لماذا تعاملت الهند بهدوء مع خسارة ناغورني قرة باغ؟

رأى الباحث المشارك في مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد سيموس دافي، أن الهند اتخذت إلى حد بعيد موقفاً محدداً من أرمينيا وجيب ناغورني قرة باغ خلال السنوات القليلة الماضية، بدءاً بمبيعات الأسلحة وخطوط السكك الحديدية العابرة للقارات، وصولاً إلى إدانة العدوان الأذربيجاني في المنطقة.

لا تمثل الهزيمة الأخيرة لأرمينيا في ناغورني قرة باغ هزيمة كاملة لطموحات الهند

وكتب في مجلة "ذا ديبلومات" أن هذا الأمر لم يكن من دون سبب.

. من ناحية، أدى ارتباط أذربيجان منذ فترة طويلة بباكستان إلى تحويل الصراع لواحدة من أكثر حروب الوكالة غموضاً حول العالم.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت منطقة جنوب القوقاز أساسية لطموحات الهند من أجل بناء ممر نقل يربطها بأوروبا عبر الهضبة الإيرانية يسمى ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (إنستك) وهو خطة كانت أرمينيا حريصة للغاية على دعمها.. قد يشير كل هذا إلى أنه في ضوء انهيار الخطوط الأرمينية في ناغورني قرة باغ واستسلام الحكومة الانفصالية الأسبوع الماضي، ستسارع الهند إلى التأكيد على مصالحها في المنطقة.. مع ذلك، إن الصمت من جانب وزارة الشؤون الخارجية الهندية يكشف الكثير عن تقديرات الهند لمستقبل جنوب القوقاز.

أرمينيا تتحرك

يبدو أن أرمينيا أدركت أن بعض التغيير جارٍ فأرسلت سفيراً جديداً، الأسبوع الماضي، إلى نيودلهي على الرغم من الفوضى المستمرة في العاصمة وناغورني قرة باغ، تقترح أوراق اعتماد السفير، كخبير في الشؤون الإيرانية وكدبلوماسي إقليمي في جنوب القوقاز، الاتجاه المحدد الذي تريد أرمينيا أن تسلكه العلاقات الثنائية مع الهند: التأكيد على ارتباط الهند بمشاكل جنوب القوقاز من خلال علاقتها مع إيران. 

Armenia is a crucial player in the planned International North-South Transportation Corridor. Its defeat will require India to adjust its strategy for the South Caucasus. https://t.co/6LbBOBPhK2

— The Diplomat (@Diplomat_APAC) September 30, 2023

تحتاج الهند وفق الكاتب إلى خط سكك حديدية للانتقال من شمال غرب إيران عبر جنوب القوقاز إلى روسيا أو البحر الأسود.. في هذا الصدد، أمام الهند (وإيران) خياران: الأول عبر مقاطعة سيونيك في جنوب أرمينيا، والآخر عبر ساحل بحر قزوين وأذربيجان، ومن الواضح أن الهند اختارت الخيار الأول، على الأقل حتى اللحظة.

ما تبين للوهلة الأولى

إن التطورات في صراع ناغورني قرة باغ تهدد حيوية خط سكك الحديد هذا، حيث يعبر الرابط ممر زنغزور المهم الذي يربط أذربيجان بجيبها ناختشيفان، إن التعليقات الحديثة للرئيس الأذري إلهام علييف كما كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تفترض أن السلامة الإقليمية لهذا الممر قد تكون موضع شك.. بغض النظر عما إذا كان الصراع سيندلع بالفعل حول الممر، يظل واقع أن بناء خط سكك حديدية في منطقة يمكن أن تكون موقعاً محتملاً لنزاع بين إيران وتركيا ليس وصفة للاستقرار السياسي في المنطقة على المدى الطويل وفق الكاتب، ومن شبه المؤكد أن الهند تحتاج إلى إيجاد طريق آخر. 

