هجوم أنقرة.. قراءة أولية في الدوافع والتداعيات
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
من جديد عادت التنظيمات الإرهابية لمهاجمة أهداف داخل المدن التركية الكبرى.
فمنذ التفجير الإرهابي الذي استهدف منطقة تقسيم الشهيرة وسط إسطنبول في نوفمبر من العام الماضي، لم تشهد البلاد حوادث مماثلة، خاصة مع استمرار الإستراتيجية الأمنية التركية في مكافحة الإرهاب من نقطة متقدمة، في شمال كل من سوريا والعراق.
الهجوم الأحدث استهدف مدخل المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية، والتي تقع في منطقة مكتظة بالمؤسسات الرسمية في العاصمة أنقرة، لعل أهمها مبنى البرلمان، الذي كان من المقرر أن يفتتح في اليوم ذاته سنة تشريعية جديدة بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان.
ووفقا لما نشره وزير الداخلية، علي يرلي كايا، على حسابه على موقع "إكس" فإن الهجوم نفذه عنصران في التاسعة والنصف من صباح الأول من أكتوبر، حيث قام أحدهما بتفجير نفسه فيما تم قتل الآخر، مضيفا أن الحادث أسفر عن إصابة اثنين من ضباط الشرطة.
من يقف خلف الهجوم؟حتى الآن تشير أصابع الاتهام إلى تورط حزب العمال الإرهابي (PKK) في الهجوم خاصة وأن التنظيم مني بخسائر فادحة على المستوى القيادي، نتيجة الضربات المكثفة التي تشنها أجهزة الأمن التركية ضد عناصره داخل تركيا وخارجها، كان آخرها قبل أيام قليلة، حيث تم قتل القيادي "مظلوم أوزتورك" في ريف مدينة السليمانية العراقية، في عملية نفذها جهاز الاستخبارات التركي، بعد رصد تحركاته من تركيا إلى أوروبا ثم إلى شمال العراق حيث تم التخلص منه في عملية وصفتها مصادر لوكالة الأناضول بأنها كانت "دقيقة".
هذه الإستراتيجية المتبعة نجحت في تحجيم نشاط التنظيم بشدة، ونجحت الأجهزة الأمنية في اكتشاف وإفشال عشرات العمليات الإرهابية قبل تنفيذها.
وفي التحقيقات الأولية، اتضح أن منصة إطلاق الصواريخ التي تم ضبطها في حوزة المهاجمين، روسية الصنع وأنها تسربت إلى تنظيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الذي يسيطر عليه وحدات الحماية الكردية المصنفة إرهابياً.
خلف حزب العمال، بمسافة كبيرة، يأتي تنظيم داعش، فالتنظيم يتعرض هو الآخر لضربات أمنية، لا تتوقف على الداخل التركي، من خلال الاعتقالات المتواصلة لأعضاء التنظيم، بل تمتد إلى الخارج وخاصة في شمال سوريا، حيث أعلن أردوغان في مقابلة تليفزيونية في أبريل الماضي نجاح جهاز الاستخبارات التركي في تحييد زعيم التنظيم الملقب بـ "أبو الحسين القرشي" في عملية أمنية في شمال سوريا.
ومع ضعف احتمال تورط التنظيم، إلا أن القراءة الأولية لا يمكنها التغاضي عنه، وعن إمكانية ضلوعه في مثل هذه الأعمال.
هل هي محاولة لإثبات الذات؟؟
مراجعة الصور التي التقطت للهجوم، تظهر أن الحادث كان بسيطا من حيث الإعداد أو التنفيذ ولم يكن على شاكلة العمليات الضخمة التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في المدن التركية المختلفة.
ففي وقت مبكر من صباح يوم العطلة الأسبوعية، وفيما كان الطريق شبه خالٍ من المارة، توقفت سيارة خفيفة أمام المبنى الأمني، وترجل منها شخص متجها إلى داخل المبنى حيث فجر نفسه على البوابة ويبدو أنه تبين له استحالة تجاوزها فيما تعامل أفراد الأمن مع الرجل الآخر.
