نبض المجتمع : إضراب الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
شدَّني الخبر الذي يتحدث عن سببِ إضراب كتَّاب السيناريو في هوليوود والذي استمرَّ لحوالي أربعة أشهر، حيث لَمْ تكُنِ الأُجور هي المُحرِّك الأساسي كما هو الحال في غالبيَّة الإضرابات بمختلف فئاتها. فهذه المرَّة كان السَّبب مختلفًا وغريبًا، وربَّما يكُونُ هذا هو الإضراب الأوَّل وعلى هذا المستوى الذي يكُونُ هذا الموضوع سببًا له.
نحن ندرك ـ بلا شك ـ تخوُّف الإنسان من كُلِّ ما هو جديد ومؤثِّر على عمله، وهذا الخوف لَمْ يكُنْ وليد اليوم، بل كان اختراع الآلات واحدًا من الأسباب التي دفعت العمَّال قديمًا إلى التوجُّس خوفًا من قيام هذا الوافد الجديد بمهام عملهم وبالتَّالي يتمُّ الاستغناء عَنْهم.
لكنَّ الأمْرَ المختلف، أنَّه في السَّابق ربَّما مَن كان يخاف من الآلة هم فئة العمَّال الذين يمارسون الأعمال اليدويَّة التي جاءت الآلة لِتزيدَ من كميَّة الإنتاج في أغلب الأحوال. لكن أن يصلَ الأمْرُ إلى تطوُّر في مجال طالما احتكره الإنسان وهو مجال الإبداع الفكري فبلا شك هي سابقة جديدة ولا نقول خطيرة. ففي الواقع كان سببُ تخوُّف كتَّاب السيناريو في هوليوود نابعًا من أنَّ المنتجِين والمخرجِين بدأوا في استخدام تطبيقات الذَّكاء الاصطناعي في كتابة قصَّة الفيلم وكُلِّ ما يتعلَّق به من مشاهد وسيناريوهات متخيَّلة، وهنا بدأت القصَّة التي لَمْ يكُنْ يتخيَّل أحَد مِنْهم أن يكُونَ في يوم من الأيَّام في هذا الموقف.
ربَّما يجرُّنا هذا الأمْرُ نحن جميعًا إلى الالتفات لِمَا هو قادم من تطوُّر تكنولوجي، يحذِّر من تبعاته الجميع، حيث بدأنا نشاهد أفلامًا لا يُمكِن التفريق بَيْنَها وبَيْنَ الأفلام الحقيقيَّة لأشخاص مشهورين وغير مشهورين في أوضاع مختلفة، بل إنَّ آخر إصدار لبرمجات هواتف الآيفون يُمكِن لمستخدم الهاتف في حالة أن لا يريدَ أن يردَّ على مكالمة هاتفيَّة بتوكيل الهاتف بالقيام بهذا الأمْرِ، وكُلُّ ما يجِبُ القيام به لِتمكينِ هذه الخاصيَّة أن تقومَ بنطق مجموعة من العبارات ثمَّ ما يلبث الهاتف أن يبرمجَ صوتك ويستطيع لاحقًا التحدُّث عَنْك وكأنَّك أنتَ مَن يحادث الطرف الآخر، فإذا كنتَ في اجتماع ما ولا تريد التحدُّث للطرف الآخر فيُمكِنك كتابة الردِّ وسيقوم الهاتف بتحويل كتابتك إلى كلام بصوتك.
هذا غيض من فيض لِمَا يوفِّره وسيوفِّره عصر الذَّكاء الاصطناعي، لكنَّ السؤال المُهمَّ هنا: إلى أيِّ مدى نحن مستعدون لهذا العصر في كُلِّ المجالات الحياتيَّة؟ هل وضعنا تصوُّرًا لِمَا يجِبُ أن نقومَ به؟ هل مناهجنا الدراسيَّة تتواكب مع هذا التوَجُّه الذي يسير بسرعة عالية؟ فكما هو معلوم أنَّ تتابع الثَّورات الصناعيَّة والمُدَد الزمنيَّة فيما بَيْنَها تتقلص بصورة كبيرة؛ نتيجة ما تتوافر من سرعة في البيانات والمعلومات والتطبيقات، أنَّ سرعة تحوُّلنا من هذا العصر إلى عصر الذَّكاء الاصطناعي تحتاج منَّا رؤية تطبيقيَّة حقيقيَّة وواقعيَّة، فكُلُّ مجال في الحياة يجِبُ أن تكُونَ للتطبيقات الإلكترونيَّة مكان فيه، فالواقع يفرض نَفْسَه. أتذكَّر كنتُ قَبل مدَّة بسيطة في إحدى الدوَل الخليجيَّة المهتمة بهذا الجانب وأصبتُ بوعكة صحيَّة فدخلت إحدى الصيدليَّات بها فإذا بالصيدلاني يرشدني إلى تنزيل برنامج الصيدليَّة من أجْلِ مقابلة الطبيب عَبْرَ برنامج الزووم، وما هي إلَّا لحظات إلَّا وأنا والطبيب وجهًا لوجْهٍ ويُشخِّص الحالة ويكتب الدواء وأستلمه من الصيدليَّة، هذا تطبيق بسيط جدًّا يُعدُّ من الماضي وليس من نواتج الذَّكاء الاصطناعي أصلًا، فإذا لَمْ نكُنْ وصلنا على الأقل إلى هذا المستوى فيجِبُ عَلَيْنا أن نسارعَ الخُطى في هذا الأمْرِ. فالهاتف الذي بَيْنَ يدَيْك الآن قَدْ قضَى على كُلِّ شيء في جيبك، حيث بطاقاتك البنكيَّة بداخله ووثائقك الرسميَّة مضمَّنة ضِمْن برامجه، وغيرها من الأمور. وإذا كانت الثَّورة التي نعيش نهايتها قَدْ ركَّزت على حياتنا المادِّيَّة فإنَّ الذَّكاء الاصطناعي وثورته التي بدأت ستركِّز على الجوانب الفكريَّة والعقليَّة وما خوف كتَّاب السيناريو في هوليوود إلَّا دليل صارخ على ذلك.
