سد النهضة وحصة مصر المائية “الاستعمارية”.. ما المشكلة؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
يتواصل الفشل لـ “المفاوضات الثلاثية” الجارية على مدار السنوات الثماني الماضية بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، والدائرة بين مصر والسودان (دولتي المصب)، وبين إثيوبيا (دولة منبع). وشهدت الساعات الأخيرة تبادلا للاتهامات بين مصر وإثيوبيا، على خلفية فشل الجولة الجديدة من هذه المفاوضات الثلاثية المُنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (يومي 23، 24 سبتمبر/ أيلول الجاري).
واستهجن بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية عقب المباحثات مطالبة مصر بحصة “استعمارية” من المياه، وتمسكها بما وصفه البيان بـ “معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية”، في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، اللتين عقدتهما بريطانيا (دولة الاحتلال لمصر والسودان) وإثيوبيا بتحديد حصة مصر المائية، وإلزام إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على النيل، من شأنها إعاقة تدفق النهر، إلا بموافقة مصر.
البيان الإثيوبي انتقد نهج الوفد المصري الذي يقوض “اتفاق إعلان المبادئ عام 2015″، الموقع في العاصمة السودانية (الخرطوم)، بين الدول الثلاث.
في المقابل، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفض مصر لسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع على 100 مليون مصري، لافتا إلى معاناة مصر من نُدرة مائية، وعجز في احتياجاتها المائية يصل إلى 50%.
من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية المصرية رفض الجانب الإثيوبي لـ “الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب”، وذلك تراجعا عن توافقات سابقة. عليه، يمكن الجزم بأن الفشل هو المصير الحتمي للجولة القادمة من المباحثات بين الدول الثلاث المقرر انعقادها الشهر المقبل في العاصمة المصرية (القاهرة).
تاريخيا، يرتبط المصريون بنهر النيل، فحياتهم لا تستقيم بدونه، قامت عليه حضاراتهم منذ القدم، فهو المصدر للعمران والخصوبة والري لـ “الأراضي الزراعية”، التي تشغل حيزا اقتصاديا كبيرا، كما للنيل استغلال سياحي يُدِر عوائد دولارية على البلاد، بما مفاده أن هذا النهر يقترن بالرزق الوفير والخير لـ “المصريين”، الذين يتمركز غالبيتهم على ضفافه أو بالقرب منها.
يبلغ طول نهر النيل 6670 كيلومترا، تنحدر مياهُه من “بحيرة فيكتوريا” للمياه العذبة، والممتدة بين أوغندا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا، وتبلغ مساحتها 69 ألف كيلومتر مربع.
تقطع المياه مسافة تزيد على 3 آلاف كيلومتر، انطلاقا من النيل الأزرق بمرتفعات إثيوبيا (بنسبة 85%)، حتى تصل إلى الحدود المصرية مرورا بدولة جنوب السودان، ثم السودان.
لماذا تتهم إثيوبيا الوفد المصري المفاوض بتقويض اتفاق المبادئ (الخرطوم- مارس/ آذار عام 2015)؟ تكمن المشكلة في إصرار إثيوبيا على اعتبار النيل، نهرا إثيوبيا خالصا، وشأنا خاصا بها، وهو ما ترفضه مصر، استنادا لـ “القانون الدولي”، الذي يُعده نهرا دوليا، ويعترف لها باتفاقيتي 1902 و1929، اللتين تحميان حقوق مصر المائية، عملا بمبدأ “توارث المعاهدات”، الذي يسري على اتفاقيات الأنهار.
البادي من سياق البيانات والتلاسن الإعلامي بين مصر وإثيوبيا وجود خلافات مستمرة حول سبل مواجهة فترات الجفاف، والجفاف الممتد، والسنوات التي تكون فيها المياه شحيحة، نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي وافتقاده للمرونة، رغم أن بوادر الجفاف بدأت تظهر في السودان.
