نصر دوائي في اليمن.. التصنيع المحلي يواجه الحصار
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
يمانيون – متابعات
في كانون الثاني/يناير عام 2016، دمّرت الطائرات السعوديّة أول مصنع للأدوية في اليمن، بعد أقل من أسبوع على استهدافها مركزاً طبياً تابعاً لمنظمة “أطباء بلا حدود”، على رغم تأكيد الأخيرة أنها زوّدت إحداثيات موقعها للتحالف. كان القرار قد اتُخذ بالقضاء على كل مقومات الصمود، بعد أن استنفدت الأهداف العسكرية كافة من دون إحداث أي فارق فعليّ في الميدان.
اليوم، بعد أكثر من 8 سنوات، يستعد اليمن لإدخال 24 مصنعاً للأدوية إلى الخدمة، ضمن استراتيجية توطين الصناعات الدوائية، بحسب ما أكد رئيس “الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية”، الدكتور علي عباس، في حديث خاص للميادين نت. فصنعاء كان لها منذ البداية، رأيٌّ آخر.
نتج من إهمال القطاع إهدار الموارد وإتلافها نتيجة عدم التخصص والفساد وغياب الرقابة، وأضف إلى ذلك، رغبة السعودية في إبقاء اليمن سوقاً مفتوحة أمام إنتاجها بأشكاله كافة (تجاوز حجم الصادرات السعودية إلى اليمن 40 مليار دولار حتى 2013، بينما وصل إلى 7 مليارات خلال عام 2014 وحده).
يشير د. علي عباس إلى أن “الصناعة المحلية بدأت بمصنع واحد (مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص) عام 1984. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2014، كان هناك 9 مصانع فقط ومعمل واحد للمعقمات والمطهرات لا يصل إنتاجها إلى 10% من قائمة الأدوية الأساسية، واقتصر الإنتاج على بعض المضادات الحيوية وأدوية السعال والمسكّنات”. مضيفاً “لم يكن اليمن يؤمّن الاكتفاء الذاتي، وكان الاعتماد على الأدوية المستوردة بنسبة تزيد على 90%”.
يقول الباحث محمد بكري (من عدن) في دراسة عن الوضع الصيدلاني في اليمن والتحديات المستقبلية نشرت في المجلة الهندية للبحوث الصيدلانية والبيولوجية كانون الأول/ ديسمبر عام 2014، في إطار حديثه عن الواقع الصحي في البلاد، إن مصانع الأدوية كانت تفتقر إلى الخبرة اللازمة وتعاني من مشكلات في البناء والتنظيم والإنتاج، ويعود السبب الأول إلى ضعف التمويل الحكومي. ويشير إلى أن وثيقة السياسة الوطنية للأدوية (NMP) التي تم تحديثها عام 1998 ثم عام 2010 تفتقر إلى استراتيجية تنفيذية لترجمتها عملياً “لسوء الحظ”.
نتائج عكسية
كانت الرياض تعتقد، عند اتخاذها قرار شن الحرب، أنها تستطيع إنهاء جولتها القتالية بالقضاء على “الحركة المتمردة” مع إبقاء الواقع على ما هو عليه، يمن مرهون للإرادة السعودية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
كان آخر ما تتوقعه المملكة أن تحصل على نتائج عكسية، ويبدأ اليمن بتأسيس مرحلة أخرى بعد أكثر من 8 سنوات من الحصار والقصف الممنهج لكل بناه التحتية المدنية، ويحدث نقلة نوعية في قطاع تصنيع الأدوية التي بلغ عدد أصنافها المتداولة في السوق 1910 أصناف تشمل العديد من أدوية الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والضغط والسكري والأمراض النفسية والعصبية وكذلك أمراض الباطنة والكلى، إلى جانب التنوع الكبير في المضادات الحيوية.
يؤكد رئيس “الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية” أن “هذا العام سيشهد دخول خطوط إنتاج دوائية نوعية مثل المحاليل الوريدية (الأمصال والأدوية التي تعطى عبر الوريد) والأمبولات، بالإضافة إلى تصنيع بعض المحاليل المستخدمة في الغسيل الكلوي.
