السعودية ومنافع الممرّ الهندي الخليجي الأوروبي الوهمية
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
السعودية ومنافع الممرّ الهندي الخليجي الأوروبي الوهمية
المشروع صمَّمه الغرب لتجاوز الطاقة الروسية واعتراض التوسُّع الصيني وتقزيم استراتيجية الموقعين الإيراني والتركي، وتوريط السعودية في التطبيع.
لولا انخراط السعودية، لن يكون لممرّ يربط الهند بإسرائيل وأوروبا وجود، لذلك على السعودية انتزاع تنازلات تاريخية من بايدن الذي وصف المشروع بالتاريخي.
يتنافى إنفاق أموال النفط والحجّ على مشاريع تخدم أجندة إسرائيل وأوروبا وأميركا مع المنطق ومع واجب المملكة في الحفاظ على أموال شعبها وضمان خدمة أجيالها.
المعقول أن يشمل الممرّ قناة السويس، لكن للغرب مآرب ثلاثة: تأمين حاجياته من الطاقة؛ ترسيخ وجود لاعب إسرائيلي؛ أخذ ما أمكنه من السعودية دون تحقيق مصالحها.
يتحدَّى المشروع مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحتها الصين في 2013، ويُقحم إسرائيل في مصالح الخليج، ويجعلها جزءاً لا يتجزَّأ من مشاريع الطاقة الاستراتيجية.
* * *
تمخَّضت قمّة العشرين، التي عُقدت في التاسع والعاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري في العاصمة الهندية نيودلهي، عن توقيع مذكِّرة تفاهم لإنشاء ممرّ اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ويتحدَّى بشكل مباشر مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، ويُقحم بشكل متعمَّد إسرائيل في مصالح منطقة الخليج، ويجعلها جزءاً لا يتجزَّأ من مشاريع الطاقة الاستراتيجية.
ينطلق هذا الممرّ الذي يخدم المصالح الغربية، وفي مقدمتها المصالح الأميركية، من الهند بحراً إلى الإمارات، ثمَّ يمر بالسعودية برّاً، ثمَّ بالأردن والأراضي الفلسطينية المحتلّة من قبل إسرائيل عبر خطوط السكك الحديدية، ليصل بعد ذلك إلى اليونان عبر البحر الأبيض المتوسِّط، ثمَّ إلى إيطاليا وفرنسا وألمانيا.
ويشمل هذا الممرّ بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة التقليدية والمتجدِّدة وكابلات لنقل البيانات. الأمر اللافت للنظر في هذا المشروع، الذي صمَّمه الغرب لمواجهة التعنُّت الروسي والوقوف في طريق التوسُّع الصيني وتقزيم استراتيجية الموقعين الإيراني والتركي، هو شراكة السعودية التي لم تنضمّ بعد بشكل علني إلى قطار التطبِيع مع إسرائيل، رغم الإشارات الرسمية الأخيرة الصادرة عن المملكة للمبادرة المطروحة من إدارة بايدن بخصوص التطبيع.
هناك العديد من الدوافع التي تقف وراء انضمام السعودية إلى مشروع الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، أهمّها التموقع في قلب الحركة التجارية بين جنوب شرق آسيا وأوروبا، وتوسيع رقعة التعاون التجاري والاقتصادي واللوجستي مع إسرائيل، ووأد طموحات إيران بالتحوُّل إلى نقطة عبور رئيسية.
على عكس مبادرة الحزام والطريق التي تمولها دولة واحدة فقط وهي الصين، ستنفق السعودية مبالغ مالية كبيرة لإنشاء ذلك الجزء من الممرّ الاقتصادي الجديد الذي يقع في أراضيها، مقابل الاستفادة من مرور البضائع والحصول على تكنولوجيا نقل الطاقات المتجدِّدة والهيدروجين النظيف.
عند التدقيق أكثر في الترحيب السعودي بالشراكة في هذا الممرّ الاقتصادي الجديد، لا يمكن غضّ البصر عن سياسة المملكة التي لا تسير في خطّ متوازٍ مع التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، بل يمكن أن تتقاطع معه في أي لحظة بغية انتزاع تنازلات أميركية مجزية، كالتوقيع على معاهدة دفاع وحماية دائمة أكثر التزاماً من سابقتها غير المكتوبة والحصول على السلاح النووي.
وبالعودة إلى مقطع فيديو نشرته شبكة سي أن أن العربية تحت عنوان "بايدن يردّ على شروط السعودية للاعتراف بإسرائيل: بعيدة المنال... وهذا ما حدث بعد زيارتي المملكة" في 10 يوليو/ تموز الماضي، نجد الردّ الأميركي الكافي والوافي والصريح والعلني على المطالب السعودية.
