إنه مطار بورتسودان، وإنها الثانية عشر ظهر الجمعة، المدينة مثقلة بالنازحين، أو ما يسمونهم بناس الخرطوم، وبكونها عاصمة لم تتهيأ لهذا التتويج وتضع كعكة الشعر وظلال الحناء بعد، تهدأ أعمدة الإنارة طويلاً في صيف القطوعات الساخنة، طائرة تاركو الأنيقة على رصيف الإقلاع، ورجال الأمن تحس بهم ولا تعرفهم، يتفحصون الأوراق والوجوه بفراسة، دون أن تتسبب الإجراءات المُشددة في تعطيل حركة المسافرين، تنطلق الرحلة وتبدو البلاد من شاهق سماواتها ومساحتها الأسطورية عصية على الحكم، بعد أن نضب خيال نخبها وساستها على اجتراح أمر حكيم، كل الذين التقيتهم في الساعات الأخيرة نصحوني بعدم العودة، باستثناء طاقم تاركو، يجبرونك على تكرار التجربة، تجربة السفر مهم، بدءاً ممن هم في مكاتب الحجز والتذاكر، لا أعرف كيف نجحت هذه الشركة في اختيار طاقم على قدر عالي من التجانس واللطف والبراعة في حل المشاكل، كما لو أن الشاعر عبد الرحمن الريح قد التقى بهم حين كتب “نفسك ابية وروحك خفيفة وليك جاذبية”، فجأة ترأى لي مطار الخرطوم والذي أضحى محض ذكرى، بيد أن ذكراه الآن قد اكتست بحقيقة متجددة، كان يجب أن ينهض في مكانه مطار أخر يليق بنا، وكان صوت مغنية سودانية شهيرة يتصاعد طويلاً في الأنحاء، أظنها إيلاف عبد العزيز، ينبعث من بين شفتيها ذلك الشجن الغريب وقد هجرها عاشقها، إلا أنها لا تزال ترى وجهه في كل مكان تذهب إليه.

سوف تبدو لي المضيفة بابتسمتها الطرية نوعا غريباً من البشر، كيف تحافظ على توازنها بصورة دائمة وهى معلقة بين الأرض والسماء، وجهها يغص بنضارة الإنخطاف، يحيرك ثباتها لدى المطبات الجوية، المضيفة بالطبع، لمائة وثمانون رحلة أو أكثر، أي ما يعادل ألف إبتسامة طرية تهبها للناس في مملكتها الشاهقة، إذ كيف تسنى لها وهى تركض في الفضاء الرحب أن تدفن أحزانها لتصبح أنيقة وبشوشة على الدوام، وتسرح شعرها بحيث لا يزعج المسافرين، وتزرع في منتصف وجهها الخجول، ابتسامة تبدد رهق التحليق الطويل، وهى جاهزة الأن أن تلبي بسخاء ممعن في اللطف كل طلباتنا، قلت لرفيقي في الرحلة، لماذا لا تكون لنا حكومة من المضيفات تقوم بخدمة الناس دون تضجر وتتعامل مع الجميع بعدالة، لدرجة أن كل من تنظر إليه يشعر بأنها تخصه بالرعاية والدلال؟ وكيف تعتني بالأطفال والمرضى وكبار السن، واجبها أن تبقيهم سعداء، وتضع أباريق القهوة والطعام الساخن فوق طاولاتهم القصيرة، ولا تضن عليهم أيضاً بما يشتهون، وإنها إذ تدرك كيف هى صائرة إلى مكان موات، تؤثر البقاء في الجوار، عادة لتزرع الطمأنينة، ومطلوب منها أن تخبيء عنهم كل ما يجعلهم مكدرين، حتى حقيقة أن الطائرة ربما تسقط أو تحترق، كما هى الخرطوم اليوم.

