دراما جولدا مائير.. كيف تخدع المشاهد عبر سرد نصف الحقيقة فقط؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
ماذا لو اتخذ الفيلم الإسرائيلي "جولدا مائير" (Golda) عنوانا آخر من قبيل: "هزيمة يوم الغفران" أو "صدمة كيبور"؟ ربما كان ذلك ملائما أكثر وأحداث الفيلم، التي ترصد نحو 3 أسابيع في حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير، خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتحديدا منذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول وحتى قرار وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من الشهر ذاته.
الجدير بالذكر أن الدراما الأميركية سبق أن قدمت سيرة حياة جولدا عبر الفيلم التلفزيوني "امرأة تدعى جولدا" (A woman called Golda) في عام 1982، من بطولة السويدية إنجريد برجمان وإخراج الكندي ألان جيبسون، لكن ذلك الفيلم كان أكثر شمولا فيما يخص حياة مائير، حيث سلط الضوء على حياة المرأة منذ سنوات طفولتها في أوكرانيا وصولا إلى عام 1977.
وفيلم "Golda" من تأليف نيكولاس مارتن وإخراج الإسرائيلي "جاي ناتيف" (Guy Nattiv)، الذي حاز سابقا جائزة أوسكار أفضل فيلم قصير عام 2019 عن فيلم "جلد" (Skin)، مثلما حاز فيلمه "تاتامي" (Tatami) على جائزة بريان (Brian award) في مهرجان البندقية السينمائي الدولي خلال العام الجاري. وتجسّد شخصية "جولدا" الممثلة البريطانية هيلين ميرين، الحائزة على جائزة أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي عام 2007، عن تجسيدها دور شخصية تاريخية أخرى وهي الملكة إليزابيث في فيلم "الملكة" (Queen). وقد قدم الممثل الأميركي "ليف شرايبر" دور وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، وأدت الممثلة الفرنسية "كاميل كوتن" دور الدبلوماسية الإسرائيلية "لو كدار" (Lou Kaddar). والمعروف أن لو كدار يهودية فرنسية الأصل كانت أخصائية اجتماعية للعائلات اليهودية في باريس، قبل الانضمام إلى قوات الهاجاناه بحلول عام 1935 والمشاركة في تهريب الأسلحة وفي العمليات التخريبية في فلسطين، ثم العمل سكرتيرة ومترجمة فورية لدى مائير، منذ أن كانت الأخيرة وزيرة العمل في حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
كان العرض الأول لجولدا في مهرجان برلين السينمائي الدولي في فبراير/شباط 2023، وأُتيح في دور العرض الأميركية بدءا من شهر أغسطس/أب الماضي، ومن المتوقع أن يعرض الفيلم في المملكة المتحدة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يوافق الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر المجيدة.
ليست جولدا بل الحرب "هيلين ميرين" في شخصية "جولدا مائير". (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
براعة هيلين ميرين وقدرتها على تقمص الأدوار التاريخية لم تنعكس على أدائها شخصية جولدا بشكل كبير، ذلك ما دفع الناقد السينمائي والصحفي الأميركي ريكس ريد إلى تقييم الفيلم بنجمتين فقط (1)، وأضاف ريكس أن هيلين نجمة متميزة ومتألقة، ومن الواضح أن ثقتها بنفسها أقنعتها أنها تستطيع لعب أي دور ترغب فيه، ربما هذا صحيح، لكن دور رئيسة الوزراء الإسرائيلية المسنة والمتهالكة جولدا مائير ليس أحدها بالتأكيد.
ويرى ريكس أن الفيلم لا يقدم أي رؤى عن شخصية جولدا، ولا يصوّرها خارج اجتماعات العمل مع كبار المستشارين العسكريين، ويتساءل ريد عن طبيعة جولدا الإنسانية، وهل كانت مجرد مدخنة شرهة تملأ منافض السجائر حتى في المستشفى الذي تخضع فيه للعلاج من سرطان الغدد الليمفاوية؟ إن التدخين المستمر مسألة مزعجة، وكذلك غياب ملامح الشخصية الدرامية.
