في اللحظة التي تقدم عدة دول السلاح وبشكل علني للمليشيا؛ دعم واضح من الإمارات وليبيا حفتر وتشاد وأفريقيا الوسطى وربما جنوب السودان في الطريق بعد زيارة سلفاكير لروسيا وأيضاً دولة إثيوبيا تدعم التمرد سياسياً على الأقل؛ ورأينا مشاركة قوات مع التمرد من ليبيا وتشاد والنيجر وربما أيضا من دولة الجنوب؛ في هذه اللحظة هناك أشخاص مشكلتهم البراء إبن مالك!

في التسعينات أيام تمرد جون قرنق والتجمع الديمقراطي الذي يضم بعض مكونات قحت الحالية مثل حزب الأمة (بعض الوجوه هي نفسها مثل ياسر عرمان ويوسف عزت الذي كان شيوعياً حينها في بداية مشواره).

بعض قيادات قحت الحاليين وأبواقهم الإعلامية كانوا طلاباً في الجامعات كانوا يقومون بنفس دورهم التخذيلي الحالي، وحينما قام التجمع الوطني الديمقراطي بتفجير خط أنابيب البترول أرادوا أن يخرجوا من جامعة الخرطوم تأييداً لهذا العمل التخريبي. كانت تلك هي المناسبة الشهيرة التي أطلق فيها الناجي عبدالله الرصاص في الهواء في نجيلة آداب.

كان الهجوم على السودان من عدة جبهات من الشرق في الحدود مع إرتريا وإثيوبيا إلى الجنوب حتى حدود يوغندا مرورا بكينيا. حينها استنفرت الإنقاذ الشعب السوداني واستحثت فيهم قيم الجهاد بالمفهوم الديني الإسلامي فتكون ما سيُعرف لاحقاً بالمجاهدين والدبابين وغيرها من المسميات، كلها كانت تصب في مساندة القوات المسلحة وتحت قيادتها، قدم الشعب السوداني عشرات آلاف من المجاهدين وآلاف الشهداء. في ذلك الوقت لم تكن الإنقاذ قد حكمت لثلاثين عاماً حتى تضعف الجيش وتدمره، ولكن الجيش السوداني الذي وجدته الإنقاذ من كان عاجزاً عن مواجهة التمرد لوحده وهزيمته ما استدعى إيجاد قوات مساندة من دفاع شعبي وغيره. ضعف الجيش هذه ليست مشكلة الإنقاذ، بل هي مشكلة موروثة.

ثقافة المجاهدين والكتائب المساندة للجيش لم تنشأ اليوم ليكتشفها ديسمبري عبقري كان يريد شنق البرهان وحميدتي وتفكيك الدعم السريع وإبعاد الأحزاب كلها ومعها الحركات المسلحة أيضاً والكيزان بكافة فصائهم والقوى التقليدية لتحكم ثورة عبر لجان المقاومة وذلك باستخدام المظاهرات في عدد من شوراع الخرطوم. موضوع المجاهدين ليس بهذه البساطة، تماماً مثلما أن مسألة شنق حميدتي والبرهان معاً ليست تلك البساطة.

لسوء حظ العلمانيين هناك ارتباط عضوي بين فكرة الاستنفار ومفهوم الجهاد والاستشهاد في سياقنا السوداني وبالتالي بالأيديوجيا الدينية؛ هذه ليست مشكلة الإسلاميين أيضاً. وفي الواقع فقد كان الاستنفار إلى الجهاد هو المدخل لبعض السودانيين العاديين ليصبحوا إسلاميين. ولكن هل كل مجاهد هو مؤتمر وطني بالضرورة؟ طبعاً لأ.

الجهاد بطبيعة الحال مفهوم ديني، ومن الصعب علمنته في السودان تحديداً. ولقد تكوَّن ما يُمكن تسميته بالأُطر الإجتماعية للجهاد في السودان وذلك خلال حقبة الإنقاذ، وهي أُطر ترسخت مع مرور الوقت عبر رفقة السلاح والعلاقات الشخصية والأنشطة الإجتماعية. هذه أطر غير قابلة للتفكيك ولا يمكن استيعابها داخل مؤسسة مثل الجيش، وهي لها طريقة عملها الخاصة في الحشد والتعبئة وفي التنظيم والإدراة، ولكنها عملياتياً تعمل تحت إمرة الجيش وضمن خطته العسكرية، وهناك تجربة طويلة لهذا العمل المشترك طوال عمر الإنقاذ.

