تطوير اقتصاد المحافظات
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
حاتم الطائي
◄ تنمية اقتصاد المحافظات ركيزة أساسية في أولويات النهضة المتجددة
◄ ضرورة ترسيخ اللامركزية والاستفادة من الخصائص النسبية للمحافظات
◄ اقتصادنا لن يحقق النمو المنشود دون منظومة تنموية شاملة للمحافظات
لا تقتصر عملية التنمية الشاملة بالمحافظات على طرح وتنفيذ المشروعات بمختلف أنواعها وحسب، ولا تعتمد فقط على الخُطط المركزية للحكومة؛ بل يجب أن ترتكز في مسارها الرئيسي على ما تبذله الإدارات المحلية في كل مُحافظة من جهود حثيثة تضمن بناء منظومة اقتصادية محلية تدعم التوجهات العامة للدولة والسياسات الرئيسية، والاستراتيجيات الكبرى، ونخص بالذكر هنا الرؤية المستقبلية "عُمان 2040".
وتنمية المحافظات تمثل واحدة من أولويات النهضة المتجددة، علاوة على كونها ركيزة أساسية في مسار التنويع الاقتصادي، من خلال الاستفادة من المقومات الحصرية لكل مُحافظة على حدة، فالمحافظات السياحية تختلف عن المحافظات الزراعية، كما إن المُحافظات الساحلية التي تشتهر بالإنتاج السمكي تمضي في جانب آخر، علاوة على المحافظات التجارية التي تزدهر فيها الحركة الاقتصادية بفضل ما تنعم به من موانئ ومناطق حرة واقتصادية وخاصة وصناعية. وهذا التنوع في اقتصادات المحافظات يضعنا أمام خريطة اقتصادية متكاملة الأركان، قادرة على تعظيم العوائد والمنافع وتحقيق التطلعات وفي المقدمة منها توفير فرص العمل للشباب في الولاية التي يقطن بها لتحقيق التوزيع النسبي المأمول للسكان، بما يتواءم مع حركة العمران والتنمية ويُعزز الاستدامة. كما إنَّ من شأن تعزيز اقتصادات المحافظات أن يفتح المجال أمام تنمية خاصة تصبغ كل محافظة بميزة تختلف عن نظيراتها من محافظات وطننا العزيز.
فكيف يمكن لنا تعزيز اقتصادات المحافظات وتنميتها بما يُحقق الأهداف المنشودة والتطلعات المأمولة؟
الواقع يُؤكد أنَّ عملية التنمية الشاملة والمُستدامة واجهت العديد من التحديات على مدار العقود الماضية، والتي تسببت في عدم تحقيق كامل الأهداف التي كنَّا نتطلع لها دائمًا، ولذلك يتعين على المؤسسات الفاعلة في الدولة أن تُكثِّف الجهود من أجل تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية في المحافظات، ولذلك نطرح خمس نقاط أساسية لبلوغ هذا الهدف السامي، كما يلي:
أولًا: تعزيز الإدارة اللامركزية للتنمية في المحافظات، من خلال توسيع صلاحيات المحافظين والولاة في اتخاذ قرارات اقتصادية تُعزز الجذب الاقتصادي، وهنا تتجلى أهمية الميزات النسبية لكل مُحافظة؛ إذ إنَّ تطبيق اللوائح والقوانين وفق آليات لا مركزية تُراعي خصائص البيئة الاقتصادية في كل محافظة سيحقق نتائج إيجابية واعدة، سواء على مستوى الاستثمارات وتنميتها، أو من حيث زيادة حجم القطاع الخاص، ومُضاعفة إسهاماته في جوانب التوظيف والعائدات الضريبية والمسؤولية الاجتماعية، وغيرها من الإسهامات التي تتعاظم كُلما نَمَا وزاد حجم هذا القطاع. وهذا يتحقق من خلال دعم خطط القطاع الخاص في إنشاء مشاريع نوعية في مجالات واعدة مثل السياحة والثروة السمكية والزراعية، والمشاريع الصناعية، ومشاريع ريادة الأعمال، من خلال تقديم التسهيلات اللازمة، وفي المقدمة منها التمويل المُيسر، الذي يُمنح بمعدلات فائدة مُنخفضة، وهنا يأتي دور بنك التنمية العُماني، من خلال زيادة مُخصصاته، وتخفيف شروط الائتمان، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.
ثانيًا: سن تشريعات وقوانين ولوائح مُحفِّزة للشباب لتأسيس شركاتهم ودعهمم ماليًا، على أن تتضمن هذه التشريعات عدم ملاحقة الشباب المُتعثر وسجنه في حالة عدم الوفاء، من خلال تقديم كل سبل التسهيل والسداد المُيسَّر للجادين فعلًا منهم، ونحسب أن جميع رواد الأعمال الشباب جادين للغاية في أعمالهم، لكن ظروف السوق والتأثيرات الخارجية الناتجة عن الأوضاع الجيوسياسية وغيرها، قد تتسبب في نتائج سلبية على أعمالهم، ولنا في أزمة كورونا والركود العالمي المثل والعبرة.