كما أن هناك تناقضا في تفسير بنود اتفاق المبادئ، فإثيوبيا تراه منفصلا عن الاتفاقيات السابقة التي تعتبرها استعمارية (1902 و1929). أما مصر، فتراه مكملا وإطارا حاكما للتفاوض، حول قواعد الملء والتشغيل للسد. الإثيوبيون يريدون التنصل نهائيا من هاتين الاتفاقيتين والخلاص منهما، كونهما -بحسب إثيوبيا- من نتاج الحقبة الاستعمارية، وانعقدتا دون إرادة منها، وهو ما لا تُقره القوانين الدولية كما سلف القول. بينما المصريون لا يملكون التنازل عنهما، كونهما السند لحقوقهم المائية في نهر النيل. لذا، فإن إثيوبيا منذ البداية اتخذت نهجا يعتمد على المناورات وشراء الوقت، وهو ما نجحت فيه، مقابل تراخي وليونة المفاوض المصري، أملا في تليين الموقف الإثيوبي، دون جدوى.
لكن ما الخيارات المُتاحة أمام مصر للتعامل مع إثيوبيا، وإجبارها على المضي قُدما إلى اتفاق متوازن يحفظ الحقوق المائية المصرية؟
تقديري أن مصر لم تكن موفقة منذ البداية حين استبعدت خيار استخدام القوة العسكرية لضرب السد والحيلولة دون اكتماله. فالتلويح بالقوة كان يمكنه ردع إثيوبيا، حتى دون استعمالها، بل ربما يُغني عن استخدامها، إذا ما أدرك الخصم توفر الإرادة لاستخدامها.
استبعاد فكرة الخيار العسكري جاء صريحا وواضحا في بواكير الأزمة، وبدلا مما كانت تستهدفه مصر من مرونة وإبداء لحسن النية، وبناء الثقة والتعاون مع إثيوبيا، فإن الأخيرة قرأت الرسالة على نحو مُغاير، ووظفتها لصالحها على حساب الأمن المائي المصري.
الآن، تكتنف الخيار العسكري صعوبات جمة، فالهجوم عسكريا على السد لتدميره يُشكل خطرا شديدا على السودان، بما يشبه يوم القيامة، لمدينتي الخرطوم وأم درمان، وربما يمحوهما، بخلاف مخاطر أقل على مصر نتيجة الطوفان الذي سيتولد عن اندفاع المياه المخزنة خلفه والمفترض بلوغها 74 مليار متر مكعب.
لذا ينبغي التوقف فورا عن هذه المفاوضات العبثية التي لا طائل من ورائها، وثبت يقينيا عدم جدواها طوال السنوات الثماني الماضية. وقد يكون مناسبا إعلان مصر سحب توقيعها على اتفاق المبادئ، استنادا إلى عدم التزام إثيوبيا بمضمونه، مع البحث عن سيناريوهات وخطط أخرى أكثر نجاعة للتعامل مع إثيوبيا.
إن نهر النيل هو قضية وجود لمصر، وليس بوسعها التفريط في حصتها المائية تحت أي ظروف أو ضغوطات، وعليها أن تُعيد حساباتها وتختار آليات مختلفة وفعالة للتعاطي مع قضية سد النهضة.
سعيد السني – الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مدبولي: مصر لن تفرط بحقوقها المائية في النيل وستظل قادرة على حمايتها
حرص الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، على إتاحة الفرصة للصحفيين والإعلاميين لطرح استفساراتهم عقب انتهائه من حديثه في المؤتمر الصحفي الأسبوعي، الذي عقده اليوم بعد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء.
وردا على استفسار حول السد الاثيوبى، وتعليق الحكومة على التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والذي أكد خلالها الانتهاء منه بنسبة 100%، وأنه لم يضر دول المصب، أوضح رئيس مجلس الوزراء أن موقف مصر من السد الإثيوبي ـ والذي أعلنته منذ البداية ـ أنها ليست ضد التنمية في دول حوض النيل، بل على العكس من ذلك فنحن نرحب بأي مشروعات تنموية يتم تنفيذها في أي دولة من دول أشقائنا في الحوض، ولن نكون ضد أي تنمية فى هذه الدول، لكن بما لا يؤثر بالسلب على الدولة المصرية، وحقوقها في نهر النيل، مضيفا أن النهر يعد بالنسبة لنا هو المصدر الوحيد تقريبا للمياه في دولة معروفة في العالم بأنها أكثر دول العالم جفافا من حيث سقوط الأمطار.
