الدروس المستفادة من ثورة يوليو 52
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
كانت الأوضاع داخل مصر قبل الثورة تُظهر صورة حالكة السواد فى الداخل والخارج، فكان الاقتصاد متدهورًا بدرجة كبيرة فقد وصل عجز أخر ميزانية للدولة عام 1952 إلى 39 مليون جنيه.
وبالنسبة لأرصدة مصر من الجنيه الاسترليني المستحقة لها مقابل ما قامت بتقديمه من سلع وخدمات وطرق مواصلات خلال الحرب العالمية الثانية، كانت 400 مليون جنيه استرليني لم تسددها بريطانيا حتى الآن.
ولمن يدعون أن الثورة قضت على الليبرالية فى مصر فهل يعقل أن يقيم المستعمر الديموقراطية وحرية التعبير فى بلد يستعمره؟ وهل نسينا محاصرة الدبابات الإنجليزية لقصر الملك فاروق لإسقاط حكومات بعينها وإقامة حكومات يرضى عنها المستعمر، وتكرار إسقاط الحكومات الوفدية رغم فوز الوفد (القديم) بالأغلبية عدة مرات لعدم رضاء الملك على الوفد، وهل هناك ديموقراطية لشعب بلغت الأمية الأبجدية فيه ٧٦% ويعانى الفقر والجهل والمرض ويمشي أغلبه حفاة؟ وكيف لأى منهم أن يترشح لمجلس النواب الذى كان يضع شروطا للترشح سداد ضريبة تعادل مايدفعه مالك ٣٣٣ فدان؟، وهل أصبح من اللائق نقد عبد الناصر لأنه تسرع فى تأميم قناة السويس التى كانت ستعود إلينا عام ١٩٦٨ وأنه كان عليه الانتظار لهذا الموعد فإذا لم يفوا بوعودهم يحق له مافعله بعد أن تم الكشف عن الوثائق السرية لحرب السويس حيث أظهرت أن بريطانيا لم تكن تنوى تسليم القناة لمصر فى موعدها وأنها كانت ستفتعل المشاكل لعدم إعادتها، وإدارتها عن طريق تحالف دولى بقيادة بريطانيا، ولكن عبد الناصر "فاجأنا بالتأميم فأربك حساباتنا"، وهؤلاء الذين يقولون كانت الموضة تظهر فى مصر قبل فرنسا والحلاق يونانى والترزى إيطالى، ومنظر الشوارع التى كانت تغسل بالماء والمنظفات، أقول لهؤلاء وما علاقة أغلبية المصريين بذلك وهم يمشون حفاة وبلا ملابس داخلية؟، وحال القرى التى لم يكن فيها مياه شرب نقية ولا كهرباء؟، كما قصم عبد الناصر ظهر الإخوان المسلمين وواجه مشروعهم (الفقر والغنى من الله وفقير الدنيا هو غنى الآخرة.. كأن الفقير ليس من حقه الحياة الجيدة ودخول الجنة) بمشروعه التنموى الذى ارتقى بمستوى حياة غالبية المصريين وجعلهم يصعدون السلم الاجتماعى، وطور الدراسة فى جامعة الأزهر الشريف، والغريب أن كثيرًا ممن استفادوا من ثورة يوليو هم الأكثر جريًا وراء مثل هذه الأقوال، فلنتركهم للزمن ونتحدث عن أهم الدروس المستفادة من الثورة فى سطور سريعة.
١- أرست فقه الأولويات فى مشروعات التنمية والبناء القائمة على دراسات الجدوى.
٢ - أعادت بناء الإنسان المصرى كصانع للتنمية ومستفيد منها.
٣ - توسيع مشاركة الشباب الذى استفاد من مجانية التعليم فى العمل السياسى من خلال منظمة الشباب الاشتراكى واتحادات الطلاب، وقد انعكس ذلك على قيادة الشباب لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ومشاركته الفاعلة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ومن قبله صنع النصر فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣ عن طريق شباب المتعلمين بالمجانية لاستيعابهم التكنولوجيا الحديثة فى الحرب الإلكترونية داخل الجيش المصرى.