تذكرت أزمات كثيرة مرت بها تاركو، متاريس سياسية وحملات صحفية، وملاحقات قضائية، مبعثها الحسد والمنافسة التجارية في كثير من الأحيان، لدرجة الزج بربانها البارع المدير العام سعد بابكر في السجن، ومع ذلك لم تنهار الشركة ولم تتأثر إطلاقاً بالمطبات الأرضية، أو بغياب أحد، وهذا ما يمكن رده إلى فكرة بناء المؤسسة، أي مدير ناجح تنطوي تجربته على النظام الإداري الذي يعمل بقوة دفع ذاتية، وربما يدهشك أن تعرف أن تاركو تستجيب لأي مناشدة إنسانية، وهى تتقاسم مع السودانيين أهوال معاناتهم جراء هذه الحرب، يلتقط أي فرد من طاقمها ذلك النداء فيرد عليه بحفاوة، مثل شحن “سيور ماكينات” ومستلزمات غسيل الكلى الى السودان مجاناً، وجلب 40 طنا من المُعينات الطبية، والمساعدة في تشغيل مصنع الجوازات، وإذا امتلأت الأسافير بصورة هاشم صديق محمولاً على عربة كارو لتبعده عن النيران، أعلنت تاركو تكفلها بنقله للعلاج، وقد كان صوت شاعر الملحمة مطبوعاً في تلك البطاقة، كأي مواطن ” اسمي هاشم وأمي آمنة أبوي ميت وكان خضرجي ومرة صاحب قهوة في ركن الوزارة”، كل تلك الخواطر في رحلة استغرت أقل من ساعة، لم نشعر بها إلا وقد انطلق ذلك الصوت مجدداً: ” سيداتي سادتي نحن الأن في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، درجة الحرارة بالخارج ٣٥، من أجل سلامتكم وراحتكم يرجى البقاء في مقاعدكم حتى تثبت الطائرة جيداً على أرض المطار وتنطفئ شارة الأحزمة”.

عزمي عبد الرازق

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

أحمد العوضي يفاجيء كارولين عزمي بموقف غير متوقع على الهواء

أعرب الفنان أحمد العوضي عن سعادته البالغة بنجاح زميلته كارولين عزمي في مسلسلهما الأخير "فهد البطل" الذي عرض في سباق دراما رمضان الماضي، وحقق نجاحا كبيرا وقت عرضه.


وقال العوضي في مداخلة هاتفية أجراها أثناء إستضافة كارولين عزمي ببرنامج Mirror الذي يقدمه الإعلامي خالد فرج إن كارولين تتميز بملامحها المصرية الأصيلة وتتسم بالتلقائية في تمثيلها، كما أنها استطاعت تجسيد دور الفتاة الشعبية بجداره كبيرة، حسب قوله.


"بتخاف جدا".. هكذا كشف العوضي عن الصفة التي يتمنى تخلص كارولين منها مستقبلا، حيث لاحظ عليها هذه الصفة وقت تصوير مسلسلي "فهد البطل" و"حق عرب"، لتقاطعه كارولين قائلة: "كنا بنصور فهد البطل بمنطقة المقابر، وبنركب توك توك عشان نوصل لمكان التصوير، وفي مرة تحدث أحد الأشخاص عن حدوث جريمة قتل في نفس المكان، فشعرت بالرعب من كلامه أنا وميرنا نور الدين".

 

ووجه خالد فرج سؤالا إلى الفنان أحمد العوضي: "مفكرتش تاكل كارولين كبده نيه قبل كده"، ليجيب عليه العوضي بقول "مالهمش في السكه دي، لكن إحنا لينا في الأكلات الشعبية".

 

وبدورها عقبت كارولين عزمي على حديث الفنان أحمد العوضي عنها قائلة إنه له معزه كبيره خاصة في قلبها وممتنة له في نجاحها من خلال الأدوار التي قدمتها معه مؤخرًا كونه رأى فيها شيئًا مميزًا ويحب من حوله ويساعد أي شخص، وأي فنان يعمل معه محظوظًا.


وعن الانتقادات التي يتعرض لها أحمد العوضي بسبب المسابقات التي يقدمها في مسلسلاته، ردت كارولين بأن هناك فنانين آخرين يفعلون ذلك ولكنه يفعل ذلك بدافع المحبة، والعمل الناجح هو من يفرض نفسه في النهاية.

مقالات مشابهة

  • شراكة بين طيران ناس وسار لربط حجوزات الرحلات الجوية بقطار الحرمين
  • جريمة تهزّ السودان: قوات الدعم السريع تُغرق حيّاً بالدماء وتحوّل مطار الخرطوم إلى رماد
  • جريمة تهزّ السودان: قوات الدعم السريع تُغرق حيّاً بالدماء وتحوّل مطار الخرطوم إلى رماد"
  • «الاتحاد للطيران» تستهدف 22 مليون مسافر خلال 2025
  • رئيس الشيوخ يؤكد إيمان مصر الدائم بضرورة التعاون والتكامل بين شعوب الجنوب
  • تحالف ستار يكشف عن حملته الجديدة لتجسيد التناغم في تجربة السفر الجوي
  • حيثيات السجن المشدد 10 سنوات لـ6 متهمين قتلوا شخص خلال مشاجرة بالطالبية
  • حسيت بكسرة قلبي.. كارولين عزمي تتحدث عن قصة حب سامة دمرت حياتها
  • أحمد العوضي يفاجيء كارولين عزمي بموقف غير متوقع على الهواء
  • فستان لافت.. كارولين عزمي تثير الجدل بظهورها