كما أوضح رئيس الوزراء،أننا لم نكن معترضين أبدا على أي مشروعات، ولكننا نرى أن أي مشروعات يتم تنفيذها في دول حوض النيل لا بد أن تكون بالتعاون والتنسيق والتوافق مع بعضنا البعض، مشددا على أنه لا يزال هذا هو موقف مصر الثابت، وقد حاولنا على مدار السنوات الماضية مع أشقائنا في السودان أو إثيوبيا أن نصل إلى اتفاق يُقنن ويضمن لدول المصب (مصر والسودان) ألا تتأثر بالسلب من مشروع السد الاثيوبى، لكن للأسف لم يتجاوب معنا الجانب الإثيوبي، وبالتالي أعلنت مصر في مرحلة ما عن توقف التفاوض وتقدمنا لمجلس الأمن، ثم أعلنا بكل وضوح وما زلنا نعلن أن مصر ستكون حريصة على حماية حقوقها المائية بكل الوسائل الممكنة.
واستكمالا للتعليق على هذا الاستفسار، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه طوال كل هذه المدة التي كان يتم بناء السد فيها لم نكن متوقفين، بل كنا نسير في المسار الدبلوماسي، وفي نفس الوقت كنا نقوم بتنفيذ عدد كبير جدا من المشروعات في مجالات: الري والصرف الصحي ومعالجة المياه، بحيث نعمل على أن يكون التأثير الضار من إنشاء السد وملئه بأقل قدر ممكن على الدولة المصرية.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن هناك بالفعل تأثيرا ضارا وقع على مصر، لكن اليوم مع كل الإجراءات التي قامت بها الدولة نستطيع أن نقول إن مخزون ومستوى المياه في بحيرة السد العالي لم يتأثر، ولم يتأثر أحد أو شعر أن هناك نقصا في المياه، بالرغم من أن هذا الأمر كلفنا الكثير جدا من المشروعات الضخمة التي قامت بها الدولة.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي أنه لا يزال هناك التحدي مع موضوع تشغيل السد، فلقد تخطينا مرحلة البناء وملء السد، لكن الأهم هو مرحلة التشغيل، وهذا ما نتحدث عنه في المبدأ وهو أنه لا يصح أن تقوم دولة بتنفيذ مشروع بمفردها بمعزل عن أن يكون هناك توافق حوله.
وحول تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي قال خلالها إن مصر لم تتضرر وأنهم قاموا بالملء ولن يقبلوا أن يحدث ضرر لمصر أو السودان لاحقا وسنقوم بتعويضهما إذا حدث أي ضرر في كميات المياه التي تصل إليهما، علق الدكتور مصطفى مدبولي بأن هذا تصريح جيد لكننا نحتاج بدلا من أن يكون تصريحا أن يتم وضعه في صورة اتفاق تلتزم به الدول مع بعضها البعض طالما أن هذه هي النية وهذا هو التوجه بالفعل.
وأعاد رئيس مجلس الوزراء التأكيد أن مصر ليست ضد التنمية في أي دولة أفريقية ـ وعلى الأخص دول حوض النيل ـ فبالعكس نحن نساعدهم وننفذ معهم العديد من المشروعات التنموية، وأعلنا منذ أيام قليلة عن مبادرة لتمويل ودعم مشروعات تنموية لدول حوض النيل تحديدا حتى نساعدهم، لكن بما لا يجور أو يضر بمصالح مصر المائية، مؤكدا أن مصر لن تفرط في حقوقها المائية في مياه النيل، وستظل قادرة على حماية هذه الحقوق.
ورداً على سؤال عن كيفية انعكاس المؤشرات الإيجابية للاقتصاد التي استعرضها رئيس الوزراء خلال المؤتمر الصحفي على حياة المواطن، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن ذلك سيتحقق عندما يبدأ حدوث نوع من الاستقرار المالي؛ حيث سيقل التضخم وتبدأ معدلات النمو في التزايد، والأهم أيضاً عندما تبدأ نسبة الدين وخدمة الدين في الانخفاض، وكل ذلك سيسهم في استقرار الأسعار، وتمكن الدولة من زيادة إنفاقها على المشروعات التي تهم المواطن المصري خلال الفترة القادمة بصورة أكبر كما كان يحدث قبل هذه الأزمة، وبالتالي سيكون هناك استقرار في أسعار السلع وانخفاض بعضها، وحدوث نمو متزايد وبالتالي خلق فرص عمل أكبر للفترة القادمة.
