مقدمة في نقد المركزية الديمقراطية «1-4»
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
صديق الزيلعي
فتح الرد المختصر الذي اجبت فيه على سؤال الأستاذ زين العابدين صالح حول نشاط الزملاء في النقابات مقارنة بنشاطهم الحزبي الباب لنقاش مثمر. عقدت في الرد مقاربة بين الإطار المؤسسي للعمل النقابي ومنظمات المجتمع المدني من جهة والمركزية الديمقراطية التي تنظم العمل الحزبي من جانب آخر. وخلصت لان الإطار التنظيمي يمكنه ان يقيد مساهمة نفس الشخص في موقعين مختلفين.
” النظام الداخلي يمثل الحد الأدنى الملزم والضروري لمقومات حياة الحزب الثوري. لكن الممارسة والتجربة الجماعية الواسعة والمتجددة لمئات والالاف الأعضاء والكادر في فروع الحزب، أغنى وأكثر تنوعا وعمقا، وابعد مدي من الحد الأدنى، وتتجاوزه نحو إرساء تقاليد وتراث ونمط حياة المناضلين والنضال الثوري 0 او ما يوصف بروح اللائحة، وليس نصها. ولهذا السبب – تخضع اللائحة دوريا في المؤتمرات للتطور والارتقاء – تعديلا وتدقيقا، حذفا واضافة، إعادة صياغة وتجديدا، حتى في البنود الثوابت مثل المركزية الديمقراطية، شروط العضوية، حقوق وواجبات الأعضاء… ومع تطور الحزب وارتقاء قدراته على استخلاص المبادئ وتجريد المفاهيم وصياغة نظريته الخاصة، تميل اللائحة في شكلها ومحتواها نحو الايجاز والتركيز والوضوح ” محمد ابراهيم نقد
مدخل:
هذه قراءة نقدية للمركزية الديمقراطية من ناحية تطورها التاريخي واسس بنائها النظري وأسلوب تطبيقها العملي وعرض مظاهر قوتها حسب اراء المدافعين عنها ونواحي ضعفها كما يوردها الفادحون فيها ثم نحلل أثرها على البناء التنظيمي للأحزاب الشيوعية ثم نحاول الاجتهاد لطرح بديل أكثر تقدما منها.
طبقت الأحزاب الشيوعية، على نطاق العالم، مفهوم المركزية الديمقراطية، حسب الأسس التي وضعها لينين، لضبط نظامها التنظيمي وتحديد العلاقات بين هيئات التنظيم المختلفة ومهام وسلطات الهيئات المركزية القائدة والدور الهام للكادر المتفرغ للحزب وشروط العضوية واسس الصراع الفكري وواجبات وحقوق الأعضاء داخل الحزب. بمعنى اخر هي الهيكل الذي تنبى عليه كل الممارسات التنظيمية والأداء الحزبي.
وأوضح تفصيل للمركزية الديمقراطية ما نص عليه دستور الحزب الشيوعي السوفيتي حسب ما جاء في الفقرة التالية:
” According to Article 19 of the Statue of the Communist Party of the Soviet Union (CPSU) in 1986, democratic centralism within the party entailed the following:
1. election of all leading Party bodies, from the lowest to the highest.
2. periodical reports of Party bodies to their Party organizations and the higher bodies.
3. strict Party discipline and the subordination of the minority to the majority.
4. the binding nature of the decisions of higher bodies for lower bodies.
5. collective spirit in the work of all organizations and leading Party bodies and the personal responsibility of every Communist for the fulfilment of his/her duties and Party
assignments.”
خلفية تاريخية:
لم يورد ماركس وانجلز في كتاباتهما مصطلح المركزية الديمقراطية. ولكن من الملاحظ، خلال قيادتهما لرابطة الشيوعيين وجود قواعد تنظيمية تشمل جوهر المركزية كما تشمل اسس الديمقراطية. وفكرا في عامي 1871-72 اثناء قيادة الأممية الاولي في زيادة سلطات المجلس العام ومركزة قواه. ولكن في نفس الوقت نقدا النظام المتشدد والصارم الذي فرضه شوتزير في منظمة العمال الالمان والذي وصف نظامه الصارم بالمركزية الديمقراطية، ويعتقد انها اول مرة يظهر فيها ويستخدم التعبير (المركزية الديمقراطية). ومن المعروف ان انجلز، خلال أيامه الأخيرة، قد أرسل عدة رسائل يطالب فيها بالمزيد من حرية التعبير لكافة التيارات التي كانت تضمها الحركة العمالية المتزايدة النشاط آنذاك.