د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: کاء الاصطناعی الأم ر
إقرأ أيضاً:
الصين ترد على رسوم ترامب بأغاني وفيديوهات من إنتاج الذكاء الاصطناعي
في رد غير تقليدي على قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بفرض رسوم جمركية جديدة تهدد الاقتصاد العالمي، لجأت وسائل الإعلام الحكومية الصينية إلى أسلوب ساخر ومبتكر يعتمد على الذكاء الاصطناعي لانتقاد السياسة التجارية الأمريكية.
أغنية ساخرة بالذكاء الاصطناعيفي 3 أبريل، نشرت شبكة CGTN الصينية فيديو موسيقي مدته دقيقتان و42 ثانية بعنوان:“Look What You Taxed Us Through (An AI-Generated Song. A Life-Choking Reality)”، الأغنية التي تولدها الذكاء الاصطناعي تسخر من الرسوم الجمركية الأمريكية عبر كلمات تغنى بصوت أنثوي بينما تعرض لقطات للرئيس ترامب.
ومن بين كلمات الأغنية:"أسعار البقالة تكلف كلية، والبنزين رئة. صفقاتك؟ مجرد هواء ساخن من لسانك!"
This is the story of T.A.R.I.F.F., an #AIGC sci-fi thriller about the relentless weaponization of #Tariffs by the United States, and the psychological journey of a humanoid????️ towards its eventual self-destruction. Please watch: pic.twitter.com/JkA0JSLmFI
— China Xinhua News (@XHNews) April 4, 2025يختتم الفيديو بعرض اقتباسات من تقارير صادرة عن "Yale Budget Lab" و"الإيكونوميست" تنتقد بشدة سياسات ترامب التجارية، وتظهر كلمات الأغنية باللغتين الإنجليزية والصينية وكأنها موجهة مباشرة للرئيس الأمريكي من وجهة نظر المواطن الأمريكي المتضرر.
ووصفت CGTN الفيديو على موقعها بـأنه:"تحذير: المقطع من إنتاج الذكاء الاصطناعي، أما أزمة الديون؟ فهي من صنع الإنسان بالكامل".
وفي خطوة مشابهة، أطلقت وكالة أنباء الصين الرسمية شينخوا، عبر منصتها الإنجليزية "New China TV"، فيلماً قصيراً بعنوان “T.A.R.I.F.F".
يجسد الفيلم الذي يمتد لثلاث دقائق و18 ثانية روبوتاً ذكياً يدعى:"Technical Artificial Robot for International Fiscal Functions"أو "روبوت الذكاء الصناعي الفني للوظائف المالية الدولية".
في الفيلم، يتم تشغيل الروبوت بواسطة مسؤول أمريكي يُدعى "د. مالوري" ويبدأ مهمته في فرض رسوم على الواردات الأجنبية.
في البداية، تأتي النتائج إيجابية، لكن حين يُطلب منه "تسريع الأداء"، يبدأ بتطبيق رسوم "عدوانية"، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وتكاليف المعيشة، وتفاقم الأزمات التجارية.
في لحظة ذروة درامية، يُدرك الروبوت أنه أصبح أداة لتدمير الاقتصاد الأمريكي ذاته، فيقرر تدمير نفسه وسحب "د. مالوري" معه، في مشهد رمزي يشير إلى عواقب استخدام الضرائب كسلاح اقتصادي.
فيديو ثالث على أنغام "Imagine" و"We Are the World"في ذات اليوم، نشرت وزارة الخارجية الصينية فيديو مركباً مزيجاً من صور حقيقية وأخرى مُولدة بالذكاء الاصطناعي، على أنغام أغنيتي "Imagine" لجون لينون و"We Are the World".
يسأل الفيديو: "أي نوع من العالم تريد أن تعيش فيه؟"، مقدمًا مقارنة بين عالم تسوده "الطمع والرسوم" وآخر يُبشر بـ"الازدهار المشترك والتضامن العالمي".
خلفيات سياسيةتأتي هذه الإنتاجات في ظل التصعيد الأمريكي الأخير، حيث أعلن ترامب عن فرض رسوم جديدة بنسبة 34%، تضاف إلى رسوم سابقة بلغت 20%.
وردت الصين على لسان مسؤوليها بأنها "جاهزة للمواجهة حتى النهاية"، سواء كانت حرب رسوم أو تجارة أو حتى مواجهة أوسع.
الذكاء الاصطناعي كأداة للدعاية السياسيةتظهر هذه الحملات كيف تستخدم الصين الذكاء الاصطناعي ليس فقط في الابتكار التكنولوجي، بل أيضًا كأداة ناعمة للدعاية السياسية الدولية، بأسلوب يمزج بين الترفيه والرسائل العميقة.
وتبرز هذه الفيديوهات اتجاهاً متصاعداً نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى سياسي هجومي وساخر.