وأضاف رئيس الوزراء أن هناك تحديا مهما لدى الدولة، حيث إن نسب البطالة حتى هذه اللحظة لدينا مقبولة جداً تصل إلى 6.5% ونطمح أن تنخفض لأقل من 6% خلال الفترة القادمة، لافتاً إلى أنه كلما كانت الدولة قادرة على خلق فرص عمل لشبابها كان هذا أفضل، وأن الدولة عندما تدخلت في تنفيذ مشروعات قومية لم تكن تستهدف زيادة النمو فحسب، وإنما توفير فرص عمل أيضاً، والدولة لا تريد لمعدلات البطالة العودة للتزايد مُجدداً، وهذا هو التحدي الذي يشغلها، حيث تشعر الحكومة بوطأة تداعيات ارتفاع الأسعار على المواطن، ونُركز خلال الفترة المُقبلة على استهداف المؤشرات السالبة وتحقيق تقدم فيها.
ورداً على تساؤل عن توقيت بدء المرحلة الثانية من المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتطوير الريف المصري، أوضح رئيس الوزراء أنه يتم العمل على إنهاء كل مشروعات المرحلة الأولى، وتم البدء في جزء من مشروعات الصرف الصحي ومياه الشرب للمرحلة الثانية، مشيرا إلى أن الانطلاقة الكبيرة للمرحلة الثانية ستكون اعتبارا من العام المالي القادم.
ورداً على تساؤل آخر حول برنامج الطروحات الحكومية، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن هذا الموضوع كان جزءاً من النقاش مع الصندوق، حيث اطمأنوا على التزام الدولة بتنفيذ هذا البرنامج، وتم تأكيد ذلك، كما سيتم من خلال وزير الاستثمار الإعلان قبل نهاية هذا الشهر عن الشكل الجديد لبرنامج الطروحات خلال الفترة القادمة.
ورداً على استفسار حول إمكانية تأجيل بعض المستهدفات كما طلبت الحكومة في إطار المراجعة الرابعة لصندوق النقد خاصةً في ضوء الإشادة بالاقتصاد المصري من المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي ووكالة "فيتش"، أكد رئيس الوزراء أنه بالفعل تمت مناقشة هذا الموضوع مع مديرة الصندوق، التي أبدت تفهماً كبيراً لهذا الأمر، وكان هناك توجيه لفريق المراجعة بمناقشة كيفية تنفيذه مع مصر، وقال: مرة أخرى عندما وضعنا مستهدفات مصر مع الصندوق وتم التوافق عليها والالتزام بها، كان ذلك في ظل ظروف استجدت عليها اليوم أمور جديدة وغير متوقعة، مثل الأزمة الحالية في الإقليم، ولذا فإن جزءا كبيرا جداً من النقاش مع بعثة الصندوق حالياً يدور حول كيفية تأجيل بعض المستهدفات السابقة حتى لا نمثل ضغطا على المواطن في المرحلة القادمة.
وتعقيبا على استفسار حول الأحاديث المُتداولة بشأن تعويم الجنيه، قال الدكتور مصطفى مدبولي: سبق الرد على هذا الأمر، ولكن للتأكيد إذا كان الصندوق نفسه ومؤسسة "فيتش" الأكثر تدقيقاً في المؤشرات الاقتصادية، أكدوا نجاح مصر في تطبيق نظام سعر صرف مرن، وبالتالي لن يكون هناك تعويم بمعنى كلمة تعويم، سيتحرك الدولار وينخفض طبقاً لمعطيات السوق، وليست الزيادة كما سبق التي وصلت إلى 40%، لكنه سيتحرك بشكل طبيعي وعادي بنسب بسيطة طبقاً لحركة السوق، وهو الشكل الصحي تماماً طبقاً للعرض والطلب، وأهم شئ أن يظل الجميع سواء المواطن والقطاع الخاص والشركات والخارج يرى أن الدولة لا تتدخل، لكن هناك ثقة بأن الأمور تسير بصورة جيدة، وما يتم تنفيذه على الأرض، وبالتالي لا داعي للقلق مع تحرك سعر الدولار من 48 إلى 49 أو الانخفاض مرة أخرى إلى 48، حيث سيظل هذا هو شكل التحرك ولن نتدخل مرة أخرى في هذا الأمر.