وعندما نتحدث عن دعم الشباب، تترآى أمامنا التجربة المُلهمة لشباب نزوى في تطوير حارة العقر، وتحويل منطقة كانت بالفعل أشبه بـ"مُدن الأشباح" إلى نقطة جذب سياحي تفوّقت على مواقع أخرى.
ثالثًا: زيادة موازنة المحافظات خلال المرحلة المقبلة، فكل محافظة مُخصص لها 20 مليون ريال خلال الخطة الخمسية العاشرة، ضمن برنامج حكومي بدأ بـ10 ملايين ريال ثم تضاعف الرقم بتوجيهات سلطانية سامية، وهذا يعكس الرؤية السامية السديدة والتي تؤمن بدور المحافظات في التنمية، وأهمية تعميق اقتصادات المحافظات. غير أن ضخ المزيد من المُخصصات المالية في المحافظات على مدى السنوات المُقبلة من شأنه أن يُضاعف جهود التنمية المحلية، ويصل بها إلى آفاق لم نكن نتوقعها من قبل، خاصة إذا ما توازى ذلك مع ترسيخ الإدارة اللامركزية، وزيادة صلاحيات المحافظين والولاة كما ذكرنا. لكن في الوقت عينه، يجب أن ترتبط هذه المُخصصات بتحقيق الأولويات، وفي المقدمة منها خلق فرص وظيفية وتحفيز رواد الأعمال، وزيادة إسهامات القطاع الخاص من خلال تنمية أعماله ومساعدته على الازدهار.
رابعًا: تعميق أدوار غرفة تجارة وصناعة عُمان في نمو اقتصادات المحافظات؛ حيث إن الغرفة هي الممثل الرسمي للقطاع الخاص والمتحدث باسمه، وأي جهد لتنمية القطاع الخاص دون دور فاعل للغرفة، بمثابة حرث في الماء؛ الأمر الذي يفرض على الغرفة أدوارًا إضافية يمكنها القيام بها من خلال فروعها المنتشرة في أنحاء السلطنة، وما تزخر به من قاعدة بيانات شاملة لكل شركات وأنشطة القطاع الخاص، إلى جانب تعظيم الدور البحثي للغرفة في إثراء الفكر الاقتصادي لكل محافظة، عبر تسليط الضوء على القطاعات الواعدة وفق نظرية "الميزة النسبية لكل محافظة".
خامسًا: لضمان إنجاح نمو اقتصاد كل محافظة، يجب العمل على تعزيز المنافسة بين المحافظات؛ بل وبين ولايات كل مُحافظة، فيما يتعلق بجهود جذب الاستثمارات والتطوير المستمر للاقتصادات المحلية وفق آليات محددة. وهنا نُشير بوضوح إلى أهمية تهيئة المناخ الاستثماري لكل محافظة، فلا يُمكن بأي حال أن نجد محافظة تساهم بنسب مرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي، بينما محافظة أخرى لا تستطيع الإسهام ولو باليسير، وهذا يُحتِّم على الجهات المعنية معالجة الاختلالات في بنية المنظومة الاقتصادية المحلية، وتمركُز قطاعات بعينها في محافظات دون الأخرى، نتيجة لتراجع الجهود التنموية في محافظة دون غيرها. ولا شك أن تحقيق بيئة تنافسية وصحية في كل محافظة سيعمل على توسيع نطاق الاقتصاد وتوليد فرص العمل.
ويبقى القول.. إنَّ العمل المتواصل والجهود الحثيثة التي تبذلها مؤسسات الدولة لن نستطيع أن تُحقق الفوائد المرجوة منها دون منظومة تنموية شاملة تستهدف الاستفادة من الخصائص النسبية لكل محافظة، والانطلاق بمسيرة التنمية نحو آفاق أرحب عبر بوابة المحافظات، والتي تكمن فيها الفرص الواعدة والحقيقية لأي نمو اقتصادي منشود، على أن يتواءم هذا النمو وتنسجم تلك الجهود مع مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، مع ضرورة التفعيل الكامل لأهداف الرؤية وتحقيقها بكل جديّة ووضوح، فأبناء عُمان الأوفياء ينتظرون بفارغ الصبر مرحلة قطف الثمار، في صورة مزيد من الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: القطاع الخاص لکل محافظة کل محافظة من خلال وهذا ی
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي يشيد ببرنامج التنمية المحلية في صعيد مصر
أكدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، أن البنك الدولي في تقريره الأخير علي موقعه الرسمي سلط الضوء على النجاحات الكبيرة التي حققها برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر، مشيدًا بدور البرنامج في تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين جودة حياة المواطنين في المحافظات المستهدفة ومساعدتهم في تحقيق دخل مستدام.
