سد النهضة وحصة مصر المائية “الاستعمارية”.. ما المشكلة؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
يتواصل الفشل لـ “المفاوضات الثلاثية” الجارية على مدار السنوات الثماني الماضية بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، والدائرة بين مصر والسودان (دولتي المصب)، وبين إثيوبيا (دولة منبع). وشهدت الساعات الأخيرة تبادلا للاتهامات بين مصر وإثيوبيا، على خلفية فشل الجولة الجديدة من هذه المفاوضات الثلاثية المُنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (يومي 23، 24 سبتمبر/ أيلول الجاري).
واستهجن بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية عقب المباحثات مطالبة مصر بحصة “استعمارية” من المياه، وتمسكها بما وصفه البيان بـ “معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية”، في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، اللتين عقدتهما بريطانيا (دولة الاحتلال لمصر والسودان) وإثيوبيا بتحديد حصة مصر المائية، وإلزام إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على النيل، من شأنها إعاقة تدفق النهر، إلا بموافقة مصر.
البيان الإثيوبي انتقد نهج الوفد المصري الذي يقوض “اتفاق إعلان المبادئ عام 2015″، الموقع في العاصمة السودانية (الخرطوم)، بين الدول الثلاث.
في المقابل، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفض مصر لسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع على 100 مليون مصري، لافتا إلى معاناة مصر من نُدرة مائية، وعجز في احتياجاتها المائية يصل إلى 50%.
من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية المصرية رفض الجانب الإثيوبي لـ “الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب”، وذلك تراجعا عن توافقات سابقة. عليه، يمكن الجزم بأن الفشل هو المصير الحتمي للجولة القادمة من المباحثات بين الدول الثلاث المقرر انعقادها الشهر المقبل في العاصمة المصرية (القاهرة).
تاريخيا، يرتبط المصريون بنهر النيل، فحياتهم لا تستقيم بدونه، قامت عليه حضاراتهم منذ القدم، فهو المصدر للعمران والخصوبة والري لـ “الأراضي الزراعية”، التي تشغل حيزا اقتصاديا كبيرا، كما للنيل استغلال سياحي يُدِر عوائد دولارية على البلاد، بما مفاده أن هذا النهر يقترن بالرزق الوفير والخير لـ “المصريين”، الذين يتمركز غالبيتهم على ضفافه أو بالقرب منها.
يبلغ طول نهر النيل 6670 كيلومترا، تنحدر مياهُه من “بحيرة فيكتوريا” للمياه العذبة، والممتدة بين أوغندا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا، وتبلغ مساحتها 69 ألف كيلومتر مربع.
تقطع المياه مسافة تزيد على 3 آلاف كيلومتر، انطلاقا من النيل الأزرق بمرتفعات إثيوبيا (بنسبة 85%)، حتى تصل إلى الحدود المصرية مرورا بدولة جنوب السودان، ثم السودان.
لماذا تتهم إثيوبيا الوفد المصري المفاوض بتقويض اتفاق المبادئ (الخرطوم- مارس/ آذار عام 2015)؟ تكمن المشكلة في إصرار إثيوبيا على اعتبار النيل، نهرا إثيوبيا خالصا، وشأنا خاصا بها، وهو ما ترفضه مصر، استنادا لـ “القانون الدولي”، الذي يُعده نهرا دوليا، ويعترف لها باتفاقيتي 1902 و1929، اللتين تحميان حقوق مصر المائية، عملا بمبدأ “توارث المعاهدات”، الذي يسري على اتفاقيات الأنهار.
البادي من سياق البيانات والتلاسن الإعلامي بين مصر وإثيوبيا وجود خلافات مستمرة حول سبل مواجهة فترات الجفاف، والجفاف الممتد، والسنوات التي تكون فيها المياه شحيحة، نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي وافتقاده للمرونة، رغم أن بوادر الجفاف بدأت تظهر في السودان.
