لبنان ٢٤:
2025-04-11@06:01:17 GMT

مقدمات نشرات الأخبار المسائية

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

مقدمات نشرات الأخبار المسائية

مقدمة "تلفزيون لبنان"

اليوم ينتهي الشهر الحادي عشر على خلو كرسي قصر بعبدا ولم تفض كل الجهود الداخلية والمساعي الخارجية حتى الآن الى انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية ما بعد الاستقلال.

والتعويل خلال شهر تشرين الأول أي قبل اكتمال عام على الشغور الرئاسي هو على حركة الموفد القطري أبوفهد-جاسم آل ثاني الذي ينشط في اتصالاته ولقاءاته للأسبوع الثاني على التوالي في لبنان ممهدا من جهة لزيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي لبيروت ومن جهة ثانية بحسب أوساط نيابية لبنانية لانخراط  سعودي كامل في المساعي والجهود الرامية الى بلورة أجواء تشجع الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب الرئيس.

. حتى أن هذه الأوساط وصفت نشاط الموفد القطري بكاسحة ألغام تفتح المسار وتوصل الفرصة الى مفترق طريقين:

طريق النتيجة السلبية المحفوفة بمخاطر أمنية عالية أو نحو طريق تفاهم مستمد من أجواء إقليمية-دولية يتلقفها الأفرقاء السياسيون المحليون وتؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية... وأوضحت أن حركة الموفد القطري منسقة مع اللجنة الخماسية وقبلها مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لافتة الى أهمية العلاقة الحسنة لقطر مع السعودية وكذلك مع فرنسا وإلى لسان حال الدوحة مع طهران. 

في الغضون على المستوى اللبناني-المحلي وحتى هذا اليوم لا يزال كل فريق متمسكا أو متمترسا بموقفه ولم تظهر أي تعديلات في المواقف ولا أي بارقة حوار.

مقدمة تلفزيون "أل بي سي"

فرح اللبنانيون لأمين معلوف، ومع أمين معلوف، فرحوا لناديي الحكمة وبيروت في كرة السلة ، فرحوا لفرقة مياس يفرحون لكل إنجاز يحققه لبناني سواء في الداخل أو في الخارج. البلد بحاجة إلى جرعات من الفرح والأمل لأنها المحفز إلى إعادة النهوض والتقدم.

لكن مع هذا الفرح هذا الأسبوع ، جاء من ينغص عليهم فرحتهم آخر الأسبوع ، إنهم الغوغاء على دراجات نارية تصدوا لمجموعة مواطنين في مسيرة " دعم الحريات" كان يفترض أن تتوجه من وسط بيروت في اتجاه وزارة الداخلية، لكن غوغاء الدراجات النارية، بغطاء من رجال دين، اعتدوا على المسيرة، حتى أنهم " أخذوا في دربهم " رجال الأمن ، وقد جهر هؤلاء الأوغاء بأنهم سيمنعون المسيرة وسيتصدون لها ، وهذا ما فعلوه. 

وفي موسم تألق الكبار، كبير هوى، الياس الديري، زيان، الصحافي والأديب اللامع، صاحب كتاب " الفارس القتيل يترجل " صار هو اليوم صاحب عنوان الكتاب ، ترجل وانكسر قلمه، ليدخل إلى نادي الكبار الذين غابوا. 

في الشأن الدولي، ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى الواجهة، المتحدث باسم البيت الأبيض كشف أن المفاوضات الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية تواصل التقدم، مشيرا إلى التوصل إلى "إطار أساسي" لاتفاق مستقبلي.

وفي دردشة مع صحافيين، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن "الطرفين وضعا على ما أعتقد هيكلية أساسية لما يمكن أن نسير باتجاهه".