فهناك علاقة نشأت بين الجيش وبين هذه الأطر الاجتماعية للجهاد وهناك تفاهم بينهم وهم يعملون بتوافق وبانسجام منذ أيام حرب الجنوب، وأيضاً البعد الاجتماعي حاضر هنا أيضاً في العلاقة بين الجيش والمجاهدين. فعندما تقاتل مع مجموعة من الرجال مرات عديدة في متحركات ومعارك مختلفة ويتعرف بعضكم على بعض بشكل وثيق في مناطق العمليات “محل الرجال بتعرف بعض” و”محل الكوع يحمى واللسان يبقا دقيق” كما قال الشهيد عبدالمنعم الطاهر، وعندما تمتد هذه العلاقات في الحياة العامة خارج سوح القتال في الأفراح والأحزان وغيرها من المناسبات، تكون هنا علاقة مختلفة. وهي شيء لا يمكن تفكيكه ولا ضربه، خصوصاً في أوقات الشدة التي تواجه فيه البلد خطراً يهدد كيانها ووجودها نفسه. هكذا تسير الأمور في السودان الآن على الأقل، ويجب استيعاب ذلك.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

يحكيها عضو لجنة الوساطة بين الجيش والثوار: أسباب العداوة بين حركات الكفاح المسلح وقوى الحرية والتغيير

هذه حقيقة أقولها للتاريخ وهي أن تحالف قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين لم يعترفوا بكفاح الحركات المسلحة الذي امتد لقرابة العقدين من الزمان في نضال تراكمي أرهق نظام الإنقاذ، فكان الحراك الشعبي في عطبرة والدمازين والذي انتقل للخرطوم وانتشرت الشرارة التي ساهم في نجاحها أجهزة النظام التي فتحت للمظاهرات حتى وصلت موقع الاعتصام أمام القيادة العامة فانحاز لها الجيش كعادته في كل الثورات الشعبية التي حدثت في السودان، في اكتوبر 64 وابريل 85 .

ونجحت الثورة في إسقاط الإنقاذ وفي هذه الثورة تسلق كثير ممن كانوا مع النظام من الرأسمالية فساندوا الثورة وتبنوها وحصروا قيادتها في شخصيات من خارج السودان مع إن بعضهم له تاريخ واضح بصلته المنفعية من الإنقاذ.

لقد قررت قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين أن تعتمد مَن سَجَّل في دفتر حضورها لساحة الاعتصام ليصبح جزءاً منها ثم تغلق الدفتر، واعتبروا أن نضال حركات الكفاح المسلح ليس له قيمة، وأن الثورة لإسقاط النظام قام بها مَن وقع بالدفتر فقط !!

لقد كنت عضواً في لجنة التوافق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد فض الاعتصام، وكضباط متقاعدين كونا لجنة تحت قيادة الفريق العتباني وقابلنا الطرفين في حركة ماكوكية حتي استعدنا ما كان متفق عليه بين المدنيين والمجلس العسكري، وكان مما تم الإتفاق عليه أن يتم تكوين الحكومة من المكون المدني وحركات الكفاح المسلح ولكن المدنيين أصروا علي ان يحوزوا علي 67٪ من عضوية المجلس التشريعي الإنتقالي وتعيين كل الوزراء من طرفهم ما عدا وزيري الدفاع والداخلية رغم أن رأي المجلس العسكري كان ضرورة أن يكون تشكيل الحكومة من كل من الحرية والتغيير وحركات الكفاح المسلح وتكوين مفوضية السلام للحركات التي لم تحضر الخرطوم وظلت خارج السودان (حركتي الحلو وعبد الواحد) .

