البرهان: لا نرفض السلام الذي يحفظ للسودان سيادته وكرامته وعزته
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
أكد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة بالسودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أنه لا أحد يرفض السلام ولكن يجب أن يكون سلاما يحفظ للسودان كرامتها وعزتها وسيادتها .
ونقل إعلام مجلس السيادة الانتقالي، عن البرهان القول في كلمة له بسلاح المدفعية بعطبرة، أمام قيادات الأجهزة النظامية وقادة الخدمة المدنية بولاية نهر النيل إن الحديث الذي تروجه قوات الدعم السريع المتمردة بشأن الديمقراطية والعدالة حديث مضلل وكاذب، مؤكدا تورطها في فض اعتصام القيادة العامة والتنكيل بالشعب السوداني.
وأضاف البرهان أن هذه الميليشيا كانت تنظر للدولة السودانية بعد 2019 باعتبارها غنيمة يجب الإجهاز عليها وأخذ نصيبهم منها، حيث لم تتوقف مطالبهم حتى في المشروعات القومية المدنية والعسكرية كالتصنيع الحربي وشركة زادنا وأرياب وغيرها من المشروعات، مشيرا إلى أن هذه المطالب كانت المحرك الرئيسي لحرب ال 15 من أبريل الساعية لتقسيم السودان.
ووصف البرهان ما قامت به قوات الدعم السريع من أفعال بأنه يمثل طعنة نجلاء في خاصرة الشعب السوداني، مشيرا إلى ما قامت به من انتهاكات جسيمة في حق المواطنين حيث سلبت أموالهم وممتلكاتهم وانتهكت حرماتهم فضلا عن التخريب الذي أحدثته في مؤسسات الدولة والأضرار التي لحقت بالبنى التحتية.
وأكد البرهان أن القوات المسلحة قادرة على ردع كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعب السوداني والنيل من كرامته وسيادته، مشيدا بمجهودات كل القوات النظامية بمختلف تشكيلاتها ووحداتها في التصدي للعدوان.
وأوضح البرهان أن ما حدث في ١٥ أبريل تقف وراءه أطماع شخصية لشخص أو شخصين أو مجموعة محددة بهدف ابتلاع الدولة السودانية، مؤكدا معرفتهم التامة ببدايات هؤلاء الأشخاص وكيفية تسللهم للسلطة ، وقال: هناك الكثير من الحقائق سيتم الكشف عنها في الوقت المناسب.
وجدد رئيس مجلس السيادة تأكيداته بأن القوات المسلحة ستمضي في إنهاء هذه الحرب سلما أو حربا، مضيفا نحن ماضون نحو الانتهاء من هذه الحرب وهذا السرطان الذي أصاب جسد الدولة، مضيفا: " هذا الجيش جيش الوطن وليس هناك أي جهة أو حزب لديها سطوة عليه".
وأشاد القائد العام للقوات المسلحة السودانية بمستوى الاستنفار الذي شمل معظم ولايات السودان من أجل الوقوف بجانب القوات المسلحة لنصرة إرادة الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة.
ووجه البرهان التحية إلى شهداء القوات المسلحة والشعب السوداني الذين لبوا نداء الوطن دفاعا عن سيادته وعزته وكرامته، موضحا في الوقت ذاته أن المدفعية تمثل رأس الرمح في معركة الكرامة التي تقودها القوات المسلحة، مؤكدا حرص قيادة القوات المسلحة على الاهتمام بسلاح المدفعية من خلال ترقية وتطوير إمكانياته وتزويده بالتقنيات الحديثة.، وأضاف البرهان أن هذه الحرب فرضت علينا ولم نختارها.