إذ أكد الرئيس جو بايدن بابتسامة ساخرة وماكرة أنّ إدارته بعيدة جدّاً عن تنفيذ تلك المطالب ولديها الكثير للتحدُّث عنه بهذا الصدد، وراح يعدِّد المكاسب التي حقَّقها من زيارته إلى السعودية، كالتفاوض بشأن رحلات جوية للإسرائيليين وتمكين الطائرات الإسرائيلية من التحليق فوق أجواء المملكة والحفاظ على السلام لمدّة عام في اليمن، ثمَّ أفاد بأنّ المملكة ليست لديها مشكلة كبيرة مع إسرائيل، ثمَّ أكَّد مجدّداً أنّ التنفيذ الأميركي لتلك المطالب السعودية لا يزال بعيد المنال.
ما يمكن استنتاجه من حديث الرئيس الأميركي هو عدم جدوى الأموال السعودية الطائلة التي يجرى إنفاقها سنوياً لترطيب العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بغية استمالة إدارة البيت الابيض وتحقيق مصالح لا تزال مجرَّد وهم وسراب.
وفي المقابل، صرح وليّ العهد محمد بن سلمان، في مقابلة له على قناة فوكس نيوز الأميركية بُثَّت في 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، ردّاً على سؤال حول متطلَّبات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بأنّ هناك خطة من إدارة بايدن للوصول إلى نقطة التطبيع السعودي- الإسرائيلي، وأفاد باستمرار المفاوضات بهذا الشأن.
وما يمكن استنباطه من حديث ولي العهد السعودي وبناءً على تأكيدات الرئيس الأميركي، هو عدم تخلِّي الولايات المتَّحدة عن سياسة الأخذ من دون العطاء في علاقتها مع المملكة، فهي تحرص على استمرار المفاوضات لكن من دون تقديم تنازلات، وهذا أبعد بكثير من علاقة "الزبائنية" التي تقوم على المنافع المتبادلة غير المتكافئة.
بدوره، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رأيه حول إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل في مقابلة بثتها شبكة سي أن أن العربية يوم 23 سبتمبر الجاري، وأفاد بأنّ التطبيع بات اليوم أقرب من ذي قبل، لأنّ المملكة ستكون أكثر حكمة هذه المرّة بعدم تكرار الخطأ الذي ارتكبته في السابق بعدم انضمامها إلى "اتفاقيات أبراهام"، ولم يفوِّت الفرصة للتأكيد أنّ صنع السلام مع المملكة يساعد على إنهاء النزاع العربي-الإسرائيلي، الذي يساعد بدوره على إنهاء النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وليس العكس.
بصرف النظر عن الحصول على القروض التي لا تنفع، تكاد تنعدم تلك الأرقام التي تعكس بوضوح وشفافية استفادة الدول العربية المُوقِّعة على اتفاقيات تطبيع العلاقات، التي أسماها البيت الأبيض "اتفاقيات إبراهيم"، على الصعيد الاقتصادي وحتى العسكري.
بعد الربط بين كل النقاط التي جرى رصدها في المقابلات الثلاث، ينبغي على السعودية إعادة النظر بشأن إنفاق أموالها على الممرّ الاقتصادي الجديد الذي يخدم مصالح الدول الأوروبية المتعطِّشة للطاقة بعد إغلاق الصنابير الروسية، ويُمكِّن إسرائيل من أن تصبح نقطة عبور رئيسية في أحد أهمّ ممرّات الطاقة المستقبلية التي تنافس التوأم البحري المتمثِّل في قناة السويس وباب المندب، ولن يعود عليها بمنفعة تفوق ما يقدِّمه لها النفط الذي لن ينقطع الطلب العالمي عليه.
يتنافى إنفاق أموال النفط والحجّ على مشاريع تخدم أجندة إسرائيل وأوروبا وأميركا مع المنطق ومع واجب المملكة في الحفاظ على أموال شعبها وضمان خدمة الأجيال الحالية والمستقبلية، فلولا انخراط السعودية، لن يكون للممرّ الاقتصادي الذي يربط بين الهند وإسرائيل وأوروبا وجود، لذلك يجب على المملكة انتزاع ما أمكنها من تنازلات تاريخية من الرئيس بايدن الذي وصف هذا المشروع بالتاريخي، من باب المعاملة بالمثل مع الولايات المتحدة التي اعتادت الأخذ من دون العطاء.
