دراما جولدا مائير.. كيف تخدع المشاهد عبر سرد نصف الحقيقة فقط؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
ماذا لو اتخذ الفيلم الإسرائيلي "جولدا مائير" (Golda) عنوانا آخر من قبيل: "هزيمة يوم الغفران" أو "صدمة كيبور"؟ ربما كان ذلك ملائما أكثر وأحداث الفيلم، التي ترصد نحو 3 أسابيع في حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير، خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتحديدا منذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول وحتى قرار وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من الشهر ذاته.
الجدير بالذكر أن الدراما الأميركية سبق أن قدمت سيرة حياة جولدا عبر الفيلم التلفزيوني "امرأة تدعى جولدا" (A woman called Golda) في عام 1982، من بطولة السويدية إنجريد برجمان وإخراج الكندي ألان جيبسون، لكن ذلك الفيلم كان أكثر شمولا فيما يخص حياة مائير، حيث سلط الضوء على حياة المرأة منذ سنوات طفولتها في أوكرانيا وصولا إلى عام 1977.
وفيلم "Golda" من تأليف نيكولاس مارتن وإخراج الإسرائيلي "جاي ناتيف" (Guy Nattiv)، الذي حاز سابقا جائزة أوسكار أفضل فيلم قصير عام 2019 عن فيلم "جلد" (Skin)، مثلما حاز فيلمه "تاتامي" (Tatami) على جائزة بريان (Brian award) في مهرجان البندقية السينمائي الدولي خلال العام الجاري. وتجسّد شخصية "جولدا" الممثلة البريطانية هيلين ميرين، الحائزة على جائزة أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي عام 2007، عن تجسيدها دور شخصية تاريخية أخرى وهي الملكة إليزابيث في فيلم "الملكة" (Queen). وقد قدم الممثل الأميركي "ليف شرايبر" دور وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، وأدت الممثلة الفرنسية "كاميل كوتن" دور الدبلوماسية الإسرائيلية "لو كدار" (Lou Kaddar). والمعروف أن لو كدار يهودية فرنسية الأصل كانت أخصائية اجتماعية للعائلات اليهودية في باريس، قبل الانضمام إلى قوات الهاجاناه بحلول عام 1935 والمشاركة في تهريب الأسلحة وفي العمليات التخريبية في فلسطين، ثم العمل سكرتيرة ومترجمة فورية لدى مائير، منذ أن كانت الأخيرة وزيرة العمل في حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
كان العرض الأول لجولدا في مهرجان برلين السينمائي الدولي في فبراير/شباط 2023، وأُتيح في دور العرض الأميركية بدءا من شهر أغسطس/أب الماضي، ومن المتوقع أن يعرض الفيلم في المملكة المتحدة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يوافق الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر المجيدة.
ليست جولدا بل الحرب
براعة هيلين ميرين وقدرتها على تقمص الأدوار التاريخية لم تنعكس على أدائها شخصية جولدا بشكل كبير، ذلك ما دفع الناقد السينمائي والصحفي الأميركي ريكس ريد إلى تقييم الفيلم بنجمتين فقط (1)، وأضاف ريكس أن هيلين نجمة متميزة ومتألقة، ومن الواضح أن ثقتها بنفسها أقنعتها أنها تستطيع لعب أي دور ترغب فيه، ربما هذا صحيح، لكن دور رئيسة الوزراء الإسرائيلية المسنة والمتهالكة جولدا مائير ليس أحدها بالتأكيد.
ويرى ريكس أن الفيلم لا يقدم أي رؤى عن شخصية جولدا، ولا يصوّرها خارج اجتماعات العمل مع كبار المستشارين العسكريين، ويتساءل ريد عن طبيعة جولدا الإنسانية، وهل كانت مجرد مدخنة شرهة تملأ منافض السجائر حتى في المستشفى الذي تخضع فيه للعلاج من سرطان الغدد الليمفاوية؟ إن التدخين المستمر مسألة مزعجة، وكذلك غياب ملامح الشخصية الدرامية.
