كيف تحوّل انتصار أكتوبر لهزيمة سياسية عربية شاملة؟
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
كيف تحوّل انتصار أكتوبر لهزيمة سياسية عربية شاملة؟
خلل جسيم أصاب مركز قيادة العالم العربي، في مصر، حين تصوّر السادات أن بمقدوره توظيف ما تحقّق من إنجاز عسكري لخدمة مصالحه الشخصية.
النظام العربي مصابٌ بنفس أمراض وعقد النظام المصري، الاستبداد والفساد، فمن الطبيعي أن يواصل تدهوره حتى وصل العالم العربي لوضعه المأساوي حاليا.
لأن النظام السياسي في مصر منذ ثورة 52 شديد المركزية والفردية، بمقدور أي صانع قرار، إن أراد، أن يتبنّى توجّهات مناقضة لما يطمح إليه الشعب المصري.
النهج الذي اختاره السادات أوصله لمأزق كبير، جسّده اغتياله في أحد أكثر مشاهد العنف حدّة في التاريخ المصري، إلا أنه نهج قابل لإعادة الإنتاج في أي دولة عربية.
لن يكون بمقدور النظام العربي التعامل بكفاءة مع أيٍّ تحدّيات، إلا إذا تمكّن من إصلاح الخلل البنيوي الذي تجسّده علاقة الخضوع والهيمنة الكاملة القائمة بين الحاكم والمحكوم.
استطاع النظام العربي أن يخطّط ويدير معركة عسكرية وسياسية كبرى مبهرة عام 1973، وفشل في البناء على منجزات تحقّقت، ما حوّل النصر العسكري تدريجيا لهزيمة سياسية شاملة.
* * *
تطلّ علينا، بعد أيام، ذكرى خمسين عاما على الحرب التي اندلعت في 6 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1973، وهي ذكرى تستحقّ التوقف عندها طويلا، لعلنا نستطيع أن نستخلص مما جرى في ذلك اليوم وبعده دروسا قد تفيد في استكشاف معالم الطريق نحو مستقبلٍ أفضل.
ففي الساعة الثانية والربع من بعد ظهر ذلك اليوم، شقّ الجيش المصري طريقه لعبور قناة السويس في اللحظة التي كان فيها الجيش السوري يشقّ طريقه نحو اجتياح هضبة الجولان.
وبعد ساعات قليلة، كان الجيش المصري قد نجح في وضع قدمه راسخةً على أرض سيناء المحتلة، كما كان الجيش السوري قد تمكن من السيطرة بالفعل على معظم هضبة الجولان المحتلة، وبات واضحا، بما لا يدع مجالا لأي شك، أن الجيش الإسرائيلي يواجه مأزقا عصيبا، وفي طريقه لتجرّع مرارة هزيمة كبرى، ربما لأول مرة في تاريخه.
ولا جدال في أن ما تحقق على صعيد العمليات الميدانية خلال الأيام الأولى من تلك الحرب كان كافيا لغسل عار الهزيمة التي سبق للعرب أن تجرّعوها عام 1967، واستبداله بشعور طاغ بنشوة نصرٍ لم تكن قد اكتملت أركانه بعد.
بالتوازي مع هذا المشهد العسكري البديع، كانت كواليس السياسة تزيح الستار عن مشهد عربي تضامني لا يقلّ روعة، سواء من الشعوب أو من النظم الحاكمة، خصوصا بعد قرار حكومات الدول العربية المصدّرة للنفط قطع إمدادات النفط أو تخفيضها عن الدول المنحازة لإسرائيل.
غير أن هذا الإحساس الطاغي بالفرح والانتشاء لم يدُم طويلا، خصوصا بعد اضطرار الأطراف المتحاربة لوقف القتال والقبول بقرار مجلس الأمن رقم 338، مفسحة بذلك المجال أمام الجهود الرامية إلى تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة، والتي قادها وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت هنري كيسنجر، والذي جاء إلى المنطقة على عجل، وبدأ على الفور جولاته المكوكية التي تمكّن خلالها من تغيير المعطيات الجيوسياسية للصراع العربي الإسرائيلي.
رغم مرور نصف قرن على تلك الأيام المجيدة من تاريخ العرب، لا توجد رواية مصرية أو سورية عما جرى فيها أو بعدها، بعكس إسرائيل التي أفرجت عن وثائق كثيرة، ومن ثم أصبحت لديها رواية رسمية تفسّر بها أسباب الانتكاسة التي منيت بها في الأيام الأولى لتلك الحرب.
