عربي21:
2025-02-23@02:20:22 GMT

فلسطين من وجهة نظر أمين معلوف الغرامية!

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

لم يحتف العالم العربي، على المستوى الثقافي، بحدث وبصانع حدث، مثلما احتفى بفوز الروائي اللبناني أمين معلوف بجائزة غونكور، ولا يفوق ذلك إلا الفرح العارم الذي رافق فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل! إلا أن فوز معلوف حظي بإجماع عربي نادر، إلى درجة لم يختلف فيها اثنان على أن معلوف يستحق الجائزة ولبنان معه.

واصل معلوف نجاحاته، إلى أن وصل إلى روايته «سلالم الشرق» التي سنتحدث عنها هنا، وما بعدها، ومثل كثيرين غيري قرأت (سلالم الشرق) حين صدورها.

لكنني بدأت أتساءل بعد الصفحات الأولى: كيف سيتعامل معلوف مع الزمن الراهن؟

اقرأ أيضا: انتخاب أمين معلوف أمينا عاما للأكاديمية الفرنسية "مدى الحياة"

العودة إلى هذه الرواية، التي أشرت إلى خطورتها فور صدورها، مردّها تلك العاصفة التي أثارها أمين معلوف في لقائه مع محطة تلفزيونية إسرائيلية مؤخرًا، هذا اللقاء الذي لم يكن أقل من صدمة لكل من أحبه، ولكل من يقف مع عدالة القضية الفلسطينية، وإن كنت أرى هنا أن (سلالم الشرق) هي الرؤية المعلوفية الأشد فتكًا بالقضية الفلسطينية، والتي تبدو لي، لا عتبة للظهور على فضائية إسرائيلية، بل باباً واسعاً، كان سيفضي حتما لهذا اللقاء، طال الزمن أم قصر.

منذ بدء تقاطع حياة بطلي سلالم الشرق: أوسيان وكلارا مع الفصول الساخنة للقضية الفلسطينية، وضعت يدي على قلبي، إذ يرتفع الكاتب ببطله وبطلته اللذين خاضا غمار المقاومة، مقاتلين شبه أسطوريين، وبخاصة أوسيان، ضد الاحتلال النازي لفرنسا؛ وقد أوجد معلوف معادلة رائجة في كثير من الروايات العالمية التي تلتقط خيوط شخصيات تنتمي لعالمين متناحرين وتصهرها التجربة المشتركة في وجه عدو أكبر بكثير من العدو الإقليمي، بل وأكبر من عداوتهما!

يرسل معلوف بطلته، أو ينـزلها بالمظلة في أرض فلسطين خلال السنوات القليلة التي تسبق عام 1948، وهو لا يفعل ذلك مصادفة، فقد كان بإمكانه أن يرسلها إلى مكان آخر، لكن ما يدور هناك يضع حاجزاً بين الحبيبين التاريخيين كلارا وأوسيان! إلى حد أنه لن يتمكن من حضور لحظة ولاة ابنته الوحيدة. ولعل في ملاحظات كلارا عبر رسائلها إلى أوسيان يكمن السبب وراء هذه المقالة كلها، بل وأحياناً عبر ملاحظات البطل المباشرة أثناء وجوده في فلسطين، يقول مثلاً حول اجتماع عربي يهودي: (تواجد العديد من العرب واليهود في ذلك الاحتفال، وربما كان اليهود أكثر بقليل من العرب). إن جملة كهذه تتعرّض للعدد، لا يمكن المرور عليها بسرعة. وحين يتحدث عن «طبيعة الصراع» يساوي تماماً بين طرفي المعادلة «العرب واليهود». يقول: (لقد امتنع العالم أجمع عن رؤية العرب واليهود يتقاتلون خلال عقد من الزمن وربما قرون! واستسلم العالم أجمع عدا نحن الاثنين وبعض الحالمين: مثلنا. أردنا منع ذلك القتال، أردنا أن يكون حبنا رمزاً لطريق آخر).

وفي ظني أن ليس ثمة سذاجة أكثر من هذه، حين يجري الحديث عن القضية الفلسطينية بمثل هذا المنطق العاطفي، أو المنطق الغرامي.

أما حين يلتقي زوج أخت أوسيان بخال عروسه يوم الزفاف، فان الأمور تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فزوج الأخت، محمود، فلسطيني من حيفا، أما خال العروس فهو يهودي يقطن في حيفا. وحين يتحدث معلوف عن سبب مغادرة محمود لمدينته يقول: (اضطر لترك مدينته بسبب التوتر السائد بين العرب واليهود)، أما الخال (فهو يهودي من أوروبا الوسطى أتى ليستقر في تلك المدينة).