ويتفق موقع روتن تومتيز (Rotten tomatoes) المختص بتقييم الأفلام مع ريكس ريد، حيث يذكر أن ميرين عادة ما تكون بارعة في أداء الأدوار الرئيسية، لكن جولدا لا ترقى أبدا إلى أكثر من مجرد درس تاريخي، يأتي في شكل سيرة ذاتية مخيبة للآمال. (2)
وبالإمكان أن نفهم السبب وراء تعثر هيلين تلك المرة، إذ إن سيناريو الفيلم جاء منشغلا بتبرير الهزيمة الإسرائيلية في 1973، أكثر من كونه فيلما عن سيرة جولدا، ورغم ذلك، لم يقدم المخرج تصويرا للمعارك ولا أي مادة وثائقية عن الحرب، بل اكتفى بإبراز مشاهد من داخل غرف العمليات الحربية المغلقة، بينما تنقل الأجهزة اللاسلكية صرخات الجنود الإسرائيليين وذعرهم في خطوط المواجهة، الأمر الذي يعزوه البعض إلى الرغبة في خفض التكلفة الإنتاجية، بينما يراه كثيرون حيلة للابتعاد عن إبراز البطولات العربية، وكي لا يتحول الفيلم رغما عن رغبة صانعيه إلى أنشودة تمجد المقاتل العربي، خاصة أننا أمام رواية تقرّ بالهزيمة ومصدرها هو الجانب الإسرائيلي نفسه، الذي طالما حاول التستر على وقائع حرب 1973، أو ادّعى أحيانا أن نتيجة تلك الحرب كانت تعادلا بين الطرفين.
جولدا مائير العاطفية!
ربما ليس من المفارقة أن يكون المخرج جاي ناتيف من مواليد العام 1973 ذاته، وعلى ما يبدو أن الفيلم يحمل بين ثناياه لوم الجيل الحالي وتساؤلاته إلى القيادات المتسببة في هزيمة يوم الغفران بالمسمى الإسرائيلي، إذ بدأ ناتيف أحداث الفيلم بتصوير جولدا مائير بينما تخضع للاستجواب من قِبل "لجنة أجرانات"، وهي لجنة تقصي حقائق تكوّنت في نوفمبر/تشرين الثاني 1973، بغرض التحقيق في أسباب إخفاق الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الـ3 الأولى من الحرب على وجه الخصوص.
وخلصت اللجنة التي انعقدت برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا -آنذاك- شمعون أجرانات، إلى أن أبرز أسباب الفشل هو الاعتقاد بأن مصر لن تهاجم دون أن تمتلك تفوقا حاسما على مستوى القوات الجوية، وأن مناورات الجيش المصري مجرد تدريبات ولا تُعَدُّ استعدادا للحرب، فيما لا يوجد حافز يدفع الجبهة السورية إلى التوافق والقتال مع المصريين. وأوصت اللجنة بإقالة "إيلي زعيرا" مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" وعدد من ضباط الاستخبارات، كذلك رئيس الأركان "دافيد إلعازار"، الذي كان قائدا لجبهة الجولان إبان حرب 1967.
وعبر لجنة أجرانات، تعود جولدا مائير بالذاكرة إلى يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973، ورغم الاعتراف بالهزيمة فإن الفيلم يختلق المبررات، مثل التضخيم من عنصر المفاجأة وتصديره سببا وحيدا وراء الإخفاق الإسرائيلي، وكأن إسرائيل دولة سلام تعيش في إطار حدودها المستحقة، ولم تتوقع انتقاما من الجيران في يوم مقدس مثل كيبور! الرسالة التي يبدو أن العمل يخاطب عبرها العقل الغربي، فيما يتناسى أن تلك الأراضي في الأصل عربية ومغتصبة.
على جانب آخر يقدم الفيلم مائير زعيمة عاطفية تتأمل العصافير والسماء، وترغب في السلام مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل، ويصوّر بشكل ماكر أن جولدا هي مَن دفعت مصر إلى طاولة اتفاق السلام، بما يهمّش من دور الزعيم المصري أنور السادات في هذا الصدد، الأمر الذي يتناقض مع تصريحات معلنة وموثقة لوزير دفاع إسرائيل الأسبق "موشي ديان" قبل أكتوبر/تشرين الأول 1973، وأعلن فيها: "إذا كنت سأختار لحكومتي بين المطالب المصرية بالانسحاب عبر الحوار وبين خوض الحرب، فإن اختياري سوف يكون الحرب".