كما وجه البرهان حكومة ولاية نهر النيل بالمضي قدما في فتح المدارس للطلاب وانتظام العملية التعليمية وذلك لتفادي تعطيل العام الدراسي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البرهان السودان عبد الفتاح البرهان سلاح المدفعية الشعب السوداني
إقرأ أيضاً:
الثائر الجيد هو الثائر الميت: التصفيات الجسدية كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة في السودان
في قلب المشهد السياسي السوداني، حيث تتناسل الأزمات كأفاعٍ تتبدل جلودها دون أن تغيّر طبيعتها السامة، لا تزال الجبهة الإسلامية، بروافدها العميقة في الدولة، تمارس طقسها المقدّس في وأد الثورات. لم يكن إسقاط البشير في أبريل 2019 إلا لحظةً في سيرورة طويلة من الصراع بين إرادة التحرر وبين قوى الهيمنة، التي أعادت تشكيل نفسها داخل أجهزة الدولة، متخفيةً خلف قناع جديد، لتستمر في إنتاج الموت كأداةٍ لضبط المجال السياسي وإخضاع الإرادة الشعبية.
منذ اللحظة التي سقط فيها رأس النظام، بدأت الدولة العميقة في إعادة فرض سيطرتها على المشهد، محاولةً تحويل الثورة إلى لحظة خاطفة لا تدوم. لكن الشعب الثائر و شباب المقاومة، الذين واجهوا رصاص المجلس العسكري الانتقالي في مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019، كانوا يعلمون أن معركتهم الحقيقية لم تنتهِ، وأن إسقاط البشير لم يكن إلا الشجرة التي تخفي الغابة.
التقارير وقتها أشارت إلى أن عدد القتلى بلغ 203 شهداء، لكن الأرقام لم تتوقف عند هذا الحد، إذ كشفت لاحقًا المقابر الجماعية وتكدّس الجثث في المشارح عن 2500 شهيد، إضافةً إلى 357 إصابة، وممارسة عنف جنسي ضد 65 متظاهرًا، واغتصاب 31 من المعتصمات، وعشرات المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم. كما تم رمي بعض الجثث في النيل، في تكرار لذات التكتيكات التي استخدمها نظام الجبهة الإسلامية في التسعينيات.
كانت الجبهة الإسلامية، المتخفية في العتمة، تعمل على إعادة فرض سطوتها، مستخدمةً الجيش كأداة، تمامًا كما فعلت منذ أن اختطفت الدولة في 1989 عبر انقلابها على الحكومة المنتخبة، في عملية تفكيكٍ ممنهجةٍ للمؤسسات، وتحويلها إلى أدوات خادمة لأجندتها.
غير أن الدولة العميقة لم تكتفِ بإعادة إنتاج ذاتها سياسيًا، بل لجأت إلى استراتيجية أكثر وحشية، تقوم على تصفية كل من يشكل تهديدًا لاستمرارها. فعندما خرج الشباب في ديسمبر 2018، لم يكونوا يواجهون نظامًا سياسيًا فحسب، بل كانوا يواجهون بنيةً متغلغلةً في الجيش، وفي الاقتصاد، وفي المؤسسات، وفي الوعي العام.
يقول عبد الخالق محجوب: “إن القوى الرجعية لا تقتل مناضلًا، بل تقتل رمزًا، وتدفن معه فكرةً، لكنها تفشل دائمًا، لأن الأفكار تولد من جديد وسط الرماد.”
كانت الدولة العميقة أشبه بكائنٍ طفيلي، لا يموت بسقوط رأسه، بل يتحور ليستمر.
هذه البنية أدركت أن بقاءها مرهونٌ بإنتاج العنف، وأن أنجع طريقة لترميم سلطتها المختلة هي اغتيال الفاعلين الجدد في المشهد.
لكن العنف المادي لم يكن الأداة الوحيدة، فقد استُخدم الاقتصاد كسلاحٍ موازٍ للتصفية الجسدية. كانت الدولة العميقة تدرك أن سحق الثائر لا يكون فقط بالرصاص، بل يمكن أن يكون أيضًا بتجويعه وكسر روحه عبر الإفقار الممنهج.
في 25 أكتوبر 2021، كشف الجيش عن وجهه الحقيقي، عندما نفذ قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، منهياً بذلك أي وهم بأن الجيش قد ينحاز إلى الشعب. لم يكن هذا الانقلاب مجرد تغيير سياسي، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الثورة يجب أن تُدفن، وأن أي محاولةٍ لإعادة بناء السودان على أسس ديمقراطية ستُقابل بالحديد والنار.