ويتفق موقع روتن تومتيز (Rotten tomatoes) المختص بتقييم الأفلام مع ريكس ريد، حيث يذكر أن ميرين عادة ما تكون بارعة في أداء الأدوار الرئيسية، لكن جولدا لا ترقى أبدا إلى أكثر من مجرد درس تاريخي، يأتي في شكل سيرة ذاتية مخيبة للآمال. (2)
وبالإمكان أن نفهم السبب وراء تعثر هيلين تلك المرة، إذ إن سيناريو الفيلم جاء منشغلا بتبرير الهزيمة الإسرائيلية في 1973، أكثر من كونه فيلما عن سيرة جولدا، ورغم ذلك، لم يقدم المخرج تصويرا للمعارك ولا أي مادة وثائقية عن الحرب، بل اكتفى بإبراز مشاهد من داخل غرف العمليات الحربية المغلقة، بينما تنقل الأجهزة اللاسلكية صرخات الجنود الإسرائيليين وذعرهم في خطوط المواجهة، الأمر الذي يعزوه البعض إلى الرغبة في خفض التكلفة الإنتاجية، بينما يراه كثيرون حيلة للابتعاد عن إبراز البطولات العربية، وكي لا يتحول الفيلم رغما عن رغبة صانعيه إلى أنشودة تمجد المقاتل العربي، خاصة أننا أمام رواية تقرّ بالهزيمة ومصدرها هو الجانب الإسرائيلي نفسه، الذي طالما حاول التستر على وقائع حرب 1973، أو ادّعى أحيانا أن نتيجة تلك الحرب كانت تعادلا بين الطرفين.
جولدا مائير العاطفية! يقدم الفيلم مائير زعيمة عاطفية تتأمل العصافير والسماء، وترغب في السلام مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
ربما ليس من المفارقة أن يكون المخرج جاي ناتيف من مواليد العام 1973 ذاته، وعلى ما يبدو أن الفيلم يحمل بين ثناياه لوم الجيل الحالي وتساؤلاته إلى القيادات المتسببة في هزيمة يوم الغفران بالمسمى الإسرائيلي، إذ بدأ ناتيف أحداث الفيلم بتصوير جولدا مائير بينما تخضع للاستجواب من قِبل "لجنة أجرانات"، وهي لجنة تقصي حقائق تكوّنت في نوفمبر/تشرين الثاني 1973، بغرض التحقيق في أسباب إخفاق الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الـ3 الأولى من الحرب على وجه الخصوص.
وخلصت اللجنة التي انعقدت برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا -آنذاك- شمعون أجرانات، إلى أن أبرز أسباب الفشل هو الاعتقاد بأن مصر لن تهاجم دون أن تمتلك تفوقا حاسما على مستوى القوات الجوية، وأن مناورات الجيش المصري مجرد تدريبات ولا تُعَدُّ استعدادا للحرب، فيما لا يوجد حافز يدفع الجبهة السورية إلى التوافق والقتال مع المصريين. وأوصت اللجنة بإقالة "إيلي زعيرا" مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" وعدد من ضباط الاستخبارات، كذلك رئيس الأركان "دافيد إلعازار"، الذي كان قائدا لجبهة الجولان إبان حرب 1967.
وعبر لجنة أجرانات، تعود جولدا مائير بالذاكرة إلى يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973، ورغم الاعتراف بالهزيمة فإن الفيلم يختلق المبررات، مثل التضخيم من عنصر المفاجأة وتصديره سببا وحيدا وراء الإخفاق الإسرائيلي، وكأن إسرائيل دولة سلام تعيش في إطار حدودها المستحقة، ولم تتوقع انتقاما من الجيران في يوم مقدس مثل كيبور! الرسالة التي يبدو أن العمل يخاطب عبرها العقل الغربي، فيما يتناسى أن تلك الأراضي في الأصل عربية ومغتصبة.
على جانب آخر يقدم الفيلم مائير زعيمة عاطفية تتأمل العصافير والسماء، وترغب في السلام مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل، ويصوّر بشكل ماكر أن جولدا هي مَن دفعت مصر إلى طاولة اتفاق السلام، بما يهمّش من دور الزعيم المصري أنور السادات في هذا الصدد، الأمر الذي يتناقض مع تصريحات معلنة وموثقة لوزير دفاع إسرائيل الأسبق "موشي ديان" قبل أكتوبر/تشرين الأول 1973، وأعلن فيها: "إذا كنت سأختار لحكومتي بين المطالب المصرية بالانسحاب عبر الحوار وبين خوض الحرب، فإن اختياري سوف يكون الحرب".
