فتاوى الاحتفال بالمولد النبوي بين تطرفين
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
هناك أسئلة سنوية نمطية ينشغل الناس بالحديث عنها، هي إما متعلقة بالمناسبات الإسلامية، وإما بمناسبات دينية عند غير المسلم، لكن المسلم طرف فيها، مثل: تهنئة المسلم غير المسلم بأعياده الدينية، والاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بيوم الميلاد، وزكاة الفطر: مال أم حبوب؟ وهلال رمضان والعيدين: بالحساب الفلكي أم بالرؤية؟ وهكذا.
والحديث الذي يتكرر في هذا الوقت من العام هو: حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وقد كان النقاش من قبل -بحكم محدودية وسائله- علميا إلى حد كبير، حيث كان يقتصر على المجلات الإسلامية، فالمجلات ذات التوجه المشدد في الموضوع، تجعله بدعة، ولا تجيز الاحتفال به، وأبرز هذه المجلات كانت في المملكة العربية السعودية، وفي مصر كانت مجلة (التوحيد) التابعة لجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر، وكانت تشدد في الرأي المانع للاحتفال، في إطار نقاش علمي، يتجاوز في بعض الأحيان إلى خارج هذه المساحة.
وكانت مجلة (الأزهر)، وكثير من علمائه، تتبنى الرأي القائل بالجواز، بل وتخصص عدد شهر ربيع الأول، للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تسير على خطاها مجلات أخرى في مصر والخليج العربي، ربما لأن رؤساء تحريرها كانوا من علماء الأزهر، أو كان كثير من كتابها فيها من مدرسة الأزهر، مثل: مجلة (الوعي الإسلامي) الكويتية، ومجلة: (منار الإسلام) الإماراتية، و(الأمة) القطرية، وغيرهم.
مسألة خلافية لن تحسملكن الملاحظ بعد تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل التعبير الفضائية والرقمية أن دائرة النقاش اتسعت لتخرج بالموضوع عن المساحة العلمية، أو الخلاف الفقهي المقبول، إلى تراشق وتجاوز يدخل في باب التطرف الفكري.
ورغم ميلي الفقهي لجواز الاحتفال، إلا أننا دائما نوضح لكل سائل: أن القضية خلافية، ولم يحسمها -ولن يحسمها- فريق ضد آخر، لأنها قضية مستحدثة بعد عهد النبوة، وهذا الاستحداث جعل النقاش يدور حول هل هذا الفعل بدعة ممنوعة، أم مسكوت عنه، فيدخل في باب الإباحة الشرعية، على مدار أكثر من ألف عام والنقاش يدور حول هاتين المساحتين، لا يخرج عنهما، وكل فريق يحشد ما لديه من نصوص وأدلة، في إطار علمي بحت.
كما أن الفريقين -المحرم والمجيز- كلاهما يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحب لسيرته العطرة، ويترسم خطاه في كل فعل وقول له، وكلاهما لا يبتغي بفتواه سوى التمسك بسنته، فمن يحرم الاحتفال يرى أنه لا دليل في ذلك، والاتباع مطلوب، ومن يجيزه يرى أنه لا دليل يمنع، والاحتفال لون من التذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإحيائها في قلوب المسلمين.
تطرف بعض المحرمين والمجيزين للاحتفالللإنصاف التاريخي فقد بدأ التطرف في الرأي من جهة المحرمين، حيث إنهم غالوا في البيان الفقهي للموضوع، وجعلوه بدعة شديدة، ينبغي محاربتها، وهو ما جرى لسنوات طويلة في البلدان التي كانت تتبنى هذا المذهب، سواء في أصوله أو فروعه.
وبعد ضعف التوجه الذي يحرّم الاحتفال، إثر تخلي الدول التي تتبناه عنه رسميا، ظهرت حالة تطرف مقابل، من فريق يتبنى الاحتفال بالمولد، ولو وقف الأمر عند ممارستهم لذلك لهان، لكنه تطور ليكون معيارا للحكم على المحتفل أو الرافض بحب أو كره النبي صلى الله عليه وسلم، بل غالى بعضهم فاعتبر من يقلد شيوخا يرون منع الاحتفال، أنه يتبع جماعات إرهابية.
وهو معيار غريب، أن يُوصم بدعم الإرهاب من يمنع الاحتفال بالمولد النبوي، لرأي فقهي لديه، أو دليل شرعي معتبر حسب أصول مذهبه وقواعد فهمه، أو لتقليده عالما يقول بهذا الرأي. وهل ستصبح إجازة الاحتفال معيارا لتقييم الجماعات والناس من حيث تصنيفهم إرهابيين أم لا؟ لو اتفقنا على ذلك، فوجب على الحكومة المصرية مثلا أن ترفع اسم جماعة الإخوان المسلمين من قوائم الإرهاب، لأن رأي الإخوان وفعلها طوال تاريخها هو جواز الاحتفال، بل كانوا يعقدون ندوات واحتفالات وسرادقات لذلك.