مقدمة تلفزيون "أم تي في"

ما سر الهدوء المسيطر على الساحة السياسة ، وتحديدا أكثر على الملف الرئاسي؟ وهل الهدوء سيستمر طويلا، ام انه هدوء ما قبل العاصفة؟ الاجابة عن السؤالين صعبة في ظل الضبابية التي تحجب الرؤية ، بل في ظل الالتباسات التي تحكم المواقف ان في الداخل او في الخارج . ففي الداخل الثنائي ، وتحديدا حزب الله ، يقدم اشارات متناقضة عن الانتخابات الرئاسية. فتارة يقول انه مع سليمان فرنجية "حتى اشعار آخر"، وطورا يؤكد ان لا مرشح لديه سواه، وانه لن يتخلى عن ترشيحه مهما حصل. فاي الموقفين هو الاصح والادق ؟ ثم ان حركة المبعوثين العرب والاجانب محكومة  بكثير من الغموض. فلا احد يدري ما اذا كان المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيعود ام لا. كما ان لا احد يعرف متى يأتي وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي الى بيروت لمباشرة لقاءاته واتصالاته مع الفرقاء السياسيين. فاذا اضفنا الى ذلك فشل المسعى الحواري للرئيس بري واصراره في المقابل على عدم فتح ابواب مجلس النواب، يتأكد ان الاستحقاق الرئاسي ليس موضوعا على نار حامية، وان الاشهر الثلاثة المتبقية من 2023 قد لا تظهر صورة الرئيس المقبل للبنان.

في الاثناء جبران باسيل يجول اليوم وغدا في منطقة البقاع ، حيث اكد من هناك ضرورة تحقيق اللامركزية الادارية والصندوق الائتماني. والملاحظ ان رئيس التيار الوطني الحر تخلى عن مصطلح اللامركزية الادارية والمالية وصار يكتفي باللامركزية الادارية. فهل التخلي نتيجة رفض حزب الله اللامركزية المالية، علما ان الحوار بين الطرفين يسير ببطء شديد؟ أمنيا، لفت الاعتداء على مسيرة سميت بمسيرة الحريات، كان مخططا لها ان تنطلق من ساحة رياض الصلح باتجاه وزارة الداخلية. التظاهرة التي جاءت بحسب منظميها من اجل ضمانة كاملة للحريات وردا على الانتهاكات المتتالية للحريات ووجهت بالعنف والتخويف ورمي الحجارة واطلاق الشعارات المعادية والاتهام بالمثلية. هكذا حوصرالمشاركون في التظاهرة ولم يتمكنوا من التظاهر و تعرض بعضهم للضرب. ولم ينته الاشكال الا باستقدام آليات لقوى الامن الداخلي لتنقل المتظاهرين المحاصرين. لكن هذه الاليات تعرضت هي الاخرى للمحاصرة والاعتداء!! فاين لبنان، بلد الحريات، مما حصل اليوم ؟ واين حقوق الانسان التي تكفل لكل فرد الحق في التجمع والمشاركة في الشؤون العامة؟ وهل عدنا، في الاتهامات التي تلقى جزافا، الى زمن محاكم التفتيش في القرون الوسطى؟ بل، هل نحن نعيش في بيروت ام في قندهار؟

مقدمة تلفزيون "ان بي أن"

لا معطيات تؤشر إلى أي اختراق للأزمة الرئاسية بعد موجة التعطيل الأخيرة التي استهدفت المبادرة الحوارية للرئيس نبيه بري. والمساعي الحالية لا تبدو ناضجة وهي تكاد تقتصر على حراك الموفد القطري في بيروت خلف الكواليس وسط ندرة في المعلومات الأمر الذي لا يوفر ما يكفي من عناصر للبناء عليها. أما الموفد الفرنسي فإن الجميع في حال ترقب لخطوته التالية بعد زيارته الأخيرة للسعودية. وبالنسبة للرئيس بري فإنه على استعداد لأن يدعم كل من يريد ان يساعد لبنان ويعتبر ان طريق الحل الرئاسي مبتدأه وخبره الحوار.