لكن البرهان لم يكن وحيدًا في هذا الانقلاب، فقد حصل على دعم قوى إقليمية ودولية، وجدت في استمرار الحكم العسكري ضمانًا لمصالحها الاقتصادية في السودان. فالدول التي استفادت من عقود الفساد والنهب لم تكن مستعدة لرؤية تحول ديمقراطي يهدد امتيازاتها.
لقد أصبح السودان ساحةً مفتوحةً للتدخلات الأجنبية، حيث تتصارع الدول الإقليمية على النفوذ، مستغلةً الانقسامات الداخلية لتحقيق مكاسبها. مصر، التي ترى في حكم العسكر في السودان امتدادًا لمنظومتها، دعمت البرهان بصمت، بينما تحركت بعض دول الخليج لضمان بقاء النظام العسكري الذي يحفظ مصالحها الاقتصادية، لا سيما في القطاعات الزراعية والموارد المعدنية. في المقابل، وجدت روسيا، التي تسعى لتعزيز وجودها في أفريقيا، موطئ قدم لها عبر صفقات الذهب وشركات المرتزقة.
في هذه الدوامة من المصالح المتشابكة، ظل البرهان ثابتًا في مكانه، رغم أن كل من حوله قد تغيروا. فقد سقط البشير، وسُجن أعوانه، وتبدلت التحالفات، لكن البرهان بقي متمسكًا بكرسيه، وكأنه يرى في ذلك تحقيقًا لنبوءةٍ قديمة، و هي أن والده حلم ذات ليلة بأن ابنه سيكون له شأن عظيم.
لم يكن البرهان يقرأ السياسة بواقعيتها، بل كان مأسورًا بوهم شخصي، يرى فيه نفسه القائد الذي لا غنى عنه، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بوطن بأكمله.
يقول مهدي عامل: “ليست الهزيمة أن يُقتل الثائر، بل أن يُقتل الأمل في قلوب الجماهير. الطغاة يدركون ذلك جيدًا، ولهذا يحرصون على تحويل الموت إلى سياسة، والاغتيال إلى نظام حكم.”
ومع دخول السودان في أتون الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وجدت الدولة العميقة فرصةً ذهبيةً لتصفية الثوار تحت غطاء الفوضى الأمنية. فجأة، بدأت المليشيات الإسلامية، التي كانت تعمل سابقًا كأذرع خفية في الأجهزة الأمنية، في الظهور مجددًا، ولكن بأسلوب أكثر وحشية.
في الحاج يوسف، تم العثور على جثث خمسة من شباب المقاومة، مقيدة الأيدي، وعليها آثار تعذيب وحشي، وذُكر في تقارير الطب الشرعي أن بعضهم تعرّض للذبح.
وفي الحلفايا، ارتُكبت واحدة من أبشع المجازر، حيث تم إعدام أكثر من 60 شابًا في ميدان عام بدمٍ بارد، في مشهد أعاد للأذهان مجازر الإسلاميين في دارفور وجبال النوبة. كما وثّقت لجان المقاومة عمليات تصفية أخرى في مدني، الجزيرة، سنجة، والدندر، حيث تم إعدام الثوار بالرصاص وقطع الرؤوس، في عمليات موثقة بالفيديو، حيث بثّ القتلة جرائمهم في الميديا لإرهاب البقية.
يقول إدوارد سعيد: “القمع لا يقتل فكرة، بل يمنحها حضورًا مضاعفًا، لأن الفكرة التي تُقمع تتحول إلى ذاكرة جماعية تتناقلها الأجيال.”
في النهاية، قد تكون القاعدة لدى الطغاة أن “الثائر الجيد هو الثائر الميت”، لكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي أن الثائر الميت يترك خلفه فكرةً تصبح لعنةً تطارد قاتليه.
فالمعركة لم تكن يومًا بين سلطةٍ وشبابٍ أعزل، بل بين إرادة الحياة ومنظومة الموت، وبين زمنٍ جديدٍ يحاول أن يولد من رحم الخراب القديم.
إن الطغاة يراهنون دائمًا على النسيان، لكن التاريخ لا يُمحى، والأفكار لا تموت، بل تتحول إلى بذور تُزرع في وعي الشعوب، لتُثمر في يومٍ قد يبدو بعيدًا، لكنه حتمي.
zoolsaay@yahoo.com