إذن الجهة التي تقف خلف الحادث، لم تكن تتوقع سقوط أعداد كبيرة من القتلى، كما فعلت في عمليات إرهابية سابقة، أو كانت تخطط لإحداث ضرر بالغ بمبنى أمني مهم وسط العاصمة، لاستحالة حدوث ذلك بالكيفية التي تابعناه في المقاطع المبثوثة إعلاميا.
من هنا يتضح أن الغرض كان مجرد إثبات للوجود، وإحداث فرقعة إعلامية، تزامنا مع افتتاح السنة التشريعية الجديدة في البرلمان الذي يقع على مقربة من الحادث، خاصة مع مشاركة أردوغان في الافتتاح.
لكن مع الحديث عن الدعم الإقليمي والدولي الذي يحظى به حزب العمال ويتحكم في قراراته، فإن حبل الحديث لابد وأن يمتد للبحث عن أصابع خارجية قد تكون متورطة في الحادث، والتي يهمها إشغال تركيا بالداخل، عقب النجاح الكبير الذي حققته جنوب القوقاز، بدعم الجيش الأذربيجاني في العملية العسكرية الأخيرة لاسترداد بقية إقليم كاراباخ وما سيتبع ذلك من تداعيات سياسية وجيوإستراتيجية تصب في مصلحة أنقرة على حساب مصالح عواصم خرى أبرزها طهران!!.
هل تقف تركيا على أعتاب مرحلة إرهابية جديدة؟
بالنظر إلى حجم الهجوم المتواضع، وآثاره الضئيلة، فإنه من الصعب اعتباره إيذانا بموجة إرهابية جديدة تنتظرها تركيا، بل قد يؤدي إلى تدعيم الموقف التركي أمام دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، في ضرورة دعم أنقرة في مواجهة حزب العمال والتنظيمات المتفرعة عنه في سوريا والعراق.
إذ من المعروف أن العواصم الغربية تحاول التملص من ذلك الدعم الواجب، بحكم الانضواء المشترك في حلف الناتو، بالتفريق بين التنظيم الأصلي وتمظهراته السورية والعراقية، بزعم أنها ذراع قوي للتحالف الدولي لمحاربة داعش. الأمر الذي ما فتأت تركيا تنتقده بشده وتكرر على المسامع الأميركية والأوروبية، أنه لا يجب مواجهة التنظيمات الإرهابية بأخرى إرهابية مماثلة، لكن دون جدوى حتى الآن.
من هنا فإنه من المتوقع أن يدفع هجوم أنقرة السلطات التركية إلى مواصلة حملتها ضد التنظيمات الإرهابية وملاحقة قادتها وأفرادها في الداخل والخارج، كما أنه سيجعلها في موقف أكثر تشددا أمام حلفائها ودعمهم غير المبرر لمثل هذه التنظيمات، في ظل توالي بيانات الإدانة والدعم لتركيا، عقب الحادث مباشرة، من العواصم العالمية والمؤسسات الدولية الكبرى.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التنظیمات الإرهابیة حزب العمال
إقرأ أيضاً:
هل تنجح مساعي تركيا لتشكيل تحالف رباعي إقليمي يشمل سوريا؟
أدت عملية التغيير التي حصلت في سوريا إلى تداعيات مهمة ليس فقط على الداخل السوري، وإنما على المستوى الإقليمي أيضا، حيث تبع سقوط نظام بشار الأسد اتصالات بين الدول الإقليمية تركيا والأردن والعراق مع السلطة الجديدة في سوريا بدافع ضمان أمن الحدود، والتفاهم حول المصالح المشتركة.
في بداية يناير/كانون الثاني الماضي وقع الأردن مع سوريا اتفاقية تنص على تأسيس لجنة مشتركة لضمان أمن الحدود، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لعمان، التي بحث فيها مع نظيره الأردني أيمن الصفدي قضايا تهريب السلاح والمخدرات واللاجئين السوريين والتعاون الاقتصادي.
