توفير الخدمات الأساسيَّة وتوزيعها التوزيع الشامل والعادل في مختلف محافظات سلطنة عُمان هو أحد أهم الأعمال والمهام الواجبة على الدَّولة والتي كفلها النِّظام الأساسي رقم 6 لسنة 2021 كما هو مؤكَّد في الفصل الثالث، المبادئ الاجتماعيَّة نص (المادَّة 15)، حيث أكَّدت أنَّ «العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بَيْنَ المواطنين دعامات للمُجتمع، تكفلها الدَّولة» كما جاء في نصِّ (المادَّة 21) أنَّ «المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامَّة، ولا تمييز بَيْنَهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدِّين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي».


كما أكَّدت رؤية سلطنة عُمان 2040 على مبادئ العدالة في توزيع الخدمات والمنافع بَيْنَ مختلف المحافظات والمواطنين كما هو حال الواجبات، حيث أكَّد النُّطق السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق (حفظه الله ورعاه) على أنَّ الرؤية وُجدت «لِتؤكِّدَ على التوزيع العادل لمقدّرات التنمية بَيْنَ المحافظات».
إذًا الأصل في توزيع الثروات والخدمات والمنافع هو الشموليَّة والمساواة مِثل الواجبات والالتزامات بَيْنَ مختلف المحافظات والمواطنين دُونَ تمييز أو محاباة، على أنَّ هذا الأصل كقاعدة عامَّة قَدْ يرد عَلَيْه بعض الاستثناءات تحقيقًا لمصلحة عُليا لا تتحقق إلَّا بوجود هذا الاستثناء، وهو ما قَدْ يحدُث بسبب أوضاع إنسانيَّة أو طبيعيَّة أو جغرافيَّة أو غير ذلك.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُمكِن تمييز فئات مُجتمعيَّة معيَّنة بخدمات خاصَّة واستثنائيَّة تقديرًا لأوضاعهم وظروفهم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والمعيشيَّة مِثل كبار السِّن وذوي الإعاقة والفقراء واليتامى والمُسرَّحين من أعمالهم من أصحاب الأُسر. أو تمييز محافظة على أخرى بسبب إشكاليَّات وخصوصيَّات الموقع الجغرافي نظرًا لوجود تضاريس جغرافيَّة حالت دُونَ وصول الخدمات لتلك المحافظة، الأمْرُ الذي يُمكِن أن يدفعَ الحكومة إلى تعويضها أو تمييزها تنمويًّا. وقَدْ أكَّدت رؤية سلطنة عُمان 2040 أنَّها «تأخذ بالاعتبار الفوارق الموجودة بَيْنَ المحافظات»(1 )
إذًا من مقتضيات العدالة الاجتماعيَّة التمييز تحقيقًا لمصلحة عُليا لا تتحقق إلَّا بذلك الانحياز شريطة وضوح تلك المصلحة الخاصَّة وفق قانون تتساوى فيه تلك الفئة أو المجموعة كذلك بعدالة ودُونَ تمييز لتطابق أسباب وظروف الاستثناء عَلَيْها، مع التأكيد على أهمِّية بذل الدَّولة، وكذلك أبناء المُجتمع القادرين لجهد أكبر لتحسين الأوضاع الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لتلك الفئات، فمجرَّد استمرار بقائهم كفئة فقيرة ـ على سبيل المثال ـ في ظلِّ قدرة الدَّولة والمُجتمع على مساعدتهم يتناقض والعدالة الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، كما يتنافى مع مسؤوليَّة الدَّولة على أساس مبدأ المساواة أمام الحقوق والمنافع والأعباء والتكاليف العامَّة.
تطبيقًا لذلك يجِبُ على مختلف مؤسَّساتنا الرسميَّة وكُلُّنا ثقة بها على متابعة كُلِّ ما يرشح عن المُجتمع من ملاحظات حيال طلبات توصيل الخدمات الأساسيَّة في مختلف محافظات هذا الوطن المَجيد، خصوصًا الكهرباء والمياه والمواصلات والاتِّصالات، مع أهمِّية الحرص التَّام تساوي توزيع الامتيازات والمنافع والاستثناءات الواردة في مختلف القوانين والقرارات العامَّة والخاصَّة (إن وُجدت) والتي تُمايز بَيْنَ الأفراد أو المؤسَّسات أو المجموعات الفئويَّة في المُجتمع، وكذلك بَيْنَ المحافظات فيما يتعلَّق بتقديم الخدمات وإيصالها وأسعارها لتتطابق ومبدأ العدالة الاجتماعيَّة والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، خصوصًا في الخدمات الأساسيَّة مِثل الماء والكهرباء والتعليم والصحَّة، بحيث لا تختلف من محافظة إلى أخرى إلَّا في أضيق الحدود.
حتى تلك القوانين والقرارات الخاصَّة والتي ينطبق عَلَيْها حقُّ التمييز والاستثناء من حيث ضرورة شموليَّة ذلك لمختلف الفئات المتساوية في المراكز القانونيَّة، بحيث لا يتمُّ تمييز أو استثناء محافظة أو ولاية أو فئة بخدمات أو أسعار لوقوع الاستحقاق القانوني إلَّا بشموليَّة تلك الامتيازات والمنافع على مختلف المحافظات التي تنطبق عَلَيْها ذات الأسباب والظروف.
ختامًا. الجهود التي تبذلها الحكومة في مختلف محافظات سلطنة عُمان واضحة وجليَّة للمنصف لنَفْسِه قَبل إنصافه للآخرين. صحيح أنَّ هناك الكثير من التحدِّيات والعقبات مِثل التحدِّيات الماليَّة وعقبة الجغرافيا والديموغرافيا المُكْلفة حيث الجبال وتضاريسها الوعرة وعشوائيَّة السَّكن في بعض الولايات، ولكن تمكنت الجهات المعنيَّة بتلك الخدمات ـ ولله الحمد ـ من إيصالها إلى المناطق الجبليَّة البعيدة وشقِّ الطُّرق لمسافات طويلة للغاية، وإيصال الماء والكهرباء والتعليم والصحَّة إلى مختلف محافظات السَّلطنة دُونَ استثناء. ورغم ذلك يجِبُ أن يتمَّ بذل جهد أكبر لتغطية الاحتياجات الأساسيَّة من الخدمات للمواطنين في مختلف المحافظات مع التأكيد على ملاحظة الحرص على تساوي الخدمات وأسعارها بَيْنَ المواطنين والمحافظات.
حفظ الله عُمان الأرض والشَّعب والقيادة من شرِّ كُلِّ حاسد كائد حاقد، ويسَّرَ لعاهل البلاد المُفدَّى البطانة الصَّالحة التي تُعِينه على أمْرِ دِينه ودُنياه وخدمة شَعبه، اللهُمَّ آمين.
ــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ – المرجع وثيقة رؤية عُمان 2040، أولويَّة تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة، ص 36

