عزمي عبد الرازق: تجربة السفر مع تاركو .. لو أن لنا حكومة من المضيفات
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
إنه مطار بورتسودان، وإنها الثانية عشر ظهر الجمعة، المدينة مثقلة بالنازحين، أو ما يسمونهم بناس الخرطوم، وبكونها عاصمة لم تتهيأ لهذا التتويج وتضع كعكة الشعر وظلال الحناء بعد، تهدأ أعمدة الإنارة طويلاً في صيف القطوعات الساخنة، طائرة تاركو الأنيقة على رصيف الإقلاع، ورجال الأمن تحس بهم ولا تعرفهم، يتفحصون الأوراق والوجوه بفراسة، دون أن تتسبب الإجراءات المُشددة في تعطيل حركة المسافرين، تنطلق الرحلة وتبدو البلاد من شاهق سماواتها ومساحتها الأسطورية عصية على الحكم، بعد أن نضب خيال نخبها وساستها على اجتراح أمر حكيم، كل الذين التقيتهم في الساعات الأخيرة نصحوني بعدم العودة، باستثناء طاقم تاركو، يجبرونك على تكرار التجربة، تجربة السفر مهم، بدءاً ممن هم في مكاتب الحجز والتذاكر، لا أعرف كيف نجحت هذه الشركة في اختيار طاقم على قدر عالي من التجانس واللطف والبراعة في حل المشاكل، كما لو أن الشاعر عبد الرحمن الريح قد التقى بهم حين كتب “نفسك ابية وروحك خفيفة وليك جاذبية”، فجأة ترأى لي مطار الخرطوم والذي أضحى محض ذكرى، بيد أن ذكراه الآن قد اكتست بحقيقة متجددة، كان يجب أن ينهض في مكانه مطار أخر يليق بنا، وكان صوت مغنية سودانية شهيرة يتصاعد طويلاً في الأنحاء، أظنها إيلاف عبد العزيز، ينبعث من بين شفتيها ذلك الشجن الغريب وقد هجرها عاشقها، إلا أنها لا تزال ترى وجهه في كل مكان تذهب إليه.
سوف تبدو لي المضيفة بابتسمتها الطرية نوعا غريباً من البشر، كيف تحافظ على توازنها بصورة دائمة وهى معلقة بين الأرض والسماء، وجهها يغص بنضارة الإنخطاف، يحيرك ثباتها لدى المطبات الجوية، المضيفة بالطبع، لمائة وثمانون رحلة أو أكثر، أي ما يعادل ألف إبتسامة طرية تهبها للناس في مملكتها الشاهقة، إذ كيف تسنى لها وهى تركض في الفضاء الرحب أن تدفن أحزانها لتصبح أنيقة وبشوشة على الدوام، وتسرح شعرها بحيث لا يزعج المسافرين، وتزرع في منتصف وجهها الخجول، ابتسامة تبدد رهق التحليق الطويل، وهى جاهزة الأن أن تلبي بسخاء ممعن في اللطف كل طلباتنا، قلت لرفيقي في الرحلة، لماذا لا تكون لنا حكومة من المضيفات تقوم بخدمة الناس دون تضجر وتتعامل مع الجميع بعدالة، لدرجة أن كل من تنظر إليه يشعر بأنها تخصه بالرعاية والدلال؟ وكيف تعتني بالأطفال والمرضى وكبار السن، واجبها أن تبقيهم سعداء، وتضع أباريق القهوة والطعام الساخن فوق طاولاتهم القصيرة، ولا تضن عليهم أيضاً بما يشتهون، وإنها إذ تدرك كيف هى صائرة إلى مكان موات، تؤثر البقاء في الجوار، عادة لتزرع الطمأنينة، ومطلوب منها أن تخبيء عنهم كل ما يجعلهم مكدرين، حتى حقيقة أن الطائرة ربما تسقط أو تحترق، كما هى الخرطوم اليوم.