شكل مصطلح المركزية الديمقراطية، لأول مرة، كإطار للتنظيم الحزبي من قبل جناحي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلاشفة والمناشفة) من خلال المؤتمر الذي انعقد في 1905 (كلٍ على حدة). ومن الملاحظ ان الحريات التي تم نيلها كنتاج لثورة 1905 وسعت من دائرة الممارسة الديمقراطية على النطاق العام وداخل حزب العمال. وذلك الهامش من الحريات يختلف عن الواقع في 1902 عندما كتب لينين كتابه الشهير (ما العمل؟) في ظل الحكم الأوتوقراطي المطلق بمنعه لأي نشاط وقمعه بشدة لكل المعارضين والنشطاء السياسيين. وقد انعكس ذلك الواقع المفرط في قمعه على الكتاب وعلى اطروحاته التي دعمت المقولات الأساسية للكتاب.
ونلاحظ تطور أفكار اينين التنظيمية مع تلك التحولات السياسية التي حدثت في روسيا. فقد كتب لينين في 1906 مؤيدا حق الكتل والتيارات والاجنحة في التواجد في الحزب وان تتم الانتخابات في الحزب بديمقراطية على كافة المستويات وفى نفس الوقت حق الأعضاء في محاسبة من يتم انتخابهم، بل وعزلهم. وكان يشترط، فوق ذلك، بتنشيط الصراع الأيديولوجي في الحزب والتمسك بوحدة تنظيمية حديدية وقبول الجميع بقرارات مؤتمر الوحدة. ومن اقوال لينين الشهيرة في وصف المركزية الديمقراطية هي” حرية المناقشة ووحدة الفعل (العمل)”. ومما يجدر التركيز عليه هنا ان لينين، خلال تلك السنوات، كان يقبل بوجود التيارات داخل الحزب. وعندما انفصل البلاشفة بحزبهم بشكل كامل في 1912 قللوا من فعاليات ووجود كافة التيارات وان لم يمنعوها نهائيا حتى ذلك الحين.
الوسومصديق الزيلعيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صديق الزيلعي المرکزیة الدیمقراطیة
إقرأ أيضاً:
الديمقراطية في كوريا الجنوبية
يحاول رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول تحدي قرار عزله من جانب البرلمان بإعلانه أن «سيقاوم حتى النهاية» لكنه هل يستطيع المقاومة ؟. وكان البرلمان فشل قبل أيام في التصويت على عزل الرئيس قبل أن يعيد الكرة يوم السبت الماضي ويصوّت عدد كافٍ من النواب لصالح محاكمة الرئيس بهدف عزله.
تنحي الرئيس سيجنّب البلاد شهوراً من الاضطراب السياسي الذي ربما لا يقتصر ضرره على كوريا الجنوبية وحدها وإنما يمكن أن يؤثر في محيطها الآسيوي بل وكثير من أنحاء العالم. فكوريا الجنوبية التي تعد رابع أكبر اقتصاد في آسيا وتحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكبر اقتصاديات العالم متشابكة مع كثير من المناطق اقتصادياً، من أمريكا الشمالية وأوروبا إلى إفريقيا وآسيا.قد لا تؤثر الاضطرابات السياسية في وصول ما تريده من منتجات كورية جنوبية، لكن كل سلاسل التوريد يمكن أن تتضرر إذا طال أمد الأزمة السياسية في البلاد. خاصة وأنّ أسهم الشركات الكبرى تخسر في السوق وبالتالي تحصل مع ذلك على منتجاتها بقدر ما، أي أن المستهلك النهائي قد يشعر بتبعات الأزمة حتى على بعد آلاف الأميال.
بالطبع ليس الأمر قاصراً على الاقتصاد، بل إن حلفاء كوريا الجنوبية في الغرب لطالما اعتبروها «أكثر الديمقراطيات» استقراراً في آسيا. ونتيجة ذلك التصور اعتبروها وجهة أفضل للاستثمارات والتجارة والتحالفات السياسية وحتى العسكرية في مواجهة جارتها المعادية للغرب كوريا الشمالية. وفي مقابل اعتبار كوريا الجنوبية «ديمقراطية غربية» تعد كوريا الشمالية دولة «ديكتاتورية شمولية» موالية للصين وروسيا.