حسنا، نحن أمام نسخة أخرى من مائير، ليست مائير المحاربة الدموية الماكرة التي قالت في يوم ما: "لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون" (4)، والفيلم يحاول عبر هذا التلاعب أن يكتسب المشاهد عاطفيا، وأن يصدّر صورا ذهنية مختلفة عن واقع "المرأة الحديدية"، بما يضعه في خانة عدم الموضوعية. ورغم ذلك أفلتت بعض الحوارات كي تعيد مائير إلى نسختها المعروفة، الأمر الذي تسبب في أن تبدو الشخصية مرتبكة بين جذورها الحقيقية وبين ما يحاول المخرج إقناعنا به، ومثالا على ذلك الحوار الذي يدور بين جولدا ووزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، حين يحاول كيسنجر أن يخفض سقف توقعاتها حيال دعمه لإسرائيل قائلا: "لا تنسي أنني أميركي أولا، ووزير خارجية ثانيا، ويهودي في الأخير"، وتجيبه جولدا في مكر: "نحن في إسرائيل نقرأ من اليمين إلى اليسار". وحينما يوضح كيسنجر أن قطع النفط السعودي يهدد أميركا وأن شعبه يدفع هكذا من أجل دعم إسرائيل، تصيح جولدا في عدوانية أن جنرالاتي يتوسلون لي لاحتلال القاهرة وشارون مثل كلب مطوق، ولا نجدها المرأة ذاتها التي كانت تسعى منذ لحظات إلى إقامة سلام!
تعلق الناقدة السينمائية كريتسي لومير على ذلك المشهد تحديدا (5)، إذ ترى أن روح مائير تظهر أخيرا خلال محادثتها مع كسينجر، الذي يفهم حقا ما تمر به ويمكنها التحدث معه بشكل أكثر صراحة بوصفه نظيرا. ويبدو كما لو أن الغيوم قد انقشعت عن الشخصية وظهر شعاع من ضوء الشمس في الحوار الدائر بينهما.
إسرائيل خاسر سيئ مشهد من الفيلم. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)
يحضر مصطلحا الخاسر الجيد والخاسر السيئ في الألعاب الرياضية، ويشير الأول إلى تقبل الخسارة، فيما ينمّ الأخير عن انعدام الروح الرياضية ومحاولة التنصل من الهزيمة بأي أعذار، عدا الإشارة إلى جودة الفريق الفائز واستحقاقه. في فيلم جولدا تحضر إسرائيل بوصفها خاسرا سيئا، إذ يقرن الهزيمة بعنصر المفاجأة تارة، وتارة أخرى بالدعم الروسي للعرب متناسيا أن ما تحصل عليه إسرائيل من دعم أميركي يفوق بمراحل نظيره السوفيتي، وذلك رغم أن أحد المشاهد يصوّر قافلة الطائرات الأميركية التي هبّت لنجدة الحليف الإسرائيلي في العملية الشهيرة باسم عشب النيكل (Operation Nickel Grass)، التي لولاها لربما اختفت إسرائيل عن الخارطة.
المغالطة الأكبر في سردية الفيلم تتعلق بتأثير ثغرة الدفرسوار على مجريات الحرب، إذ يبالغ في تأثير تلك الثغرة ويزعم أنها قلبت كفة المعركة لصالح الدولة العبرية، وهو ما تنفيه الوثائق التاريخية وشهادات القادة العسكريين الذين عاصروا الحرب، ورغم أن القوات المصرية تكبدت خسائر في الأرواح والمعدات جراء ثغرة الدفرسوار، لكن الجانب الإسرائيلي تكبد خسائر هو الآخر مثلما حوصرت قواته في مدينة السويس المصرية، ما دعا كيسنجر إلى زيارة القاهرة آنذاك والدعوة إلى وقف إطلاق النار كي لا تخسر إسرائيل صفوة جنودها الموجودين غرب القناة.
———————————————————————————-
المصادر1- Observer 28 august 2023.
2- GOLDA REVIEWS.
3- تقارير لجنة أجرانات
4- Golda Meir, on the Palestinians.
