إيقاف الحرب… حلم السودانيين الذي تبدده القذائف
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
مع اقتراب الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من شهره السادس، لم يعد السودانيون يحلمون بشيء سوى وقف هذه الحرب التي حوّلت حياتهم إلى جحيم، وطاولت آثارها جميع ولايات البلاد الـ18، وسط سقوط مئات الضحايا وتشريد الآلاف وتدهور الأوضاع الإنسانية وتدمير البنى التحتية. ومنذ اندلاع الصراع العسكري في 15 إبريل/نيسان الماضي، يعيش السودانيون حالة من الخوف والقلق والانتظار المتواصل للعودة إلى حياتهم الطبيعية، إذ تسببت الحرب في تشريدهم ونزوح 4.
ولم تفلح الهدن القصيرة التي توصل إليها الطرفان عبر مفاوضات غير مباشرة برعاية السعودية في مدينة جدة في إيقاف العمليات العسكرية، ووضع حد لمعاناة المواطنين، قبل أن يتم تعليق المفاوضات منتصف يوليو/تموز الماضي، بعدما تمسّك الجيش بضرورة التزام الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين والمواقع المدنية والخدمية.
دعوات لإيقاف الحرب
وتدور على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، حرب من نوع آخر، إذ يرفع الكثيرون شعار “لا للحرب” ويطالبون بإيقافها بأي وسيلة، بينما يدعو آخرون للاستمرار حتى القضاء على الدعم السريع. ويتهم المطالبون بإيقاف الحرب عناصر النظام السابق للرئيس المخلوع عمر البشير، بالوقوف وراء إشعال الحرب والدعوة لاستمرارها من دون الالتفات لمعاناة الناس.
أحمد الطيب: كثيرون رفضوا شراء المواد التموينية من أسواق المسروقات
وأعلنت مجموعات مدنية ونقابية سودانية عن مبادرات لإيقاف الحرب، وأطلقت شعارات مثل “لا للحرب” و”لازم تقيف” (يجب وقف الحرب) وحاولت تنظيم وقفات احتجاجية وندوات، لكنها تعرضت للمنع من قبل السلطات. وأعلنت “حركة أمهات السودان” بمدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق، عن وقفة احتجاجية ضد الحرب تحت شعار “نحلك يا قضية بدون صوت بندقية” في 29 أغسطس/آب الماضي، لكن الشرطة منعت الوقفة واعتقلت عدداً من المشاركات.
وفي 12 أغسطس الماضي، منعت الأجهزة الأمنية في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، “مبادرة لا لقهر النساء” السودانية من عقد ندوة بعنوان “أرضاً سلاح”. وذكرت المبادرة في بيان في 20 أغسطس الماضي: “عندما نرفع صوتنا برمي سلاح الطرفين، فذلك أكبر رفض لما نحن فيه من قتل ونزوح واغتصاب ولجوء.. الحرب التي تنادون بها هي من تغتصب حيواتنا”.
بدورها، اعتبرت “الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية” (تجمع منظمات سياسية ومهنية)، في بيان في 23 مايو/أيار الماضي، أن “لا للحرب” ليس موقف حياد بين الطرفين المتحاربين، بل موقف ضد الابتذال السياسي الذي سمح لهما بالتمدد في طموحاتهما السلطوية حتى اشتعلت الحرب. وأضافت الجبهة، أن الموقف ضد الحرب، والسعي لإيقافها لا يعني التعامي عن تسمية الأشياء بأسمائها وتحديد وإدانة مرتكبي الجرائم والانتهاكات المتعددة. وتابعت أن “مزايدات أنصار طرفي الحرب، سواء كانت مناصرة صريحة أو مستترة، لتجريم الموقف المضاد للحرب، ليست سوى ضوضاء على هامش كتاب التاريخ، ومجرد شخابيط لا قيمة لها”.
المواطن أحمد الطيب من سكان الخرطوم، يقول في حديث لـ”العربي الجديد” إن تبني شعار “لا للحرب” أو وقف الحرب أصبح أمراً لا بد منه بالنسبة للداعين لوقفها من جهة، وحتى لمن يأملون في حسمها عسكرياً من الجهة الأخرى، مؤكداً أن معاناتهم كمواطنين وصلت إلى الحد الأقصى ولم يعد بإمكانهم تحمل المزيد، لهذا يطالبون بإيقاف الحرب بأسرع ما يمكن.
ويشير إلى أن طول فترة الحرب واستمرارها إلى مشارف الشهر السادس، انعكس على المواطنين سواء كانوا من النازحين أو من الذين ظلوا متمسكين بالبقاء في منازلهم، محتملين أصوات الرصاص والمدافع بدافع حماية ممتلكاتهم، معتبراً أن الرابط المشترك بينهم هو تفاقم الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على عمل يقيهم مشقة الحياة، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني بالذات في المناطق المتاخمة للمعارك.
