توفير وتوزيع الخدمات بين المحافظات «رؤية قانونية»
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
توفير الخدمات الأساسيَّة وتوزيعها التوزيع الشامل والعادل في مختلف محافظات سلطنة عُمان هو أحد أهم الأعمال والمهام الواجبة على الدَّولة والتي كفلها النِّظام الأساسي رقم 6 لسنة 2021 كما هو مؤكَّد في الفصل الثالث، المبادئ الاجتماعيَّة نص (المادَّة 15)، حيث أكَّدت أنَّ «العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بَيْنَ المواطنين دعامات للمُجتمع، تكفلها الدَّولة» كما جاء في نصِّ (المادَّة 21) أنَّ «المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامَّة، ولا تمييز بَيْنَهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدِّين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي».
كما أكَّدت رؤية سلطنة عُمان 2040 على مبادئ العدالة في توزيع الخدمات والمنافع بَيْنَ مختلف المحافظات والمواطنين كما هو حال الواجبات، حيث أكَّد النُّطق السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (حفظه الله ورعاه) على أنَّ الرؤية وُجدت «لِتؤكِّدَ على التوزيع العادل لمقدّرات التنمية بَيْنَ المحافظات».
إذًا الأصل في توزيع الثروات والخدمات والمنافع هو الشموليَّة والمساواة مِثل الواجبات والالتزامات بَيْنَ مختلف المحافظات والمواطنين دُونَ تمييز أو محاباة، على أنَّ هذا الأصل كقاعدة عامَّة قَدْ يرد عَلَيْه بعض الاستثناءات تحقيقًا لمصلحة عُليا لا تتحقق إلَّا بوجود هذا الاستثناء، وهو ما قَدْ يحدُث بسبب أوضاع إنسانيَّة أو طبيعيَّة أو جغرافيَّة أو غير ذلك.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُمكِن تمييز فئات مُجتمعيَّة معيَّنة بخدمات خاصَّة واستثنائيَّة تقديرًا لأوضاعهم وظروفهم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والمعيشيَّة مِثل كبار السِّن وذوي الإعاقة والفقراء واليتامى والمُسرَّحين من أعمالهم من أصحاب الأُسر. أو تمييز محافظة على أخرى بسبب إشكاليَّات وخصوصيَّات الموقع الجغرافي نظرًا لوجود تضاريس جغرافيَّة حالت دُونَ وصول الخدمات لتلك المحافظة، الأمْرُ الذي يُمكِن أن يدفعَ الحكومة إلى تعويضها أو تمييزها تنمويًّا. وقَدْ أكَّدت رؤية سلطنة عُمان 2040 أنَّها «تأخذ بالاعتبار الفوارق الموجودة بَيْنَ المحافظات»(1 )
إذًا من مقتضيات العدالة الاجتماعيَّة التمييز تحقيقًا لمصلحة عُليا لا تتحقق إلَّا بذلك الانحياز شريطة وضوح تلك المصلحة الخاصَّة وفق قانون تتساوى فيه تلك الفئة أو المجموعة كذلك بعدالة ودُونَ تمييز لتطابق أسباب وظروف الاستثناء عَلَيْها، مع التأكيد على أهمِّية بذل الدَّولة، وكذلك أبناء المُجتمع القادرين لجهد أكبر لتحسين الأوضاع الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لتلك الفئات، فمجرَّد استمرار بقائهم كفئة فقيرة ـ على سبيل المثال ـ في ظلِّ قدرة الدَّولة والمُجتمع على مساعدتهم يتناقض والعدالة الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، كما يتنافى مع مسؤوليَّة الدَّولة على أساس مبدأ المساواة أمام الحقوق والمنافع والأعباء والتكاليف العامَّة.
تطبيقًا لذلك يجِبُ على مختلف مؤسَّساتنا الرسميَّة وكُلُّنا ثقة بها على متابعة كُلِّ ما يرشح عن المُجتمع من ملاحظات حيال طلبات توصيل الخدمات الأساسيَّة في مختلف محافظات هذا الوطن المَجيد، خصوصًا الكهرباء والمياه والمواصلات والاتِّصالات، مع أهمِّية الحرص التَّام تساوي توزيع الامتيازات والمنافع والاستثناءات الواردة في مختلف القوانين والقرارات العامَّة والخاصَّة (إن وُجدت) والتي تُمايز بَيْنَ الأفراد أو المؤسَّسات أو المجموعات الفئويَّة في المُجتمع، وكذلك بَيْنَ المحافظات فيما يتعلَّق بتقديم الخدمات وإيصالها وأسعارها لتتطابق ومبدأ العدالة الاجتماعيَّة والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، خصوصًا في الخدمات الأساسيَّة مِثل الماء والكهرباء والتعليم والصحَّة، بحيث لا تختلف من محافظة إلى أخرى إلَّا في أضيق الحدود.