4 - نبهتنا إلى قوة مصر الناعمة وضرورة الإستفادة من رأس مال مصر الثقافى وأهمية دور قصور الثقافة والهيئة العامة للاستعلامات ودور الفن والمثقفين.
5 - أهمية النقد الذاتى فقد كان جمال عبد الناصر دائم النقد لذاته لتطوير تجربة الثورة، وقد ظهر ذلك جليًا بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ فى محاضر اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى ومجلس الوزراء.
6 - ضرورة أن تكون الثورة شاملة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديا وتشمل المناطق الفقيرة وتتوسع أفقيًا وأن يكون لها مردود اجتماعى.
7 - غياب القائد ناصر وغياب الأداة السياسية السليمة سهل الانحراف عن المبادئ والتراجع عن الأهداف.
8 - الحرية والديموقراطية أساس البناء والنصر وليستا معطلتين للتنمية والبناء فقد قال "لقد خوفنا الناس وروعناهم أكثر من اللازم والخائف والمروع لايمكن أن ينتصر".
9 - وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب وفقا لاختيارات تقوم على العلم حيث قال اعتمدنا على أجهزة الأمن فى اختيار القيادات فأتوا لنا بأهل الثقة ولم يأتوا لنا بأهل الكفاءة مما ساهم فى وقوع نكسة الخامس من يونيو وسوء ادارة بعض المصانع والشركات.
10 - التنمية تقوم على الاقتصاد الانتاجى لا الريعى فكان يتم تخصيص ثلث الناتج المحلى الاجمالى للاستثمار فى قطاعى الصناعة والزراعة..
11 - انكفاء مصر على ذاتها وانعزالها عن محيطها العربى والافريقى يعنى إضعافها وإضعاف العرب وأفريقيا.
12- الانحياز لمصالح الغالبية العظمى من الشعب المصرى.
وأخيرًا.. لقد تسلم ناصر الحكم وتعداد مصر ١٩ مليون نسمة منهم ١٥ مليون تحت خط الفقر المدقع وغادر الحكم وتعداد مصر ٣٢ مليون نسمة منهم ٢٠ مليون ارتقوا السلم الاجتماعى وحصلوا على التعليم والعلاج المجانيين وتحسنت دخولهم ويحيون حياة كريمة حيث كانت التنمية مربوطة بتحقيق أهداف اجتماعية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصر ميزانية للدولة الجنيه الإسترليني عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
حكايات يكتبها خيري حسن: رسالة من جابر عصفور للرئيس عبد الناصر
في عام 1965 كان من المفروض - طبقا لآلية العمل الجامعى أن يتم تعيين الطالب جابر عصفور معيدًا بكلية الآداب جامعة القاهرة بعد تخرجه - كان الأول على زملائه بالكلية- لكن ذلك لم يحدث وتم استبعاده - بسبب صراع المصالح بين الأساتذة، حيث تم تعيين طالب آخر غيره من دفعات سابقة، بسبب ذلك الصراع - فلم يجد جابر عصفور وقتها أمامه غير البحث عن وظيفة يخفف بها نفقات أسرته المتواضعة التى تحملت عبء تعليمه طيلة السنوات الماضية.
•••
وبالفعل حصل على وظيفة مدرس في مدرسة أولية ابتدائية في قرية نائية في محافظة الفيوم - تبعد عن القاهرة 90 كم جنوبًا.