وفي السياق عينه تأكيد من معاونه السياسي النائب علي حسن خليل على تسهيل كل المبادرات سواء كانت فرنسية أو قطرية أو خماسية قائلا اننا ملتزمون بتسهيل كل المحاولات لكن الأساس هو تلاقي اللبنانيين.

في الأمن هدوء تام وارتياح واسع في عين الحلوة بعد نجاح خطوة انتشار القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في حي التعمير وإخلاء مدارس الأونروا من المسلحين تمهيدا لتسليمها إلى الوكالة المكلفة برعاية اللاجئين. وسيكون على هذه الوكالة الأممية مسح الأضرار الناجمة عن الاشتباكات الأخيرة في المخيم وإجراء أعمال الترميم اللازمة.

مقدمة تلفزيون "أو تي في"

الثابت الوحيد حتى اليوم، هو تمسك الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية. اما الحراك الخارجي، الفرنسي ثم القطري، فلم ينجح حتى اللحظة في إحداث الخرق المطلوب، بدليل عدم انتخاب رئيس.

وفي غضون ذلك، تكثر التسريبات حول البحث في سلال توافقية، حول بعض المرتكزات السياسية والتعيينات الاساسية. غير ان المطلوب في مكان آخر:
اولا، تطبيق وثيقة الوفاق الوطني واحترام الدستور نصا وروحا، وتجاوز عقدة التفسير او التعديل اذا لزم الامر
ثانيا، الاتفاق على خريطة طريق انقاذية للمرحلة المقبلة حتى يتحول انتخاب الرئيس من ملء لكرسي شاغر في القصر الجمهوري، الى ملء للفراغ في الجمهورية.
ثالثا واخيرا، التشدد في ارساء العدالة والمساءلة والمحاسبة تحت سقف القانون، تزامنا مع إطلاق جدي للإصلاح على المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وفي غضون ذلك، سلسلة مواقف مرتقبة اليوم وغدا لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل خلال الجولتين اللتين يقوم بهما في زحلة وبعلبك-الهرمل، بمشاركة الرئيس العماد ميشال عون. جولة باسيل اليوم، لفتت في الشكل والمضمون. ففي الشكل، شملت الزيارات معظم فاعليات المدينة الروحية والسياسية، ولقاءات بالأهالي. اما في المضمون، فجرى التطرق الى جوهر الازمة وسبل الخروج منها، علما أن باسيل يلقي الليلة كلمة في العشاء الذي تقيمه هيئة قضاء زحلة، تنقلها الاوتيفي مباشرة على الهواء وعبر منصاتها الرسمية على مواقع التواصل.

مقدمة تلفزيون "المنار"

فيما التنقيب عن رئيس للجمهورية لا يبشر بخبر قريب، فان التنقيب عن النفط والغاز احيا الآمال بخير وفير. فطغت رائحة الغاز على رائحة العفن السياسي، وبشر وزير الطاقة اللبنانيين بان المؤشرات التي ترسلها الحفارة من البلوك رقم تسعة تحمل جديدا. هو ليس استعجالا او حرقا للمراحل ، الا ان ما قيل تأكيد ان الامور تسير بالاتجاه الصحيح وان المهلة المتبقية من الايام السبعة والستين التي حددتها توتال لاعلان النتيجة الاولية لن تكون ثقيلة على اللبنانيين.

وحتى انتهاء الحفر الاستكشافي وبدء الحفر الحقيقي سيكتشف اللبنانيون انهم حققوا انجازا تاريخيا عبر وحدة موقفهم، وان تمسكهم بسلاح قوتهم اي معادلتهم الذهبية - جيش وشعب ومقاومة - سيدر على البلد وأهله الكثير من الذهب الاسود الذي كان ممنوعا عنهم بقرار من الثعبان الاسود - الكيان العبري وسيده الاميركي.