كما أن هناك تناقضا في تفسير بنود اتفاق المبادئ، فإثيوبيا تراه منفصلا عن الاتفاقيات السابقة التي تعتبرها استعمارية (1902 و1929). أما مصر، فتراه مكملا وإطارا حاكما للتفاوض، حول قواعد الملء والتشغيل للسد. الإثيوبيون يريدون التنصل نهائيا من هاتين الاتفاقيتين والخلاص منهما، كونهما -بحسب إثيوبيا- من نتاج الحقبة الاستعمارية، وانعقدتا دون إرادة منها، وهو ما لا تُقره القوانين الدولية كما سلف القول. بينما المصريون لا يملكون التنازل عنهما، كونهما السند لحقوقهم المائية في نهر النيل. لذا، فإن إثيوبيا منذ البداية اتخذت نهجا يعتمد على المناورات وشراء الوقت، وهو ما نجحت فيه، مقابل تراخي وليونة المفاوض المصري، أملا في تليين الموقف الإثيوبي، دون جدوى.
لكن ما الخيارات المُتاحة أمام مصر للتعامل مع إثيوبيا، وإجبارها على المضي قُدما إلى اتفاق متوازن يحفظ الحقوق المائية المصرية؟
تقديري أن مصر لم تكن موفقة منذ البداية حين استبعدت خيار استخدام القوة العسكرية لضرب السد والحيلولة دون اكتماله. فالتلويح بالقوة كان يمكنه ردع إثيوبيا، حتى دون استعمالها، بل ربما يُغني عن استخدامها، إذا ما أدرك الخصم توفر الإرادة لاستخدامها.
استبعاد فكرة الخيار العسكري جاء صريحا وواضحا في بواكير الأزمة، وبدلا مما كانت تستهدفه مصر من مرونة وإبداء لحسن النية، وبناء الثقة والتعاون مع إثيوبيا، فإن الأخيرة قرأت الرسالة على نحو مُغاير، ووظفتها لصالحها على حساب الأمن المائي المصري.
الآن، تكتنف الخيار العسكري صعوبات جمة، فالهجوم عسكريا على السد لتدميره يُشكل خطرا شديدا على السودان، بما يشبه يوم القيامة، لمدينتي الخرطوم وأم درمان، وربما يمحوهما، بخلاف مخاطر أقل على مصر نتيجة الطوفان الذي سيتولد عن اندفاع المياه المخزنة خلفه والمفترض بلوغها 74 مليار متر مكعب.
لذا ينبغي التوقف فورا عن هذه المفاوضات العبثية التي لا طائل من ورائها، وثبت يقينيا عدم جدواها طوال السنوات الثماني الماضية. وقد يكون مناسبا إعلان مصر سحب توقيعها على اتفاق المبادئ، استنادا إلى عدم التزام إثيوبيا بمضمونه، مع البحث عن سيناريوهات وخطط أخرى أكثر نجاعة للتعامل مع إثيوبيا.
إن نهر النيل هو قضية وجود لمصر، وليس بوسعها التفريط في حصتها المائية تحت أي ظروف أو ضغوطات، وعليها أن تُعيد حساباتها وتختار آليات مختلفة وفعالة للتعاطي مع قضية سد النهضة.
سعيد السني – الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أجواء كانت مشحونة بالحيوية.. صعود وهبوط السينما في المغرب
يتذكر عمر إدريسي سينما الريف، دار السينما التي يبلغ عمرها 86 عاما ولا تزال قائمة في الساحة الكبرى بطنجة، "كان التدخين مسموحا به في الداخل. كان أول ما يرحِّب بك عند دخول المبنى سحابة كثيفة من الدخان".