وكان كل ليلة وهو يحضر دروس التلاميذ فى المساء يجلس في حزن وغم وندم على حلمه الذي ضاع.. وفى ليلة شتوية باردة مثل هذه الليالي لم ينم حتى كتب خطابًا موجهًا للرئيس جمال عبد الناصر يشكو له الظلم الذى تعرض له من إدارة الكلية.. وبالفعل كتب الخطاب ووضع عليه العنوان التالى: "رئاسة الجمهورية - يصل ويسلم للسيد الرئيس جمال عبد الناصر) وبعدما أغلق الخطاب وضعه بجواره ثم أطفأ لمبة النور ( لمبة جاز كانت نمرة عشرة) ونام حتى الصباح!
•••
صحي من النوم وفتح شباك الحجرة على الشارع.
-- صباح الخير يا جابر أفندي (كان هذا عم عبده البقال صاحب المحال المواجهة له)
وهو يتثاءب جابر عصفور رد:
"صباح الخير يا عم عبده" ثم بعد تحية الصباح استدعاه فجاء مسرعًا له بعلبة سجائر ( بلمونت صغيرة ) ومد يده إليه من الشباك ( الشقة كانت في الطابق الأرضي ) وهو يقول: "اتفضل السجاير يا جابر أفندي"
أخذها منه جابر عصفور ثم مد يده الأخرى إليه وفى يده الخطاب:
"خد ده يا عم عبده وابعته في البوسطة لما يعدى عليك رمضان البوسطجي" تناول عبده البقال الخطاب ونظر فوجد عليه اسم جمال عبد الناصر.
-- " يا نهار مش فايت أنت اتجننت يا جابر أفندى..جواب لرئيس الجمهورية حته واحدة"!
-- رد جابر عصفور: "اه...وفيها ايه"؟
-- فيها ايه؟ بقولك ده جمال عبد الناصر؟
رد جابر عصفور:" هو اللى هيجبلى حقى"!
-- " حاضر يا جابر أفندى" وبالفعل نفذ عبده البقال ما طلبه وأرسل الخطاب!
•••
بعد أسبوع وجد جابر عصفور موظفًا من إدارة جامعة القاهرة جاء إلى محافظة الفيوم في مهمة رسمية للبحث عن المدرس جابر عصفور لمقابلة رئيس الجامعة فى أسرع وقت. وبالفعل عاد معه ودخل لرئيس الجامعة الذى استقبله الفرحة والسرور والترحاب( والكباب)! والأحضان - وهو الذى فشل في اللقاء به من قبل رغم وقوفه على بابه عدة مرات - ثم قال له:" وحشتنى يا جابر يا ابنى..اتفضل على كليتك استلم شغلك.. هي الكلية هتلاقي معيد زيك فين يا راجل" ثم قال بكلمات حانية:" ولو فيه حاجه ابقى كلمني انا على طول..مكتبى مفتوح.. مش لازم يعنى تكلم الريس) ابتسم جابر عصفور وهو يقول: "حاضر يا دكتور" ثم توجه إلى الدكتورة سهير القلماوي ليتسلم عمله في شهر مارس من عام 1966 معيدًا في كلية الآداب جامعة القاهرة..
•••
وعندما أقف أمام هذا الموقف الذي حدث - ومازال يحدث - وسيظل يحدث - أسأل نفسي: "ماذا لو استسلم جابر عصفور ولم يدافع عن حقه؟ وماذا لو لم يصل خطابه للرئيس جمال عبد الناصر؟ وماذا لو أهمل عم( عبده البقال) ولم يرسل الخطاب؟!
أسئلة كثيرة، ومثيرة لكن الجميل فيها هو الإصرار على (الحق ) الذى أوصل صاحبه إلى (الحلم)..
وحول مصير جابر عصفور من ( جابر أفندى المدرس فى المدرسة الابتدائية) إلى أن يصبح الدكتور جابر القيمة والقامة فى النقد الأدبى والثقافة المصرية والعربية.
خيري حسن
-----------------
•• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.
•• المصدر : مجلة العربي - عام 2018
•• الصور:
الرئيس جمال عبد الناصر
الدكتور جابر عصفور.