تجاوزت المكتبات في عصر ما بعد العدمية دورها التقليدي كخزائن للكتب؛ لتصبح مكتبات بحثية، فلم يعد دورها يقتصر على إتاحة مصادر المعرفة المطبوعة؛ بل تجاوزها ليشمل المصادر الإلكترونية ومواقع الإنترنت، بالإضافة لأنه بات من الضروري للمكتبات الحديثة أن يتوافر بها فريق من الباحثين؛ يجيبون على أسئلة الزوار، ويكتبون المقالات والبحوث، حول الموضوعات التي تهم الثقافة المحلية والإقليمية والعالمية؛ مستفيدين مما توفره المكتبة من أوعية معرفية.


شهد يوم 16 أبريل 2018، الافتتاح الرسمي لمكتبة قطر الوطنية؛ وذلك بتوقيع أمير قطر، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، شهادة الافتتاح الرسمي للمكتبة؛ تخليدًا لهذا الإنجاز الكبير، كما قام بوضع الكتاب المليون على رفوف المكتبة، وهو نسخة مخطوطة نادرة من «صحيح البخاري»، تمّت كتابتها قبل ما يربو على 850 عامًا، وجاء ذلك الافتتاح بعد ست سنوات من إعلان سمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مؤسسة قطر، عن فكرة المكتبة في 19 نوفمبر 2012 أثناء حفل أقيم بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لدار الكُتب القطرية، والتي تُعدُّ أول مكتبة عامة تؤسس في منطقة الخليج العربي في 29 ديسمبر 1962.
وتُعدُّ المكتبة تحفة معمارية من تصميم المهندس المعماري الهولندي ريم كولهاس (ولد 1944)، على مساحة 45 ألف متر مربع، على شكل قطعتين من الورق تم فصلهما عن بعضهما البعض وطيهما قُطريًا عند الزوايا؛ لإنشاء ما يُشبه صدفة اللؤلؤ.
وأخذت المكتبة على عاتقها منذ الافتتاح الاهتمام بالمخطوط العربي، إذ بلغ ما تقتنيه من مخطوطات أربعة آلاف مخطوط، تؤرخ للحضارة العربية الإسلامية، وتجسد فنون الخط العربي في رحلة تطوره على مر التاريخ، وترصد مراحل تطوره في الأسلوب والوسائل والتقنيات عبر مئات السنين، وكذلك تقتني قطعا خطية مطرزة من كسوة الكعبة المشرفة، وتحرص على أن تنظم أسبوعا خاصا من الفعاليات والندوات، التي تحتفي بفنون وجماليات الخط العربي، وتستكشف حاضره ومستقبله، ويناقش المتخصصون دور الذكاء الاصطناعي في خدمة الفنون والثقافة والتراث عامة، وفنون الخط العربي خاصة، كما تعرض المصادر المتاحة في مجموعات المكتبة حول الخط العربي، وتُسلِّط الضوء على أبرز الكتب في هذا الفن العربي الإسلامي الأصيل، كما تنظم جلسة تعريفية لجمهور المكتبة حول كيفية البحث عن المراجع والكتب المتعلقة بالخط العربي وفنونه في مصادر المكتبة ومجموعاتها.
ويأتي ذلك من اهتمام المكتبة بحفظ التراث العربي والإسلامي، وصونه للأجيال القادمة، ولما كان الخط العربي واحدًا من أرفع الفنون الإسلامية، وأكثرها ابتكارًا وإبداعًا، ويمثل جانبًا أساسيًا من التراث العربي، فإن المكتبة تحرص على تنظيم أسبوع فعاليات الخط العربي؛ للاحتفاء بهذا الفن الأصيل، وحرصًا على دعمه، وتعزيز الوعي بدور التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي في تطويره.
وتحرص المكتبة على تنظيم مسابقة الخط العربي، حيث تتواصل المكتبة مع الخطاطين في قطر؛ وتدعوهم لإرسال صور أعمالهم الخطية، ليتم اختيار أفضل 30 عملًا فنيًا للمشاركة في مسابقة المكتبة، ثم تتضمن جلسة إرشادية قصيرة قبل إقامة التحدي، وهو كتابة جملة محددة باستخدام أنواع مختلفة من الخطوط العربية، حيث يُعلن عن فائز واحد فقط في ختام المسابقة.
