الدعم السريع في مصر.. ومخاوف حرب طائفية
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
الارتباط كبير بين مصر والسودان، تيارات وأحزاب سياسية وحتى نوادٍ رياضية كبرى متشابهة بل بنفس الاسم في كلتا الدولتين، والنادي الأهلي مثال.. وصل التقليد إلى أن يتم تأسيس مليشيات دعم سريع بصورة متشابهة في كلتا الدولتين، كان الهدف هو حماية النظام ومساعدة القوات النظامية في مواجهة حالات تمرد أو ثورات شعبية تعجز عن مواجهتها القوى الأمنية النظامية منفردة، كما حدث في كانون الثاني/ يناير 2011 في مصر، أو في مواجهة داعش في سيناء، وكما حدث في حرب دارفور ومناطق أخرى في السودان.
في آذار/ مارس 2013 فجّر المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، مفاجأة حول وجود جيش من البلطجية قوامه 300 ألف بلطجي أسسته المخابرات العامة قبل عشر سنوات من ثورة يناير، ثم نُقلت تبعيته لجهاز أمن الدولة، المعلومة نقلها ماضي عن الرئيس مرسي، وقد أثارت جدلا كبيرا من مناوئي الرئيس، واتهموه بالسعي لتفكيك جهاز المخابرات.. الخ.
ما لبث أن فاجأ الرأي العام بنشر خبر شرائه لشركة فالكون للحراسة والأمن، والتي أصبح رئيسها خلفا للواء شريف خالد، وكيل جهاز المخابرات الحربية السابق، رغم أن قانون شركات الحراسة يشترط فيمن يؤسس أو يدير تلك الشركات الخبرة المهنية وحسن السير والسلوك وهما صفتان مفتقدتان في نخنوخ
كان نظام مبارك يستخدم جيش البلطجية هذا وعلى رأسه المدعو صبري نخنوخ -والذي يوصف بأمير أو رئيس جمهورية البلطجية- في تزوير الانتخابات والاعتداء على المرشحين المعارضين وأنصارهم، وكان أشهر أدواره في تزوير انتخابات برلمان 2010 والذي كان أحد أسباب اندلاع ثورة يناير، كما ساهم في معركة الجمل يوم 2 شباط/ فبراير 2011 بهدف وأد الثورة في مهدها، لكنه تلقّى مع غيره هزيمة كبرى فتحت الباب لتمكّن الثورة في جولتها الأولى، وحين تم حل جهاز أمن الدولة عقب ثورة يناير تشظّى التنظيم، وأصبحت مجموعاته تعمل لمن يستطيع الوصول إليها ويدفع لها.
أما كبير البلطجية صبري نخنوخ فقد تم القبض عليه في 23 آب/ أغسطس 2012 من قصره الفخم -والذي كان يعيش فيه بين كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، و5 أسود و6 كلاب مفترسة- لاتهامه في العديد من جرائم البلطجة وترويع المواطنين، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 28 عاما، لكن السيسي أطلق سراحه بقرار عفو رئاسي في أيار/ مايو 2018.
بعد اختفاء عن الأنظار لبعض الوقت -بتوجيه من الأجهزة الأمنية- عاد نخنوخ للظهور في بعض المناسبات الاجتماعية، ووسط حفاوة من أصدقائه القدامى ورموز السلطة الحاكمة، ثم ما لبث أن فاجأ الرأي العام بنشر خبر شرائه لشركة فالكون للحراسة والأمن، والتي أصبح رئيسها خلفا للواء شريف خالد، وكيل جهاز المخابرات الحربية السابق، رغم أن قانون شركات الحراسة يشترط فيمن يؤسس أو يدير تلك الشركات الخبرة المهنية وحسن السير والسلوك وهما صفتان مفتقدتان في نخنوخ.
شركة فالكون تأسست في العام 2006 بمساهمة رئيسية من أحد البنوك المصرية، لكنها كانت طيلة الوقت قريبة من المخابرات حتى تملّكتها، وكانت تقتصر في بدايتها على أعمال أمن وحراسة تقليدية توسعت لاحقا في أنشطة متعددة كان من بينها -للغرابة- مجال الإعلام، حيث تمكنت من الاستحواذ على شبكة قنوات الحياة من صاحبها رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، وذلك ضمن عمليات استحواذ المخابرات على القنوات الخاصة من خلال عدة شركات تابعة لها في البداية، ثم ما لبثت أن جمعتها تحت مظلة واحدة هي الشركة المتحدة لاحقا.