حسنا، نحن أمام نسخة أخرى من مائير، ليست مائير المحاربة الدموية الماكرة التي قالت في يوم ما: "لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون" (4)، والفيلم يحاول عبر هذا التلاعب أن يكتسب المشاهد عاطفيا، وأن يصدّر صورا ذهنية مختلفة عن واقع "المرأة الحديدية"، بما يضعه في خانة عدم الموضوعية. ورغم ذلك أفلتت بعض الحوارات كي تعيد مائير إلى نسختها المعروفة، الأمر الذي تسبب في أن تبدو الشخصية مرتبكة بين جذورها الحقيقية وبين ما يحاول المخرج إقناعنا به، ومثالا على ذلك الحوار الذي يدور بين جولدا ووزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، حين يحاول كيسنجر أن يخفض سقف توقعاتها حيال دعمه لإسرائيل قائلا: "لا تنسي أنني أميركي أولا، ووزير خارجية ثانيا، ويهودي في الأخير"، وتجيبه جولدا في مكر: "نحن في إسرائيل نقرأ من اليمين إلى اليسار". وحينما يوضح كيسنجر أن قطع النفط السعودي يهدد أميركا وأن شعبه يدفع هكذا من أجل دعم إسرائيل، تصيح جولدا في عدوانية أن جنرالاتي يتوسلون لي لاحتلال القاهرة وشارون مثل كلب مطوق، ولا نجدها المرأة ذاتها التي كانت تسعى منذ لحظات إلى إقامة سلام!
تعلق الناقدة السينمائية كريتسي لومير على ذلك المشهد تحديدا (5)، إذ ترى أن روح مائير تظهر أخيرا خلال محادثتها مع كسينجر، الذي يفهم حقا ما تمر به ويمكنها التحدث معه بشكل أكثر صراحة بوصفه نظيرا. ويبدو كما لو أن الغيوم قد انقشعت عن الشخصية وظهر شعاع من ضوء الشمس في الحوار الدائر بينهما.
إسرائيل خاسر سيئ
يحضر مصطلحا الخاسر الجيد والخاسر السيئ في الألعاب الرياضية، ويشير الأول إلى تقبل الخسارة، فيما ينمّ الأخير عن انعدام الروح الرياضية ومحاولة التنصل من الهزيمة بأي أعذار، عدا الإشارة إلى جودة الفريق الفائز واستحقاقه. في فيلم جولدا تحضر إسرائيل بوصفها خاسرا سيئا، إذ يقرن الهزيمة بعنصر المفاجأة تارة، وتارة أخرى بالدعم الروسي للعرب متناسيا أن ما تحصل عليه إسرائيل من دعم أميركي يفوق بمراحل نظيره السوفيتي، وذلك رغم أن أحد المشاهد يصوّر قافلة الطائرات الأميركية التي هبّت لنجدة الحليف الإسرائيلي في العملية الشهيرة باسم عشب النيكل (Operation Nickel Grass)، التي لولاها لربما اختفت إسرائيل عن الخارطة.
المغالطة الأكبر في سردية الفيلم تتعلق بتأثير ثغرة الدفرسوار على مجريات الحرب، إذ يبالغ في تأثير تلك الثغرة ويزعم أنها قلبت كفة المعركة لصالح الدولة العبرية، وهو ما تنفيه الوثائق التاريخية وشهادات القادة العسكريين الذين عاصروا الحرب، ورغم أن القوات المصرية تكبدت خسائر في الأرواح والمعدات جراء ثغرة الدفرسوار، لكن الجانب الإسرائيلي تكبد خسائر هو الآخر مثلما حوصرت قواته في مدينة السويس المصرية، ما دعا كيسنجر إلى زيارة القاهرة آنذاك والدعوة إلى وقف إطلاق النار كي لا تخسر إسرائيل صفوة جنودها الموجودين غرب القناة.
———————————————————————————-
المصادر1- Observer 28 august 2023.
2- GOLDA REVIEWS.
3- تقارير لجنة أجرانات
4- Golda Meir, on the Palestinians.
5- golda movie review.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول جولدا مائیر
إقرأ أيضاً:
رسوم ترامب الجمركية والحرب تنهكان اقتصاد إسرائيل
أصاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإسرائيليين عامة، ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو خاصة بالصدمة، ليس فقط عندما ضم إسرائيل إلى قائمة الدول التي فرض عليها رسوما جمركية عالية، وإنما أيضا لرفضه الاستجابة السريعة لطلب تخفيضها.