إذا ما تأملنا مجمل الإشارات المتشابكة هنا، نصل إلى نتائج، لا يقال فيها أقل من أنها مرعبة، بخاصة أن لقاء الفلسطيني واليهودي الذي يتوقع العروسان أن تكون نتيجته تفجير عرسهما ينتهي في النهاية على النحو التالي: (عدنا بعد ساعة تقريباً وفوجئنا بوجود الرجلين لوحدهما، وفي المكان نفسه، ثم خرجا سوية يضحكان ضحكاً متواصلاً.. من يراهما يقول بأنهما أفضل صديقين في العالم، لا لم يتنازعا فيما بينهما قط، لا، على الإطلاق، دوّن هذا.. كان كل منهما يجلس في كرسي مشابه لكرسي الآخر، متمازحين بهدوء).

لقد ظهر محمود الفلسطيني هنا وهو يغادر، أو يترك مدينته، وكأنه ينتمي إلى عالم آخر، دون أن يبدو عليه أنه فقَدَ شيئاً، بحيث يشعر القارئ بأن محمود ليس أكثر من مستأجر غادر شقة يملكها الخال اليهودي لا أكثر ولا أقل!

تبدو حالة الصراع التاريخية على الأرض، ممسوخة في صورة رجلين يتبادلان الأنخاب، ويفتقد الواحد منهما الآخر كلما اختفى عن النظر. وهي صورة أخرى، وأكثر خطورة من الخوف الأمومي الكوني الذي يبديه العروسان العاشقان، وهما يتحدثان عن حبهما الذي أراداه رمزاً لطريق آخر للقضية الفلسطينية!

تبدو الرواية هنا، وكأنها منطق العقلاء في عالم مجنون يحكمه الكره! والعاقل الوحيد هو معلوف. وحين يتحدث عن نعيم الفلسطيني الذي يمتلك أهله نصف مدينة حيفا! يقول: (بعد وفاة والد نعيم هذا، كان عليه – إرضاء للدائنين – بيع كل شيء، وإضاعة كل شيء عدا مسكناً على شاطئ البحر مبنياً في العصر العثماني، متسخاً وباذخاً، وكان عندما شاهدته في حالة خراب كبير، فالجدران متسخة وبعضها منهار، وتغزو الأشواك الحديقة، أما الغرف فكانت مفروشة بالحصر والفرش العتيقة ولا وجود للسقف).

ربما كان لا بد من هذا المقطع للدلالة على منطق معلوف، الذي لم تغب عنه دلالة من دلالات الصراع الفلسطيني الصهيوني إلا وأوردها، فبعد أن جمع الخصمين في لقاء حميم، وصل معلوف إلى وصف الأرض، وصف المساكن، وصف نبلها وعراقتها وجمالها، وفي الوقت نفسه وصف ما آلت إليه أحوالها بسبب الإهمال و»إضاعة كل شيء» من قبل سكانها أو أصحابها.

ألا يذكِّر ذلك بالوصف التقليدي الذي يملأ جنبات وأعماق الأدب الصهيوني حين يصل إلى الحديث عن فلسطين نفسها التي يصفها هذا الأدب على النحو التالي:

(لقد كانت جميع هذه الأراضي من أسوأ مناطق البلاد. وكانت خالية من البشر، تملأها المستنقعات وكثبان الرمال المتحركة، .. في تلك المناطق استثمر اليهود عملهم وجهدهم وحصافتهم وحولوها إلى جنائن…)

إن أسوأ ما في الأمر، أن يبدو معلوف في هذه الرواية سائحاً من الدرجة العاشرة، حين يتعلق الأمر بفلسطين، أما عندما يصل إلى أرض أخرى وتاريخ آخر وزمان آخر فإنه يبدو عالماً اجتماعياً وفنانا وشاعراً ورسولاً ومؤرخاً.

(سلالم الشرق) تحتاج إلى وقفة أكثر من هذه، لأنها – وللأسف الشديد – رواية غير مضادة للقضية الفلسطينية فقط، إنها رواية مكتوبة وفق تعليمات الوصفات الدقيقة، اللازمة لصياغة رواية ترضي الذوق والمشروع الصهيونيين، ويحقّ لليكوديين الصهاينة أن يحتفوا بها وبصاحبها على فضائياتهم.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أمين معلوف الفلسطينية فلسطين تطبيع أمين معلوف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أمین معلوف

إقرأ أيضاً:

المنتدى السعودي للإعلام.. المملكة وجهة رائدة في الابتكار الرقمي

تتسارع المملكة العربية السعودية في ترسيخ مكانتها بصفتها وجهة عالمية لصناعة الإعلام والابتكار الرقمي، حيث أصبحت الرياض نقطة جذب رئيسية لشركات الإعلام العالمية والمتخصصين في هذا القطاع، ومع تزايد الاستثمارات في البنية التحتية الإعلامية، تتصدر العاصمة السعودية المشهد في تنظيم الفعاليات الكبرى التي تجمع الخبراء والمؤسسات الرائدة في صناعة الإعلام.
ويشكل المنتدى السعودي للإعلام، الذي يُعقد في الرياض على مدار ثلاثة أيام، منصة بارزة تجمع صناع القرار، والخبراء، ورواد الإعلام من مختلف أنحاء العالم لمناقشة التحولات الجوهرية التي يشهدها القطاع.

