1 أكتوبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

محمد صالح صدقيان

نجحت الجهود الدبلوماسية التي بذلها الجانبان الإيراني والسعودي في إعادة العلاقات بين البلدين إستجابة للمبادرة الصينية التي رعاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في آذار/مارس الماضي.

على مدى ستة أشهر، حقّق السعوديون والإيرانيون خطوات مهمة أبرزها إعادة فتح السفارات وعودة السفراء إلى كل من الرياض وطهران، وهو الأمر الذي سبقته عودة سفيري الإمارات والكويت، ما أعطی انطباعاً بوجود رغبة لدى جميع الأطراف من أجل وضع حد للتدافع الأمني والسياسي في المنطقة والدفع نحو مسار يفضي إلى تعزيز فرص التعاون والأمن والإستقرار في المنطقة.

في ظل هذه الأجواء، يدور نقاشٌ حيويٌ في إيران بشأن جدوی الإنفتاح علی دول المنطقة، في ظل سريان برامج العقوبات الإقتصادية، وبالتالي ما هي الفوائد التي تجنيها طهران جرّاء هذا الإنفتاح وعودة العلاقات الدبلوماسية؟

وإذا كان منطق الأمور يقول بوجوب أن تنخرط طهران في التفاوض مع الجانب الغربي لإزالة العقوبات؛ إلا أن الصحيح أيضاً أن مسار تطبيع العلاقات الإقليمية ليس سهلاً ولا يسير علی سجادة حمراء بسبب تراكم المشاكل والملفات التي تحتاج إلى الكثير من الحكمة والصبر والمثابرة من أجل حلّها وتكريس مناخ من الثقة المتبادلة.

وفي ظل هذه الأجواء تضج طهران بالأسئلة؛ ماذا تريد إيران من جيرانها في الإقليم؟ وماذا تريد هذه الدول من إيران؟ وهل تستطيع دول الإقليم مسايرة إيران في ما تريد؟ وهل إيران راغبة بالسير وفق “أجندات” هذه الدول؟

تنقسم الأوساط الإيرانية في محاولة الإجابة على هذه الأسئلة في اتجاهين؛ أول يُشدّد على ضرورة إعادة صياغة علاقات إيران الإقليمية إستناداً إلی التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة؛ ذلك أن علاقات إيران الخارجية تشكل الأرضية التي تستطيع إيران من خلالها التحرك للتفاهم مع دول الإقليم وصياغة نظام أمني سياسي إقتصادي إقليمي.

وبحسب هذه القراءة “لم تستطع إيران دفع المحيط الإقليمي إلی التعاون برغم المبادرات التي تقدمت بها مثل مبادرة “سلام هرمز” التي طرحتها حكومة الرئيس حسن روحاني وظلت حبراً على ورق بسبب توتر علاقة إيران بالدول الغربية علی خلفية الإنسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 وانسحاب هذا التوتر على علاقة إيران بالدول الإقليمية”.

أما المسار الثاني فيستند إلی قراءة مختلفة مفادها وجوب إعطاء أولوية للآليات والأطر الإقليمية وهذا ما يُمكن أن يؤدي إلى تقليص نفوذ القوی الأجنبية في المنطقة وخلق فرص للتعاون بمشاركة الدول الإقليمية الفاعلة وعبر اتباع سياسة الإحترام المتبادل وبناء الثقة وخلق أجواء حسن النوايا وهي السياسة التي تتبعها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي راهناً.

هذان المساران كانا علی طاولة رؤساء الجهمورية في إيران؛ فقد سعی الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إلی تعزيز علاقاته مع الدول الإقليمية لكنه لم يوفق في تحقيق ذلك لأن الوضع الدولي لم يكن عنصراً مساعداً؛ ناهيك بسلوك الدول الغربية التي عملت علی ترحيل ملف إيران النووي من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، ما أدی إلی فرض عقوبات علی إيران بالشكل الذي أدى إلى تجميد معظم علاقات إيران الإقليمية؛ في حين أن حكومة الرئيس حسن روحاني وعرّاب سياستها الخارجية محمد جواد ظريف كانت تعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لمصلحة التوصل مع الدول الغربية إلى إتفاق يُعبّد الطريق ليس مع الغرب وحسب بل مع معظم الدول الإقليمية من دون أي عناء.

ويبدو أن الوزير اللامع محمد جواد ظريف قد وقع في فخ استبعاد دور الدول الإقليمية لمصلحة الإكتفاء بالتواصل مع الغرب، وهو الأمر الذي أثار هواجس الدول الخليجية، ولا سيما إثر التوصل إلى الإتفاق النووي مع الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية عام 2015، فضلاً عن التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة مع وزير الخارجية الأمريكي حينذاك جون كيري لجهة مآلات هذا الإتفاق وأهدافه الحقيقية غير المعلنة.