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: مختلف المحافظات مختلف محافظات فی مختلف الم جتمع

إقرأ أيضاً:

محاضرات قانونية وإدارية تسلط الضوء على قضايا معاصرة بمعهد البحوث الجنائية

ألقى الدكتور أحمد بسيوني، مساعد رئيس جهاز التنظيم والإدارة، محاضرة بعنوان: «أثر تطبيق اللوائح والقوانين في معالجة الانحرافات السلوكية للعاملين بالجهاز الحكومي».

جهود وزارة الأوقاف في العناية بالقرآن الكريم وأهله خلال العام وزير الأوقاف: اللغة العربية منبع الفكر ومصدر الحضارة ومفتاح التقدم

 جاءت المحاضرة ضمن فعاليات برنامج «المعايشة المهنية»، الذي ينظمه معهد البحوث الجنائية والتدريب التابع لمكتب النائب العام، والمخصص لرفع كفاءة مفتشي وزارة الأوقاف في مختلف الجوانب العلمية والعملية.  

واستعرض الدكتور بسيوني أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح باعتبارها الأساس لضبط السلوك الوظيفي، وضمان تحقيق العدالة في بيئة العمل، وأوضح أن تطبيق القوانين بصرامة يسهم في معالجة الانحرافات السلوكية، وتعزيز الكفاءة الوظيفية، مشددًا على أن الإدارة الواعية للقوانين تخلق بيئة عمل إيجابية تخدم المصلحة العامة.  

