال الأعمال.
فيتهمهم باحتكار السلع الأساسية، وتكديس الثروات مقابل إفقار التونسيين. لكن أغلب الملفات التي أثارتها الرئاسة ضدهم تنقصها الدقّة، وأحيانا كانت من باب التسرّع والتجنّي.
رغم كل ما سبق، يجب الابتعاد عن حشر الجميع في سلة واحدة. رجال الأعمال ونساؤها أنواع مختلفة، إذ فيهم عدد كبير ممن يعملون في النور، ويلتزمون، إلى حد ما، بتطبيق القانون، فهم يؤمّنون القاعدة الأساسية للاقتصاد الوطني. لهذا ليس من مصلحة أحد إضعافهم وإرباكهم، أو اتهامهم بتهم ينقصها الدليل.
كما أن استضعافهم ليس بالتصرّف السليم، فلديهم من الوسائل لحماية أنفسهم من بطش الدولة الكثير. يحتاج ملف الفساد إلى الحكمة والمرونة، حتى لا ينقلب على الدولة، ويزيد من إضعافها وإرباكها، إذ في النهاية "ملاك الثروة هم صانعو القرار".
*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط في المجتمع المدني التونس
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تونس قيس سعيد ملف الفساد رجال الأعمال صندوق النقد الدولي الاتحاد الأوروبي حركة النهضة احتكار السلع ملاك الثروة قیس سعی د
إقرأ أيضاً:
علياء المزروعي تستعرض جاذبية الإمارات كوجهة لرواد الأعمال اليابانيين
أكدت معالي علياء بنت عبدالله المزروعي وزيرة دولة لريادة الأعمال، أن دولة الإمارات نجحت بفضل توجيهات القيادة الرشيدة ورؤيتها الاستشرافية في توفير بيئة تنافسية لأنشطة ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأصبحت وجهة مثالية لبدء وتأسيس المشاريع المبتكرة في قطاعات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا المتقدمة والصناعات المتطورة.
جاء ذلك خلال طاولة مستديرة بعنوان “آفاق التعاون بين الإمارات واليابان في ريادة الأعمال والابتكار”، عُقدت على هامش فعالية “إنفستوبيا – طوكيو”، بحضور سعادة شهاب أحمد الفهيم سفير الدولة لدى اليابان، وممثلين لـ 26 شركة وحاضنة أعمال إماراتية ويابانية.
وأطلعت معاليها مجتمع الأعمال الياباني على ممكنات بيئة الأعمال الإماراتية والغنية بالفرص الاقتصادية الواعدة، والتي من أبرزها التشريعات والسياسات الاقتصادية المرنة والتنافسية لتأسيس الأعمال والأنشطة الاقتصادية المتنوعة والمبادرات الداعمة لنمو المشاريع الناشئة، مشيرة إلى إطلاق منظومة “ريادة” لتطوير وتحفيز ريادة الأعمال في الدولة، والتي تضمنت مبادرات تستهدف تعزيز تنافسية الإمارات في مجال ريادة الأعمال في مختلف المحاور التي تشمل تطوير السياسات والتشريعات، والبنية التحتية، ودعم سهولة تأسيس الأعمال ونمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الحوافز الدافعة لنمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والارتقاء بالشراكات الداعمة لريادة الأعمال، وأنشطة البحث والتطوير والابتكار في القطاع.
ونوهت معاليها إلى تبني الإمارات مجموعة من السياسات التشريعية التي هدفت إلى تقديم حوافز للشركات الراغبة في تأسيس وبدء أعمالها في أسواق الدولة، كان من أهمها تعديل قانون الشركات التجارية، ليسمح للمستثمرين الأجانب بتأسيس الشركات وتملكها بنسبة 100%، والذي أسهم في زيادة عدد الشركات العاملة في الدولة، وبرامج الإقامة الطويلة للمستثمرين والمبتكرين، بالإضافة إلى وجود أكثر من 40 منطقة حرة في الدولة تتيح للمستثمرين الأجانب الاستثمار في أكثر من ألفي نشاط اقتصادي متنوع.
وأشارت معاليها كذلك إلى إطلاق مجموعة من الإستراتيجيات الوطنية الهادفة إلى تحقيق الريادة والتقدم في القطاعات التكنولوجية والاستدامة، من أبرزها “إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي”، التي تهدف إلى دعم استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، بالإضافة إلى “الإستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة” وتعد إطارا رياديا لتطوير وتعزيز القطاع الصناعي في الإمارات، فيما تُشكل “الأجندة الوطنية الخضراء- 2030” خطة طويلة الأجل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم الأفكار المبتكرة في مجال تدوير النفايات والمواد غير المستخدمة، كإحدى ركائز النموذج الاقتصادي للدولة القائم على المعرفة والابتكار.
ودعت معاليها مجتمع الأعمال الياباني إلى الاستفادة من البيئة التنافسية والفرص التي تتمتع بها الإمارات، حيث توفر الدولة كافة مقومات النجاح للمستثمرين ورواد الأعمال وأصحاب الأفكار، خاصة أن الإمارات تحتضن أكثر من 1.5 مليون رخصة تجارية، مشيرة معاليها إلى حصول الدولة على المركز الأول عالميا في بدء المشاريع التجارية الجديدة وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال 2024.
وشكلت الطاولة المستديرة فرصة مهمة لإطلاع مجتمع الأعمال الياباني على فرص الاستثمار والتوسع في الأسواق الإماراتية، حيث أبدى رواد الأعمال والشركات اليابانية تطلعهم لتوسيع أعمالهم في دولة الإمارات خاصة في قطاعات الاقتصاد الدائري والاستدامة وإعادة التدوير والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي والصناعات المتقدمة.
كما هدفت الفعالية إلى تعزيز التواصل والتعاون بين البلدين في مجال ريادة الأعمال والابتكار، مع التركيز على دعم الشركات الناشئة وخلق فرص تعاون ملموسة من خلال تبادل الرؤى وأفضل الممارسات، وتطوير أطر إستراتيجية تدعم النمو المستدام وترسّخ مكانتهما كبلدين رائدين في مجال التكنولوجيا.
ومثلت الطاولة المستديرة منصة للحوار والتواصل واستكشاف فرص استثمارية نوعية بين البلدين، حيث جمعت بين البيئة الريادية الديناميكية لريادة الأعمال والاستثمار في دولة الإمارات، والتميز التكنولوجي في اليابان، لصياغة أطر جديدة للتعاون بين مجتمعي الأعمال في البلدين.وام