هذا المناخ دفع بالعديد من الدول الإقليمية إلى الرهان على فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات العام 2016 الرئاسية وصولاً إلى تهليلها لانسحابه من الإتفاق النووي بسبب خشيتها من عواقب هذا الاتفاق ومخاطره علی الأمن الإقليمي. إلا أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي قرّرت السير في منحی آخر بتبريد المشاكل مع دول الجوار رغبة منها بالتوصل إلی آليات وأطر أمنية تحكم العلاقة بين الجانبين وصولاً إلى فتح آفاق للتعاون السياسي والإقتصادي. وما نشهده حالياً من تطبيع للعلاقات الإيرانية الخليجية هو تجسيد لتوجهات حكومة رئيسي.

هاتان القراءتان ما زالتا قيد النقاش في الأوساط السياسية الإيرانية وتحديداً لدى دوائر القرار حيث يعتقد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف أن العلاقات مع دول الإقليم أو دول الشرق مهمة وضرورية ولا يمكن التغاضي عنها لكنه يعتقد أن أولوية السياسة الخارجية الإيرانية يجب أن ترتبط بأولويات الأمن القومي الإيراني؛ فلا أحد ينكر أهمية العلاقة مع الصين علی سبيل المثال، وهي دولة صناعية كبرى واعدة وتملك رصيداً كبيراً في الإقتصاد العالمي؛ كما أنه لا يريد استبعاد العلاقة مع مجموعة “بريكس” أو “منظمة شنغهاي”، لكنه يعتقد أن إزالة العقوبات يجب أن تكون أولوية الأولويات، حتى تتمكن إيران من الإنخراط بخطى واثقة في نظام عالمي وإقليمي يتشكل وسيفضي حتماً إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. بدورها، حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تعتقد أن إيران تستطيع أن تعيش وتتعايش مع المجتمع الدولي بعيداً عن العقوبات التي لا تحمل ذات القوة بعد التطورات الأخيرة التي شهدها المجتمع الدولي وخصوصاً حرب أوكرانيا؛ وأن الاستدارة نحو الشرق تفتح آفاقاً أكبر في السياسة والإقتصاد والأمن والإجتماع من دون أن تستنفذ طهران محاولة قرع أبواب الغرب، ولكن من دون تقديم تنازلات أو قلب الأولويات.

وثمة قراءة ثالثة تقول بوجوب العمل من أجل إلغاء العقوبات الغربية من دون استبعاد خيار تعزيز العلاقات الإقليمية من أجل ضمان تحقيق مصالح جميع دول المنطقة وبينها إيران بطبيعة الحال.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: الدول الإقلیمیة الدول الغربیة حکومة الرئیس مع الدول من دون من أجل

إقرأ أيضاً:

إيران والعرب: صراع مستمر بين الهيمنة والمقاومة

#سواليف

#إيران و #العرب: #صراع_مستمر بين #الهيمنة و #المقاومة

بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة

منذ فجر الإسلام، وبالتحديد مع معركة القادسية الأولى، حملت العلاقة بين العرب والفرس طابعاً مشحوناً بالتوتر والعداء. تلك المعركة التي جسدت صراعاً حضارياً وانتصاراً عربياً حاسماً على الإمبراطورية الفارسية، لم تكن مجرد حدث عسكري بل شكلت بداية لمواجهة تاريخية. حتى بعد دخول الفرس الإسلام، لم تتغير نظرتهم للعرب؛ فالإسلام لم يكن كافياً لتهذيب إرث العداء التاريخي المتجذر في العقلية الفارسية تجاه العرب.

مقالات ذات صلة تحطم طائرة على متنها 181 شخصاً في كوريا الجنوبية 2024/12/29

وفي العصر الحديث، كرّست إيران نفسها، في عهد الشاه، كشرطي المنطقة، مهددةً أمن دولها واستقرارها. كانت تسعى إلى فرض سطوتها الإقليمية، مستغلة الدعم الغربي ودورها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة النفوذ السوفيتي. ومع سقوط الشاه وصعود الخميني إلى الحكم، لم تتراجع هذه السياسات التوسعية؛ بل أخذت منحى أكثر عدائية تحت شعار “تصدير الثورة الإسلامية”. كانت هذه الثورة في حقيقتها محاولة لإحياء طموحات الهيمنة الفارسية القديمة، مستخدمةً أدوات جديدة وأيديولوجيا طائفية لتبرير تدخلاتها في شؤون الدول العربية.

