في كل يوم، تصدمنا آلاف المنشورات والمقالات لرومانسيين ما يزالون يتشبثون بأوهام لا تحمل بذور بقائها، ولا يمكن لها أن تظل عالقة في الذاكرة والوجدان.
أكثرهم تأسيا أولئك الذين ما يزالون يرددون العبارة الأشهر "من النهر إلى البحر". هؤلاء بالذات، يحتاجون معالجين نفسيين كثرا، فهم لم يعرفوا حتى اللحظة ما الذي فعلته بنا سبعون عاما من الخراب والتفتيت!!
ما الذي سنجنيه إن نحن بقينا مقاومين وممانعين؟! هل سننقذ القدس من التهويد، أم المسجد الأقصى من الهدم والإزالة؟!
هل نستطيع جلب انتباه العالم الغارق في البكاء على أوكرانيا ولاجئيها وأطفالها، إلى مأساة الفلسطينيين الممتدة منذ قرن، وإلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين ماتوا في الشتات، أو أولئك الذين ما يزالون يحلمون بقبر صغير في قريتهم المحتلة.
هل نستطيع أن نشرح للعالم أهمية أن تبقى وكالة الأونروا عاملة في دول اللجوء، وأن تسهم في التشغيل والتعليم والصحة، خصوصا أن كثيرا ممن رعتهم أسهموا في نهضة العالم وتقدمه!
هل يهتمون هم في الأصل بمثل هذه الجزئيات، بينما هم منهمكون في مواجهة الصين وروسيا، وضمان تفوق الاحتلال الإسرائيلي، وترميم اقتصاداتهم من تداعيات كورونا، ومخاوف ضعف النمو الاقتصادي وخشية الوقوع في براثن الانكماش.
وقبل كل هذه الأسئلة: هل تبقت أرض يمكن للفلسطينيين إقامة دولتهم المستقبلية عليها؟ هل هناك حيز جغرافي يمتلك معقولية إقامة دولة، أو دويلة، بعدما ابتلع كيان الفصل العنصري والتطهير العرقي معظم الأراضي؟!
لذلك كله، فلنذهب إلى الأمام، حيث الأمان والطمأنينة اللذان يمثلهما التطبيع. نعم، أنا مع التطبيع، لأنه الأسهل في زمن لا يمكن الركون فيه إلى مقاومة العالم كله، بما فيه الأخوة الذين بنوا حول أنفسهم جُدرًا، وباتوا غير قادرين على سماع صرخات الفلسطينيين، ولا على رؤية دمائهم التي سالت على مدار عقود متتالية.
أنا مع التطبيع، فخلال أربعين عاما اضطررنا إلى تجرّع الخسارات والمآسي واحدة تلو أخرى من غير أن نصطدم، ولو لمرة واحدة، بما يمكن أن نسميه الأمل.
أنا مع التطبيع، لأن تواريخنا جميعها اصطبغت بالدم، ولم نعد قادرين على متابعة المجازر بحق الفلسطينيين والعرب، فكل ما نفعله هو أننا نعدّها، ونفهرسها بتواريخ في جداول منمقة لكي نتذكرها دائما، ونكتب عنها بحزن مصطنع على صفحاتنا في الفيسبوك.
أنا مع التطبيع، لأن أبي أخبرني، ومنذ زهاء نصف قرن، أن إسرائيل زائلة، لكنني أراها تتوسع وتكبر في كل يوم، ما يثبت أن أبي كان حالما مثل جميع الرومانسيين الذين تمسكوا بالشعارات، ولم يفحصوا ما خلفها من تناقضات في بنيتنا الذاتية.
أنا مع التطبيع، لأن مدرّس التاريخ في الصف الأول الثانوي حلف لنا أغلظ الأيمان بأن إسرائيل ورم سرطاني لا يمكن له أن يعيش طويلا. ومع ذلك، فقد مرت أربعة عقود على كلام المعلم، ولم يحدث شيء.
أنا مع التطبيع، لأن مدرس اللغة الإنجليزية في الصف الخامس، ارتأى ذات يوم أن ينسى الدرس، وأن يتساءل؛ من منا تابع أخبار أمس. قال لنا: أرأيتم كيف أن المقاومة الوطنية أخرجت الجنود الصهاينة من الدبابات وهم مكبلون. أرأيتم كم هم جبناء؟! لكن منطق المدرّس كان عقيما هو الآخر، فأولئك "الجبناء" الذين كان يتحدث عنهم، كانوا يحتلون عاصمة عربية.. اسمها بيروت!!