وتشرح كيف استعاد الجيش الإسرائيلي زمام المبادأة، وكاد يلحق بمصر وسورية هزيمة ساحقة جديدة، لولا براعة كيسنجر ونجاحه في التوصل إلى اتفاقياتٍ لفضّ الاشتباك، مهّدت الطريق أمام العملية السياسية التي أفضت إلى خروج مصر من حلبة الصراع العسكري، والتوقيع على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل.
على الصعيد العربي، كل ما نعرفه مما كان يجري وراء الكواليس في تلك الفترة مستمدّ من تقارير صحافية أو تحليلات أكاديمية، معظمها أجنبية، فنحن نعرف من هذه التقارير والتحليلات، على سبيل المثال، أن الرئيس أنور السادات فتح قناة اتصال سرّية مع الولايات المتحدة قبيل الحرب.
وأنه كشف في أثنائها عن محدودية الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها في ذلك الوقت، وأنه ما أن التقى بكيسنجر عقب توقف القتال، حتى كشف له تفصيلا عن رؤيته المتكاملة للسياسات الداخلية والخارجية التي ينوي انتهاجها في مصر في مرحلة ما بعد الحرب.
وفي وسع كل متتبع لما جرى في مصر خلال تلك الحقبة أن يدرك أن رؤية السادات تلك كانت تدور حول فكرة محورية، مفادها أن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق الحلّ ومفاتيحه، وأنه يتطلع إلى التحالف معها، اعتقادا منه أن هذا سيؤدّي ليس إلى تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ للصراع مع إسرائيل فحسب، وإنما أيضا إلى الحصول على مساعداتٍ أميركية ضخمة، تكفل لمصر تحقيق نهضة اقتصادية كبرى.
ولأن السادات اعتقد أن حرب أكتوبر حقّقت له من الإنجازات ما لم يتمكّن عبد الناصر نفسه من تحقيقه، فقد تصوّر أن لديه من الرصيد الجماهيري ما يكفي لتمكينه من إعادة صياغة السياسة المصرية وفقا لرؤيته الخاصة.
ولتأكيد جدّية رغبته في التحالف مع الولايات المتحدة، شرع السادات في تفكيك المشروع الناصري خطوة خطوة، فتبنّى سياسة "الانفتاح الاقتصادي" بدلا من سياسة التخطيط المركزي، و"التعدّدية السياسية المقيدة" بدلا من نظام الحزب الواحد.. إلخ.
وعندما لم تؤت هذه السياسات أكلها سريعا، وهو ما كشفت عنه "مظاهرات الخبز" في يناير/ كانون الثاني 1977، لم يكن أمامه من طريق آخر سوى الهرب إلى الأمام، وهو ما يفسّر قراره بزيارة القدس عام 1977، والذي يعد من أخطر القرارات التي أدّت، في النهاية، إلى استسلامه الكامل للمطالب الإسرائيلية.
لم يتمكّن السادات خلال المفاوضات في كامب ديفيد أو بعدها من انتزاع أي تنازلاتٍ من إسرائيل لصالح قضية فلسطين، وأقصى ما حصل عليه منح الفلسطينيين حكما ذاتيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أدّى إلى توقف مصر عن التحدّث باسم الفلسطينيين في أي شيءٍ يخص قضية فلسطين والاكتفاء، في النهاية، بمعاهدة "سلام" تمكّنها من استعادة سيناء منقوصة السيادة.
وهي خطوة كانت لها انعكاسات سلبية هائلة، فقد قرّرت الدول العربية مقاطعة الحكومة المصرية ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس، ما أدّى إلى عزلة مصر عن عالمها العربي فترة طالت نحو عشر سنوات.
وعندما عادت في نهاية الثمانينيات، كان النظام العربي في حالة ضعف وإنهاك شديديْن، ومن ثم لم يتمكّن من احتواء أو معالجة الأزمة التي تسبب فيها الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، والتي كانت لها انعكاسات سلبية هائلة على النظام العربي، وعلى تطوّر الصراع مع إسرائيل.
فلأول مرة تشعر بعض الدول العربية بأن مصادر تهديد أمنها الوطني قد تنبع من داخل النظام العربي نفسه، وليس فقط من إسرائيل، وهو ما يفسّر مشاركة جميع الدول العربية وإسرائيل في مؤتمر مدريد في بداية التسعينيات، ثم اتجاه كل الدول العربية إلى البحث عن تسوياتٍ منفردة للصراع مع إسرائيل، بدليل توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقية أوسلو عام 1993، ثم توقيع الأردن على اتفاقية وادي عربة عام 1994.