وقبلها أوفد العراق رئيس الاستخبارات حميد الشطري إلى دمشق، ووفقا لما أكدته وسائل إعلام سورية وعراقية، فإن اللقاء ناقش ضرورة العمل المشترك لضمان عدم عودة ظهور تنظيم الدولة.
وسبقهم جميعاً رئيس المخابرات التركي إبراهيم قالن الذي زار دمشق خلال الأسبوع الأول من سقوط الأسد، وتولي إدارة العمليات للسلطة.
يبدو أن الدول الإقليمية تتجه إلى خطوات أوسع مع دمشق فيما يتعلق بمعالجة المشاكل الأمنية، حيث نقلت وسائل إعلامية عربية عن مصادر دبلوماسية تركية وجود اتفاق بين الأردن والعراق وسوريا وتركيا لتشكيل آلية للتحرك المشترك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وسيتم خلال فبراير/ شباط الجاري عقد أول اجتماع في عمان لوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات للدول المذكورة.
إعلانوبحسب المصدر، فإن هدف الاقتراح هو رغبة تركيا بسحب الذريعة الأميركية لوقف دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لأن التحالف الرباعي هو من سيتولى الإشراف على السجون التي يقيم فيها الآلاف من عناصر تنظيم الدولة وعوائلهم.
وتخضع هذه السجون حالياً لإشراف قسد والقوات الأميركية، وهذا المقترح تزامن مع تأكيدات مسؤولين أميركيين بأن حل قسد أو إضعافها سيؤثر على القتال ضد تنظيم الدولة، ويؤدي إلى انتشار الأخير في سوريا مرة أخرى.
وأكدت وسائل إعلام تركية شبه رسمية أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أجرى خلال منتدى ميونخ الأمني منتصف فبراير/ شباط الجاري لقاءات مع وزيري خارجية سوريا والأردن ومسؤولين عراقيين، وأجرى معهم نقاشات حول فكرة العمل المشترك ضد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى الأوضاع في شمال شرق سوريا.
مشروع تركيمارست تركيا سياسة نشطة في العراق وسوريا منذ بدايات عام 2024 عندما وقعت مذكرة تفاهم مع العراق تضم أيضاً الإمارات وقطر، وتنص على تنفيذ مشروع طريق التنمية الذي يربط دول الخليج عبر العراق وتركيا مع دول أوروبا، بقيمة استثمارية تبلغ 17 مليار دولار.
وتبع ذلك توقيع مذكرة أمنية مع بغداد في أغسطس/ آب من العام ذاته خلال زيارة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق، وأتاحت هذه المذكرة لأنقرة توسيع العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني شمالي العراق.
بالتوازي مع ذلك، عاد الرئيس التركي إلى طرح فكرة التطبيع مع بشار الأسد قبل سقوطه بعدة أشهر، وفسر معهد واشنطن للدراسات هذه الخطوات بأن أنقرة تعمل على "إعادة المركزية الناعمة" لكل من بغداد ودمشق، والربط بين سوريا والعراق معاً لتحقيق عدة أهداف، منها وقف عدم الاستقرار على حدود تركيا، وحرمان حزب العمال الكردستاني من الاتصال الجغرافي بين العراق وسوريا، والتضييق على عملياته.
إعلانومع سقوط بشار الأسد وجدت تركيا نفسها أمام فرصة لاستكمال مسارها المتعثر في سوريا نتيجة تصلب النظام السابق واشتراطه مقابل التطبيع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، حيث تعتبر تركيا حالياً من أبرز الدول التي تمتلك علاقات متميزة مع الإدارة الجديدة في ظل العلاقة السابقة بين أنقرة وفصائل المعارضة السورية المسلحة التي تمكنت في نهاية المطاف من إزاحة الأسد عبر عملية عسكرية، ولذا طالبت أنقرة مراراً على لسان مسؤولين في الدولة بأن تتولى الإدارة السورية الجديدة مهمة مكافحة تنظيم الدولة والسيطرة على كامل الأراضي السورية.