فهم كثيرون من هذا الموقف الذي جاء في ذروة إحساس إسرائيل بأنها ملكت فؤاد البيت الأبيض وقاطنيه، أن ترامب من الآن فصاعدا لن يقدم لأحد، بما في ذلك إسرائيل، أية تخفيضات فيما يتعلق بالاقتصاد. ويعني ذلك عمليا توجيه ضربة اقتصادية حقيقية للصناعة الإسرائيلية، وخاصة في مجالات مثل المعدات الطبية والمعدات الإلكترونية والأدوية والماس.
وعندما سأل مراسل إسرائيلي الرئيس ترامب عما إذا كان سيلغي الرسوم الجمركية على إسرائيل، رد بطريقة أثارت الكثير من المخاوف. إذ قال "ربما نعم وربما لا"، وأضاف "لا تنسوا أننا نعطي الكثير لإسرائيل. نحن نعطي إسرائيل 4 مليارات دولار سنويًا. هذا كثير". ثم التفت ترامب إلى نتنياهو وقال "بالمناسبة، مبروك. هذا ليس سيئا. نحن نعطي إسرائيل مليارات الدولارات سنويًا، مليارات".
وسرعان ما فهم المطلعون على خفايا العلاقات الأميركية الإسرائيلية هذه الملاحظة متذكرين أقواله قبل الانتخابات عن هذه المساعدات وضرورة وقفها. فما يهم ترامب أولا وقبل كل شيء المصالح، وليس القيم، وهذه الحقيقة تعززت في ولايته الرئاسية الثانية.
إعلانوحتى عندما قرأ هؤلاء قبل حوالي أسبوع قائمة الدول التي ينوي ترامب فرض الرسوم الجمركية الجديدة عليها، كان اسم إسرائيل في الموقع الـ18 بين 25 دولة. وثمة معان كثيرة لقول ترامب حينها وإيحاءاته عن هذه المجموعة: هؤلاء هم أكبر 25 مجرمًا، إنهم "سرقوا ونهبوا واغتصبوا" الولايات المتحدة على مر السنين.
ويكتب يؤآف كارني في "غلوبس" أن "الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لا تهدف إلى القضاء على العجز التجاري، ولا تهدف إلى تسوية قواعد اللعبة، كما يقول الأميركيون، على العكس من ذلك كان الهدف من هذه العقوبات هو ترجيح ساحة اللعب بزاوية حادة لصالح الجانب الأميركي". وما اتهام ترامب للدول التي استفادت من المساعدات الأميركية بالسرقة إلا ترجمة لنظرته الخاصة تجاه المساعدات بوصفها دينا واجب السداد.
وفي نظر كارني "هذا هو بالضبط ما ينظر به إلى أي مساعدة أميركية، أيا كان متلقيها، إذا ما أعطيت من دون الحاجة إلى سدادها. وهذا هو السبب الذي جعله ينكر بشكل أساسي المساعدات التي قدمها سلفه لأوكرانيا. 100 مليار دولار هدية؟ قال الرئيس حتى قبل عودته وتوليه الرئاسة إن كل سنت يُعطى لأي دولة يجب أن يعود إلى أميركا مع الفائدة.
ويرى خبراء مثل ميخا أفني في "معاريف" أن على إسرائيل التخلي من الآن عن المساعدات الأميركية لأنها تجعلها طوع بنان الإدارة الأميركية. وكتب أفني "في الجانب المحافظ من الولايات المتحدة قامت حركة واسعة "أميركا أولا". وهي تتطلع إلى تقليص المساعدات الأجنبية والتركيز على حدودها اقتصاديا وعلى مواطنيها.
جيه دي فانس نائب الرئيس شخصية رائدة في هذه الحركة، وتاكر كارلسون من الأصوات البارزة في الخطاب الجماهيري المحافظ، كلاهما يقدر القوة والعظمة والسيادة. هما لا يكرهان إسرائيل، بل العكس لكنهما لا يريدان أن يريا إسرائيل تعتمد على ميزانية الأمن الأميركية. إذا ما واصلنا التصرف كأن المساعدات هي حق أبدي، سنفقد دعم أولئك الذين يؤمنون بنا حقا. لكن إذا ما تخلينا عنها بمبادرتنا، طوعا وبعزةٍ، فسنكسب ثقتهم وتقديرهم وعهدهم على مدى السنين".