كانت تذاكر السينما أرخص كثيرا في سبعينيات القرن العشرين عندما كان إدريسي، وهو من عشاق السينما المحليين، يزور السينما، حيث كانت تُكلف درهما واحدا فقط (0.10 دولار) للدخول وشطائر ومشروبات غازية. أما اليوم، فإن سعر التذكرة قد يبلغ نحو 50 درهما (5 دولارات) ومشروبات غازية نحو 15 درهما (1.5 دولار).
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ناشرون في المهجر: هذا دورنا في نشر الثقافة العربية بأوروباlist 2 of 2متى بدأ الاحتفال باليوم العالمي للرجل؟end of list"بالطبع، في ذلك الوقت كان علينا أن نضع كراسينا الخاصة (إذ لا توجد مقاعد ثابتة)، وكان المكان رثًّا إلى حد ما، لكننا كنا نقضي فترة ما بعد الظهيرة بأكملها في سعادة قدر الإمكان"، كما يقول ضاحكا.
يبرز مبنى سينما الريف المصمم على طراز الفن الزخرفي "آرت ديكو" (المستوحى من طراز فنون وعمارة وتصميم داخلي فرنسي ظهر في بداية القرن العشرين وتأثر بالمدارس التكعيبية والحداثية الجديدة) من بين حشد من المطاعم المطلية باللون الأبيض والمباني المغلقة في جراند سوكو، وهي ساحة غريبة محاطة بأشجار النخيل تمثل مدخل المدينة القديمة في المدينة.
تم ترميم هذا المبنى وتزيينه بطلاء أحمر جريء وملصقات أفلام ملونة مؤخرا، ويمكن الآن العثور على كراسي حمراء فخمة وشاشة بيضاء ساطعة داخل المسرح المتألق.
تشكّل التغييرات الأخيرة جزءا من قصة صعود وهبوط سينما ريف، فقد افتُتح هذا المكان في الأصل عام 1938، وتغير بشكل كبير عما كان عليه خلال سنوات المراهقة التي قضاها إدريسي في السبعينيات.
سينماتيك طنجة (سينما الريف) أول مركز ثقافي سينمائي بشمال أفريقيا (شترستوك) "مساحة آمنة" للهروبغالبا ما يُنظر إلى الفترة التي يصفها الإدريسي على أنها ذروة السينما المغربية، فبحلول ثمانينيات القرن العشرين، كانت حوالي 240 دار سينما في جميع أنحاء البلاد تكتظ بانتظام بعشاق السينما، وقد تم شراء أكثر من 42 مليون تذكرة سينما كل عام، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن عدد سكان المغرب الذي بلغ حوالي 19.5 مليون نسمة عام 1980، ومع ذلك، تم بيع المزيد من التذاكر في السوق السوداء.
يتذكّر الصحفي والناشط الاجتماعي أحمد بوغابة كيف عاش في الرباط خلال تلك الفترة، فيقول إنه كي يشتري تذاكر سينماه المفضلة، سينما رينيسانس (النهضة)، كان عليه أن يصل قبل الموعد بساعة وينتظر في طابور.
ويضيف بوغابة "إذا تأخرت، كان عليك شراء تذكرتك من السوق السوداء، وكانت الأسعار دائما مرتفعة ومكلفة للغاية".
سينما لوتيسيا بالدار البيضاء في الخمسينيات (سينما رينيسانس (النهضة))كان هؤلاء الباعة في السوق السوداء يجمعون تذاكر الأفلام الشهيرة لبيعها بأسعار مرتفعة، وكانوا يقيمون متاجرهم في زوايا الشوارع المظللة والأزقة الخفية لتجنب موظفي دور السينما والسلطات.
وتتذكر نجوى الهيثمي، صاحبة صالة عرض محلية في طنجة، مستويات مماثلة من الشعبية في دور السينما بطنجة، وتتذكر الهيثمي أن دور السينما كانت خلال ثمانينيات القرن العشرين نقطة التقاء رئيسية للمراهقين والشباب.