ماجد محمد علي: تحالف قوى “الحرية والتغيير” وخارجها لا يملك آلية ضغط على الطرفين
ويلفت الطيب إلى أنه على الرغم مما يعانونه من سوء الأوضاع المعيشية، إلا أنهم وكثيرين رفضوا شراء المواد التموينية من أسواق المسروقات، أو ما بات يطلق عليها “أسواق دقلو” (نسبة لقائد وحدات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ـ حميدتي)، والتي تُعد من أرخص الأسواق، بل إن بعض التجار يشترون منها السلع ويبيعونها للمواطنين بأسعار أغلى في مناطق أخرى، مؤكداً أنه كمواطن متضرر من هذا الصراع يبقى السؤال الأول بالنسبة له هو “متى تنتهي الحرب؟”.
المواطنون راغبون في وقف الحرب في السودان
من جهته، يقول الصحافي، ماجد محمد علي، لـ”العربي الجديد”، إن المواطنين يرغبون في وقف الحرب فوراً ومن دون أي شروط، باعتبارهم الضحية الأولى للمعارك، وبسبب تداعيات الحرب على حياتهم اليومية داخل مناطق العمليات وخارجها في مدن النزوح، لذلك من الطبيعي أن تتحرك الأجسام المعبرة عنهم من أجل المطالبة بوقف الحرب، وقد ظهرت محاولات عديدة في ولايات مختلفة وتم قمعها.
ويرى علي أن المشكلة الأساسية أن لكل الأطراف المتحاربة شروطاً مسبقة من أجل إيقاف الحرب، فالجيش لديه رؤية لوضعية الدعم السريع ودوره بعد الحرب، وهناك قطاعات واسعة تدعم ذلك، ولا يظهر الجيش تنازلات. أما الدعم السريع فتتمسك برؤيتها الخاصة حول مستقبل قواتها ووضعية قيادتها، وهي أقرب لما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع الحرب في 15 إبريل الماضي، وتسعى من خلال منبر جدة لتأمين ذلك.
ويضيف علي أن القوى السياسية داخل تحالف قوى “الحرية والتغيير” وخارجها لا تملك، على ما بدا، آلية ضغط على الطرفين من أجل الوصول لحل يقبله الجيش والدعم، ثم إنها تبدو متباعدة لحد بعيد تأسيساً على خلافات سابقة بشأن أجندة المرحلة الانتقالية وطريقة إدارتها. ويشير علي، إلى أن المخاطر التي تهدد وحدة البلاد وسيادتها تتطلب توحد الجميع على أرضية برنامج وطني يغلق الطريق على استمرار الحرب، وأيضاً يؤمنها من التدخلات الخارجية المتزايدة، ويفتح الطريق كذلك لعملية انتقال ديمقراطي تحظى بدعم الشعب ورضاه.
العربي الجديد
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع وقف الحرب لا للحرب
إقرأ أيضاً:
أكاديميون: ترامب يعود بالعالم لحقبة الفاشية في ثلاثينيات القرن الماضي
وسط حديث عن ضم أراض أوروبية وعجز في أوساط الدول الديمقراطية وفي ظل مشاهد أداء التحية النازية، يهيمن تقارب دونالد ترامب الصادم مع روسيا على مشهد جيوسياسي يعيد إلى الأذهان بالنسبة إلى كثيرين حقبة صعود الفاشية والرد الغربي الضعيف في ثلاثينيات القرن الماضي.
ورغم أن قرنًا يفصل بين الحقبتين، فإن مؤرخين على ضفتي الأطلسي يخوصون في أعماق تخلي ترامب عن عقود من المبادئ الأميركية والأوروبية في وقت يشهد فيه العالم حروبا ونزاعات.
وقال جون كونيلي المؤرخ من جامعة كاليفورنيا في بيركلي "نعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي لأنها كانت فترة حاسمة عندما كانت الديمقراطيات أمام امتحان وفشلت في وضع حد للدكتاتوريين".
وأفاد "في هذه الأيام، يتم الإقرار بأنه كان باستطاعتها تشكيل جبهة موحدة ضد هتلر وتجنّب الحرب".
وفي مثال على ذلك، أعادت إهانة ترامب العلنية للرئيس فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، ونبرته التصالحية حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد 3 سنوات على الحرب، إلى الأذهان ضم ألمانيا عام 1938 إقليم السوديت.
وبينما كانت سيطرة أدولف هتلر على المنطقة الواقعة في تشيكوسلوفاكيا حينذاك موضع خلاف، قبلت بها القوى الأوروبية لاحقا من خلال اتفاقية ميونخ التي فشلت في الحد من طموحات الفوهرر العسكرية.