ونظمت المكتبة ندوة في 15 ديسمبر 2019 بعنوان «خطوط تاريخية من قطر»، تحدث خلالها الشيخ الدكتور خالد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير الإدارة العامة للأوقاف، ومدير إدارة تاريخ قطر بالحي الثقافي «كتارا»، وخطاط مصحف قطر عبيدة البنكي (ولد 196)، حيث سلطت الضوء على مصحف الزبارة، الذي كتبه الخطاط القطري أحمد بن راشد بن خميس المريخي (1766-1820)، باعتباره واحدًا لأقدم النماذج لكتابات الخط العربي في قطر، وتم خلال المحاضرة إثبات أن الخطوط التاريخية أحد أهم المصادر، التي تساعد في فهم تاريخ قطر.
ونظمت في 11 نوفمبر 2021 ندوة بعنوان «الذكاء الاصطناعي واستخداماته في الخط العربي» قدمها الدكتور جيمز شي، الأستاذ المشارك في قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، استعرض فيها أحدث التطورات والمستجدات في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الاستفادة منها في الفنون عامة، والخط العربي بخاصة، كما أقامت في 25 ديسمبر 2021 محاضرة قدمها الخطاط السوري حسان الحاج بعنوان «رحلة مع الخط العربي»، عرّف فيها بالأسس النظرية والتطبيقية لجماليات الخط وتاريخه وأهم أدواته.
واحتضنت في فبراير 2022 سلسلة محاضرات في علم المخطوطات، بالتعاون مع مركز دراسة المخطوطات في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية بإسطنبول، حيث ألقى الكاتب سعادة حمد بن عبد العزيز الكواري (ولد 1948)، مدير مكتبة قطر الوطنية كلمة، ثم الباحث محمد فاتح قايا من جامعة السلطان محمد الفاتح، ثم قدم أستاذ المخطوطات والفنون الإسلامية العراقي إدهام محمد حنش (ولد 1961) محاضرة بعنوان «مناهج دراسة المخطوطات واتجاهاتها المعرفية»، حيث تحدث عن الرقوق والأوراق والأمدة والأحبار والأصباغ، والنصوص الكتابية، والأشكال الزخرفية، والصور والعلامات والألوان، وغير ذلك من رسوم المخطوطات. 
ونظمت في أبريل 2022 ندوة بعنوان «مخطوطة مصحف الزبارة» أقدم نماذج مصاحف القرآن الكريم في قطر، حيث قام خطاط مصحف قطر، عبيدة البنكي، بإلقاء الضوء على المخطوطة النادرة، التي تؤرخ للحياة الثقافية والعلمية في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ قطر. وفي 20 أكتوبر 2022 نظمت بالتعاون مع مركز المخطوطات في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية بإسطنبول (تركيا)، محاضرة بعنوان «الباليوجرافيا وخطوط المخطوطات العربية» قدمها الدكتور المصري محمد حسن إسماعيل الباحث بمركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية. 
واحتضنت في شهر مايو 2023 ورشة الخط العربي؛ كجزء من سلسلة فنون الكتاب، لتعليم فن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، قدمها الخطاط التركي شهريان شاه سراج، أحد معلمي فنون الخط العربي، إذ تخرج في كلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، وأجيز في مصر على يدي الخطاط المغربي بلعيد حميدي (ولد 1959) في خطوط: الرقعة، الديواني، الديواني الجلي. وأقامت في 5 أغسطس 2023 بالتعاون مع أكاديمية الخط العربي في قطر ورشة تدريبية لتعليم كيفية الكتابة بخط جميل بالقلم العادي؛ وفق منهجية مبتكرة لتحسين الخط وتطويره، قدمها الخطاط السوري يوسف شلار.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر مكتبة قطر الوطنية الخط العربي الذکاء الاصطناعی الخط العربی العربی فی فی قطر

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: النمو الأوروبي.. هَمٌّ مستمر