"the silence from the External Affairs Ministry speaks volumes about India’s estimation of the future of the South Caucasus".https://t.co/gJxVIyMGOF

— Daniel Batt @[email protected] ???????? (@DanielJBatt) October 1, 2023

للوهلة الأولى قد تبدو التطورات الأخيرة في ناغورني قرة باغ ضربة قوية للهند، بينما تشكل نعمة لباكستان وتفيد بشكل غير مباشر المنافس الرئيسي الآخر للهند في آسيا، وهو الصين.. في نهاية المطاف، إن ميزة رئيسية لـ "إنستك" هي سماحه للهند بالالتفاف حول باكستان بشكل فعال والوصول إلى طرق برية مؤدية إلى أوروبا وآسيا الوسطى كانت إسلام أباد تسدها.

كما أنه سيوفر للهند وسيلة لإخراج إيران من فلك الصين، وربما الالتفاف حول مشاريع البنية التحتية الخاصة ببكين في المنطقة.. من خلال دعم أذربيجان عسكرياً ودبلوماسياً في الفترة التي سبقت اندلاع القتال الأخير، لعبت باكستان، عن قصد أو غير قصد، دوراً حاسماً في إحباط طموحات الهند الخاصة في جنوب القوقاز.

عيوب وبدائل

على الرغم مما سبق، رأى الكاتب أن لإستراتيجية باكستان عيوبها.. فقد أثارت تصرفات أذربيجان العدوانية التي تجرأت حديثاً إدانة دولية، وإن أي دعم إضافي قد يضع باكستان في موقع مساعدة قوة مثيرة للجدل لا يقدم لإسلام آباد إلا القليل من الفوائد المباشرة والملموسة.

علاوة على ذلك، ليس الأمر وكأن الهند تفتقر إلى خيارات بديلة.. على الرغم من أن تحويل الطريق إلى بحر قزوين سيكون أمراً شاقاً دبلوماسياً، لا يزال ثمة مجال لإحراز تقدم، على الرغم من الاشتباكات التي اندلعت في سفارة أذربيجان بطهران خلال وقت سابق من هذه السنة، إلى جانب استمرار علاقات أذربيجان مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران، لا يزال البلدان قادرين على الاتفاق على اقتراح مبدئي لاستئناف بناء خط السكك الحديدية بينهما.. حتى في مواجهة الخلافات، يبدو أن قضية "إنستك" قوية بما يكفي لكي تضع باكو خلافاتها مع القوى الخارجية جانباً من أجل التعاون.

بالتالي، على الرغم من حرص أذربيجان على إدانة مبيعات الأسلحة الهندية لأرمينيا، من غير المرجح أن يؤدي هذا الاحتكاك إلى الحد من التعاون المستقبلي حول "إنستك" إذا كانت الهند جادة حقاً في متابعة ذلك.. ومن شبه المؤكد أن يتطلب هذا الجهد بعض التلطيف للعلاقات، ولكن لا يزال أمام الهند العديد من الخيارات لتنفيذ إستراتيجية "إنستك" إذا اختارت ذلك.

الهند ومنافسوها أمام تحديات

قد لا يكون صمت الهند الأخير في جنوب القوقاز بلا ثمن.. إذا استمرت الهند في التزام الصمت بشأن هزيمة أرمينيا فقد يكون ذلك رمزاً سلبياً للدول الأخرى التي تسعى إلى الحصول على الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي من الهند.. لكن مع ذلك، لا تمثل الهزيمة الأخيرة لأرمينيا في ناغورني قرة باغ هزيمة كاملة لطموحات الهند في جنوب القوقاز.

بينما تعيد الهند تشكيل سياستها الخارجية في منطقة تغيرت الآن بفعل الهزيمة في ناغورني قرة باغ، من شبه المؤكد أنها ستضطر إلى البحث عن سبل أخرى أكثر استقراراً لعلاقاتها المرتبطة بالبنى التحتية، وبالنظر إلى إمكانات مشروع "إنستك"، لن يكون من الصعب جذب شركاء محتملين من ذوي الرغبة.

من جانبهم، سيتعين على منافسي الهند اقتصادياً وسياسياً أن يتوصلوا إلى إستراتيجيات جديدة لمنع تنفيذ إستراتيجية الهند في إيران والقوقاز.. ويختم الكاتب بالإشارة إلى أن نجاح أو فشل أي من الجانبين سوف يعتمد على مدى سرعة تكيفه مع الواقع المتغير في القوقاز.

المصدر: موقع 24