من هنا أهمية كوريا الجنوبية للمصالح الغربية عموماً في المنطقة، اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً. لكن صك «الجودة الديمقراطية» الأمريكي والغربي ليس بالضرورة علامة موثوقة، والأمثلة كثيرة حول العالم. فديمقراطية كوريا الجنوبية تعاني أزمة منذ فترة، وليست الأزمة الحالية مفاجئة. فهناك قضايا فساد تطول كبار المسؤولين، للأسف تتدخل السلطات فيها أحياناً. ولم يسلم الرئيس الحالي منها؛ إذ إن من أسباب فرضه الأحكام العرفية مطلع هذا الشهر؛ الاتهامـــات لزوجتــه بالفـــساد والتي يريــد تفادي التحقيق فيها.
على مدى نحو عامين يواجه الرئيس يون سوك يول وحزبه المحافظ «حزب سلطة الشعب» صعوبة إنفاذ ما يريده من خلال البرلمان بعدما هيمن الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض على البرلمان في آخر انتخابات. وكان الصدام الأخير هو رفض المعارضة مشروع الميزانية الذي تقدمت به الحكومة وإثارة شبهات فساد بشأن السلطة التنفيذية.
كانت خطوة فرض الأحكام العرفية، للمرة الأولى منذ بدأت التجربة الديمقراطية في كوريا الجنوبية عام 1987، القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد حاول الرئيس توريط الجيش الكوري في فرض الأحكام العرفية وتعطيل البرلمان وغيره من المؤسسات لكن سرعان ما استجاب الجيش لسلطة الشعب وانسحب من حول البرلمان ومن شوارع العاصمة ورفض البرلمان قرار الأحكام العرفية فاضطر الرئيس إلى إلغائه مرغماً.
الكارثة الحقيقية في موقف الرئيس يون ليس ذلك الشرخ الذي أحدثه في تجربة الديمقراطية في البلاد،ولكن غلطته أنه برر فرض الأحكام العرفية غير المسبوق بمواجهة «عملاء الشمــال المعــادي الذيـــن يشكلـــون خطراً على الديمقراطية»!!
ربما في البلاد الشمولية تتهم السلطات أي معارض لها بأنه من «أعداء الوطن»، لكن أن يطلق الرئيس هذا الاتهام الغريب على معارضيه السياسيين فكانت كارثة فعلاً، من دون أن يذكر أنه إنما أراد تعطيل البرلمان والدستور والقوانين في ظل الأحكام العرفية لإنفاذ الميزانية المرفوضة.
بعد إلغاء الأحكام العرفية واستقالة وزير الدفاع ومحاولته الانتحار حاول البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة السياسية التصويت على عزل الرئيس. لكنه لم يتمكن من تأمين أكثر من ثلي الأصوات بين نوابه البالغ عددهم ثلاثمئة نائب. ثم كرر المحاولة هذا الأسبوع ليصوّت بعض نواب حزب الرئيس لصالح عزله وبالتالي أقر البرلمان العزل بأكثر من أغلبية الثلثين. المشكلة أن تصويت البرلمان لا يعني إعفاء الرئيس من منصبه، بل على المحكمة الدستورية العليا أن تبت بقرار العزل وأمامها ستة أشهر لاتخاذ القرار. وقد بدأت المحكمة اجتماعاتها يوم أمس الأول ربما للتسريع في إصدار حكمها، وإذا ظل الرئيس في منصبه ولم يتنحَّ ستصاب كوريا الجنوبية بالشلل السياسي لفترة طويلة سيكون لها تبعاتها السلبية ليس على اقتصادها وأوضاع شعبها فحسب؛ بل وعلى أموال المستثمرين في أسواقها وحتى شركائها التجاريين. كما أن الأمريكيين والغرب، أصحاب المصلحة في استقرار أوضاع كوريا الجنوبية، لن يكون مفيداً لهم حدوث المزيد من التشقق في التجربة الكورية. ليس فقط بسبب الصراع مع جارتها الشمالية في شبه الجزيرة الكورية، ولكن أيضاً في ظل الصراع الأمريكي والغربي مع الصين.
ربما اتخذ الرئيس يون قرار فرض الأحكام العرفية غير المسبوق متصوراً أن أمريكا والغرب سيقفون معه، لكن تراجعه كان في النهاية نتيجة الضغط الشعبي وحتى من نواب حزبه اليميني وليس فقط من المعارضة السياسية في البرلمان. أما قرار التنحي فلا شك أنه سيكون لمصلحة الشركاء الغربيين، حتى لو اعتبرته المعارضة السياسية نصراً بإزاحة الرئيس الذي حاول الانقلاب على القانون والدستور.