ضمن توسع نشاط شركة فالكون، أنشأت في العام 2014 قوات تدخل سريع، مع حصولها على ترخيص رسمي بحمل أنواع مختلفة من السلاح والذخيرة، وأصبحت مهمتها التصدي للمظاهرات وأعمال الشغب، وقامت بهذا الدور فعلا ضد مظاهرات الطلاب ورافضي الانقلاب منذ ذلك الوقت. ويبدو أن انتقالها إلى نخنوخ بهدف إطلاق يدها بصورة أكبر في مواجهة أي اضطرابات شعبية محتملة خلال أو بعد الانتخابات الرئاسية
ضمن توسع نشاط شركة فالكون، أنشأت في العام 2014 قوات تدخل سريع، مع حصولها على ترخيص رسمي بحمل أنواع مختلفة من السلاح والذخيرة، وأصبحت مهمتها التصدي للمظاهرات وأعمال الشغب، وقامت بهذا الدور فعلا ضد مظاهرات الطلاب ورافضي الانقلاب منذ ذلك الوقت. ويبدو أن انتقالها إلى نخنوخ بهدف إطلاق يدها بصورة أكبر في مواجهة أي اضطرابات شعبية محتملة خلال أو بعد الانتخابات الرئاسية، حيث يستعد نظام السيسي لتنفيذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية القاسية على رأسها تعويم الجنيه وإنهاء الدعم وفاء لاتفاقه مع صندوق النقد، وهو ما تُتوقع معه ردود فعل شعبية.
هذا الانتقال إلى تأسيس قوات تدخل سريع تحمل أسلحة وذخيرة، وهو الأمر الذي كان مقصورا على القوى النظامية من جيش وشرطة وفقا للدستور الذي يمنع إنشاء مليشيات مسلحة، هو انتقال إلى مرحلة خطيرة تشبه تماما انتقال مليشيات الجنجويد في السودان إلى قوات الدعم السريع، والتي كانت تبعيتها في البداية للمخابرات ثم أصبحت تابعة للقوات المسلحة مع استقلالها بقيادتها وتسليحها ومهامها الخاصة، وقد رأينا نتيجة هذا التطور الذي شجع تلك القوات على الدخول في حرب مباشرة مع الجيش نفسه لا تزال رحاها دائرة حتى الآن. وهنا فإن قوات الانتشار السريع لشركة فالكون يمكن أن تتطور في نفس الاتجاه، لترفع سلاحها لاحقا ضد القوات النظامية من جيش وشرطة عندما تتعارض المصالح.
حتى الآن العلاقة كما يقال "سمن على عسل"، فصبري نخنوخ ممتن للسيسي الذي أطلق سراحه، وسمح له بشراء وترؤس هذه الشركة، وقد أصدر بيانا باسم شركته دعما لترشح السيسي (الذي لم يترشح رسميا حتى الآن)، لكن الخشية أن نخنوخ، وهو مسيحي مصري، يمكن أن يجنح بشركته لتصفيات طائفية، تهدد بحرب طائفية، فالسلاح يغري صاحبه باستخدامه، ونخنوخ لديه ثار شخصي مع الإسلاميين الذين يعتبرهم السبب في حبسه، والتضييق عليه من قبل، ولا يُستبعد أن تستهويه الأفكار المتطرفة التي تدّعي تعرض مسيحيين لاعتداءات فيتدخل بقواته المسلحة لرد تلك الاعتداءات، وهنا تقع الكارثة لا سمح الله.
كان من المفترض ان تمثل تجربة الدعم السريع السودانية أو "فاجنر" الروسية جرس إنذار للسلطات المصرية التي استسهلت تشكيل تلك القوة بوهم أنها قادرة على السيطرة عليها عند اللزوم، لكننا رأينا أن الجيش السوداني لم يستطع السيطرة على الدعم السريع كما أن "فاجنر" هددت الجيش الروسي وكادت تحاصر وزارة الدفاع وتقبض على وزيرها، ولم يجد بوتين بدّا من التخلص من زعيمها عبر تفجير طائرته. والغريب أن نظام السيسي لم يكتف بقوات الانتشار السريع لشركة فالكون، بل أسس أيضا مليشيا مسلحة أخرى في سيناء
كان من المفترض ان تمثل تجربة الدعم السريع السودانية أو "فاجنر" الروسية جرس إنذار للسلطات المصرية التي استسهلت تشكيل تلك القوة بوهم أنها قادرة على السيطرة عليها عند اللزوم، لكننا رأينا أن الجيش السوداني لم يستطع السيطرة على الدعم السريع كما أن "فاجنر" هددت الجيش الروسي وكادت تحاصر وزارة الدفاع وتقبض على وزيرها، ولم يجد بوتين بدّا من التخلص من زعيمها عبر تفجير طائرته. والغريب أن نظام السيسي لم يكتف بقوات الانتشار السريع لشركة فالكون، بل أسس أيضا مليشيا مسلحة أخرى في سيناء لمواجهة تنظيم داعش من أبناء بعض القبائل خاصة الترابين، بقيادة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، وظهرت تلك المليشيات ترتدي زيّا عسكريا موحدا ومعها أسلحتها في استعراض عسكري.