وأضاف رئيس الوزراء: هذا الأمر هو انطباع لدينا كمصريين، وهو أحد الملاحظات التي ذكرتها مديرة صندوق النقد الدولي، حيث قالت: من الواضح أن لدى المصريين موروثا يرتبط بالتعويم، وأنتم تجاوزتم هذا الموضوع، إلا أن هناك أهمية أن يتعود المواطنون على هذا الموضوع خلال الفترة القادمة، والمتعلق بمرونة سعر الصرف.
وعن التوسع في إقامة المزيد من المدن الجديدة وكيفية تمويلها، أشار رئيس الوزراء إلى أن مصر لديها أنجح تجربة على مستوى العالم في إنشاء المدن الجديدة، قائلاً:" لا يوجد دولة في العالم لديها هذه التجربة الناجحة"، مشيرا إلى أن ذلك لم يكن رفاهية من الدولة المصرية، بل يأتي في إطار الجهود للتعامل مع مشكلة الزيادة السكانية، حيث كان من الممكن أن يعيش نحو 107 ملايين مواطن على نحو 5%، أو 6% من مساحة مصر، وهي نفس النسبة من المساحة التي كان يقطنها من 50 عاما نحو 25 مليون مواطن.
وتساءل رئيس الوزراء: في حالة عدم التوسع في إقامة المدن الجديدة أين كان سيعيش الـ 107 ملايين مواطن؟، لافتا إلى أن أضعاف أضعاف الرقعة الزراعية كان سيتم القضاء عليها لتوفير مسكن لهؤلاء المواطنين، قائلا:" لم يكن هناك خيار للدولة المصرية سوى الاتجاه نحو تعمير الصحراء وتنميها لمواجهة هذه الزيادة السكانية واستيعابها".
وأضاف: حينما لم تتمكن الدولة المصرية من الإسراع في تنفيذ المدن الجديدة بصورة كبيرة أدي ذلك إلى ظهور المناطق العشوائية، التي تبلغ تكلفة التعامل معها أضعاف أضعاف تكلفة إقامة مدن جديدة، مؤكدا أن التخطيط لإقامة المدن الجديدة ليس رفاهية، بل ذلك يأتي في إطار جهود الدولة لتوفير المسكن الملائم للشباب، وكذا الحفاظ على الرقعة الزراعية، قائلا: ما يتم بناؤه من مدن جديدة هي للأجيال القادمة، وهي بالمثل كالمدن التي نعيش بها حاليا التي بناها الجيل السابق كمدينة 6 أكتوبر والشيخ زايد والسادات وغيرها، واليوم نحن الذين نستفيد منها.
وعن التمويل الخاص بإقامة المدن الجديدة، أوضح رئيس الوزراء أن هناك هيئة اقتصادية هي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، منشأة كهيئة اقتصادية بعيداً عن موازنة الدولة تستهدف إقامة المدن الجديدة مثلها كأي مطور عقاري، ضارباً المثل في هذا الصدد بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث كانت القيمة الاسمية لمتر الأرض مع بداية التنفيذ تصل إلى 100 جنيه، واليوم وصل سعر متر الأرض بها إلى رقم كبير، مؤكدا أن هذا يعد دخلا للدولة، إلى جانب تنفيذ تنمية مخططة تتضمن العديد من الخدمات دون تحمل الدولة أي أعباء مالية.
وفي الوقت نفسه، أشار رئيس الوزراء إلى أن مساحة الرقعة المعمورة في مصر حالياً وصلت إلى 14% مقارنة بـ 7% عام 2014، مؤكداً الاستمرار في جهود زيادة الرقعة المعمورة في مختلف الاتجاهات على مستوى الجمهورية، وذلك على الرغم من التكلفة الكبيرة لهذا الأمر.
وأضاف رئيس الوزراء أنه تم إنشاء شركة لإدارة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهذه الشركة تحقق حاليا أرباحا نتيجة أعمالها.