كان من الواضح أن المدنيين لا يريدون أن يعترفوا بنضال الحركات المسلحة، وقد برز هذا جلياً عندما اجتمعوا مع ممثلين عنها بدار حزب الأمة ودخلوا في نقاشات استفزوا فيها ممثلي تلك الحركات وفشل الإجتماع في الوصول لتوافق بسبب تمسك المدنيين في قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين بتشكيل وتوزيع الوزارات بينهم، وتكرر الاجتماع بفندق السلام روتانا ولكن زادت الفجوة وظل الخلاف يتوسع حتي وصل بهم أن استدعوا أمن الفندق لإخراج أعضاء الحركات من القاعة بالقوة، وتم تشكيل الحكومة من الحرية والتغيير وتجمع المهنيين.

وبعد تشكيل الحكومة ذهبوا لجوبا للتفاوض مع “حركات الكفاح المسلح” وفرضت الحركات شروطها وأخذت نصيبها من الوزارات والامتيازات، مع إنه لو تم الإتفاق مبكراً وقبل تشكيل حكومة حمدوك الأولى لتم تكوين الحكومة دون تمييز للحركات التي لم تكن في حوجة لعقد اتفاقيات سلام لأنها ليس لديها خلاف مع الشعب، وحضروا تلقائياً للخرطوم بمجرد ذهاب نظتم الإنقاذ، لكن أهل الحرية والتغيير جعلوا منهم أعداء فاضطروا للذهاب إلى جوبا لإبرام اتفاقيات وتصالح معهم بينما هم جاءوا أول الأمر بلا شروط واعتبروا أنفسهم جزءاً من أصيلاً من الشعب السوداني الذي أسقط نظام الإنقاذ، ومنذ أن وقعوا معهم اتفاق سلام جوبا أصبحت قيادة قحت هي الخصم والحركات خصماً لتلك القيادة التي كانت تتنافس في الوزارات والكراسي ونسوا قضية السودان ووحدته والتحول الديمقراطي الذي يتطلع له الشعب.

آثار تلك الخصومة التي صنعتها قوى الحرية والتغيير ما زالت قائمة، لأنهم تناسوا نضال الحركات المسلحة، ولو تم تكوين الحكومة الإنتقالية الأولى كما اتفقت عليه لجنتنا مع المجلس العسكري لما احتجنا للذهاب إلي جوبا وتوقيع اتفاقيات سلام، لأن الثورة كانت فعلاً تراكمياً وكان للحركات المسلحة دوراً بارزاً فيها، فالثورة المدنية مستمرة ولها عدة محطات بارزة كان آخرها ما حدث في 2013، لكن كل هذا أنكره قادة قحت فاستمرت العداوات حتى اليوم.

اليوم نجد حركات الكفاح المسلح تقف الموقف الصحيح رغم المرارات القديمة، وتقاتل مع الجيش الوطني ضد المليشيات المدعومة بالمرتزقة الأجانب والمسنودة بقوى الحرية والتغيير في مسماها الجديد (تقدم) وخلفهم تقف قوى خارجية إقليمية جعلت من تحالف (تقدم) سنداً سياسياً لمرتزقة الدعم السريع، في حين أظهرت حركات الكفاح المسلح وطنيتها وحرصها على بقاء الدولة ومؤسساتها.

رائد (م) حسن محمود حسن

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لواء البراء بن مالك يعلن استشهاد قائده بولاية سنار في معارك جبل موية
  • السودان: «البراء بن مالك» تعلن مقتل قائد كتيبة سنار في معارك جبل موية الأخيرة
  • عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات
  • منير فخري عبدالنور لـ«الشاهد»: نقاشات جبهة الإنقاذ كانت ثرية وهدفها واحد
  • حرب السودان في عامها الثاني.. مفترق طرق
  • إسرائيل تعلن مقتل عنصر في الجهاد.. وأطباء بلا حدود: كان أحد موظفينا
  • الأمة يعلّق على استراتيجية السعودية تّجاه السودان
  • يحكيها عضو لجنة الوساطة بين الجيش والثوار: أسباب العداوة بين حركات الكفاح المسلح وقوى الحرية والتغيير
  • عقوبات أوروبية على 6 عسكريين من الجيش السوداني والدعم السريع بينهم قائد القوات الجوية للجيش وعلي كرتي
  • عقوبات أوروبية على «6» من قادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع