الحرب واجترار التاريخ… هجرة أم منفى؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
الحرب واجترار التاريخ… هجرة أم منفى؟
عبد الله علي إبراهيم
“لا يستغرب أن يستعيد قسم كبير من السودانيين واقعة تلك الهجرة التاريخية في مثل الحرب القائمة اليوم”
بحلول التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تمر الذكرى الـ33 بعد الـ100 لوفاة الأمير عثمان آدم جانو، عامل دولة المهدية (1885-1898) على ولاية دارفور، وهو من عترة عبدالله التعايشي الذي خلف المهدي على الدولة وأدارها حتى أطاحتها الحملة الإنجليزية في عام 1899.
وبالطبع لا يستغرب أن يستعيد قسم كبير من السودانيين واقعة تلك الهجرة التاريخية في مثل الحرب القائمة اليوم التي هي في وجه من الوجوه واقعة بين “دار صباح” والغرب. فشبّه أحدهم أفعال “الدعم السريع” في يومنا بما كان يقوم به عثمان جانو في زمنه. ومن ذكر تلك الهجرة التي لا تنضب معركة المتمة في أول يوليو (تموز) عام 1891. ومعركة المتمة هي حاضرة شعب الجعليين الشمالي على ضفة النيل الغربية، وتبعد 160 ميلاً من أم درمان، وانتصر فيها جيش المهدية الذي معظم قوامه من شعب البقارة على الجعليين. وكانت الحرب قد بدأت بأمر من الخليفة إلى أهل المتمة ليرحلوا من غرب النيل إلى شرقه بما اقتضته “مصلحة الدين” ليجعل من بلدتهم ارتكازاً لجيش المهدية بقيادة الأمير محمود ود أحمد المتربص بالحملة الإنجليزية التي توغلت في السودان بعد مغادرتها مصر. وبطريقة الخليفة في استخدام الجزرة والعصا خاطب أهل المتمة بلطف أول أمره قائلاً “بطيب نفس وانشراح صدر خذوا كافة أمتعتكم وأموالكم وجميع متعلقاتكم” إلى شرق النيل، وطلب منهم أن “يجتمعوا في مكان واحد ولا يتفرقوا”. وانتبه حتى لفتح سوقهم بحذاء موطنهم الجديد عامرة، في قوله، كما كان. ورفض أهل المتمة الأمر، وبدا أنهم بيتوا الرأي على حرب المهدية. والتقى الجمعان في أول يوليو 1891، وانهزمت المتمة، وسبيت نساء وأطفال وصودرت أموال غنيمة لبيت المال. وظل هذا السبي للنساء في مركز الدائرة في رواية طوائف الشماليين لعدوان المهدية عليهم. فيذكرون، بجانب قتل ألفين من رجال المتمة، كيف صانت جماعة من نسائهم شرفهن من السبي والانتهاك بأن ألقين بأنفسهن في النيل. ومؤسف ألا تبقى من المهدية عند كثير من الجعليين وغيرهم إلا تلك الذكرى الفاجعة وهم من أسدى للمهدية بذلاً كبيراً في الدفاع عنها أول قيامها. فبايعوا المهدي “بيعة الرضا” في أول عهدها. وكانوا طليعة الأنصار في معركة “أبو طليح” في 17 يناير (كانون الثاني) عام 1885 في مواجهة الفيلق الذي بعثت به إنجلترا لإنقاذ الجنرال غردون، حاكم عام السودان في أخريات الحكم التركي فيه، بفك حصار المهدي له في قصره بالخرطوم. وبلغ حماس عبدالله ود سعد عامل الأنصار على الجعليين للمهدية أن لقبوه بـ”التعايشي”، والتعايشة ممن ينتسب إليهم الخليفة عبدالله التعايشي، كانوا الصفوة العسكرية والإدارية في دولة المهدية.