بالعودة الى الملف الرئاسي فان الانتظار سيد الموقف، وان القرار الداخلي عند البعض لا يزال التعطيل، فيما المسعى الخارجي يسير على ارض رخوة لا يمكن ان يحط عليها الخلاصات التي تتناقلها منابر الاعلاميين وبعض السياسيين. فالحقيقة الوحيدة الثابتة على ارض صلبة أن سليمان فرنجية هو المرشح الجدي المؤيد من الثنائي الوطني.

في كفرشوبا ترجم القرار الجدي بفتح الطرق امام اللبنانيين الى اراضيهم في تلال المنطقة، وانتهى تعبيد الطريق التي شقتها وزارة الاشغال من كفرشوبا الى ما يسمى بخط الانسحاب قرب بركة بعثائيل عند حدود الاراضي اللبنانية المحتلة، فسار عليها الاهالي بآمالهم نحو تحرير ما تبقى من اراضيهم.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الموفد القطری

إقرأ أيضاً:

التحصين الإخباري.. سلاح الجيل لصد التضليل (1)

 

 

د. يوسف الشامسي **

 

تخيَّل لبرهة: هل تستطيع أن تمضي يومك دون تفحص هاتفك؟ لا أخبار عاجلة، لا تحديثات، لا منشورات... مُجرد صمت! قد يبدو ذلك في غاية الصعوبة، أليس كذلك؟ نحن جيلٌ يسبح في فيضان من الأخبار والتغريدات والقصص، حتى بات الفاصل بين الواقع والافتراضي خيطًا ضبابيًا يصعب تبيانه.

لم تعد الأخبار تُستقى من الصحف الرصينة، بل تحولت إلى تيارٍ مُتدفقٍ من الرسائل العابرة: من نكتةٍ في مجموعة "العائلة" بالواتساب إلى تحذيرٍ صحي في "شارع" عبر سنابشات، ومن تحليلٍ سياسي على منصة "إكس" إلى إشاعةٍ فيروسية الانتشار عبر "إنستجرام". وصار كل صديق في "فيسبوك" خبيرًا نفسيًا، وكل تغريدة مصدرًا للتحليلات الاقتصادية، وكل قصة على منصات الإعلام الاجتماعي حكمةٌ مُباركة أو عبرة تستوجب المشاركة. والأعجب أن وصفةً عشوائيةً لعلاج الصداع قد تتفوق على نصائح طبيبك، ورأيَ "المُؤَثر" في التيك توك يغدو مرجعًا لفهم الصراعات الدولية، وكأنما استحال العالم إلى سوق مزاداتٍ تتدافع فيه الأصوات، وتختلط فيه الحقائق بالأوهام، حتى بات التمييز بينهما ضربًا من التحدي.

لم يكن الأمر بهذا التداخل في السابق؛ إذ كانت الأخبار تمر عبر "مُرشحاتٍ" مهنية: محررون، ومراجعون، وخبراء يتحققون من المعلومة قبل بثها. أما اليوم فمصادر المعلومات ووسائط الإعلام التقليدية فقدت الكثيرَ من سلطتها وموثوقيتها إلى حد ما، ولهذا أسباب كثيرة تستدعي مراجعة شاملة للقواعد المهنية لمؤسسات الإعلام ودور المتحدث الرسمي "الخجول" والغائب عن المشهد. وبالتالي تشكلت بيئة جيدة لانتشار الأخبار (الصحيحة والزائفة على حد سواء) من قبل الأفراد (مشاهير، نشطاء، إلخ من ألقاب تجر ثقة الألوف والملايين)؛ إذ أصبح المستخدم نفسُه اليوم مُنشئًا للرسالة وله التحكم التام في نقل المعلومة ومشاركتها وبثها "مباشرا" عبر هذه الوسائط بغض النظر عن مصداقيته والتزامه بأمانة الرسالة وقيمتها الخبرية ومدى إلمامه بالقوانين وأخلاقيات النشر. المشكلة أنَّ هذه الحرية جاءت بثمنٍ باهظ: فوضى معلوماتية تخفت فيها المصداقية، وتتصاعد فيها الشائعات كالنار في الهشيم. فلم يعد الخطر يكمُن في غياب المعلومة، بل في فائضها السام الذي يُغرق العقل، ويحرفُ بوصلة النقد الواعي للمشهد.