تحذيرات عديدة من هذه المليشيات وخطورتها على أمن الوطن صدرت من شخصيات وطنية متنوعة، لكنها ظلت أصواتا خافتة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ولم تتح لها الفرصة في الإعلام التقليدي الذي تهيمن عليه السلطة.. لكنها في كل الأحوال تنبيهات مبكرة تنتظر استجابة ممن لا يزال يهمهم أمن الوطن لا النظام.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر مليشيات البلطجية جرائم مصر جرائم مليشيات البلطجية القمع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعم السریع فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
السودان: قصة ناجٍ من الموت بين مطرقة الدعم السريع وسندان الجيش
“تم تعذيبي من قبل الدعم السريع بالسياط بواقع 250 جلدة بحجة تعاوني مع الجيش، وكسروا أصابعي. وعند سيطرة الجيش على الكدرو، اتهمني أفراد القوات المسلحة السودانية بتبعيتي للمعسكر الآخر وكادوا أن يقوموا بتصفيتي، ونجوت بأعجوبة”.
الخرطوم: التغيير
بهذه الكلمات، ابتدر أشرف محمد خير حديثه لـ (التغيير) بعد شهور من التعذيب والاتهامات التي قضاها في ضاحية الكدرو بالخرطوم بحري. أشرف، الذي ظهر في مقطع فيديو متداول قبل فترة، بدا هو وأفراد أسرته في حالة صحية حرجة، حيث برزت عظامهم من فرط الجوع.
يحكي محمد خير مأساته التي بدأت في 24 أبريل 2024، عقب دخول الدعم السريع منطقة الكدرو، كاشفًا أنه تم اتهامه بالتعاون مع الجيش وجرى تعذيبه حتى كُسرت أصابعه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله.
إقامة جبريةمكث أشرف في الإقامة الجبرية حتى دخول الجيش في سبتمبر 2024. وبعد سيطرة القوات المسلحة على المنطقة، تنفس أشرف الصعداء وجرى إسعافه بمستشفى أم درمان، حيث خضع لفحوصات عامة كشفت عن ضعف حاد وفقدان جزئي للنظر.
يقول أشرف محمد خير لـ (التغيير): “خلال الفترة الأولى من دخول الدعم السريع، انعدمت الخدمات. كنت أضطر للمشي لمدة ساعتين لأجد أقرب سوق أبتاع منه المستلزمات. في إحدى المرات، استيقظت عقب صلاة الفجر قاصدًا منطقة السامراب وأنا أحمل بعض القمح، لأتفاجأ بأن الطاحونة لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء. عدت بخفي حنين وقطعت ذات المسافة في ساعتين”.
وأضاف: “كان أفراد الدعم السريع يزورونني بين الحين والآخر برفقة أسرتي ويوزعون لنا بعض الزيت والدقيق والبصل”.
وتابع: “بعد دخول الجيش، كاد أفراده أن يقوموا بتصفيتي بعد اتهامي بأنني (دعم سريع)، وفي لحظة خاطفة سحب جندي سلاحه وصوّبه نحو رأسي، لكن القائد تدخل وأمر بالتحري أولًا”.
واردف: “مكثت ثلاث ساعات تحت رحمة الجنود حتى تأكدوا من هويتي، ونجوت بأعجوبة. بعض الأهل فقدوا الاتصال بي وبأسرتي واعتقدوا أننا في عداد الأموات. كانت تجربة قاسية ومريرة”.
انعدام العلاجوأشار أشرف إلى أن والدته لم تتلقَّ علاجاتها خلال تلك الفترة، وهي تعاني من مشاكل في القلب، ولم تحصل على أدوية تنظيم ضربات القلب، أو أدوية الغدة، أو قطرات العيون لمدة خمسة أشهر، حتى تم إسعافها بالفيتامينات والمحاليل الوريدية.
وكشف محمد خير أنهم عاشوا بدون كهرباء أو ماء خلال تلك الفترة. وأضاف: “كنت أرتدي قميصًا واحدًا طوال هذه الفترة لأن أفراد الدعم السريع أمروني بعدم تبديله حتى يتسنى لهم التعرف عليّ”.
وتابع: “بعد جلدي 250 جلدة وتعذيبي، فقدت الوعي مما جعلهم يهربون ويتركونني مغمًى عليّ لمدة يومين. كنت مقيدًا من رجلي ومعصوب العينين”.
وختم حديثه بالقول: “لا زلنا في منطقة الكدرو ببحري، حيث توافدت بعض الأسر وبدأت الحياة تعود لطبيعتها تدريجيًا، لكن ما عايشته من آلام ومآسٍ لن يُمحى من ذاكرتي”.
الوسومآثار الحرب في السودان الكدرو انتهاكات الجيش السوداني انتهاكات الدعم السريع ولاية الخرطوم