تطرف تغريدات دار الإفتاء المصريةولو كان من يفعلون ذلك هم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لهان الأمر، لكن أن يصدر كلام قريب مما ذكرناه عن دار الإفتاء المصرية، فهو تطرف في الرأي غريب، فقد نشرت دار الإفتاء على موقعها على موقع إكس (تويتر) ما يلي: (أخي الكريم: هل تعلم أن الفتاوى التي تجيز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بلغت 70% تمثلت في فتاوى صادرة من الهيئات الرسمية المعنية بإصدار الفتاوى في مصر مثل: دار الإفتاء والأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ولم تحرم الاحتفال بالمولد الشريف إلا التيارات المخالفة لمنهج الأمة، وذلك بنسبة 30%).
بل كتبت في تغريدات أخرى، أن الاحتفال بالمولد هو أصدق تعبير عن الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، وشاهد على تعظيم جنابه، وكأن من لم يحتفل فقد حرم من هذا الحب والتكريم، فالرافض للاحتفال يفعل ذلك ويقوله حبا، والفاعل على نفس الحال، فكيف يرتبط الحب بالاحتفال، وكأن من لم يحتفل محروم من هذا الحب، أو بعيد عنه؟!
ومن المعلوم لدى دار الإفتاء المصرية وجميع طلبة العلم الشرعي، القاعدة العظيمة في الخلاف الفقهي التي تقول: (لا إنكار في المسائل الاجتهادية)، فما بال هذا التطرف الغريب، لا يكتفي بالإنكار، بل يتعداه إلى الاتهام بالتطرف، والخروج عن منهج الأمة!
إذا كنا من قبل نرفض تطرف المحرمين، فإن تطرف المجيزين مرفوض كذلك، فليس من المقبول أن يقع الناس بين طرفي تطرف: بين من يرى احتفالهم بدعة وضلالة، ومروقا من التدين، وبين من يرى عدم الاحتفال إرهابا وخروجا عن منهج الأمة، وقلة حب وتقدير للنبي صلى الله عليه وسلم.
إن الأمانة العلمية تقتضي ممن يفتي في هذه الأمور، أن يذكر الخلاف، ثم يرجح أي الرأيين شاء بناء على الأدلة، دون حط من أصحاب رأي، أو تمجيد لآخرين، ذلك لكي يعظم السائل في نفسه أهل العلم والرأي الفقهي، وليس من العقل أن نحول ساحات الخلاف الفقهي لتراشق، واتهام نوايا، وتصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم الاحتفال بالمولد النبوی دار الإفتاء فی مصر
إقرأ أيضاً:
بيان مدى مشروعية المديح والابتهالات النبوية
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة ثابتة منقولة بالتواتر، وهو قربة من أعظم القربات أخذها الخلف عن السلف من غير نكير، وما زالت المدائح النبوية تحبب الناس في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبر العصور، وتُرَغِّبُهُم في اتباعِ سنته والاقتداء بشمائله الشريفة وسجاياه الكريمة، وبها تتنور القلوب وتنشرح الصدور وتزكو النفوس.
وقالت الإفتاء إن مدح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم القربات، وهو من أعظم ما يثبت حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في القلوب، وقد صحّت الأحاديث بأنه لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، وفي حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله مدحت الله تعالى بمدحة، ومدحتك بمدحة. قال: «هَاتِ وَابْدَأْ بِمِدْحَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أحمد واللفظ له والنسائي والطبراني والحاكم وغيرهم.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُعجبه الشِّعر ويُمدَح به، وقد سَمِعَ مدحَهُ بأُذُنِه من حسّان بن ثابت، وعمه العباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، ولم ينكر منه شيئًا.
وورد في "الصحيحين" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ بِحَسَّانَ رضي الله عنه وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَنْشُدُكَ الله أَسَمِعْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ». قَالَ: اللهمَّ نَعَمْ". وبوَّب عليه الإمام النسائي (باب الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد).
وفي "صحيح مسلم" عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ لِحَسَّانَ رضي الله عنه: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ الله وَرَسُولِهِ».
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (16/ 45، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحًا، واستحبابه إذا كان في ممادح الإسلام وأهله أو في هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك] اهـ.
وأكدت الإفتاء أن مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والترخيص فيه سنة ثابتة منقولة بالتواتر، أخذها الخلف عن السلف من غير نكير، وذلك في إطار الحدّ الذي حدَّدَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله في حديث عمر رضي الله عنه عند "البخاري" وغيره: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وفي سياق أخر، تشارك دار الإفتاء المصرية بجناح خاص في الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي تنطلق فعالياتها في 23 يناير وتستمر حتى 5 فبراير 2025، بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس.