الأمر لا يقتصر على الأكاذيب العابرة؛ ففي عصرنا الرقمي، أصبحت الشائعات سلاحًا استراتيجيًا في الحروب النفسية. دراساتٌ عديدة تؤكد أن الأكاذيب تصل أسرع بست مرات من الحقائق لكل 100 ألف شخص! لماذا؟ لأنَّ العواطف تغلب المنطق، فالإثارة والغضب ينتشران كالفيروسات، بينما تتحرك الحقائق ببطء السلاحف. انظر حولك: الأخبار المزيفة أثناء الحروب، والاتهامات المتبادلة بين الشعوب الشقيقة، وخطابات التخوين اليوم التي تفتت المجتمعات العربية وتقسم بعضها البعض، كلها منتجاتٌ سامة لمصانع الإعلام غير المسؤول؛ بل وعلى نطاق أوسع باتت الكثير من الحكومات تؤمن بفعالية "تسونامي" الأخبار المُزيَّفة (المُفبرَكة) كسلاح تدميري لتحطيم وعي الأفراد ونفسياتهم لا يقل أثرًا عن سائر الأسلحة العسكرية، وكأننا في حربٍ باردةٍ جديدة؛ لكنها هذه المرة تدور في عقولنا قبل ساحات القتال، كل ذلك ينذر بخطرٍ مُحدق يطال أمن الفرد الفكري والإعلامي إذا هو لم يحسن التحصين "الإخباري" السليم.

هنا يبرز سؤالٌ جوهري: كيف نحصن أنفسنا "إخباريًا" من هذا الطوفان؟

الجواب يختزله المنهج القرآني المتجدد الصالح لكل عصر: "فتبينوا"؛ هذه الكلمة الذهبية هي جوهر "التحصين الإخباري" الذي نحتاجه اليوم. فقبل أن ننقل خبرًا، أو نصدق رسالة، أو نشارك منشورًا، علينا أن نتوقف لوهلة ونسأل: من يقف خلف هذه المعلومة؟ وما هدفه؟ وما السياق الذي قُدمت فيه؟ وكيف يمكن التحقق منها؟ ولإجابة هذه التساؤلات لا بُد من فهم قواعد اللعبة الصحفية والعوامل الخارجية وتأثيرها على طرق مُعالجتها للأحداث، بحيث لم يعد التركيز في تحليل مضمون الرسالة الإخبارية كافيا، وهذه المهارة لن تتولد في ليلة، ولكن تستدعي توسيع قاعدة مناهج التعليم لغرس مزيد من الوعي حول بيئة الصحافة وعمليات إنتاج الأخبار وطرق النقد الإخباري، هذه الأسئلة البسيطة قد تكون الفارق بين أن نكون ضحايا للخداع أو أُمناء على الحقيقة. لكن للأسف، مدارسنا لا تعلمنا كيف ننتقد الخبر؛ بل كيف نحفظه! مناهج التعليم ما زالت تعامل المعلومة كمسلمةٍ مقدسة، لا كموضوعٍ للنقاش والتمحيص، وكأننا نُعد جيلًا ليُملأ رأسه بالبيانات، لا ليعلم كيف يفككها.