5- golda movie review.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول جولدا مائیر
إقرأ أيضاً:
ما لا يعرفه العرب عن صهر ترامب العربي الذي تزوج نجله بإبنة ترامب تيفاني ؟
قال بولس خلال الحملة الانتخابيّة، إنّه في حال فوز ترامب، فإنّه "سيعمل بشكل فوريّ على إنهاء الحرب في لبنان، ولن ينتظر حتّى يتمّ تنصيبه رئيسًا في كانون الثاني/ يناير...
خلال الأيّام الماضية، برز اسم رجل الأعمال اللبنانيّ - الأميركيّ مسعد بولس، صهر الرئيس الأميركيّ المنتخب دونالد ترامب، والذي كان جزءًا أساسيًّا من الحملة الانتخابيّة لإقناع الناخبين الأميركيّين العرب، خاصّة في ولاية ميشيغن المتأرجحة، في ظلّ حالة الإحباط؛ بسبب طريقة تعاطي الحزب الديمقراطيّ مع حرب الإبادة الجماعيّة التي تشنّها إسرائيل، بدعم أميركيّ، على قطاع غزّة ولبنان.
وبرز مسعد بولس كأحد المقرّبين من ترامب، وذلك بحكم زواج نجله مايكل بولس من ابنة الرئيس ترامب الصغرى، تيفاني ترامب.
وانتقل بولس من لبنان إلى تكساس في مرحلة مراهقته، ودرس القانون في جامعة "هيوستن"، وتولّى إدارة أعمال عائلته ليصبح المدير التنفيذيّ لشركة "SCOA Nigeria" التي تعمل في توزيع المركبات في غرب إفريقيا. وبحكم المصاهرة، دخل بولس غمار السياسة الأميركيّة، وكان حجر الزاوية في جمع أصوات الناخبين العرب الأميركيّين لصالح دونالد ترامب في ولاية ميشيغن، والتي تضمّ أعدادًا كبيرة من الجاليات العربيّة التي أصابها الإحباط من تعاطي الإدارة الأميركيّة الديمقراطيّة برئاسة جو بايدن، ونائبته كاملا هاريس، فيما يخصّ الحرب الإسرائيليّة على غزّة ولبنان.
وكان الرئيس الأميركيّ، دونالد ترامب، قد وعد الناخبين بألّا تمتدّ الحرب في الشرق الأوسط، وتعهّد بمزيد من الاستقرار.
وفاز ترامب في ولاية ميشيغن، والتي تضمّ نحو 400 ألف صوت من العرب، طبقًا للأرقام المعلنة قبل الانتخابات، فيما تبلغ أصوات المسلمين في الولاية، نحو 250 ألف صوت.
وفي مدينة ديربورن التي عادة ما توصف بأنّها قلب السكّان العرب الأميركيّين، حصل ترامب على 42.5٪ من الأصوات، في مقابل 36٪ لكاملا هاريس. وكان ترامب، قد توجّه إلى الجالية اليمنيّة في مدينة هامترامك، وتعهّد بوقف الحرب على غزّة.
وكان بولس قد ردّد الوعود نفسها، لإقناع الناخبين بأنّ ترامب سيعمل على إعطاء الأولويّة للاستقرار وتفادي اندلاع نزاعات جديدة في الشرق الأوسط، على الرغم من أنّ ولاية ترامب الأولى، شهدت دعمًا كاملًا وغير محدود لإسرائيل، إذ دعم الاستيطان الإسرائيليّ، بالإضافة إلى نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس المحتلّة، واعترافه بـ"السيادة الإسرائيليّة" على مرتفعات الجولان المحتلّ.
وفي تصريحات إعلاميّة سابقة، قال بولس خلال الحملة الانتخابيّة، إنّه في حال فوز ترامب، فإنّه "سيعمل بشكل فوريّ على إنهاء الحرب في لبنان، ولن ينتظر حتّى يتمّ تنصيبه رئيسًا في كانون الثاني/ يناير.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، كتب ترامب في منشور على حسابه بمنصّة "إكس": "سأحل المشكلات التي سببتها كامالا هاريس وجو بايدن، وأوقف المعاناة والدمار في لبنان"، مشيراً إلى أنه يودّ أن يعود الشرق الأوسط إلى "سلام حقيقي، سلام دائم، وسوف نحقق ذلك على الوجه الصحيح، حتى لا يتكرر الأمر كل خمس أو عشر سنوات".