حتى تلك القوانين والقرارات الخاصَّة والتي ينطبق عَلَيْها حقُّ التمييز والاستثناء من حيث ضرورة شموليَّة ذلك لمختلف الفئات المتساوية في المراكز القانونيَّة، بحيث لا يتمُّ تمييز أو استثناء محافظة أو ولاية أو فئة بخدمات أو أسعار لوقوع الاستحقاق القانوني إلَّا بشموليَّة تلك الامتيازات والمنافع على مختلف المحافظات التي تنطبق عَلَيْها ذات الأسباب والظروف.
ختامًا. الجهود التي تبذلها الحكومة في مختلف محافظات سلطنة عُمان واضحة وجليَّة للمنصف لنَفْسِه قَبل إنصافه للآخرين. صحيح أنَّ هناك الكثير من التحدِّيات والعقبات مِثل التحدِّيات الماليَّة وعقبة الجغرافيا والديموغرافيا المُكْلفة حيث الجبال وتضاريسها الوعرة وعشوائيَّة السَّكن في بعض الولايات، ولكن تمكنت الجهات المعنيَّة بتلك الخدمات ـ ولله الحمد ـ من إيصالها إلى المناطق الجبليَّة البعيدة وشقِّ الطُّرق لمسافات طويلة للغاية، وإيصال الماء والكهرباء والتعليم والصحَّة إلى مختلف محافظات السَّلطنة دُونَ استثناء. ورغم ذلك يجِبُ أن يتمَّ بذل جهد أكبر لتغطية الاحتياجات الأساسيَّة من الخدمات للمواطنين في مختلف المحافظات مع التأكيد على ملاحظة الحرص على تساوي الخدمات وأسعارها بَيْنَ المواطنين والمحافظات.
حفظ الله عُمان الأرض والشَّعب والقيادة من شرِّ كُلِّ حاسد كائد حاقد، ويسَّرَ لعاهل البلاد المُفدَّى البطانة الصَّالحة التي تُعِينه على أمْرِ دِينه ودُنياه وخدمة شَعبه، اللهُمَّ آمين.
ــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ – المرجع وثيقة رؤية عُمان 2040، أولويَّة تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة، ص 36
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مختلف المحافظات مختلف محافظات فی مختلف الم جتمع
إقرأ أيضاً:
هل يجوز تمييز الابنة في العطية؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على أهمية فهم الفتاوى الدينية المتعلقة بتصرفات المورثين في أموالهم أثناء حياتهم، لافتا إلى أنه من الفتاوى المهمة التي يجب أن ننتبه إليها هي حكم تصرف الأب أو الأم في أموالهما أثناء حياتهما، سواء كان ذلك بإعطاء أموال لبناتهما أو أبنائهما أو غيرهم.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الثلاثاء، أن دار الإفتاء المصرية انحازت إلى الرأي الذي يؤكد جواز هذا التصرف، مشيراً إلى أن هذا التصرف ليس وصية بل هو هبة أو عطية، وهو عمل مشروع في الشريعة الإسلامية.
وأضاف: "الوصية تكون لغير الورثة فقط، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: 'لا وصية لوارث'، أما التصرف في المال أثناء الحياة فيعد هبة أو عطية وليست وصية، وهي مشروعة تماماً".
كما تحدث الجندي عن بعض ما فعله الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر، مشيراً إلى أن الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعطى هدية لابنته عائشة رضي الله عنها، وكان ذلك أثناء حياته وليس بعد وفاته.
وذكر الجندي أن هذه العطايا كانت أمراً شائعاً بين الصحابة، مثلما فعل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عوف، حيث فضلا بعض أبنائهما في حياتهما دون أن ينكر عليهما أحد من الصحابة.
وأضاف: "فكرة تخصيص الأب أو الأم لأحد الأبناء في العطية ليست جديدة، بل هي موجودة في السنة النبوية الشريفة وسيرة الصحابة الكرام، وقد كان الصحابة يفضلون بعض أبنائهم في الهدايا أو العطايا دون أن يتعرضوا لانتقاد أو اعتراض من أحد".
وتابع: "المهم هنا هو أن هذه العطايا لا علاقة لها بالميراث، بل هي تصرفات حرة من الأب أو الأم، ولم يكن هناك أي تدخل ديني أو قانوني في مثل هذه القرارات طالما كانت تُمثل مصلحة الأبناء وتُسعدهم في حياتهم".