إستراتيجية مختلفة
ينقل وزير الصحة الدكتور طه المتوكل في حديث خاص للميادين، ما أوصى به قائد حركة “أنصار الله” السيد عبد الملك الحوثي، في لقاء داخلي، حيث شدد على “ضرورة الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدوائية، وخاصة تصنيع المواد الخام التي تزخر بها أرضنا الطيبة، وتعدّ من الفرص غير المستغلة، والتي نسعى من خلال إصدار التوجيهات إلى الهيئة العليا للأدوية بمتابعة هذا الملف”.
يضيف المتوكل: “شدد السيد الحوثي على ضرورة تشجيع المستثمرين للاتجاه إلى هذا الجانب المهم والحيوي، بالإضافة إلى ضرورة توجيه المستثمرين لإنشاء مصانع لإنتاج المستلزمات الطبية اللازمة للسوق المحلية وقد وجهنا الهيئة لعمل خطط لتحقيق هذه الموجهات وترجمتها على أرض الواقع”.
ترفد الجامعات اليمنية مصانع الإنتاج الدوائي التي يبلغ عددها حالياً 11 مصنعاً، على أن يتم إدخال 3 مصانع جديدة إلى الخدمة هذا العام، بكوادر بشرية متخصصة يصل عددها إلى 30 ألف خريج مؤهل وكفء لتحمل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم، والتي تأخذ من المعايير العالمية ركيزة في عملها.
وعلى عكس الاستراتيجية التي كانت تعتمدها الحكومة قبل عام 2014، وضعت صنعاء أرضية مشتركة بين الحكومة والمصنعين المحليين للنهوض بالصناعة المحلية، وقد تمخض عن هذه الاستراتيجية إصدار قوانين من شأنها إعفاء مدخلات الإنتاج الدوائي بشكل عام من الرسوم الجمركية والضريبية ترتب على ذلك التوسع غير المسبوق في عدد الأصناف ونوعيتها، وكذلك تقديم طلبات جديدة لإنشاء مصانع أدوية وصلت إلى 24 مصنعاً ما زالت قيد الدراسة.
ويوجز رئيس “الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية” أبرز ما تضمنته الإستراتيجية الوطنية للصناعات الدوائية التي وضعتها صنعاء عام 2019:
باتت السعودية تدرك شيئاً فشيئاً أن فاتورة تدخلها في اليمن أصبحت أكبر من أن تتحملها، وهذا ما يترجم عملياً في المفاوضات التي تُبدي خلالها مرونة، مكرهة لا بطلة. والواقع، أن المرحلة القادمة التي ستأتي بعد اتفاق وقف إطلاق النار شامل وما يترتب على ذلك من رفع الحصار وتحريك عجلة الإنتاج على غير صعيد، ستنتج مزيداً من الاستقلال الاقتصادي للسوق اليمنية من غزو البضائع السعودية، الذي استمر لعقود.
المصدر: الميادين نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی الیمن عام 2014
إقرأ أيضاً:
جوما تحت الحصار .. صراع دامٍ على الموارد يهدد شرق الكونغو | صور
يشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية صراعًا مستمرًا منذ أكثر من ثلاثة عقود، تفاقم منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. تصاعدت الأحداث مؤخرًا مع دخول مقاتلي حركة "إم23" إلى مدينة غوما، ما يهدد بمزيد من التدهور الإنساني والسياسي في المنطقة.
وأعلن تحالف المتمردين عن الاستيلاء على أكبر مدينة في المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية الأسبوع الجاري، ما دفع القوات الحكومية المدعومة من القوات الإقليمية وقوات التدخل التابعة للأمم المتحدة إلى التراجع.
تُعدّ المنطقة الشرقية في الكونغو الديمقراطية غنية بالمعادن الثمينة مثل الذهب والقصدير والكولتان، ما جعلها ساحة للتنافس بين المجموعات المسلحة والسلطات المركزية.
ومع استمرار انعدام الاستقرار، انخرطت دول مجاورة، مثل رواندا، في الصراع، الذي شهد ذروته خلال "حروب إفريقيا العالمية" في التسعينيات، والتي أودت بحياة الملايين.
جوما في مرمى الصراعشهدت مدينة جوما، الواقعة على حدود رواندا وعلى ضفاف بحيرة كيفو، دخول مقاتلي حركة "إم23"، التي أعلنت سيطرتها على المدينة، بينما تصر الحكومة الكونغولية على أنها ما زالت تسيطر على بعض المواقع الحيوية. تعتبر جوما مركزًا تجاريًا مهمًا ومصدرًا للمعادن المستخدمة في صناعة الهواتف المحمولة وبطاريات السيارات الكهربائية.