ولأن النظام العربي لم يكن في حالةٍ تسمح له بإعادة بناء أو ترميم نفسه، فقد عجز عن بلورة رؤية جديدة لإدارة الصراع العربي الإسرائيلي تختلف عن النهج الذي سلكه السادات.
صحيحٌ أن النظام العربي استطاع في قمّة بيروت التي انعقدت عام 2002 بلورة رؤية جماعية للتسوية، تؤكد استعداد كل الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل والتوصل إلى تسوية شاملة إذا وافقت إسرائيل على الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية في الضفة الغربية وغزّة، غير أن إسرائيل تجاهلتها على الفور ولم تعرها أي اهتمام.
ولأنه لم تكن للنظام العربي أسنان حقيقية تمكّنه من فرض رؤيته، كان من الطبيعي أن يستسلم للضغوط الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت تصفية القضية الفلسطينية من خلال فرض نهج التسويات المنفردة، وهو ما بدا واضحا حين أقدمت كل من الإمارات والبحرين، ولاحقا المغرب والسودان، على التوقيع على اتفاقيات أبراهام.
وهو نهج ما زال مستمرّا، بدليل المفاوضات التي تجري حاليا بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، للتوصل إلى صفقة تسمح بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهو حدثٌ قد يشكل نقطة تحوّل جديدة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي وفي مصير القضية الفلسطينية.
أخلص مما تقدّم إلى أن النظام العربي، والذي استطاع أن يخطّط ويدير معركة عسكرية وسياسية كبرى مبهرة عام 1973، فشل في البناء على المنجزات التي تحقّقت، ما أدّى إلى تحوّل النصر العسكري بالتدريج إلى هزيمة سياسية شاملة، يمكن أن نرى مظاهرها، وأن نلمس آثارها في مختلف أنحاء العالم العربي.
ويعود هذا الإخفاق، في تقديري، إلى خلل جسيم أصاب مركز القيادة في العالم العربي، ممثلا في مصر، حين تصوّر السادات أن في مقدوره توظيف ما تحقّق من إنجاز عسكري لخدمة مصالحه الشخصية، وليس مصالح مصر الوطنية التي اعتقد أنها تتناقض مع مصالح مصر القومية.
ولأن النظام السياسي المطبق في مصر منذ ثورة يوليو 52 شديد المركزية والفردية، بمقدور أي صانع قرار مصري، إن أراد، أن يتبنّى توجّهات مناقضة لما يطمح إليه الشعب المصري.
صحيح أن النهج الذي اختاره السادات أوصله إلى مأزق كبير، جسّده اغتياله في واحد من أكثر مشاهد العنف حدّة في التاريخ المصري، إلا أنه نهج قابل لإعادة الإنتاج في أي دولة عربية.
ولأن النظام العربي مصابٌ بالأمراض نفسها، والعقد التي يعاني منها النظام المصري، خصوصا ما يتعلق منها بظاهرتي الاستبداد والفساد، فقد كان من الطبيعي أن يواصل تدهوره إلى أن وصل العالم العربي إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه حاليا.
لذا لن يكون بمقدور هذا النظام التعامل بكفاءة مع أيٍّ من التحدّيات الكثيرة التي تواجهه، إلا إذا تمكّن من إصلاح الخلل البنيوي الذي تجسّده العلاقة القائمة حاليا بين الحاكم والمحكوم، القائمة على الخضوع والهيمنة الكاملة، ونجح في إقامة نظم حكم وطنية تقوم على القانون والفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة والمتوازنة بينها.
وهذا هو الدرس الرئيسي الذي ينبغي أن نستوعبه من تأمّل ما جرى للعالم العربي وفيه منذ 1973.
*د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر انتصار أكتوبر النظام العربي النظام المصري جمال عبد الناصر أنور السادات هنري كيسنجر الدول العربیة العالم العربی مع إسرائیل وهو ما ما جرى فی مصر
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: غوغل سارعت لتزويد إسرائيل بتقنيات الذكاء الاصطناعي بعد 7 أكتوبر
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسارعة شركة "غوغل" لبيع أدوات الذكاء الاصطناعي وبرامجه إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم هجوم السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2023، وبدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.
وكشفت وثائق اطلعت عليها الصحيفة الأمريكية، أن الشركة استجابت لمطالب جيش الاحتلال الإسرائيلي لتزويدها بأدوات الذكاء الاصطناعي، حيث حاولت التنافس مع شركة أمازون.