وشدد بسيوني على أن القوانين ليست مجرد أدوات ردع، بل هي وسائل تحفيزية للعاملين تدفعهم للالتزام وتحقيق الأداء الأمثل في وظائفهم، وأشار إلى أن الشفافية والمساءلة يمثلان حجر الزاوية في أي منظومة إدارية ناجحة.  

وألقى الدكتور يحيى مروان، المفتش القضائي بمكتب النائب العام - عضو إدارة التدريب والمرافعة، محاضرة بعنوان: «السياسة الجنائية في مواجهة غسل الأموال.. دراسة مقارنة»، أوضح فيها أن جرائم غسل الأموال تمثل تحديًا عالميًّا يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية للتصدي لها بحزم وقوة.  

وناقش مروان الأساليب المختلفة التي تعتمدها السياسة الجنائية في مكافحة غسل الأموال، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجهات القضائية والرقابية لتتبع الأموال غير المشروعة، وتطبيق العقوبات المناسبة على مرتكبيها.  

كما ألقى السيد المستشار أحمد سعفان، المفتش القضائي بمكتب النائب العام - عضو المكتب الفني لمعهد البحوث الجنائية والتدريب، محاضرة بعنوان «استخدام العملات المشفرة في جرائم غسل الأموال»، تناول فيها جانبًا من التحديات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة في مجال غسل الأموال، موضحًا أن العملات المشفرة أصبحت أداة رئيسة للمجرمين لنقل الأموال غير المشروعة عبر الحدود.  

واستعرض سعفان الآليات المتاحة لمواجهة هذا النوع الجديد من الجرائم، مشددًا على أهمية تطوير التشريعات الوطنية لمواكبة التطورات التكنولوجية، وتعزيز القدرات الرقابية على استخدام العملات الرقمية.  

وأكد المستشار سعفان أن مواجهة جرائم غسل الأموال باستخدام العملات المشفرة تتطلب تعاونًا دوليًّا واسعًا نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لهذه الجرائم، مع ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التعاملات غير المشروعة عبر الإنترنت.  

واختُتمت المحاضرات بتوجيه الدعوة إلى المتدربين للاستفادة من الخبرات المعروضة وتطبيقها في عملهم اليومي، وتأكيد أهمية التعاون بين الأجهزة الإدارية والقضائية في معالجة القضايا التي تمثل خطرًا على الاقتصاد الوطني واستقرار المجتمع.  

ويأتي تنظيم هذه المحاضرات في إطار حرص معهد البحوث الجنائية والتدريب على تقديم برامج تدريبية متكاملة؛ لرفع كفاءة العاملين بمختلف الجهات الحكومية، وتعزيز قدراتهم على مواجهة التحديات المعاصرة بكفاءة واحترافية.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: حريصون على توفير الرعاية للمواطنين المصريين في أستراليا
  • حماية المستهلك: تعديلات قانونية ومبادرات جديدة لتنظيم التجارة الإلكترونية في مصر
  • وزير الإسكان: نعمل على توفير وحدات سكنية تلائم وتناسب مختلف شرائح الدخل
  • وزير الإسكان يتابع موقف تسليم قطع أراضي الإسكان الاجتماعي والمتميز بمدينة حدائق أكتوبر
  • وزير الإسكان يتابع موقف تسليم قطع أراضي الإسكان الاجتماعي والمتميز بحدائق أكتوبر
  • لازاريني: قرار السويد بوقف الدعم الأساسي يعمق معاناة اللاجئين الفلسطينيين في وقت حساس
  • تحركات سريعة في المحافظات لكسح مياه الأمطار.. غرف عمليات واستعدادات قصوى
  • خبير عسكري: قمة الثمانية هدفها الأساسي الحوار بدلا من الحرب
  • فرقة "عوالم خفية" تختتم مهرجان فنون الأداء وتوزيع جوائز الدورة الرابعة
  • محاضرات قانونية وإدارية تسلط الضوء على قضايا معاصرة بمعهد البحوث الجنائية