كل ما حولنا يدفعنا إلى الترحيب بالأعداء، وأن ننبذ الأهل، خصوصا في زمن تلوّن فيه كل شيء، ولم نعد نحسن تمييز الإخوة والأصدقاء من الأعداء. كل ما حولنا يدفعنا للتخفف مما فرضته فلسطين علينا من التزامات لم نكن نريد أن نحملها. لماذا يتوجب علينا أن نعيش ونحن نرزح تحت هذا الحمل الثقيل. لنتخفف منه، ومن جميع الالتزامات الأخلاقية التي تفرضها علينا قضية تسربت إلى جميع مسام حياتنا، وفرضت إيقاعها على تفاصيل يومنا، وعشناها أساسا لحياتنا، وجدول مهام يومية!
الغد
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين الاحتلال التطبيع احتلال فلسطين تطبيع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بعد جالانت.. هؤلاء هم المسؤولون الإسرائيليون القادمون الذين يعتزم نتنياهو إقالتهم
قالت القناة ال12 العبرية، في تقرير لها مساء اليوم الثلاثاء، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يعتزم الاستمرار في إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وذلك بعد إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت.
وبحسب التقرير، ينوي نتنياهو مع وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس، إقالة رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورؤساء الفروع الأمنية، بما في ذلك الموساد والشاباك.
وقام نتنياهو بإقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مساء اليوم. وتأتي الإقالة بعد أكثر من عام بقليل من إقالة جالانت الأخيرة، والتي اضطر نتنياهو إلى التراجع عنها.
وبدلا من جالانت، سيتم تعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس وزيرا للدفاع، وسيتم تعيين عضو الكنيست جدعون ساعر وزيرا للخارجية وسيكون عضوا بارزا في الحكومة السياسية والأمنية.
عمل جنونيقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، إن قرار إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في خضم الحرب هو عمل جنوني.
وأضاف: إن نتنياهو يبيع أمن إسرائيل ومقاتلي الجيش الإسرائيلي من أجل البقاء السياسي المخزي. إن حكومة اليمين المتطرف تفضل المراوغين. وأنا أدعو جميع الإسرائيليين إلى النزول إلى الشوارع الليلة للاحتجاج".
وأبلغ نتنياهو وزير دفاعه يوآف جالانت مساء اليوم الثلاثاء بإنهاء منصبه بسبب "أزمة الثقة التي بدأت تتكشف". وقرر نتنياهو أن يتولى يسرائيل كاتس منصب وزير الدفاع مكان جالانت، بينما يتولى جدعون ساعر منصب وزير الخارجية.
سبب إقالة يوآف جالانتوكشف نتنياهو أسباب إقالة جالانت وقال إن أزمة ثقة وخلافات كبيرة بين الاثنين في إدارة الحرب. وقال نتنياهو في بيان بعد إعلان الإقالة: "إن التزامي الأسمى كرئيس لوزراء إسرائيل هو الحفاظ على أمن إسرائيل والوصول بنا إلى النصر الكامل".
وأضاف: "في خضم الحرب، أكثر من أي وقت مضى، مطلوب الثقة الكاملة بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع. لسوء الحظ، على الرغم من أنه في الأشهر الأولى من الحملة كانت هناك مثل هذه الثقة وكان هناك عمل مثمر للغاية، خلال الأشهر الأخيرة تصدعت هذه الثقة بيني وبين وزير الدفاع".
وأضاف: "تم اكتشاف فجوات كبيرة بيني وبين جالانت في إدارة الحملة، وكانت هذه الفجوات مصحوبة بتصريحات وتصرفات تتناقض مع قرارات الحكومة ومجلس الوزراء. لقد قمت بمحاولات عديدة لسد هذه الفجوات، لكنهم لقد لفتت انتباه الجمهور أيضًا بطريقة غير مقبولة، والأسوأ من ذلك، أنها وصلت إلى معرفة العدو - وقد استمتع أعداؤنا بذلك واستفادوا منه كثيرًا.
وتابع "اختلاف الآراء في المناقشات المفتوحة، الجميع يعرف، أولئك الذين يعرفونني - هذه هي طريقتي في إدارة المناقشات والتقييمات والقرارات. الجميع يعرف ذلك. لكن أزمة الثقة التي انفتحت تدريجياً بيني وبين وزير الدفاع إلى أن تفاقمت".
واستطرد نتنياهو: "لست الوحيد الذي يقول هذا، معظم أعضاء الحكومة ومعظم أعضاء في مجلس الوزراء، جميعهم تقريبًا يشتركون في الشعور بأن هذا لا يمكن أن يستمر".
وقال: "على ضوء ذلك، قررت اليوم إنهاء فترة ولاية وزير الدفاع. وقررت بدلاً منه تعيين الوزير يسرائيل كاتس. لقد أثبت يسرائيل كاتس بالفعل قدراته ومساهمته في العمل الوطني. أمنياً كوزير للخارجية، ووزيراً للمالية، ووزيراً للمخابرات لمدة خمس سنوات، ولا يقل أهمية عن ذلك كعضو في الحكومة السياسية والأمنية لسنوات عديدة".