وأشار التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن موظفي شركة غوغل عملوا على منح جيش الاحتلال الإسرائيلي منافذ للوصول إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تنتجها الشركة، ومنذ الأسابيع الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتظهر الوثائق الداخلية أن "غوغل" تساعد وزارة الحرب الإسرائيلية وجيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، على الرغم من جهود الشركة للنأي بنفسها علنا عن جهاز الأمن القومي الإسرائيلي بعد احتجاجات الموظفين ضد اتفاقية للحوسبة السحابية مع الحكومة الإسرائيلية.
وطردت الشركة 50 موظفا من العاملين فيها العام الماضي لأنهم احتجوا على توقيع الاتفاقية المعروفة باسم "نيمبوس" ولخشيتهم من أن التكنولوجيا التي تنتجها الشركة تساعد في برامج الجيش والمخابرات الإسرائيلية التي تسببت بأذى للفلسطينيين.
وفي الأسابيع التي تلت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، دفع موظف في الوحدة السحابية بالشركة وبشكل متزايد مطالب الوصول إلى تقنية الذكاء الاصطناعي المقدمة من وزارة حرب الاحتلال، حسبما تشير الوثائق.
وتشير هذه إلى أن الوزارة الإسرائيلية كانت تريد وبشكل ملح توسيع استخدامها لخدمات غوغل المعروفة باسم "فيرتيكس" والتي يمكن للزبون استخدامها لبناء خوارزميات لقاعدة معلوماته الخاصة.
وتظهر وثيقة أن موظفا في "غوغل" حث الشركة على المسارعة في منح أدوات الوصول لتقنيات الذكاء الاصطناعي لجيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يتحول ويحاول الحصول عليها من الشركة المنافسة لها وهي أمازون والتي تعمل مع الحكومة الإسرائيلية تحت نفس العقد "نيمبوس".
وفي وثيقة أخرى، مؤرخة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2023، شكر فيها موظف أحد العاملين معه لمساعدته في معالجة مطالب وزارة الدفاع الإسرائيلية. ولا تكشف الوثائق بالتحديد عن الطريقة التي كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يخطط لاستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي في عملياته العسكرية.
وتظهر وثائق أخرى تعود إلى ربيع وصيف 2024 أن موظفين في غوغل قدموا طلبات لتزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بمطالب إضافية. وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2024 حولت إسرائيل معظم غزة إلى أنقاض.
وتكشف الوثائق أن جيش الاحتلال حتى ذلك الوقت ظل يستعين بغوغل للحصول على أحدث تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وفي أواخر ذلك الشهر، طلب أحد الموظفين الوصول إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي "جيميني" التابعة للشركة لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أراد تطوير مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص به لمعالجة المستندات والصوت، حسبما جاء في الوثائق.
وكانت غوغل قالت في السابق إن اتفاقية "نيمبوس" مع الحكومة الإسرائيلية، ليست "خاصة بالأعمال ذات الحساسية العالية، السرية أو العسكرية المتعلقة بالأسلحة أو الخدمات السرية".
ولا تشير الوثائق التي حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، إلى كيفية استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لقدرات الذكاء الاصطناعي التي توفرها غوغل، والتي يمكن استخدامها لمهام مثل أتمتة الوظائف الإدارية بعيدا عن الخطوط الأمامية للجيش.
واقترح غابي بورتنوي، المدير العام للمديرية الوطنية السيبرانية التابعة للحكومة الإسرائيلية، في مؤتمر عقد في أوائل العام الماضي أن عقد نيمبوس ساعد بشكل مباشر في تطبيقات القتال، وفقا لمقال من مجلة "بيبول أند كمبيوترز" التي استضافت المؤتمر.
وقال بورتنوي: "بفضل سحابة نيمبوس العامة، تحدث أشياء هائلة أثناء القتال، تلعب هذه الأشياء دورا مهما في النصر - لن أتحدث بالتفصيل".
ولسنوات، عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تطوير قدراته في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسريع معالجة صور المراقبة واختيار الأهداف العسكرية المحتملة. وبعد الحرب التي شنها الجيش على غزة في أعقاب تشرين الأول/أكتوبر 2023 لجأ إلى "هابسورا" وهي أداة طورها داخليا بهدف تزويد القادة بألاف الأهداف البشرية والبنى التحتية للقصف. وقد ساهمت هذه الأداة في زيادة العنف والدمار في غزة، وهو ما صورته الصحيفة في تحقيق سابق لها.