لـ”ريكس أوفاهي” المؤرخ الإنجليزي المتخصص في تاريخ دارفور رأي مختلف عن أولئك الذين يرون أن قدوم البقارة المظنون فيهم الولاء للمهدية برابطتهم الإثنية للخليفة، من غرب السودان إلى أم درمان كان لتأمين الدولة المهدية ضد من أراد الانقلاب عليها من أهل الشمال، أو لينعموا بالحكم وخيراته. فقال إن قدوم البقارة إلى أم درمان لم يكن هجرة، بل منفى حملوا عليه حملاً، وبكلفة فادحة لهم بالأرواح والأموال، مما أحسن تدوينه موسى المبارك الحسن في “تاريخ دارفور السياسي 1882-1898” في مطلع السبعينيات ناظراً في وثائق المهدية. فالبقارة وغيرهم من أهل دارفور أبلوا بلاءً حسناً في نصرة المهدية بإزالة الحكم التركي الذي لم يقضوا تحته أكثر من عقد خلافاً للسودانيين الآخرين الذين لبثوا تحته لسبعة عقود، ولكنهم جعلوا من هجرتهم إلى أم درمان مأمورين خطاً أحمر لن تكون إلا فوق جثثهم. فلم يرغبوا، وقد تخلصوا من حكم مركزي في الخرطوم، أن يستبدلوا به آخر من أم درمان. وظل عثمان جانو طوال فترة عمالته على دارفور يحارب تلك النزعة الاستقلالية عند أهلها. فشهدت دارفور معارضة مؤسسية من ممالك تاريخية فيها، ناهيك بجماعاتها القبلية. فانبعثت “سلطنة الفور” بعد زوال حكم الأتراك، وعلى رأسها وريث من بيتها الحاكم هو الأمير يوسف بن إبراهيم. فقاتل المهدية دون عرشه المستعاد حتى ظفرت به وقتلته. ولم تكن تلك الخاتمة لظهور الأمير “أبو الخيرات” ليواصل تمكين سلطنته ويشكل بؤرة يجتمع عندها كل خصم للمهدية. من جهة أخرى، نشبت في عام 1889 ثورة اشتهرت بثورة “أبو جميزة” كانت تعبيراً عن مقاومة الممالك الغربية عند حدود السودان وتشاد وما بعدها لخطط المهدية لإخضاعها لحكمها، وبلغت تلك الثورة من الشدة حداً اضطر معه عثمان جانو إلى إخلاء حامياته كلها ليتحصن بعاصمته الفاشر حتى نجح أخيراً في فك الحصار عنه وإخماد الثورة.
أما البقارة بالذات فقاوموا الهجرة ما وسعهم، فقاتلوا دونها سرايا الأنصار، وتحالفوا في ما بينهم لدرء الهجرة عنهم متحالفين مع سلطنة الفور وقبائل أفريقية مسلمة مثل الزغاوة والميدوب. ومتى ما هزمت المهدية فريقاً لاذ إلى الأماكن المنقطعة ليأمن دون تهجيره. ففر البقارة إلى بحر العرب في حين فرت قبائل شمال دارفور إلى عمق الصحراء. ولاذ الفور وسلطانهم إلى مناكب جبل مرة الحصينة. ولقي البقارة من المهدية الأمرين قتلاً وتغنيماً وسبياً. وأعرض هنا لصراع المهدية مع التعايشة المظنون أنها جاءت لأم درمان اختياراً أو طمعاً، ومع الرزيقات التي هي في واسطة قوى “الدعم السريع” ليومنا، لتبيان كيف كان قدومهم من دارفور إلى أم درمان نفياً مكرهين فيه لا أبطالاً. الوسومالتاريخ الحرب عبدالله علي إبراهيم منفى
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التاريخ الحرب عبدالله علي إبراهيم منفى
إقرأ أيضاً:
لوان بيريرا: أبحث عن «التاريخ» مع الشارقة
علي معالي (أبوظبي)
أكد لوان بيريرا لاعب الشارقة، أنه يسعى إلى كتابة تاريخ جديد مع فريقه، من خلال ما يقدمه من عطاء يمنح الفريق الألقاب المختلفة.
قال لوان بيريرا (24 عاماً): «أنا سعيد جداً وراضٍ عما أقدمه حتى الآن مع فريقي، سواء بالصدارة الحالية لدوري أدنوك للمحترفين، وكذلك بتواجد الشارقة في قلب كل المنافسات المحلية ودوري أبطال آسيا».
وأضاف: «سعادتي أيضاً تأتي من دوري في مساعدة زملائي بالفريق في الأهداف، وبناء الانتصارات، وهذا يجعلني أكثر تحفزاً للتطور، خلال السنوات المقبلة».
وتابع: «لقد مرت سنوات عديدة في الدفاع عن ألوان فريقي الشارقة واللعب في كرة القدم في الإمارات، وأنا سعيد هنا، وأريد أن أستمر في صنع التاريخ في النادي، وفي هذا البلد الذي رحب بوجودي، وبهذه الطريقة الرائعة من النواحي كافة».
يذكر أن لوان بيريرا لعب مع «الملك» 151 مباراة، وسجل 37 هدفاً، وتوج بأكثر من لقب منذ قدومه إلى النادي عام 2019، ويقدم اللاعب مع الفريق هذا الموسم مستوى متميزاً للغاية من كل البطولات، سواء بالأهداف أو صناعتها، ما جعل المدرب الروماني كوزمين أولاريو يمنحه ثقة المشاركة والاعتماد عليه في حل «لغز» المباريات الصعبة، بما يمتلكه من مواهب مختلفة، ويستعد اللعب مع زملائه لخوض مباراة قوية ضد الوحدة يوم الاثنين المقبل في ربع نهائي كأس مصرف أبوظبي الإسلامي على استاد آل نهيان في أبوظبي.