ولاحظ أدريان بايلوت في صحيفة "كالكاليست" أن القيادة الإسرائيلية فوجئت مرة أخرى بالإجراءات الأميركية التي تضر بالصادرات الإسرائيلية إلى أميركا والبالغة 14 مليار دولار ما عدا تجارة الألماس ليس أقل من 2.5 مليار دولار سنويا.
إعلانوكتب "منذ فترة طويلة سمعت تحذيرات، بما في ذلك في موقع كالكاليست، بشأن نية الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على إسرائيل عندما يقرر أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة كبيرة بشأن هذه القضية. وقد أطلق خبراء في مجال التجارة الدولية والدبلوماسية هذه التحذيرات بصوت عال وواضح، بما في ذلك على مسامع صناع القرار الإسرائيليين بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير المالية".
وتابع "كانت الردود على التحذيرات رافضة. وزعم البعض أن "ترامب يحب إسرائيل"، وبالتالي لن يفرض عليها أي رسوم جمركية. وكانت هناك حجة أخرى أكثر عقلانية، إذ وقعت إسرائيل والولايات المتحدة اتفاقية للتجارة الحرة منذ عام 1985، حيث تم إلغاء جميع التعريفات الجمركية في يناير/كانون الثاني 1995".
وكان اتحاد الصناعيين الإسرائيليين قد سلم نتنياهو قبل ساعات من لقائه ترامب وثيقة تبيّن محاسن حثه ترامب على تخفيض الرسوم الجمركية على إسرائيل من 17% إلى 10%. وحسب هذه الوثيقة، فإن الضرائب الجديدة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الطلب 2.3 مليار دولار، وتقليص 20% من إجمالي التصدير إلى الولايات المتحدة.
كما أن تحليل الاتحاد يظهر أن الفرع الأكثر تعرضا للضرر هو فرع إنتاج الحواسيب والأجهزة الإلكترونية والبصرية، الذي سيتضرر بـ900 مليون دولار في السنة. الفرع التالي الذي سيتضرر بصورة أكبر هو تصنيع الآلات والمعدات، والذي سيتضرر بـ349 مليون دولار في السنة. بعده فرع المنتجات النفطية والكيميائية ومشتقاتها، الذي سيتضرر بـ310 ملايين دولار.
ووفق تحليل الاتحاد نفسه، فإن ماغ بين 18 و26 ألف عامل في فروع التصدير يمكن أن يفقدوا مصادر رزقهم وأعمالهم في أعقاب الرسوم الجمركية التي فرضت حتى الآن.
خسارة الاستثماراتغير أن الخوف الأساسي في إسرائيل من إجراءات ترامب لا يعود فقط إلى أثره على الصادرات، وإنما إلى احتمال إضرارها بالاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الإسرائيلي. هذا فضلا عن احتمالات هجرة العديد من خطوط الإنتاج من إسرائيل إلى أميركا نفسها للتهرب من هذه الرسوم.
إعلانفوفقا لآخر تقرير عن حالة الوظائف صادر عن هيئة الابتكار الشهر الفائت، شهد عام 2024 انكماشا في صناعة التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية. ويقدم التقرير بيانات تشير إلى أنه منذ عام 2022 كان هناك "ركود" في عدد الأشخاص العاملين في مجال التكنولوجيا العالية.
وفي عام 2024 كان هناك انخفاض في عددهم بنحو 5 آلاف شخص، لأول مرة منذ عقد من الزمان. وحسب تقارير سابقة، فإنه منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/تموز 2024، غادر نحو 8300 عامل في قطاع التكنولوجيا الفائقة إسرائيل لمدة عام أو أكثر.
خسارة مدخراتكما أن بورصة الماس في إسرائيل استنفرت بكامل قوتها بعد الإجراءات الأميركية، حيث سرعت من شحناتها إلى أميركا قبيل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ. كما طلب رؤساء البورصة كلا من نتنياهو ووزير المالية بالعمل لدى الرئيس الأميركي لاستثناء هذه الصناعة من الإجراءات. ومعروف أن تجارة الماس الإسرائيلية من بين أهم فروع التجارة مع أميركا، إذ بلغت صادرات الماس إليها 3.2 مليارات دولار خلال العام 2024، أي حوالي نصف صادرت الماس.
