الكوارث توحد الشعوب، والمآسي تجبر الإنسان على التخلي عن أنانيته ومطامعه وأحقاده، والكارثة التي تعرضت لها مدينة درنة الليبية ألغت الفوارق بين أهل الشرق والغرب، وأعادت توحيد الشعب الليبي بعد سنوات من التنابذ والاقتتال.
أهل الغرب هبّوا لمساعدة منكوبي إعصار دانيال، بالتطوع والتبرع والدعم، وهو الموقف الذي لم يشأ السياسيون الليبيون استغلاله لصالح استعادة ليبيا، بل إن بعضهم حاول استغلال الكارثة والاتّجار بها أملاً في تحقيق مكاسب وهمية من ورائها، وهو ما دفع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي، إلى دعوة القادة في الشرق والغرب إلى الارتقاء إلى مستوى اللحظة، وأن يعملوا يداً بيد من أجل تجاوز آثار المأساة التي ضربت البلاد، معرباً عن أسفه لأن التنسيق بين المؤسسات في الشرق والغرب لم يكن على مستوى التضامن غير المسبوق الذي أبداه الليبيون من كل المناطق تجاه إخوانهم وأخواتهم في درنة وغيرها من مدن الشرق، التي اجتاحتها الفيضانات.
باتيلي تحدث بصراحة قد يعتبرها البعض في غير وقتها، ولكنه الوقت المناسب للمكاشفة والمصارحة وخصوصاً أن هذه اللحظة في ليبيا لا تقتضي الاستغلال السياسي الذي دفع الشعب ثمنه من الفرقة والتشرذم على مدى 12 عاماً، وكارثة إعصار دانيال لم تكن سوى أحد الأثمان التي دفعها الليبيون للسنوات العجاف التي عاشوها تحت حكم من يتصارعون على اختطاف ليبيا من أهلها، وما حدث في درنة من اقتلاع للمنازل واختفاء لأحياء وجرف للبشر والحجر إلى البحر ليس نتيجة الإعصار فحسب بقدر ما هو نتيجة إهمال السلطة في ليبيا.
ورثة القذافي في الحكم مشغولون بالتصارع على الاستئثار بالدولة ومواردها حتى لو استلزم ذلك هدم المعبد على من فيه، وكانت النتيجة دولتين في دولة، حكومتين وجيشين وعدة أجهزة أمنية، والكثير من الميليشيات والمرتزقة، لحماية وتأمين كبار المختطفِين لهذه المنطقة أو تلك، وهو ما يفرض التركيز على شراء أسلحة والاستعداد لمواجهات محتملة، والانصراف عن إصلاح التالف وبناء المتهالك والقيام بأعمال الصيانة الدورية للسدود والصهاريج وشبكات الكهرباء والمياه والطرق، والنتيجة انهيار السدود ليحدث الطوفان الأعظم، رغم أن عدداً من المؤسسات البحثية والعلمية بينها جامعات ليبية حذرت خلال السنوات الماضية من خطر تعرّض حوض وادي درنة لفيضانات كارثية، حال عدم إجراء الصيانات الدورية للسدود، مطالبة أيضاً بإيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي بحيث لا يكون ضعيفاً ولا يسمح للتربة بالانجراف.
نسمع من وقت لآخر عن إعصار يضرب هذه الدولة أو تلك، ونتابع الإجراءات التي تتخذها دول مختلفة قبل وصول الإعصار إليها من خلال عمليات الإخلاء وطرق الوقاية المتنوعة، ولكننا لم نسمع ولم نتابع نتائج كارثية في أي دولة مثلما حدث في ليبيا، والسبب إهمال الطامعين والسلطويين والمتنازعين على الدولة والشعب.
غياب التنسيق بشأن درنة بين طرفي الحكم في الشرق والغرب يؤكد أن خروج ليبيا من أزماتها لن يتحقق في المستقبل المنظور، وسيظل كل طرف يناور سياسياً حتى يظل محتفظاً بما لديه من مناطق وسلطات وموارد، وهو ما يضعف الأمل في التوافق بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي عقد بشأنها أكثر من مؤتمر وتحدد لها أكثر من موعد. المماطلة والفساد والمناكفات السياسية اغتالت درنة كما اغتالت أحلام الشعب الليبي في الاستقرار وفي اختيار حكامه بنفسه، ولا خروج لليبيا من أزماتها إلا بعد أن يرفع كبار الطامعين في خيراتها بالخارج الغطاء السياسي عن ممثليهم في الداخل.
القيادة في بعض دولنا العربية ناطحت بإنجازاتها السماء وحلّقت بطموحات شعوبها في الفضاء، وفي دول أخرى هوت بطموحات شعوبها في أودية سحيقة وتركتهم للأعاصير والفيضانات تجرفهم، والبحار تبتلعهم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الشرق والغرب فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
محافظ الجيزة يشارك في إطلاق أكبر قافلة مساعدات إنسانية لدعم قطاع غزة
شارك المهندس عادل النجار محافظ الجيزة في فعاليات إطلاق أكبر قافلة مساعدات إنسانية شاملة لدعم قطاع غزة، التي نفذها صندوق تحيا مصر، بساحة الشعب بالعاصمة الإدارية الجديدة، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، واستجابةً لنداء الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني.
وجاءت فعاليات الإطلاق بحضور الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، ووزير الصناعة والنقل، الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، والدكتور شريف فاروق وزير التموين، والدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، ورجال الأعمال، وممثلي منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية.
وأكد محافظ الجيزة، على أن المبادرة تأتي في إطار الواجب الإنساني والتضامن الأخوي مع الشعب الفلسطيني و الدعم المصري المتواصل للشعب الفلسطيني، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وثمن محافظ الجيزة الدور الذي يلعبه صندوق تحيا مصر بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات والهيئات الحكومية لدعم جهود التنمية وتقديم المساعدات الإنسانية في كافة ربوع مصر، فضلا عن جهود الإغاثة التي يقدمها للشعوب الأشقاء، في إطار دور مصر الرائد والهام، لرفع المعاناة عن المتضررين وتدعيم روح التكافل والتضامن بين الشعوب وتعظيم دور المجتمع المدني في شتى المجالات.
وشهد الحضور من ساحة الشعب بالعاصمة الإدارية الجديدة، قوافل شاحنات المساعدات الإنسانية الشاملة، والتي اصطفت بشكل مهيب، قادمة من محافظات جمهورية مصر العربية، دعما للأشقاء الفلسطينيين.
وتضم القافلة أكثر من 460 شاحنة، تجاوزت حمولتهم أكثر من 7200 طن من الدعم الغذائي وكافة الاحتياجات الضرورية والمستلزمات الطبية لتصل إلى قطاع غزة، مع حلول شهر رمضان المعظم 1446.
وتضمنت القوافل المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية، فضلا عن مواد غذائية جافة أساسية، مثل الأرز والمكرونة والشعرية والسكر والزيت والشاي والتمر والجبن، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المشروبات، كالمياه المعدنية والغازية والألبان والعصائر، وغيرها من المواد الغذائية الضرورية، فضلا عن كميات كبيرة من الخيام القادرة على تحمل الظروف الجوية القاسية، وكميات ضخمة من الملابس المتنوعة، لتلبية احتياجات جميع الفئات العمرية، إضافة الى مواد إغاثية أخرى، مثل الألحفة والبطاطين والسجاد، فضلاً عن مواد النظافة الشخصية وحقائب الإيواء.