خلاصة القول، عند إمعان النظر إلى الخريطة، كان من المعقول أن يشمل هذا الممرّ الاقتصادي قناة السويس بدلاً من إسرائيل، لكن للدول الغربية رؤى ومآرب أخرى تتمثَّل في ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، كتأمين حاجياتهم من الطاقة من خلال ترسيخ وجود لاعب من طينتهم وأخذ ما أمكنهم من المملكة من دون تحقيق مصالحها.
*د. سهام معط الله أستاذة بكلية الاقتصاد، جامعة وهران 2 بالجزائر
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية أميركا بايدن الخليج الهند أوروبا إسرائيل الصين الشرق الأوسط الحزام والطريق الممرات البحرية قناة السويس إسرائیل وأوروبا مع إسرائیل هذا الممر من دون
إقرأ أيضاً:
كهرباء غزة: إسرائيل زودت القطاع بـ5 ميغاوات فقط منذ نوفمبر
قالت شركة توزيع الكهرباء في غزة ، اليوم الثلاثاء 11 مارس 2025، إن إسرائيل زودت القطاع بخمسة ميغاوات من الطاقة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 استخدمت فقط لتشغيل محطة تحلية المياه، إثر تدخل مؤسسات دولية وأممية، في حين يحتاج القطاع نحو 500 ميغاوات/ ساعة.
وأضاف مدير العلاقات العامة والإعلام بالشركة محمد ثابت، في تصريح للأناضول "إسرائيل وافقت في نوفمبر 2024 بإدخال 5 ميغاوات من الكهرباء لتشغيل محطة تحلية المياه بـ(محافظة) الوسطى، بعد تدخل مؤسسات دولية أبرزها اليونيسيف".
وأوضح أن إمداد القطاع بهذه الكمية المحدودة جدا والتي تكاد لا تذكر من الكهرباء استمر حتى القرار الإسرائيلي بقطع الطاقة الأحد الماضي.
والأحد، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين، قرر وقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء "فورا".
وذكر ثابت أن تدخل المؤسسات الدولية لتزويد محطة تحلية المياه بالكهرباء جاء لتكدس مئات الآلاف من النازحين وسط وجنوب القطاع خلال حرب الإبادة الجماعية في ظل ندرة توفر المياه وارتفاع نسبة التلوث وتحذيرات دولية من انتشار الأوبئة.
وأشار إلى أن تلك الظروف مجتمعة دفعت المؤسسات الدولية للتدخل إنسانيا والضغط على إسرائيل لتزويد غزة بـ5 ميغاوات من الكهرباء.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وقبل اندلاع الإبادة كانت قدرة الكهرباء المتوفرة بقطاع غزة تقدر بنحو 212 ميغاوات من أصل احتياج يبلغ حوالي 500 ميغاوات لتوفير إمدادات الطاقة على مدار 24 ساعة يوميا.
مقدار العجز وصل آنذاك إلى نحو 288 ميغاوات، فأطلقت شركة فلسطين للتنمية والاستثمار "باديكو" في 21 سبتمبر/ أيلول 2023 مشروع "طاقة أمل" لتزويد القطاع بنحو 50 ميغاوات من الكهرباء من الطاقة الشمسية فيما حالت الإبادة الجماعية دون تنفيذه.
ومن إجمالي الكهرباء المتوفرة بغزة قبل 7 أكتوبر 2023، كان يتم شراء نحو 120 ميغاوات منها من إسرائيل وتصل القطاع عبر 10 خطوط تغذية.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تقطع إسرائيل إمدادات الكهرباء عن القطاع كما تمنع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة الوحيدة.
وتسبب انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع لنحو 17 شهرا بتداعيات كارثة انعكست على كافة الخدمات الحيوية والأساسية في القطاع كالمستشفيات والمياه، ما تسبب بوفاة أشخاص جراء عدم تلقيهم لتلك الخدمات.
ومطلع مارس/ آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلقت إسرائيل مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة، لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع أداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها، فيما قطعت لاحقا الكهرباء.
المصدر : وكالة سوا - الأناضول اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين 5 شهداء في قصف الاحتلال مجموعة من المواطنين في قطاع غزة إصابة شاب برصاص الاحتلال خلال مواجهات في مخيم الدهيشة قوات الاحتلال تقتحم مدينة بيت لحم ومخيم الدهيشة الأكثر قراءة تقديرات في إسرائيل باحتمال تجدد القتال في غزة خلال 10 أيام تفاصيل لقاء الرئيس عباس مع نظيره السوري أحمد الشرع التنمية بغزة: وقف دخول المساعدات ينذر بكارثة إنسانية وعودة للمجاعة محدث: الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد حماس في مخيم جنين وحماس تُعقّب عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025