معوقات التحالفمن الواضح أن تطبيق فكرة التحالف الرباعي على الأرض تواجه معوقات، وأبرزها العلاقة بين العراق والإدارة السورية الجديدة التي تولت الحكم بعد فرار الأسد إلى موسكو.
وأكدت وسائل إعلام مقربة من الحكومة العراقية في 21 فبراير/ شباط الجاري أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أجل للمرة الثالثة زيارته المرتقبة إلى بغداد، والتي من المفترض أن تتم بعد دعوة من وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
وبحسب ما أكدته مصادر دبلوماسية سورية لموقع الجزيرة نت، فإن دمشق طلبت من بغداد تحديد جدول عمل واضح سيتم طرحه خلال الزيارة، بالإضافة إلى ضمانات أمنية، لأن المعطيات لدى دمشق تفيد بأن بعض الفصائل العراقية رافضة لإقامة علاقات طبيعية مع سوريا.
تأجيل الزيارة أتى رغم التغير في مزاج القيادات العراقية المتحالفة مع إيران والتي كانت سابقاً ترفض الانفتاح على سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، حيث اعتبر قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في كلمة مصورة له قبل أيام من الإعلان عن تأجيل زيارة الشيباني، أن ما حصل في سوريا من الإطاحة بالنظام السابق هو مشروع سياسي تم تطبيقه بأدوات عسكرية، ويختلف عن تحرك من وصفها "التنظيمات الإرهابية" عام 2013 التي استهدفت المقدسات.
إعلانوفي حال لم تتجاوز بغداد ودمشق الخلافات التي بينهما سيكون من الصعب المضي قدماً في مشروع التحالف الرباعي، نظراً للحدود المشتركة بين تركيا والعراق وسوريا، ولأن نشاط حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة يتم بين العراق وسوريا بشكل أساسي.
عوامل مساعدة
رغم التأجيل لزيارة وزير الخارجية السوري لبغداد، فإن مصادر في دمشق تؤكد أن مشروع الزيارة لا يزال قائما، وستتم بعد تجاوز بعض العقبات.
إلى جانب الوساطة التي ترعاها تركيا من أجل تشكيل تحالف رباعي، وبالتالي تصحيح العلاقات بين دمشق وبغداد، فإنه من الواضح أن الجانب العراقي يرغب في تطوير العلاقات مع دمشق إلى المستوى الدبلوماسي، ولذا يرسل المسؤولون في بغداد رسائل إيجابية كان آخرها تصريحات رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في 21 فبراير/شباط الجاري، التي أكد فيها أن بغداد تدعم التغيير الذي اختاره الشعب السوري.
كما أن رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني عبر عن احترام العراق لرغبة الشعب السوري ودعمه للعملية السياسية، واستعداد بغداد للمشاركة في عملية إعادة الإعمار.
هذا الحرص العراقي على تطبيع العلاقات مع سوريا مرده على الأغلب للمخاوف الأمنية، وهذا ما أكدته وسائل إعلام أميركية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث أفادت تقارير بأن الفصائل العراقية أعادت النظر في مساعيها الهادفة لإخراج القوات الأميركية من سوريا، لأن هذه الفصائل تشعر بالضعف بعد سقوط الأسد وتراجع نفوذ طهران، ولديها خشية من عودة تنظيم الدولة وانهيار الوضع الأمني في العراق والتأثير سلبا على نظام الحكم السياسي الذي تسيطر عليه قوى الإطار التنسيقي.
دمشق، أيضا، لها مصلحة في تطوير العلاقات مع بغداد لاعتبارات أمنية، إذ لا يزال يوجد في العراق المئات من عناصر وضباط النظام السابق، وفقاً لتأكيدات مسؤولين أمنيين عراقيين في محافظة الأنبار.
إعلانوسبق أن استعادت دمشق دفعة سابقة من الضباط والعناصر المقيمين في العراق بلغت قرابة 1900 عسكرياً، حيث تستفيد من المعلومات التي يدلي بها الضباط العائدون إلى سوريا حول مواقع تخزين الأسلحة والخلايا النائمة.