وتم بناء أداة هابسورا على مئات الخوارزميات التي تحلل البيانات مثل الاتصالات التي تم اعتراضها وصور الأقمار الاصطناعية لتوليد إحداثيات الأهداف العسكرية المحتملة مثل الصواريخ أو الأنفاق.
لكن بعض القادة الإسرائيليين أثاروا مخاوف بشأن دقة التكنولوجيا، فيما أعرب آخرون عن قلقهم من التعويل الكبير على التوصيات التي تقدمها، مما أدى إلى تراجع في جودة تحليل الإستخبارات الإسرائيلية.
ومن غير الواضح إن ساهم مشروع هابسورا أو تطويره في خدمات حوسبة سحابية تجارية. وفي مقابلة أجرتها الصحيفة مع مسؤول بارز في جيش الاحتلال الإسرائيلي في الصيف الماضي قال فيها إن المؤسسة العسكرية استثمرت بشكل كبير في تكنولوجيات السحاب الجديدة والأجهزة وأنظمة الحوسبة الخلفية الأخرى وغالبا بالشراكة مع شركات أمريكية.
وفحص جيش الاحتلال الإسرائيلي تكنولوجيا من عدة شركات وهو يفكر في تطبيق تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدية، وهي التكنولوحيا التي تقف وراء الإنتشار الأخير لبرامج الدردشة الآلية وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى. وشملت الاستخدامات مسح الصوت والفيديو والنص من أنظمة جيش الاحتلال كجزء من تدقيق العمليات العسكرية التي أدت إلى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته حماس.
وبحسب التقرير، فإن "غوغل" تعتبر متعهدا كبيرا مع الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2012، عندما اختارها المسؤولون الإسرائيليون مع أمازون للمساهمة للعمل على مشروعها الذي رصدت لها مليارات الدولارات لتطوير "نيمبوس للحوسبة السحابية"، والذي كان يهدف لإجراء تحديث واسع للتكنولوجيا الحكومية. ويملك مؤسس أمازون، جيف بيزوس صحيفة "واشنطن بوست".
وأدت الصفقة لقيام الشركتين المتنافستين ببناء مراكز بيانات لها في إسرائيل ووافقت على توفير برامج التخزين السحابي للدوائر الحكومية. في ذلك الوقت، قال مسؤولون إسرائيليون لوسائل الإعلام المحلية إن الصفقة ستشمل العمل مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقد واجهت صفقة نيمبوس احتجاجات من بعض موظفي غوغل وأمازون، الذين أصروا على عدم عمل الشركتين مع حكومة إسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين.
وجاءت الاحتجاجات الأكثر صخبا من عمال "غوغل" الذين شعروا بالقلق من أن العقد قد يسمح باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ووكالات الاستخبارات التي يعتقدون أنها تنتهك حقوق الإنسان بانتظام في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وعندما استحوذت شركة "غوغل" على شركة الذكاء الاصطناعي البريطانية الناشئة "ديب مايند" في عام 2014، نصت شروط الاستحواذ على تكنولوجيا ديب مايند بعدم استخدامها في الأغراض العسكرية أو الرقابية، حسبما قال مؤسسها ديميس حسابيس بمقابلة عام 2015. واليوم، يعد حسابيس واحدا من أقوى المسؤولين التنفيذيين في الشركة ويقود جميع أعمال تطوير الذكاء الاصطناعي تحت العلامة التجارية غوغل ديب مايند وهي مجموعة تشمل تقنيات الصور والفيديو ومساعد الذكاء الإصطناعي التوليد جيميني. ولدى غوغل سياساتها المتعلق بالذكاء الاصطناعي وضرورة عدم تطبيق التكنولوجيا بطريقة تضر بالناس.
ويقول برنامج حقوق الإنسان الخاص بها إن الشركة تراجع منتجاتها وسياساتها للتأكد من التزامها بالمعايير الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتدعو الموظفين إلى إثارة أي مخاوف لديهم بشأن عمل الشركة.
وفي الصيف الماضي، أرسلت مجموعة تضم أكثر من 100 موظفا رسائل بريد إلكتروني إلى مديري غوغل وأعضاء فريق حقوق الإنسان بالشركة تطلب منهم مراجعة عمل الشركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقا لموظف في "غوغل" تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية وظيفته. وقال الموظف إن الطلبات تم تجاهلها.