في المقابل، بدأت بعض الدول تدرك حجم الكارثة، فبرزت العديد من التجارب العالمية لتعزيز التحصين الإخباري لطلبة المدارس وطلبة التعليم العالي، فعلى سبيل المثال تدمج فنلندا اليوم مفاهيم "التربية الإعلامية" في مناهجها الوطنية منذ المرحلة الابتدائية لتعزيز التفكير النقدي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أنشأت جامعة ستوني بروكس في عام 2011 معهدًا غير ربحي لـ"التربية الإخبارية"، واستحدثت مقررًا إلزاميا لطلاب الجامعة يعنى بالتقييم النقدي للأخبار، فيما تدعم دول الاتحاد الأوروبي مبادرات مثل مراكز "إنترنت أكثر أمانًا" لتوعية الطلاب بمخاطر التضليل وفق فئاتهم العمرية، وتُلزم اليابان طلبتها بدراسة منهج "الأخلاق المعلوماتية" لتعزيز الاستهلاك الواعي للإعلام، كما تُضمن سنغافورة التربية الإعلامية في منهج التربية الأخلاقية لجميع الصفوف لتعليمهم تفكيك الأخبار المزيفة. كل هذه التجارب تهدف لخلق جيل أقل عرضة للتزييف، وأكثر قدرةً على مواجهة فيضان المعلومات. لكن لماذا تظل مثل هذه التجارب حكرًا على بعض الدول بينما في عالمنا العربي - حيث تتصاعد خطابات الكراهية، وتنتشر نظريات المؤامرة كالفطريات في الظلام - نجد مناهجنا تتجاهل تمامًا تعليم النقد الإخباري؟

أعتقد أننا بحاجة لثورة تعليمية تعيد صياغة عقلية الجيل الجديد: مناهج تُدرس الطفل كيف يميز بين الخبر المدعوم بمصادرَ موثوقةٍ والإشاعة الملفقة، كيف يُحلل الصورة قبل مشاركتها، كيف يكتشف التناقضات في الروايات. كما نحتاج إعلامًا جريئًا يعيد بناء جسر الثقة مع الجمهور، عبر الشفافية والاعتراف بالأخطاء، بدلًا من الاختباء وراء البيانات الجافة أو الانحياز السافر.

لا غرو أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت مساحة كبيرة لتعددية الأصوات، ونجحت إلى حد كبير في تمكين الجماهير من تجاوز "حراس البوابة" أو الرقباء حسب التعبير الإعلامي الذين ينتقون ما يصلح ولا يصلح للنشر؛ بيد أن ذلك- رغم ما يحمله من ديمقرَطَةٍ للمعلومة- سيفاقم إشكالية الموثوقية على حساب الشعبية بلا شك، لذا يظل تحصين الفرد وتوعيته بآلية نقد الأخبار والتحقق منها ضرورة ملحة لجيل الألفية الثالثة، وذلك لن يتأتى إلّا عن طريق عملية عاجلة لزراعة منهج تعليمي إلزامي لجميع طلاب المدارس الثانوية أو التعليم العالي على أقل تقدير يعنى بالتحصين الإخباري و"التربية الإعلامية" وحقنه بآليات النقد والتحقق التي تم حجرها في أروقة أقسام الإعلام بجامعاتنا.

** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • واشنطن تبحث دور مجلس القيادة الرئاسي في اليمن
  • سامح قاسم يكتب.. غزة من قمرة القيادة
  • اليوم الوطني للتقنية النووية.. أبرز الإنجازات التي كشفت عنها طهران
  • مرقص كرّم الفنان الراحل فؤاد عواد وسلم عائلته درع تلفزيون لبنان
  • التحصين الإخباري.. سلاح الجيل لصد التضليل (1)
  • مشروع درامي ضخم و80 ممثلا.. القطرية للإعلام تعلن عن قرب عرض “سيوف العرب” على تلفزيون قطر
  • عيار 21 بكام؟.. سعر الذهب خلال التعاملات المسائية اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025
  • الكبير يرد على بيان الرئاسي وينفي علاقته بالإنفاق الموازي
  • بعد ثلاث سنوات من تشكيله.. هل حان الوقت لإصلاح أو استبدال مجلس القيادة الرئاسي في اليمن؟