إعلانعبّر زيلينسكي عن المخاوف ذاتها، وقال إن من شأن السماح لبوتين بالاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا أن يشجّعه على السيطرة على أراض أخرى، في مولدوفيا مثلا أو حتى في رومانيا المنضوية في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ويطمع ترامب نفسه بالاستحواذ على غرينلاند "بطريقة أو أخرى"، رغم أن الجزيرة جزء من الدانمارك، وهي عضو مؤسس لحلف شمال الأطلسي إلى جانب الولايات المتحدة.
مقارنة لا مفر منها
ويقول يوهان شابوتو -وهو فرنسي متخصص في ألمانيا النازية- إنه "لا مفر من المقارنة لأن معظم اللاعبين السياسيين -أي باختصار قادة العالم- يشيرون بأنفسهم إلى التطور الذي قاد إلى الحرب العالمية الثانية، وهو النازية".
وحتى قبل أن يؤدي مستشار ترامب الملياردير إيلون ماسك ما رأى فيها كثيرون تحية نازية، أثارت ولاية الرئيس الأولى جدلا واسعا بشأن الطبيعة الفاشية لحكمه.
وقال كبير موظفي ترامب في ولايته الأولى، جون كيلي، إن "التعريف العام للشخص الفاشي" ينطبق على ترامب. واتفق مساعدون آخرون له بينهم الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة للجيش الجنرال مارك ميلي مع هذه الرؤية.
وازداد الجدل مع تجاهل ترامب لأعراف الكونغرس منذ عودته إلى البيت الأبيض وتحرّكاته الرامية لإحداث انقلاب في الإدارات العامة والسياسة الخارجية.
ولطالما قاوم الخبير السياسي والمؤرخ الأميركي روبرت باكستون استخدام مصطلح "الفاشية"، معتبرا أنها "كلمة تولد التوتر أكثر مما تقوم بدور التوضيح".
لكنه تراجع عن موقفه بالنسبة لترامب حتى قبل إعادة انتخابه بأصوات أكثر من نصف الناخبين الأميركيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأشار باكستون إلى تشجيع ترامب أنصاره للهجوم على الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021، فيما سعى لانتزاع السلطة رغم خسارته الانتخابات قبل أسابيع على ذلك.
إعلانوقال باكستون لـ"نيويورك تايمز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن الفاشية لدى ترامب " تتفجر من الأعماق بطرق مقلقة للغاية، وهو ما يشبه بشكل كبير الفاشية الأصلية".
الحق مع الأقوى
منذ عودته إلى السلطة، يستحضر تجاهل ترامب للقانون الدولي وحربه التجارية مع الحلفاء والخصوم على حد سواء واستهزاؤه بالسيادة الوطنية، عقلية "الحق مع الأقوى" التي سادت بين الحربين العالميتين.
يشير المؤرخ الفرنسي والخبير بالمحرقة تال بروتمان إلى وجود "العديد من أوجه التشابه في ما يتعلق بالجمود السياسي وضعف بعض الأفكار المقبولة والدوس على القانون الدولي والاستخدام غير المقيّد للقوة والفظاظة مع حلفائه".
ويضيف "هناك تعريفات عدة للفاشية، لكن لدى جميعها صفة رئيسية هي القوة الضارية".
لكن أمورا كثيرة تغيرت أيضا على مدى القرن الماضي. تحقق كل من الولايات المتحدة وأوروبا ازدهارا اقتصاديا بشكل لم يكن من الممكن تخيله بعد الحرب العالمية الأولى والكساد الكبير، والتي وفرت أرضا خصبة لصعود أنظمة استبدادية في ألمانيا وإيطاليا.
وأشار كونيلي إلى أن "الغريب هو أن الولايات المتحدة انتخبت رجلا معاديا للديمقراطية رغم النمو الذي يشهده اقتصادها".
وبعد الحرب العالمية الثانية، أنشأ المجتمع الدولي مؤسسات لضمان التعاون وتجنّب سفك الدماء على غرار الأمم المتحدة والبنك الدولي.
كما تم تعزيز المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للتشجيع على احترام سيادة القانون.
وقال شابوتو "بعد العام 1945، قررنا حرفيا أن نجعل العالم أكثر تحضّرا ونجعله مدينة نحترم فيها القانون بدلا من قتل بعضنا بعضا".
لكن يبدو أن هذه الضوابط تلقت الآن ضربة قوية.
وقال كونيلي إن "هذه القوانين قائمة لكن المشكلة هي في أن إدارة ترامب لا تحترمها، وهو أمر مفاجئ بالنسبة للجميع".
إعلانوأضاف أن "الولايات المتحدة لم تستخلص العبر من التاريخ".