وأشار البنك الدولي، إلى أن البرنامج يمثل نموذجًا رائدًا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وخلق فرص العمل، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة المصرية لتحسين جودة الحياة وتعزيز مناخ الاستثمار في المحافظات المستهدفة.
وأكدت الدكتورة منال عوض، أن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر يأتي انطلاقًا من إيمان الدولة المصرية بضرورة اتباع نهج مبتكر وشامل لتحقيق التنمية المحلية بصعيد مصر الذي يحتضن 38% من سكان البلاد من خلال تهيئة بيئة داعمة لأنشطة الأعمال، وتعزيز خدمات ومرافق البنية التحتية، بالإضافة إلى دعم قدرات الإدارات المحلية وأجهزة الحكم المحلي، لذا أطلقت الحكومة برنامجًا تجريبيًا يستهدف صعيد مصر يهدف إلى تمكين محافظات الصعيد من تعزيز قدراتها، وترسيخ مبدأ المساءلة، مع إشراك المواطنين والشركات ومنشآت الأعمال في عملية صنع القرار.
وأكدت وزيرة التنمية المحلية ، أن البرنامج يهدف إلى تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز البنية التحتية، وتمكين المحافظات من تطوير قدراتها، وإشراك المواطنين في عملية التنمية الاقتصادية المحلية ، لافتة إلى أن البرنامج يتوافق كذلك مع أهداف المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، التي تستهدف تحسين الظروف المعيشية للقرى والمجتمعات الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية ، والهدف منهما هو الوصول إلى أشد المناطق فقراً، مع ضمان اتباع نهج منسق وشامل للتنمية المحلية، والشمول الاقتصادي، والنمو المستدام.
وأشارت الدكتورة منال عوض ، إلى أن البنك الدولي أشاد بالتجربة المصرية في تنفيذ برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر، معتبرًا إياها نموذجًا يمكن تعميمه في مناطق أخرى داخل مصر وخارجها، مؤكدًة أن الحكومة مستمرة في توسيع نطاق الاستفادة من البرنامج، بما يسهم في تحقيق رؤية الدولة في تحقيق تنمية مستدامة، وتعزيز قدرات المحافظات، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين في صعيد مصر.
وأشار تقرير البنك الدولي، إلي أن أكثر من 8 ملايين مواطن استفادوا من تحسين وتطوير الخدمات وزيادة مرافق البنية التحتية والخدمات الحيوية، حيث ساهم البرنامج في تعزيز التنمية الاقتصادية على المستوى المحلي من خلال تمكين الشركات والمنشآت المحلية من تحقيق النمو، كما يركز على تعزيز ودعم قدرات أجهزة الحكم المحلي بهدف تحسين وزيادة مرافق البنية التحتية والخدمات عالية الجودة، لافتاً إلي أن البرنامج يشجع على الشمول من خلال تصميم أنشطة تلبي احتياجات القرى والمجتمعات المحلية، وذلك في إطار من المشاورات المستمرة والاستماع إلى آراء المواطنين والشركات لتحديد الأولويات والتغلب على التحديات مما يسهم في مساعدة المحافظات على تحديد احتياجاتها بشكل أفضل.
كما لفت التقرير، إلى أن البرنامج ركز على تعزيز تنافسية وتنمية وتطوير التكتلات الاقتصادية المحلية والتي تمثل إحدى المبادرات الرئيسية للبرنامج وذلك من خلال مساعدة الشركات ومنشآت الأعمال المحلية على الوصول إلى أسواق جديدة والتغلب على معوقات النمو، وتحديث أساليب الإنتاج الخاصة بها، وزيادة قدراتها التشغيلية والتسويقية، وقد بلغ عدد المستفيدين من هذه المبادرات حتى الآن 6397 شركة ومنشأة وعاملًا، منهم 1568 امرأة، وتم توفير 2032 فرصة عمل جديدة.
كما ساعد برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر في تحديث وزيادة كفاءة مراكز الخدمات الحكومية على مستوى المناطق والأحياء والقرى كما ساعد البرنامج في تحديث مراكز الخدمات الحكومية، مما أدى إلى تقليل المدة الزمنية اللازمة لإصدار تراخيص المحلات التجارية وتراخيص البناء، وهو ما انعكس إيجابيًا على مناخ الاستثمار في هذه المحافظات، حيث تعد الكفاءة في تقديم الخدمات من الحكومة إلى الشركات، مثل إصدار تراخيص المحلات والبناء، غاية في الأهمية لمساعدة رواد الأعمال على تأسيس شركاتهم ومشروعاتهم والتغلب على التعقيدات أو الإجراءات الطويلة.