الأزمة الإنسانية تتفاقم في ظل تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من انهيار المستشفيات وتكدس الجثث في الشوارع.
ويعد الاستيلاء على جوما مكسبًا إقليميًا آخر لتحالف المتمردين تحالف نهر الكونغو، والذي يضم جماعة "M23 المسلحة التي فرضت عليها الولايات المتحدة والأمم المتحدة عقوبات.
كما أنه توسع سريع لموطئ قدم التحالف عبر مساحات شاسعة من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية - حيث يتم استخراج المعادن النادرة التي تشكل أهمية حاسمة لإنتاج الهواتف وأجهزة الكمبيوتر - ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة منذ فترة طويلة في المنطقة.
من هي حركة إم23؟تتألف حركة "إم23" من مقاتلين ينتمون إلى عرقية التوتسي، الذين يقولون إنهم لجأوا إلى السلاح لحماية حقوق الأقلية العرقية. تعود تسمية الحركة إلى اتفاقية سلام وُقّعت في 23 مارس 2009، لكن الحركة تقول إن الاتفاقيات السابقة لم تُحترم.
في عام 2012، سيطرت الحركة سريعًا على أراضٍ واسعة، بما في ذلك جوما، قبل أن تُجبر على الانسحاب بعد تدخل الجيش الكونغولي وقوات الأمم المتحدة. وبعد أن تم دمج مقاتلي الحركة في الجيش، عادت الحركة مرة أخرى إلى القتال عام 2021، مدعية أن وعود حماية التوتسي لم تنفذ.
تورط رواندا في الصراعولطالما أنكرت رواندا دعمها لحركة "إم23"، لكن تقارير أممية منذ 2012 تتهمها بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للحركة. وتشير تقارير حديثة إلى أن ما يصل إلى 4,000 جندي رواندي شاركوا في القتال إلى جانب الحركة.
ومن جهتها، تتهم رواندا السلطات الكونغولية بالتعاون مع ميليشيا "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" (FDLR)، التي تضم بعض المسؤولين عن الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وهي اتهامات تنفيها الكونغو.
الصراع معقد بسبب المصالح الاقتصادية، إذ يُتهم كلا الجانبين باستخدام الموارد المعدنية في المنطقة لتحقيق مكاسب مالية.
دور قوات الأمم المتحدةيتواجد في الكونغو بعثة لحفظ السلام منذ عام 1999، لكن أداءها يواجه انتقادات واسعة من السكان المحليين الذين يعتبرونها غير فعّالة. طلب الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي إنهاء مهمة البعثة بحلول نهاية العام الماضي، لكن تم تمديد وجودها لعام إضافي.
كما أرسلت مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) قوات عسكرية لدعم جهود الاستقرار، إلا أن هذه القوات لم تتمكن من وقف تقدم حركة "إم23". أسفرت الاشتباكات عن مقتل 13 جنديًا من جنوب إفريقيا، وثلاثة من ملاوي، وجندي من الأوروجواي ضمن قوات الأمم المتحدة.
إضرام نار في سفارة بلجيكا بالكونغو وبروكسل تطالب بتأمين دبلوماسييهامتظاهرون يضرمون النار في السفارة الفرنسية بالكونغو الديمقراطيةرئيس المحكمة الدستورية بالكونغو : يجب ضمان حقوق المواطنين في حالة الطوارىءروسيا تطالب مواطنيها بعدم السفر إلى الكونغو الديمقراطيةالأوضاع الراهنةالصراع في جوما يعكس المأساة الأكبر التي يعيشها شرق الكونغو منذ عقود. مع استمرار الاشتباكات وغياب حلول دبلوماسية فعالة، يظل السكان المدنيون هم الأكثر تضررًا، وسط أزمة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم.
وتستمر دوامة الصراع في شرق الكونغو مع تداخل المصالح العرقية والسياسية والاقتصادية، وسط جهود دولية عاجزة عن إيقاف المأساة. تبقى الحاجة ملحة لإيجاد حل شامل يُنهي هذه الكارثة المستمرة منذ ثلاثة عقود.