على هامش #المنتدى_السعودي_للإعلام.. مختصون يؤكدون لـ "#اليوم" أن التحول الرقمي الشامل للإعلام السعودي يهدف إلى الارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي، وتعزيز دوره في خدمة المجتمع، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة
أخبار متعلقة توقيع 7 اتفاقيات باليوم الثاني في المنتدى السعودي للإعلاموفاة الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعودللمزيد | https://t.co/2PrIJmdLEh#الإعلام_في_عالم_يتشكل | #اليوم@saudi_mf pic.twitter.com/3G1u9FNRzR— صحيفة اليوم (@alyaum) February 20, 2025
واستعرض المنتدى قضايا محورية تعكس التغييرات الكبيرة في المشهد الإعلامي، من أبرزها جلسات حول "التحول الرقمي في المملكة"، و"تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام"، و"دور الإعلام في تعزيز تحول الطاقة والابتكار المستدام".المنتدى السعودي للإعلامكما تضمن المنتدى جلسات متخصصة في "الإعلام وصناعة الشخصية السياسية"، حيث تم مناقشة تجربة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، بالإضافة إلى جلسة حول "صناعة المحتوى.. من الأفكار إلى الشاشات"، التي تسلط الضوء على تطور أساليب إنتاج المحتوى الإعلامي وآليات توزيعه.
وجمع المنتدى نخبة من المتحدثين العالميين والإقليميين لمناقشة مستقبل الإعلام في ظل التقدم التكنولوجي السريع، مع التركيز على توظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والإعلام التفاعلي في تطوير صناعة الإعلام وتعزيز تأثيره.المشاريع التنموية في المملكةوشهد المنتدى إطلاق مبادرة "بقعة ضوء"، التي سلطت الضوء على المشاريع التنموية في المملكة، من بينها ملف استضافة كأس العالم 2034.
وعُرضت تصاميم 15 ملعبًا تعكس هوية المدن السعودية، إلى جانب استعراض وجهات شركة البحر الأحمر الدولية، بما في ذلك "وجهة البحر الأحمر"، و"أمالا"، ومنتجع "ثول"، مع 19 وجهة جديدة في 2025، كما لاقت مبادرة الحرف اليدوية تفاعلًا لافتًا، حيث استعرض جناحها المصمم على شكل "جرة الأحساء" إبداعات الحرفيين السعوديين، فيما قدّم "جناح التأسيس" لمحة عن الجذور الثقافية والتاريخية للمملكة وقيمها الراسخة.الفعاليات الإعلامية الكبرىويعكس الموقع الاستراتيجي للرياض وبنيتها التحتية المتطورة دورها المتنامي كمركز رئيسي لاستضافة الفعاليات الإعلامية الكبرى، وهي اليوم تمثل عاصمة إقليمية للإعلام ووجهة رائدة في هذا المجال، حيث تتكامل الرؤى المستقبلية مع الإنجازات الحالية لفتح آفاق جديدة في صناعة الإعلام على المستويين المحلي والعالمي.
يُذكر أن المملكة من خلال استثماراتها المستمرة في قطاع الإعلام والابتكار الرقمي، تسعى لتعزيز مكانتها بوصفها وجهة عالمية رائدة في هذا المجال، وذلك عبر تنظيم فعاليات متخصصة تجمع الخبراء والمبدعين من جميع أنحاء العالم لمواكبة التطورات السريعة في صناعة الإعلام.

مقالات مشابهة

  • قطار الرياض.. وجهة المواطنين والمقيمين للاحتفال بيوم التأسيس
  • محمد علي حسن: الدبلوماسية المصرية غيرت وجهة نظر دول كثيرة تجاه القضية الفلسطينية
  • كهف صفريت أجبهت .. وجهة مثيرة لهواة المغامرة في وادي أصيِقوع بجبل قفطوت
  • ناقشها مسلسل ظلم المصطبة.. نصائح لإقناع أهلك بالزواج ممن تحبيه
  • تشعرها بالدفء.. 4 أبراج فلكية تهوى الرسائل الغرامية المكتوبة بخط اليد
  • المنتدى السعودي للإعلام.. المملكة وجهة رائدة في الابتكار الرقمي
  • المملكة.. وجهة رائدة لصناعة الإعلام والابتكار الرقمي
  • أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: نقدر بطولات إخواننا في اليمن
  • صور| ”كيلو 10“ بالعيون.. وجهة عائلية وشبابية في موسم الأمطار
  • في جولته الـ33.. بستان الإبداع إلى وجهة جديدة نحو الجنوب