المخاوف بشأن النمو عالمية بالطبع، لكنها أكثر حدة في ساحة الاتحاد الأوروبي، ولاسيما دول منطقة اليورو، التي تضم عشرين بلداً. 
وتتعاظم المخاوف أيضاً، من جهة الحالة التجارية التي ستتشكل بين الكتلة الأوروبية والولايات المتحدة، بعد تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم في بلاده، إلى جانب «المناوشات» التجارية الأوروبية-الصينية، التي ساهمت أخيراً بتضارب في الرؤى والتوجهات، بين ألمانيا وفرنسا أكبر شريكين في الاتحاد، والأكثر تأثيراً فيه. 
المشهد الاقتصادي العام، ليس مبشراً كثيراً، وإن حدثت بعض الانفراجات في الأسابيع الأخيرة، على صعيد التضخم الذي يمثل صداعاً قوياً للمشرعين في البنك المركزي الأوروبي، ودفعهم (مثل زملائهم في بقية بلدان العالم) إلى اللجوء لـ«سلاح» الفائدة، للحد من آثاره السلبية.
أقدم البنك المركزي الأوروبي، على آخر تخفيض للفائدة لهذا العام. 
وكان بحاجة حقاً لهذه الخطوة، مع تعاظم الضغوط الآتية من جهة النمو. فهذا الأخير لن يصل في العام المقبل إلى أكثر من 1.1%، مع تراجع تكاليف الاقتراض إلى 3%، بينما سجل مستوى التضخم للعام الجاري 2.4%، أعلى من الحد الأقصى الرسمي له عند 2%. 
لكن يبدو واضحاً أن توجهات البنك المركزي الأوروبي صارت متغيرة حتى من ناحية المبادئ. فهذه الهيئة المشرعة تخلت فعلاً عن موقفها المعلن بالإبقاء على الفائدة مقيدة، إذا ما كان ذلك ضرورياً. 
وهذا يعني أن المرونة في التعاطي مع مستويات تكاليف الاقتراض ستكون حاضرة، بصرف النظر حتى عن محددات التضخم.
ما تحتاج إليه منطقة اليورو الآن المحافظة على أي حد للنمو، بأي قيمة كانت، وذلك يشمل بالطبع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 كلها. والمسألة لا ترتبط فقط بالمستويات التي يجب أن تستقر الفائدة عليها، بل بالعمل السريع لاستعادة زخم الاستثمارات، خصوصاً مع وجود إمكانية بارتفاعها في العام المقبل، بعد انخفاض كبير في السنوات القليلة الماضية، متأثرة بالطبع بالتحولات الاقتصادية العالمية ككل. فصناديق الاتحاد لا تزال قوية، ويمكنها أن تساعد في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي، على أساس ضمان نمو مستقر، باتجاه نمو مرتفع في السنوات المتبقية من العقد الحالي. لكن في النهاية، ينبغي أن تظل الفائدة في المستوى «المغري» للحراك الاقتصادي العام.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: معضلة الطاقة الأوروبية محمد كركوتي يكتب: النمو الخليجي يوائم المخططات

مقالات مشابهة

  • بحضور أبطاله.. لقطات من العرض الخاص لفيلم آخر الخط
  • افتتاح معرض «بريطانيا بعدسة وريشة كويتية» في المكتبة الوطنية
  • منير أديب يكتب: دولة تحت عباءة الفصائل.. سوريا بين الواقع الميليشياوى ومستقبل الدولة الوطنية
  • رحمة أحمد.. بين «الكابتن» و«80 باكو»
  • اليوم.. انطلاق العرض الخاص لـ «آخر الخط»
  • إسلام عفيفي: أحداث ديسمبر تعيد للأذهان مشهد الربيع العربي
  • محمد كركوتي يكتب: النمو الأوروبي.. هَمٌّ مستمر
  • أبطال وصناع فيلم آخر الخط يحتفلون بالعرض الخاص غدا
  • أن يكون في المكتبة ذخائر طبعت قديمًا
  • دشنه الملك غازي …إعادة افتتاح الجسر القديم في الموصل