وحول إدخال الذكاء الاصطناعي في عمليات التنمية العمرانية والتخطيط العمراني، أشار رئيس الوزراء إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس هو المستقبل بل أصبح الحاضر، وأنه يشمل مختلف مناحي الحياة.
ورداً على أحد الأسئلة التي طرحها الصحفيون حول مراكز البيانات، أشار رئيس الوزراء إلى أن العالم أصبح يتجه إلى مراكز البيانات، حيث تسعى الكيانات العملاقة الكبيرة إلى إنشاء هذه النوعية من مراكز البيانات على مستوى المناطق الجغرافية الاستراتيجية، وذلك لأنها مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وثورة المعلومات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مشيراً إلى أن مصر تعد دولة محورية بموقعها الجغرافي والتي تمثل نقطة عبور للغالبية العظمى للكابلات التي تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.
وقال: الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يشمل وجود مراكز بيانات للشركات العملاقة التي تقوم بتخزين بياناتها فيها ونقلها على مستوى العالم، لافتا إلى أن التوجه الجديد هو أن تكون هذه المراكز خضراء تعمل بطاقة كهربائية جديدة ومتجددة.
وفي السياق نفسه، أوضح رئيس الوزراء أن مشروع إنشاء مركز "كيميت" للبيانات الذي تم إنشاؤه بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس يأتي في إطار توجه الدولة المصرية نحو إنشاء هذه النوعية من المراكز، مشيراً إلى احتفالية سابقة افتتح من خلالها فخامة السيد رئيس الجمهورية واحدا من هذه المراكز التي تم إنشاؤها، مؤكدا أن الدولة تشجع القطاع الخاص المصري أو القطاع الخاص الخارجي لتنفيذ هذه النوعية من المشروعات لخلق فرص عمل كبيرة، مؤكدا أن مصر تعد مركزا إقليميا وعالميا في هذه النوعية من الصناعات الجديدة.
وفيما يتعلق بسؤال حول انتشار الشائعات الخاصة بالدولة بشكل كبير، ومدى وجود أزمة ثقة بين المواطن والدولة، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى لقائه الأسبوع الماضي بخبراء ومفكرين متخصصين في المجال السياسي، وهم قامات فكرية مصرية موجودة على الساحة السياسية منذ أكثر من 30 سنة، حيث أكد الخبراء والمفكرون أنه كان دائما هناك هذه الحالة من أزمة الثقة بين المواطن والدولة.
وتابع: هذا الموضوع ليس وليد اليوم فقط، فدائما ما كان يُثار، والأهم أن تلك الأزمة موجودة في كل الدول، ولكنها تزيد في ظل الأزمات، مثل الأزمات الاقتصادية، لافتا إلى أنه يدرك الأوضاع في الشارع المصري، ويقوم بجولات ويقابل المواطنين ويستمع إليهم، موضحا أنه برغم أن المواطن يدرك حجم التحديات، فإنه يهتم بالأساس بظروف معيشته واحتياجات أسرته ومستوى الأسعار مقارنة بالمرتبات.
وقال: هذا ما يجعل المواطن، في تلك المرحلة، عُرضة لهذه النوعية من الأخبار السلبية، والحل في هذا الأمر هو أنه كلما تعمل الدولة على حل مشكلات التضخم والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن البسيط، يؤدي ذلك لزيادة الاستقرار بالدولة، مضيفا: كلنا نعمل بهدف أن تكون الدولة مستقرة وآمنة، خاصة في ظل الظروف المحيطة، وكلما تحسنت الظروف الاقتصادية شعر المواطن بأن الضغط الواقع عليه يقل، وبالتالي تزداد ثقته في الأوضاع القائمة وفيما تعلنه الدولة.
وفي الوقت نفسه، أكد رئيس مجلس الوزراء أن الدولة تعي تماما هذا الأمر وتعمل في سبيل تحقيق استقرار الدولة الذي لن يتم إلا باستقرار الوضع الداخلي وأن يشعر المواطن بأن الأمور تتحسن، فمصر قادرة على مواجهة الأوضاع الخارجية وهذا ما أكده فخامة الرئيس، حيث دائما ما كانت رسالة سيادته للمواطن هي أن نحافظ على التماسك والاستقرار الداخلي.