خلال الحرب العراقية-الإيرانية، كان العراق، بقيادة صدام حسين، يمثل البوابة الشرقية للأمة العربية، حائط الصد الأول أمام الطموحات الإيرانية. ولهذا، وقفت غالبية الدول العربية والغربية إلى جانب العراق، مدركةً أن سقوطه كان سيعني فتح الطريق أمام إيران للتغلغل في المنطقة. إلا أن طهران لم تتوقف عند هزيمتها في تلك الحرب؛ بل استمرت في سعيها للهيمنة، مستغلةً الانقسامات الداخلية في الدول العربية والأزمات التي عصفت بها.

إيران اليوم لا تزال تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتمارس سياسات عدائية تجاه دول الخليج العربي، بدءاً من البحرين وصولاً إلى حقل الدرة النفطي. لم تتوانَ عن التدخل في اليمن، حيث دعمت الميليشيات الحوثية لتحويله إلى قاعدة تهدد أمن الجزيرة العربية. وفي العراق وسوريا ولبنان، وظفت إيران وكلاءها الطائفيين لتثبيت نفوذها، متسببةً في تدمير النسيج الاجتماعي لهذه الدول وإشعال الحروب الداخلية التي أضعفتها وأرهقت شعوبها.

لكن هذا النفوذ الإيراني بدأ بالتراجع مع بداية انحسار الحقبة الإيرانية في المنطقة. إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يمثل نقطة تحول محورية. هذا السقوط سيعيد تشكيل الخارطة السياسية، لأنه سيؤدي إلى قطع الحبل السري الذي يربط إيران بوكلائها في لبنان، ممثلاً بحزب الله، ويضعف قبضتها على العراق، ويمهد الطريق لإعادة اليمن إلى محيطه العربي. من هنا، يصبح دعم الدول العربية، وخاصة دول الخليج، للقيادة السورية الجديدة ضرورة استراتيجية. هذا الدعم سيعزز استقلال سوريا عن النفوذ الإيراني، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار في المنطقة.

إن أمام دول الخليج فرصة تاريخية يجب ألا تضيعها. دعم الثورة السورية اليوم لا يعني فقط تحرير سوريا من الهيمنة الإيرانية، بل إنه مفتاح لتحجيم النفوذ الإيراني في لبنان والعراق واليمن. الكلفة السياسية والاقتصادية لإعادة إعمار سوريا، ومساندة القيادة الجديدة، أقل بكثير من الثمن الذي تدفعه الدول العربية بسبب استمرار الهيمنة الإيرانية على المنطقة.

آن الأوان لأن تستعيد الدول العربية زمام المبادرة، لتوحيد جهودها وتكثيف دعمها للثورات الشعبية التي تسعى للتحرر من الهيمنة الأجنبية. إنه واجب قومي تجاه الشعوب العربية التي أنهكتها الحروب والصراعات. فالتاريخ يُكتب اليوم، وأمام العرب فرصة ذهبية لتأسيس نظام إقليمي جديد قائم على التعاون العربي المشترك، خالٍ من التدخلات الأجنبية.

النهاية الطبيعية لهذا الصراع تكمن في عودة الدول العربية، كلٌ إلى حاضنتها الطبيعية، بعيداً عن النفوذ الإيراني الذي لم يجلب سوى الحروب والدمار. إن الحلم بأمة عربية موحدة ومستقرة قد يبدو بعيد المنال، لكنه يبدأ بخطوة واحدة: قطع خيوط الهيمنة الإيرانية، دولةً بعد أخرى، ليعم الأمن والاستقرار في المنطقة، ولتصبح أحلام الشعوب واقعاً ملموساً.

مقالات مشابهة

  • بالصور.. هكذا احتفلت أول الدول التي حل بها عام 2025
  • جمهورية إيران التي أرجو لها أن تكون إسلامية!
  • في ظل الصراعات السياسية والتوترات الإقليمية| التنظيمات الإرهابية إلى أين؟
  • إيران وعمان تؤكدان ضرورة تشكيل حكومة شاملة في سوريا
  • ما هي الدول الأوروبية التي حظرت استخدام الهواتف الذكية في المدارس؟
  • نصيحتي لله بعد 70 عاماً من استقلال السودان
  • عبدالله بن زايد يبحث مع وزير خارجية إيران العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية إيران يبحثان أوضاع المنطقة والتطورات الإقليمية
  • عبدالله نعمة: إيران وحلفاؤها في مواجهة قرارات دولية لإنهاء نفوذهم الإقليمي.. وإسرائيل تتوسع في الحرب على غزة تحت مظلة الغرب
  • إيران والعرب: صراع مستمر بين الهيمنة والمقاومة