وطبيعي أن هذه ليست الخسائر الوحيدة المحتملة جراء الإجراءات الأميركية، إذ من البداية ظهرت خسائر كبيرة لصناديق الائتمان والتقاعد الإسرائيلية التي تستثمر أموالها في البورصة الأميركية. وكمثال، اضطر المدخرون في صندوق التقاعد إلى تحمل خسائر فادحة في الأيام الأخيرة، فقد تبخر أكثر من 25 مليار شيكل (حوالي 6 مليارات دولار) من مدخراتهم في يومين فقط، عندما خسر المؤشر الرائد الأميركي 11%، ومنذ أن سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ذروته الأخيرة في منتصف فبراير/شباط الماضي، بلغت هذه الخسائر نحو 40 مليار شيكل (نحو 11 مليار دولار).
وقد تأثرت بورصة تل أبيب بشدة بالانهيارات والتذبذبات في وول ستريت، وتأثير خطة ترامب الجمركية على الأسواق، وطوال أيام أغلقت البورصة المحلية على انخفاضات حادة:
إعلان انخفض مؤشر "تي إيه 35" (TA 35) بنحو 3.9% إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر، مما يلخص أسوأ يوم له منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. انخفض مؤشر "تي إيه 90" (TA 90) بنحو 3.5% أيضًا إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر.وفي ظل الحرب، ووفق ما نشرت "معاريف"، هجر إسرائيل في العام 2024 ما يقرب من ألفي مليونير، وذهب أغلبهم للعيش في أميركا.
كما تراجع الشيكل الإسرائيلي بشكل متواصل منذ الإعلان عن الإجراءات الأميركية ليس فقط أمام الدولار وإنما أيضا أمام اليورو وعملات أجنبية أخرى. ورغم تراجع مؤشر الدولار عالميا، فإن تراجع الشيكل أمامه يثبت تذبذب الاقتصاد الإسرائيلي ومدى اعتماده على الإسناد الأميركي.
وقد تخطى الدولار حاجز 3.8 أمام الشيكل، مما يعني أن أغلب البضائع الواردة إلى إسرائيل سوف تشهد ارتفاعا لأثمانها الأمر الذي يضاف إلى غلاء المعيشة الناجم عن فرض الضرائب لتغطية تكاليف الحرب.
ولاحظ معلقون أن الإجراءات الأميركية واستمرار تدهور الوضع الأمني في إسرائيل ومحيطها سوف يثقلان أكثر على الاقتصاد الإسرائيلي في المستقبل القريب. ويعتقد خبراء أن هذه التطورات سوف تخفض من توقعات نسبة النمو في إسرائيل، مما يعني أيضا إضعاف سوق العمل وإلحاق الضرر بالمدخرات والمعنويات العامة.
تأثيرات الحربوعلى كل حال، أظهرت الإجراءات الأميركية صعوبة الوضع الاقتصادي في إسرائيل وأيضا بسبب الحرب. وهذا ما بيّنه التقرير السنوي للبنك المركزي الذي حذر من استمرار الثغرة الكبيرة بين نسبة الدين إلى الناتج القومي التي قفزت بشكل كبير منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي نظر الخبراء، فإن الحرب أعادت إسرائيل كثيرا إلى الوراء حيث هناك ضغوط كبيرة لتغطية تكاليف الحرب. ووفق تقرير البنك المركزي، فـ"ارتفاع عبء الخدمة العسكرية، لا سيما خدمة الاحتياط، سيواصل جباية ثمن اقتصادي باهظ". وأشار إلى أن التحديات التي نشأت عقب الحرب، تمت إضافتها إلى المشكلات التي واجهت الاقتصاد قبل الحرب ولم تغيرها.
إعلانالآن علاج المشكلات الرئيسية في إسرائيل ملح أكثر من أي وقت مضى. "المستوى الأعلى لنفقات الدفاع في المستقبل القريب، وضرورة الحفاظ على هامش مالي، يؤكدان بدرجة أشد أنه مطلوب القيام بالتكيّف حتى في تركيبة نفقات الحكومة، التي ستعكس سلم أولويات مناسبا لتحديات الاقتصاد".
في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد أمام الكونغرس، أعلن ترامب "لقد خُدعنا لعقود من الزمن من قبل كل دولة تقريبا على وجه الأرض، ولن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى". وليس صدفة أن إسرائيل كانت بين الدول التي "خدَعت" في نظره أميركا وهي تنال، رغم صداقته لها، جزءا من الجزاء. وهو يتلذذ بسماع أصوات استغاثة أو رجاء زعماء كثير من دول العالم، فإن إسرائيل ليست استثناء في نظره هذه المرة أيضا.