تأتي هذه المشاركة تحت رعاية الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
واختارت دار الإفتاء فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي شخصية جناحها هذا العام، تأكيدًا على دَوره الرائد في ترسيخ الفتوى الشرعية والتعريف بالقيم الوسطية، في إطار جهود الدار المستمرة لنشر الفكر الإسلامي المعتدل.
وأكَّد الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية، أن مشاركة دار الإفتاء في هذا الحدث الثقافي الكبير تأتي استكمالًا لدَورها في خدمة المجتمع ونشر قيم التسامح والاعتدال، مشيرًا إلى أنَّ الجناح هذا العام يشكِّل مِنصَّة تفاعلية تُتيح للزوَّار التعرُّف على الدَّور الحيوي الذي تضطلع به الدار في معالجة قضايا العصر من منظور شرعي.
وأوضح أنَّ اختيار شخصية الجناح، فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي، يعكس تقدير الدار لرموزها العلمية التي أسهمت في ترسيخ المنهج الوسطي ودعم قضايا الأمة.
وأضاف المفتي: "نحن نسعى دائمًا لأن يكون جناح دار الإفتاء مساحة تجمع بين العلم والثقافة والفكر الوسطي، حيث نطرح قضايا تتَّصل مباشرةً بحياة الناس، ونعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروِّجها التيارات المتطرفة، مع التأكيد على الدَّور الإيجابي للفتوى في تحقيق استقرار المجتمع."
وأشار المفتي إلى أن إصدارات دار الإفتاء التي سيتم عرضها في جناح الدار بالمعرض تسعى إلى تقديم إجابات علمية وشرعية متعمقة ومتجددة تلبِّي تساؤلات المجتمع وتتصدَّى لمحاولات التشكيك والتضليل، بطرح شرعي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وأضاف أن الجناح يوفر منصة للزوَّار للتفاعل مع علماء الدار، والمشاركة في الندوات، وطرح استفساراتهم بما يُسهم في تعزيز الوعي الديني الوسطي ونشر القيم الإنسانية الرفيعة.
وسيشهد جناح دار الإفتاء في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يقع في صالة (4)، قاعة B 54، العديد من الفعاليات المهمة التي يشارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين.
وتناقش إحدى الندوات الفتوى والمشكلات الاجتماعية، مسلطة الضوء على قضايا الزواج وأهم أسباب الطلاق وسُبل الحد من انتشاره، مع التطرق إلى موضوع كثرة الحلف بالطلاق وأثره السلبي على استقرار الأسرة. كما تسلِّط ندوة أخرى الضوءَ على العلاقة بين الفتوى والدراما، وأهمية تناول القضايا الشرعية في الأعمال الفنية بما يرسِّخ القيم الإيجابية.
وتناقش الندوات أيضًا قضايا المصريين في الخارج، مثل الفتاوى وعلاقتها بالمصريين في الخارج (زواج الأجانب نموذجًا)، إلى جانب موضوعات ترتبط بالفتوى والإعلام، ودَور الفتوى في دعم حقوق ذوي الهِمم برؤية شاملة. كما سيتم تناول الفتوى والاقتصاد، ومسائل تعزيز الهُوية الوطنية والانتماء، والفتوى في العصر الرقْمي وأثر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى قضية المقامرة الإلكترونية وما تمثله من تحدياتٍ شرعية.
كما يضم جناح دار الإفتاء في معرض القاهرة الدولي للكتاب قسمًا خاصًّا يعرض إصدارات حديثة ومتنوعة تعكس جهود الدار في تقديم محتوى علمي رصين يتناول القضايا الشرعية والاجتماعية المعاصرة. وتشمل الإصدارات سلسلة "قضايا تشغيل الأذهان" بأجزائها الثلاثة التي تقدم معالجات فقهية معمقة للقضايا المستجدة. ومن بين الإصدارات أيضًا كتاب "مكونات العقل المسلم ودرجات المعرفة"، الذي يلقي الضوءَ على أُسس التفكير المنهجي، و"نظرات في زكاة كسب العمل"، الذي يقدم رؤية شرعية حول هذا النوع من الزكاة.
وتشمل الإصدارات أيضًا "تاريخ أصول الفقه"، الذي يوثق تطور هذا العلم عبر العصور، بالإضافة إلى موسوعات مثل "الفتاوى الإسلامية"، و"السياسة الشرعية"، و"دليل الأسرة في الإسلام"، التي تتناول موضوعات متنوعة تخدم احتياجات مختلف شرائح المجتمع. كما تضم مكتبة الجناح كتبًا مخصصة للشباب، والمرأة، والصحة النفسية، بالإضافة إلى إصدارات تسلِّط الضوءَ على فتاوى النوازل مثل وباء كورونا، وقضايا الهوية الوطنية، وعلاقة المسلمين والمسيحيين.