تروي لمياء بنجلون، مبرمجة ومديرة مجتمع سينما لوتيسيا في الدار البيضاء، التي افتُتحت لأول مرة في عام 1953، قصة أخرى فتقول "لقد حضرنا مؤخرا العرض الأول لفيلم أسماء المدير، أم كل الأكاذيب. زارت أسماء السينما لحضور العرض، وأخبرت الجمهور أن موعد والديها الأول كان في لوتيسيا".
وكانت دور السينما أيضا أماكن للتعرف على بلدان وثقافات مختلفة.. تقول الهيثمي "كنا نأتي لمشاهدة الأفلام الهندية، وهوليوود على وجه الخصوص".
مشهد خارجي لسينما لوتيسيا ليلا في الخمسينيات (سينما رينيسانس – النهضة)ويتذكر بوغابة سفره من الرباط إلى الدار البيضاء لحضور العروض الأولى للأفلام الجديدة "يستغرق الوصول إلى هناك بالسيارة حوالي ساعة ونصف، لكن الجو كان مليئا بالإثارة.. هذا هو أفضل شيء في زيارة السينما. يمكنك أن تشعر بطاقة وعاطفة من حولك وأنت تشاهد الفيلم، إنها تجربة مشتركة".
كان إحدى المؤسسات التي استضافت العروض الأولى بانتظام خلال هذه الفترة هو مسرح سينما لوتيسيا، والذي كان، إلى جانب سينما ريالتو الأقدم ذات طراز آرت ديكو والتي افتتحت عام 1929 ولا تزال تعمل حتى اليوم، من بين الأماكن الأكثر شعبية في المدينة.
تقول بنجلون وعيناها تلمعان "يحكي لي والدي وخالاتي قصصا عن كيف اعتاد الناس ارتداء الملابس الأنيقة لمجرد القدوم لمشاهدة فيلم. كانت الرحلة إلى السينما مناسبة يتطلع إليها الناس بفارغ الصبر".
ملصقات الأفلام القديمة معروضة في سينما لوتيسيا بالدار البيضاء (الجزيرة) انحدارمع نهاية الثمانينيات وحتى التسعينيات، بدأت دور السينما في المغرب بالإغلاق، ففي طنجة أغلقت جميع المؤسسات الشهيرة مثل سينما روكسي وسينما باريس وسينما موريتانيا خلال هذه الفترة، وكانت سينما ليبرتي في الدار البيضاء ضحية أخرى.
بحلول زمن الربيع العربي عام 2011، كانت دور السينما في المغرب قد أصبحت قديمة الطراز إلى حد كبير، ويمكن أن يُعزى هذا جزئيا إلى توافر أشكال أخرى من الوسائط الإعلامية، بما في ذلك أقراص الفيديو الرقمية، والتلفزيون الفضائي، وفي نهاية المطاف إطلاق خدمات البث عبر الإنترنت.
يقول بنجلون "بدأ المجتمع يتحرك بسرعة أكبر. أراد الناس وسيلة سهلة لمشاهدة الأفلام، وليس بالضرورة قضاء فترة ما بعد الظهر في الخارج، ونتيجة لهذا أغلقت دور السينما المحلية المفضلة، مثل سينما ليبرتي في الدار البيضاء".
لقد تركت مؤسسات مثل سينما ليبرتي وسينما سعادة، في الدار البيضاء أيضا، مهجورة تماما.. يقول بنجلون بحزن "لقد تم تدمير أو هدم أماكن أخرى، وحلت محلها أبراج سكنية أو مبانٍ سكنية شاهقة الارتفاع".
تمكنت دار السينما لوتيسيا من البقاء مفتوحة، على الرغم من أن بنجلون توضح أن المبنى أصبح في حالة سيئة إلى حد كبير منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21. وتوضح "لم نكن نكسب ما يكفي من المال لتنفيذ الإصلاحات والتجديدات عندما كانت هناك حاجة إليها".
جهاز عرض أفلام قديم يقف عند مدخل سينما لوتيسيا بالدار البيضاء (الجزيرة)وفي استجابة لحالة تراجع دور السينما في البلاد، بدأ المركز السينمائي المغربي، وهو مؤسسة إدارية عامة ترأسها وزارة الثقافة، في إصدار التمويل للمساعدة في مشاريع التجديد، والهدف الرئيسي للمركز هو تعزيز واستعادة صناعة السينما داخل البلاد.
وكان مسرح سينما لوتيسيا إحدى المؤسسات التي حصلت على أموال في عام 2019.
اليوم، عادت السينما إلى مجدها الأصلي، حيث يمكنك أن ترى تفاصيل آرت ديكو، بما في ذلك الأبواب الجلدية المزخرفة والأحرف العريضة، في جميع أنحاء المبنى، كما يتم عرض أجهزة العرض القديمة خارج غرفة العرض، والتي تم تجهيزها بمقاعد حمراء مميزة وستائر مخططة غريبة.
تم ترميم سينما الريف في طنجة بالطريقة نفسها، وذلك تماشيا مع تصميم فن زخرفي "آرت ديكو" التقليدي في الفترة التي تم فيها بناء العديد من دور السينما هذه.
تصطف الملصقات الملونة خلف خزائن زجاجية على واجهة المبنى. وتوضح هذه الملصقات البرنامج المقبل للأسبوع، وهي مزينة بصور مستقبلية من فيلم خيال علمي عالمي مثير، إلى جانب بعض الصور الأكثر ضبابية من أفلام مستقلة محلية الصنع.
أصبح مقهى الشارع خارج سينما الريف مرة أخرى نقطة التقاء شعبية (الجزيرة)على طول الرصيف أمام المبنى، تستضيف الكراسي الخشبية المنحنية والطاولات الكستنائية الزوار الذين يحتسون مشروباتهم الغازية من زجاجات الصودا الزجاجية القديمة.
يستمر مقهى السينما في الداخل، حيث تتكدس الأرائك الجلدية البالية وكراسي البار إلى جانب مكتب التذاكر الزجاجي، ومرة أخرى، أصبح المقهى مركزا ثقافيا في طنجة، ويحافظ على تدفق ثابت من الزوار في أي وقت.
يقول إدريسي للجزيرة إن زيارة المكان تثير لديه الحنين إلى الماضي، "ولا تزال هناك تفاصيل كثيرة من تلك التي اعتدتُ زيارتها قبل سنوات، ولكن الآن أصبح المكان متاحا لجيل جديد تماما".
شمس الدين نواب، شاب نحيف ذو عينين واسعتين، يبلغ من العمر 27 عاما، وهو المدير الفني لسينما الريف في طنجة، يتولى نواب مسؤولية معالجة الصوت وتشغيل أجهزة العرض، كما يساعد أحيانا في اختيار البرنامج الأسبوعي، ويكتب حاليا أول سيناريو لفيلمه في وقت فراغه.
مكتب التذاكر الذي تم ترميمه في سينما الريف بطنجة (الجزيرة)يقول "عندما بلغت سن المراهقة، كانت معظم دور السينما قد أغلقت أبوابها. نشأت وأنا أشاهد الأفلام على التلفاز وأشتري أقراص الفيديو الرقمية من المتاجر المحلية.. إن ترميم مؤسسات مثل الريف أعطاني فرصة حقيقية لتجربة ثقافة السينما".
أغلقت سينما رينيسانس (النهضة) في الرباط أبوابها عام 2006، وظلت مغلقة لعدة سنوات قبل أن تبدأ عملياتها على نطاق صغير مرة أخرى عام 2013، وبعد سلسلة من أعمال التجديد المهمة، أعاد المكان فتح أبوابه بالكامل عام 2017 كمركز ثقافي متعدد الأغراض.
يقول مروان فشان، المدير التنفيذي لسينما رينيسانس (النهضة)، "قبل أعمال التجديد، كانت قاعة العرض مكتظة بأكثر من 700 مقعد. وكانت الأرضيات الخشبية متشققة ويبدو أن الفئران كانت تسكن المكان أيضًا!".
تم تنفيذ أعمال تجديد أنيقة في جميع أنحاء المبنى، مع بلاط أحادي اللون وكتابات ذهبية تكريما لتراث فن الآرت ديكو في المدينة، والآن يتوفر 350 مقعدا للضيوف، حيث يوفر العدد المخفض مساحة أكبر للأرجل وتدابير أمان حديثة.
مدخل سينما رينيسانس (النهضة) في الرباط بالمغرب (سينما رينيسانس (النهضة)) إعادة تصميم وتصورلكن جهود الإحياء كانت لا بد أن تأخذ في الاعتبار الأذواق الحديثة. يقول فشان "كان علينا أيضا أن نتكيف مع المساحات بحيث تتناسب مع المجتمع الحديث".
ومن الأمور المشتركة بين مسرح سينما لوتيسيا وسينما طنجة وسينما رينيسانس (النهضة) أنها أصبحت تُسمى الآن "مراكز ثقافية متعددة الأغراض"، فبالإضافة إلى العروض، تستضيف المسارح حلقات نقاش وفعاليات موسيقية ومهرجانات سينمائية.
ويوضح فشان "من المهم أن تميز دور السينما نفسها عن خدمات البث والتلفزيون".
"يعيش أحد أصدقائي في مكناس، ولا توجد هناك دار سينما، لذا فهو يحضر بناته بالقطار إلى المدرسة في صباح كل يوم الأحد، ويتناولون الفطائر بعد ذلك ثم يعودن إلى المنزل"، يضحك فشان قائلا "رحلة القطار تستغرق ساعتين".
يبدو أن مفهوم مشاهدة فيلم كرحلة بعد الظهر وفرصة للتواصل الاجتماعي يعود أيضا إلى الواجهة.
عرض في مهرجان كناوة بسينما رينيسانس (النهضة) التي أصبحت مركزا للأحداث الثقافية والتبادلات (سينما رينيسانس (النهضة))تفتخر سينما رينيسانس (النهضة) بكونها مكانا لمناقشة وتبادل الأفكار، وقد اكتسبت مهرجاناتها السينمائية الدولية شهرة خاصة على مدار الأعوام القليلة الماضية.
خلال مهرجان الفيلم الإيطالي الذي نظمته المنظمة في سبتمبر 2022، عرضت السينما مجموعة من الأفلام المستقلة المصنوعة بالبلاد.
و"بعد ذلك، ناقش الحضور الموضوعات التي تناولتها الأفلام"، كما قال فشان "كانت طريقة رائعة لتبادل الأفكار وخلق روابط بين المجتمعات المختلفة".
وتركّز دور السينما المغربية المتجددة على النهوض بصناعة السينما المحلية أيضا، فقد عرضت سينما الريف مؤخرا فيلم Sound of) Berberia)، وهو فيلم مستقل عن اثنين من الموسيقيين الشباب الذين يسافرون عبر شمال أفريقيا في مهمة لاكتشاف الموسيقى الأمازيغية الإقليمية.
في مسرح لوتيسيا السينمائي بالدار البيضاء، تم تنظيم برنامج واسع من الأفلام المغربية، بما في ذلك عروض "أنيماليا" لصوفيا العلوي (2023)، و"أم كل الأكاذيب" لأسماء المدير (2023)، و"صحارى" لفوزي بن سعيدي (2023) و"ملعون لا تبكي" لفيصل بوليفة (2022).
يقول فشان بحيوية "لقد ساعدتنا كل هذه التغييرات في إعادة تركيز المشهد الثقافي لدور السينما، فهي لا تُعاد إحياؤها للجيل الأكبر سنا فحسب، بل إنها تناسب أذواق الجيل الأحدث أيضا".