تذكرت أزمات كثيرة مرت بها تاركو، متاريس سياسية وحملات صحفية، وملاحقات قضائية، مبعثها الحسد والمنافسة التجارية في كثير من الأحيان، لدرجة الزج بربانها البارع المدير العام سعد بابكر في السجن، ومع ذلك لم تنهار الشركة ولم تتأثر إطلاقاً بالمطبات الأرضية، أو بغياب أحد، وهذا ما يمكن رده إلى فكرة بناء المؤسسة، أي مدير ناجح تنطوي تجربته على النظام الإداري الذي يعمل بقوة دفع ذاتية، وربما يدهشك أن تعرف أن تاركو تستجيب لأي مناشدة إنسانية، وهى تتقاسم مع السودانيين أهوال معاناتهم جراء هذه الحرب، يلتقط أي فرد من طاقمها ذلك النداء فيرد عليه بحفاوة، مثل شحن “سيور ماكينات” ومستلزمات غسيل الكلى الى السودان مجاناً، وجلب 40 طنا من المُعينات الطبية، والمساعدة في تشغيل مصنع الجوازات، وإذا امتلأت الأسافير بصورة هاشم صديق محمولاً على عربة كارو لتبعده عن النيران، أعلنت تاركو تكفلها بنقله للعلاج، وقد كان صوت شاعر الملحمة مطبوعاً في تلك البطاقة، كأي مواطن ” اسمي هاشم وأمي آمنة أبوي ميت وكان خضرجي ومرة صاحب قهوة في ركن الوزارة”، كل تلك الخواطر في رحلة استغرت أقل من ساعة، لم نشعر بها إلا وقد انطلق ذلك الصوت مجدداً: ” سيداتي سادتي نحن الأن في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، درجة الحرارة بالخارج ٣٥، من أجل سلامتكم وراحتكم يرجى البقاء في مقاعدكم حتى تثبت الطائرة جيداً على أرض المطار وتنطفئ شارة الأحزمة”.
عزمي عبد الرازق
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عبد الرازق مهنئا اليماحي: مصر ستظل داعمة لدور البرلمان العربي.. صور
استقبل المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس مجلس الشيوخ، بمكتبه اليوم الأحد، محمد أحمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي.
في مستهل اللقاء، رحّب المستشار عبد الرازق برئيس البرلمان العربي، مؤكدًا الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق بين مجلس الشيوخ والبرلمان العربي، بهدف دعم العمل البرلماني العربي المشترك على كافة المستويات، بما يخدم مسيرة العمل العربي المشترك ويدافع عن قضايا الأمة العربية.
كما هنأ المستشار عبد الرازق معالي محمد أحمد اليماحي بمناسبة فوزه برئاسة البرلمان العربي، مشيدًا بخبرته البرلمانية في هذه المؤسسة العريقة، ومؤكدًا أهمية الدور المحوري الذي يقوم به البرلمان العربي في خدمة القضايا العربية.
وأضاف أن مصر ستظل داعمة لدور البرلمان العربي في كل ما يعزز العمل العربي المشترك.
وشدد المستشار عبد الرازق على أهمية الدبلوماسية البرلمانية في ظل التحديات الراهنة التي تتطلب تكاتف الجهود على كافة المستويات، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية للشعوب العربية.
من جانبه، قدّم رئيس البرلمان العربي الشكر والتقدير للمستشار عبد الرازق على حفاوة الاستقبال، مشيدًا بدور مصر والقيادة السياسية المصرية في دعم البرلمان العربي، ومعربًا عن سعادته البالغة باللقاء.
وثمّن اليماحي الدور التاريخي الذي تقوم به جمهورية مصر العربية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في دعم وتعزيز العمل العربي المشترك ودعم القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وخلال اللقاء، أكد اليماحي حرص البرلمان العربي في إطار استراتيجيته الجديدة على تعزيز التعاون مع جمهورية مصر العربية بمختلف مؤسساتها، بما يخدم القضايا العربية، كما أعرب عن تطلعه إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين البرلمان العربي ومجلس الشيوخ المصري خلال المرحلة القادمة.
حضر اللقاء فيبي فوزي، وكيلة مجلس الشيوخ، واللواء طارق نصير، عضو المجلس ونائب رئيس البرلمان العربي، والمستشار محمود إسماعيل عتمان، الأمين العام لمجلس الشيوخ، والمستشار كامل شعراوي، أمين عام البرلمان العربي.
462569152_1317732125887484_8067284880226594582_n 462581900_1257750695428612_3971363636726621282_n 462582514_543023155360037_261855014539571743_n 467479263_1115270370261717_527403119882972070_n